المرأة العربية ومفارقات القديم والجديد



عبدالقادر عرابي
2004 / 10 / 7

من المسلّم به أن وضع المرأة العربية الاجتماعي قد تغير تغيراً جذرياً عما كان عليه قبل عقدين أو أكثر. ظلّ المنزل، حتى عهد ليس ببعيد، عالم المرأة: تولد، تعيش، تعمل وتموت فيه. إنه عالم ثابت، ترث فيه أدوارها الاجتماعية عن أمها. فهي رهينة المنزل، لا تغادره إلا للضرورة. أما الحياة العامة فليست من شأنها، بل من شأن الرجال: هم القوامون على السياسة والتشريع والاقتصاد، أو كما يقول البعض، البيت مملكة المرأة، والمجتمع مملكة الرجال. هناك إذاً مجتمعان، مجتمع للرجال، وآخر للنساء. في ظل هذه الظروف ظل التغير الاجتماعي محدوداً بحدود الجنسين، بمعنى أن الهوية الجنسية للذكر أو الأنثى هي في الوقت نفسه هوية اجتماعية. المرأة ترث أدوارها عن أمها، وكذلك الابن عن أبيه.
لكن عالم المرأة اليوم غير عالم الأمس، فبفضل التربية والتعليم والعمل تبدلت أحوالها، فتزايد عدد المتعلمات والعاملات، وصارت المرأة العربية تشارك إلى حد ما في الحياة العامة. كما تراجع جزئياً سلطان العادات والتقاليد الذي كان يكبلها ويحدد دورها ومركزها الاجتماعيين. لقد دخلت ميادين جديدة، كانت وقفاً على الرجال دون النساء، وتغيرت معها صورتها الاجتماعية، وإلى حد ما، الاتجاهات والأنساق القيمية الموروثة.
ومع هذا التغير، فإن ما يتسم به وضع المرأة العربية المعاصرة هو الهوة بين التغير المادي والثقافي، أو بين الوجود المادي والوعي الاجتماعي للمرأة العربية. إننا نتطلع إلى التحديث التقاني والاجتماعي، وإلى محاكاة القيم الاستهلاكية الغربية، لكننا نرفض في الوقت نفسه، تحديث الأنساق القيمية، لا سيما ما يتعلق منها بالمرأة العربية، الأمر الذي يعمق الهوة بين الأنساق القيمية التقليدية والمعاصرة ويجعل كثيراً من العادات لا يماشي التطور، وإنما يعوقه.
لا ريب في أن هذه الهوة اجتماعية وعامة، غير أن وطأتها على النساء أشد منها على الرجال، وتختلف نسباً عما اصطلح عليه أوبغرن بـ ((التخلف الثقافي))، بمعنى اختلال التوازن بين الحضارتين المادية والثقافية بسبب الاكتشافات العلمية والاختراعات التقانية. إن المسألة لا ترد هنا، بالمقام الأول، إلى هذا الخلل، بقدر ما ترد إلى الازدواجية القائمة بين البناء المادي المتغير والبناء الثقافي الثابت نسبياً. لقد تغيرت ثقافتنا وعاداتنا، لكن هذا التغير لم يكن تغييراً حقيقياً بالمضمون، ((وإنما كان أقرب إلى التغيير المظهري الشكلي مع استمرار بقايا ثقافة وتقاليد الأسرة العشيرة والأسرة الممتدة)).
لا ريب في أن أسباب هذه الهوة متعددة وقائمة في التطور التاريخي للمجتمع العربي نفسه، ويرد بعضها إلى تقليدية المجتمع العربي، نقصد بها قوة التمسك بالعادات والتقاليد، والتشبث بالقديم على حساب الجديد. فثمة عادات عفّى عليها الزمن، لكنها لم تفقد وظائفها، ذلك أنها متأصلة في التراث والثقافة، وتدخل في تكوين الشخصية الاجتماعية العربية. ويرد البعض الآخر إلى البنية الأبوية للمجتمع العربي، كما ينبغي أخذ المتغيرات التاريخية والدينية والتربوية والسياسية في الحسبان. وهكذا ساهمت العادات والتقاليد في مقاومة التغير، وفي إفشال الحركات السياسية التجديدية المعاصرة، وفي ازدواجية الشخصية العربية من خلال التناقض بين الثقافة والواقع.
أثرت هذه الهوة في مركز المرأة الاجتماعي، خصوصاً في مشاركتها في عملية التغير الاجتماعي، وفي دورها ومكانتها الاجتماعية