تعدد الزوجات بين الواقع و القانون



امغار محمد
2011 / 3 / 4

طرحت مسألة تعدد الزوجات الكثير من التساؤلات على المستويات الفكرية والقانونية باعتبارها إفرازا لواقع تاريخي .

وقد إنطلقت مختلف النظريات والمذاهب والآراء المرتبطة بمسألة التعدد مع معطيات النص القراآني، حيث جاء في سورة النساء الآية 3>.

وقد إختلف الموقف الفكري والقانوني على الصعيد العربي الإسلامي من المسألة باختلاف القراءة والتفسير للآية الكريمة فهناك من ذهب إلى المنع إنطلاقا من تفسير الآية على صيغة إستحالة العدل بين الزوجات. ولقد تبنى هذا الموقف الفكري والقانوني المشرع التونسي الذي نص في مقتضيات المادة 18 من مجلة الأحوال الشخصية على ان تعدد الزوجات ممنوع وأن كل من تزوج وهو في حالة الزوجية وقبل فك عصمة الزواج السابق يعاقب بالسجن لمدة عام وبغرامة أو بإحدى العقوبتين ولو ان الزواج الجديد أي الزواج بالمرأة الثانية لم يبرم طبق أحكام قانون الأحوال الشخصية.

وقد ذهبت أغلب الإتجاهات التشريعية العربية الإسلامية الأخرى إلى اعتماد التعدد على اعتبار أن تعدد الزوجات هو حق للزوج والزوجة الأولى على حد سواء هذه الأخيرة التي ترى فيه حلا لبعض المشكلات المرتبطة بعدم الإنجاب او المرض ومن اجل الحفاظ على تماسك واستمرار الأسرة وبيت الزوجية، ذلك أن الطلاق غالبا ما يؤدي إلى تشرد الأطفال خاصة بعد زواج الرجل بامرأة أخرى وتفضيله أبناءها على أبناء المرأة المطلقة في حالة تواجدهم.

ومن خلال إستقصاء تاريخ مدونة الأحوال الشخصية المغربية نجد أن المشرع المغربي قد ذهب مع الإتجاه الثاني وسمح بالتعدد قبل أن يقيده ويجعله تحت رقابة القضاء وهكذا فإن ظهير22 نونبر1957 المنظم لأحكام الزواج والطلاق كان قد نص في مقتضيات الفصل 30 على أنه إذا خيف عدم العدل بين الزوجات لم يجز التعدد. وأن للمتزوج عليها إذا لم تكن إشترطت الخيار أن ترفع أمرها للقاضي لينظر في الضرر الحاصل لها ولايعقد على المرأة الثانية إلا بعد إطلاعها على ان مريد الزواج منها متزوج بغيرها.وهكذا فإن المشرع في مدونة الأحوال الشخصية في نسختها الأولى كانت قراءات لنص الآية الكريمة بمدلول أخلاقي أكثر منه قانوني بمعنى ان القضاء لم يكن له أي دور فيما يخص المراقبة والإذن بالتعدد ومراقبة إمكانية العدل من عدمه.

وقد ذهب المشرع بعد ذلك في إطار تعديل10 سبتمبر1993 القاضي بتغيير وتتميم بعض فصول مدونة الأحوال الشخصية إلى إدخال بعض الإجراءات القانونية الهدف منها هو تقييد إمكانية التعدد مع السماح به تحت مراقبة القضاء وهكذا ذهبت المادة 30 من مدونة الأحوال الشخصية المعدلة بمقتضى الظهير الشريف معتبر بمثابة قانون رقم 1-93-347 إلى أنه يجب إشعار الزوجة الأولى برغبة الزوج التزوج عليها والثانية بانه متزوج بغيرها، وللزوجة ان تشترط على زوجها ان لايتزوج إذا تزوج فأمرها بيدها، كما ان للمتزوج عليها إذا لم تكن إشترطت الخيار أن ترفع أمرها للقاضي لينظر في الضرر الحاصل لها. وفي جميع الحالات إذا خيف عدم العدل بين الزوجات لايأذن القاضي بالتعدد. كما أن مقتضيات المادة 31 من نفس القانون كانت قد أضافت مقتضى جديد متعلق بإمكانية الإشتراط من الزوجة على الزوج عدم التزوج عليها وهكذا نصت نفس المادة على ان للمرأة الحق في أن تشترط في عقد النكاح ان لايتزوج عليها زوجها وأنه إذا لم يف الزوج به يبقى للزوجة حق طلب فسخ النكاح.

وإذا كان هذه هي المحطات القانونية لمدونة الأحوال الشخصية فيما يخص مسألة التعدد وإذا كان التقييد للتعدد في ظل هذه المقتضيات مرتبط بشرط واحد هو الذي يحدد حق الرجل في تعدد الزوجات هو الخوف من عدم إستطاعته العدل بينهم. أي أن الأمر يتعلق بشعور ذاتي صعب حصره على المستوى القانوني.

