أخلاق



باتر محمد علي وردم
2004 / 10 / 11

مشهد يحدث في مجتمعنا يوميا: فتاة تعمل في مؤسسة خاصة يشترط فيها أن تكون "حسنة المنظر والهندام"-حسب شروط التوظيف- تنهي عملها في المساء وتنزل إلى الشارع لركوب المواصلات والعودة إلى بيتها بعد نهار مرهق. الفتاة تساهم بشكل رئيسي في ميزانية المنزل في هذه الظروف الاقتصادية السيئة. وفي اللحظات القليلة التي تكون فيها في الشارع باحثة عن وسيلة مواصلات تحدث أمور عديدة:
1- بقال أمام محله يقوم بغش المواطنين عن طريق التلاعب بلوائح انتهاء صلاحية السلع يبدأ بإطلاق موعظة أخلاقية طويلة لزبائنه عن تردي الأخلاق عند الناس، فكيف تخرج الفتاة من منزلها بهذه الصورة وتقف في الشارع لتسبب الفتنة في المجتمع؟
2- مقاول مشروع بناء البناية الجديدة على جانب الطريق يضع نسبا مخفضة من حديد التسليح في البناية ليأخذ لحسابه الخاص باقي الكمية المتفق عليها، يهز رأسه عجبا من تردي الأخلاق ويؤكد لصاحب البناية أن اولاد الحلال أصبحوا أقلية، وهو منهم طبعا!
3- سمسار أراضي يأتي بزبون ليريه قطعة أرض جميلة لكنها ليست نفس الأرض التي سيبيعه إياه، يؤكد للزبون أن الأخلاق والصدق هي أهم ما في الحياة والتعامل مع الناس، ويقدم الفتاة كمثال على تردي الأخلاق!
4- سائق الباص العمومي ومساعده "الأزعر" كادا أن يتسببا بكارثة مرورية وهما يندفعان من يسار الشارع إلى يمينه لايقاف الباص عند الفتاة والطلب منها الركوب، وعندما ترفض يبدأ وابل من الشتائم حول تدهور الأخلاق في البلد من سائق الباص الذي يترك ورائه عشرات الذكور الباحثين عن مقعد في الباص!
5- الشيخ ذي اللحية الطويلة لم يستطع أن يغض بصره عن الفتاة، فهو يحاول تأمل تفاصيلها جيدا حتى تساعده في الصور التعبيرية التي يستخدمها في الموعظة حول مقاومة تردي الأخلاق، وفي الوقت نفسه يفكر بكيفية "الستر عليها" هي بالذات بعد أن رفض قبل قليل الاقتران بقريبته الدميمة الفقيرة!
6- الشاب المنفلت الذي نجح في امتحان الثانوية العامة بمعدل منخفض واشترى له والده سيارة حديثة قام بالتشحيط والتزمير إلى جانب الفتاة واستمالتها، وعندما طلبت منه احترام نفسه ونظرا لارتفاع مستوى الشهامة والحساسية لديه، انزعج من انخفاض مستوى الأخلاق في البلد!
7- سائق التاكسي الذي يشغل عدادا خاطئا يغش الركاب يقوم بالتزمير المتواصل للفتاة ، ثم يضطر إلى الوقوف لراكب آخر فيشرح له عن سوء الأخلاقفي هذا المجتمع.
8- موظف علاقات عامة في إحدى المؤسسات يتفق مع صاحب صالة مؤتمرات على حجزها بمبلغ يقل كثيرا عن الفاتورة التي سيقدمها لشركته، وعلى باب الصالة وأثناء الوداع يؤكد الشريكان على أن الأخلاق في البلد قد تدهورت عندما يسمح للفتيات بالسير في الشوارع بهذا الشكل.
9- ميكانيكي قام بتخريب السيارات التي جاءته طوال اليوم أكثر من تصليحها حتى يعود إليه الزبائن مرة أخرى، يطالب من الفتاة أن تبتعد عن باب محله لأنه باب رزق وهو مهتم بسمعته لأنها رأسماله!
10- الشاب الملتزم بالشرف وعادات مجتمعه ينزل إلى الشارع بعد أن ضرب أخته وشتمها بسبب صورة لها مع زملائها في الكلية في وقت التخريج بدأ يطارد الفتاة ويسمعها كل أنواع الكلام البذئ لأنه يعتقد أنها صيد سهل لمجرد وجودها في الشارع وأن بنات الناس الآخرين ليس لهم شرف.

نحن، كشعب لدينا تصور عجيب عن الأخلاق حيث ننتهكها يوميا بتصرفاتنا السيئة ونصبح ملائكة عند الحديث عن المرأة ونعتبرها الشيطان الذي يتسبب في كل المشاكل التي نعاني منها، وهذا هو أسوأ أنواع انفصام الشخصية والكذب على النفس، فنحن نستخدم المعايير المزدوجة بشكل بشع في كل تفاصيل حياتنا الاجتماعية.