وزارة الداخلية تضطهد المرأة السعودية



علي فردان
2004 / 10 / 13

قرار وزارة الشؤون البلدية والقروية حول الانتخابات النصف بلدية لم يذكر منع المرأة من المشاركة فيها كمواطنة تقوم بالتصويت أو بترشيح نفسها. إضافةً إلى ذلك فإن القرار لا يجب أن يكون في يد وزارة الشؤون البلدية والقروية أصلاً، لأنها جهة تنظيمية لا تشريعية. المستهجن هو تصريح وزير الداخلية السعودي بأن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية غير واردة، فتوقيع المملكة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لا تُساوي الحبر الذي كُتِبت به.
وزارة الداخلية وعبر عقود من الزمن أصبحت المشرّع في كل القوانين الداخلية والمسيطر على كل الوزارات تقريباً، فبدل أن تكون وزارة تنفيذية لقوانين يسّنها مجلس "شورى منتخب" وتخضع لقرارات وزارة العدل في مجال الحرّيات والمقاضاة والمحاكمة، أصبحت تسّن القوانين لوحدها وتُقاضي وتُنفّذ. وإذا ما تعلّق الأمر بالمرأة، فوزارة الداخلية ليست فقط حجر عثرة، بل هي مصدر كل بلاء يقع على المرأة في السعودية.
المرأة ليست فقط مهضومة الحقوق في السعودية، بل كائن لا ينتمي للبشر، فهي تابع، وربما كصديق مثل الكلب، عفواً، لربما الكلب له صفات الإخلاص والمرأة لم تصل إلى هذا المستوى بعد، وهي محلّ شك دائم في كل سكناتها وحركاتها. المرأة تتحرّك في هذا المجتمع المريض، كما في لعبة الأطفال، فهي لا تستطيع عمل أي مجهود إلاّ بإذن، ولا يحق لها الحصول على جزء بسيط من حقوق "الكائنات الحية"، إلاّ أيضاً بإذن، وهذه القوانين لم تأت من المجتمع، بل من وزارة الداخلية، فهي أول من حجّم المرأة وانتهك حقوقها بحجة "الخصوصية والعادات والتقاليد".
من المخجل أن نتحدث عن حقوق للمرأة في هذا الزمن، وهنا لا نتكلم عن حقوق غريبة "شركية وكفرية"، بل من الحقوق البسيطة، مثل حقّها في العمل والدراسة، حقّها في التحرّك وقيادة السياّرة، حقّها في التصويت والترشيح دون إذن "ولي الأمر". فكما يستطيع "ولي الأمر" الأكبر التصرّف في حياة المواطنين، فولي الأمر "الأصغر" يتحكم في حياة "كائنات" أقلّ منه درجة في التطور، فهي خُلِقت لأجله. قصص كثيرة تتحدّث عن مهازل الوضع المزري للمرأة من حيث وضعها، وأتوقف عند وضع المواطنين، عفواً، (الرعية) في هذا الوطن، فهم يعيشون مرحلة الجاهلية، مرحلة "السادة والعبيد" والسادة هم "أولياء الأمر من آل سعود" والباقي عبيد، والمرأة تعيش حالة استعباد أسفل العبيد، فولي أمرها حقيقةً عبد آخر ولكنه يتمتع بصفات الذكورة.
لا يستطيع الإنسان إلاّ التوقف عند هذه القرارات الغريبة على أقل تقدير، قرارات تصدر من جهات غير مخوّلة يتحدّث فيها شخص واحد عن أمّة، يتحدث هذا الشخص وهو لا يملك من التعليم والثقافة التي تعادل طالب ثانوية، وربما أقل من ذلك بكثير، "ليفتينا" في أن المرأة لن يتم السماح لها بالانتخاب ولا بالترشيح. تصوّروا أن أستاذة جامعية تقرأ هذا الخبر، مسؤولة في وزارة التربية والتعليم، أو سيدة أعمال، طبيبة، كاتبة أو شاعرة، تصوّروا أن العديد من هؤلاء النسوة حصلن على درجات علمية عالية ورأين وسمعن وربما عشن فترة من حياتهن في دولة متحضّرة، تصوّروا شعور هذه الإنسانة عندما يأتي شخص يتحدّث عن حقوقها وكأن "بها عاهة مستديمة لأن الله خلقها أنثى وليس الذكر كالأنثى" لا تستطيع الدفاع عن نفسها، فقط لأن الذكر يملك "القوة" التي تُخوّله من إصدار هذه القرارات الجائرة.
وزارة الداخلية ليست الوحيدة في هذا الشأن، بل حتى وزارة الخارجية والدفاع، فقد صرّح وزير الدفاع قبل فترة عن أنّ الانتخابات لا تصلح لنا لأن الناس ربما ينتخبون جاهلاً أو أُمّياً. الموضوع الأكثر إحباطاً هو اختفاء أي صوت من مجلس الإفتاء الأعلى الذي ما انفك يفتينا في البوكيمون وبيع الورود والعباءة الكتّافي، ما انفك يفتينا في النمص ولبس البنطال وصبغ الشعر، لكنه لا يستطيع الفتوى في حقوق المرأة لأنه أولاً مجلس متخلّف لا يصلح لهذا العصر ويرأسه مجموعة من المتطرّفين، وثانياً هذا المجلس لديه قناعة بأن ولي الأمر هو من يملك صلاحية إصدار قرارات حتّى لو خالف ذلك قوانين الإسلام والإنسانية. هنا أيضاً يجب أن نتوقف عند وزارة العدل والتي من المفترض أن تكون جهة تشريعية، فلا يوجد لهذه الوزارة أي صوت في موضوع الانتخاب وكأن الموضوع لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد. إذا كانت هذه الوزارة تعتقد بالمساواة وتعتقد بنـزاهة القضاء وأن عقاب الجريمة يجب أن يكون بوجود نص، فالسؤال هو ما هي جريمة المرأة حتى يتم منعها من التصويت أو الترشيح؟
مهزلة الوطن هي أكبر من أن يتصوّرها إنسان عاقل، فقد وصلنا إلى وضع تقدّمت علينا فيه نساء أفغانستان بمشاركتهن في الانتخابات قبل أيام وكذلك في قطر واليمن ودول أفريقية وغيرها، وكأن بقية المجتمعات مخلوقة من نار ونحن مخلوقون من طين، فهم شياطين ونحن آدميين، ولهذا لا يُقاس بتجربة الإنسانية بل بتجربتنا فقط. نسينا مبايعة نسيبة بنت كعب (أم عمارة) للرسول صلى الله عليه وآله ودفاعها عنه في غزوة أحد حين انفض عنه المسلمون بعد انتشار شائعة قتله صلى الله عليه وآله وسلم، ونسينا هجرتهن إلى الحبشة، مشاركة النسوة في الحروب الإسلامية وكذلك في رعاية الجرحى، ونسينا وصول العديد منهن إلى درجات عالية من العلوم المختلفة. بل العديد من العلماء والمفكّرين يرى ما يحصل في عالمنا العربي والإسلامي نكسة بكل معانيها تخالف ما كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أراد الاستزادة فعليه قراءة ما كتبه المفكّر الإسلامي جمال البنّا عن الإسلام والإصلاح الديني والمرأة وكذلك ما كتبه العلاّمة والمفكّر الإسلامي البارز الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله حول إمكانية مشاركة المرأة في الأمور السياسية والاقتصادية للمجتمع، بل أضاف إلى مشاركتها في الانتخابات النيابية والبلدية وتولّيها لمناصب تمثيلية في المجلس النيابي والبلد والترشح في الانتخابات وكذلك تأسيس الأحزاب والحركات السياسية المشروعة وقيادتها أو المشاركة فيها، والانتماء إلى الأحزاب والحركات السياسية والقيام بأنشطة حزبية سياسية والتصدي لتولي مسؤولية عامة قيادية إدارية أو وزارية، والتصدي لرئاسة الدولة في المجتمع المسلم.
من يقرأ الوضع العام في السعودية بجوانبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية يرى خللاً أكبر من أن يرقعه راقع لأن ما يُطلق عليهم "النخبة" تناقش بديهيات لم تستطع الخلاص منها، بدل من نقاش أمور أكبر وأهم مثل تردّي مستوى المعيشة وغياب المجتمع المدني والحريّات وغياب الدستور. تناقش النخبة أمور مثل بطاقة المرأة والسفر بمحرم أم لا، وركوبها سيارة الليموزين وحدها، مع أنه لا يوجد حل آخر لأن المرأة كائن ناقص لا يستطيع الخروج وحده، وربما تُناقش النخبة قريباً هل المرأة إنسان أم دابّة خلقها الله ليستخدمها "الرجل" في حلّه وترحاله. تناقش أمور انتهى العالم المتحضر منها وأكّدها الإسلام قبل مئات السنين وهي الحقوق المتساوية بين الرجل والمرأة، وأحقية المرأة في الانتخابات جزء من هذه الحقوق مع أنها انتخابات تافهة ناقصة وقاصرة والمرشّحين فيها لن يكون لهم دور عملي لأنهم كأحجار الشطرنج يتم تحريكهم من أعلى، ومع ذلك يتم حرمان أكثر من نصف المجتمع من المشاركة فيها. البعض لازال يأمل بأن خطوة مثل الانتخابات البلدية ستؤدي إلى خطوات قادمة أكثر "تحرّراً" للمرأة وربما يأتي اليوم ليتم السماح للمرأة بالمشاركة فيها "كعضو مراقب" قبل أن تستطيع ترشيح نفسها أو الانتخاب، وهذا ربما يحتاج إلى مائة عام أو أكثر، وكأننا نريد اختراع العجلة من جديد.