فإن المقتضيات الجديدة لمدونة الأسرة جاءت بمجموعة من القواعد الإجرائية والموضوعية رفعت مستوى تقنين وتقييد التعدد من المدلول الخلاقي إلى إلتزام قانوني مراقب مسموح به في حالات إسثتنائية حماية للهندسة الإجتماعية للأسرة داخل المجال الحضري مع الحفاظ على الرخصة المنصوص عليها في الآية الكريمة التي تبيح التعدد مع شرط العدل. وهكذا ولتوضيح المنطلقات التي ركزت عليها اللجنة العلمية التي كلفت بوضع مدونة الأسرة فغن المدونة ذهبت في ديباجتها إلى التذكير ببعض مقاصد فيما يخص معالجة مسألة تعدد الزوجات على المستوى القانوني لذلك نصت ديباجة مدونة الأسرة على انه فيما يخص التعدد فقد تم الإلتزام بمقاصد الإسلام في الحرص على العدل الذي جعل الله سبحانه وتعالى يقيد إمكان التعدد بتوفيره بقوله "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة"وحيث أنه تعالى نفي هذا العدل بقوله، "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" فقد جعله شبه ممتنع شرعا كما أن واضعوا مدونة الأسرة وفي الديباجة ذهبوا إلى أن تشبعهم بحكمة الإسلام المتميزة بالترخيص بزواج الرجل بإمرأة ثانية، بصفة شرعية لضرورات قاهرة وضوابط صارمة، وبإذن من القاضي، بدل اللجوء إلى التعدد الفعلي غير الشرعي، في حالة منع التعدد بصفة قطعية.

وهكذا فإذا كان هذا هو المدخل القانوني وأسباب نزول القواعد الجديدة التي أتت بها مدونة الأسرة في مسألة التعدد فإن قبل الإشار إليها ومقاربتها باقتضاب يجب التذكير بأنه وبعد أكثر من سنتين من دخول القانون الجديد حيز التنفيذ فإن مسألة التعدد لم تطرح بشكل يمكن أن يثير الإنتباه خاصة داخل الحواضر الكبرى والتي أصبح اتلحديث عن التعدد داخلها في ظل المعطيات الإقتصادية والإجتماعية المرتبطة بطبيعة النظام الإقتصادي الرأسمالي واتساع ظاهرة الأسرة النووية وما يرتبط بها من إكراهات لذلك فإن الطلبات المطروحة على القضاء بخصوص التعدد لاتكد تتجاوز أصابع اليد في العديد من أقساك قضاء الأسرة لدى المحاكم الإبتدائية.

وهكذا فإن مقتضيات مدونة الأسرة الجديد نضمت مسألة التعدد في الباب الثاني من القسم الثالث من الكتاب الأول في المواد من 44 إلى46 قد نصت المدونة على مجموعة من المقتضيات الجديدة ذهبت في بعضها إلى حد المنع كالحالة التي يكون فيها شرط في عقد الزواج من الزوجة في عدم التزوج عليها.

وهكذا فإن التعدد يمنع في ظل مقتضيات المادة 44 في حالتين الحالة الأولى هي إذا خيف من عدم العدل بين الزوجات وهي حالة يرجع فيها تقدير مسألة الخوف من عدم العدل إلى القضاء الذي له البحث عن القصد الشرعي في كل ملف يعرض عليه.

أما الحالة الثانية التي يمنع فيها التعدد على الرجل او الزوج فهي حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها في عقد الزواج فإن هذا الشرط يمنع الزوج من التعدد.

وهكذا ففي حالة وجود شرط الإمتناع عن التعدد فإن الزوج الراغب في الزواج بزوجة ثانية يقدم طلب الإذن بذلك إلى المحكمة بمقتضى م طلب مؤدى عنه الرسوم القضائية، ويجب أن يتضمن الطلب بيان الأسباب المبررة للتعدد، ويجب أن يرفق الطلب بإقرار عن وضعية طالب التعدد المادية.

وقد أتت مدونة الأسرة بقواعد إجرائية الهدف منها الحرص على حقوق المرأة المراد التزوج عليها وهكذا فإن المحكمة وطبقا لمقتضيات المادة 43 من نفس المدون ملزمة باستدعاء الزوج المراد التزوج عليها للحضور طبقا لمقتضيات المواد 36 و37 من قانون المسطرة المدنية وأكثر من هذا فإن المشرع وزيادة في الحرص على حماية حقوق الزوجة المراد التزوج عليها فإن المادة43 نصت على انه إذا توصلت الزوجة المراد التزوج عليها شخصيا بالإستدعاء لحضور جلسة البث في الطلب، ولم تحضر أو إمتنعت من تسلم الإستدعاء، فإن المحكمة ملزمة قانونا أن توجه إليها عن طريق عون كتابة الضبط إنذارا تشعرها فيه بأنها إذا لم تحضر في الجلسة المحدد تاريخها في الإنذار سيبث في طلب الزوج في غيابها، كما أنه يمكن البث في الطلب في غيبة الزوجة المراد التزوج عليها إذا أفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن او محل إقامة يمكن إستدعاؤها فيه.

هذا مع العلم ان مدونة الأسرة أحالت مقتضيات المادة 361 من القانون الجنائي التي تعاقب الزوج طالب الإذن بالتعدد إذا كان بسبب عدم توصل الزوجة بالإستدعاء ناتجا عن تقديمه بسوء نية لعنوان غير صحيح أو تحريف في إسم الزوجة، والمتابعة من طرف النيابة العامة تتم بطلب من الزوجة المتضررة.

وبعد الإجراءات المتعلقة بالتبليغ فإن المناقشة تجرى في غرفة المشورة بحضور الطرفين محاميهما ويتم الإستماع إليهما لمحاولة التوفيق وإصلاح ذات البن بعد إستقصاء الوقائع والأسباب الدافعة إلى المطالبة بالإذن بالتعدد وتقديم البيانات المطلوبة، مع العلم ان المحكمة وطبقا لمقتضيات المادة 41 من المدونة لاتأذن بالتعدد، إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الإسثتنائي، أو إذا لم تكن لطالبه الموارد الكافية لإعالة الأسرتين وضمان الحقوق من نفقة وإسكان ومساولة في جميع مناحي الحياة الإجتماعية من مساكنة شرعية ومعاشرة بالمعروف وتحمل مسؤولية تسيير ورعاية لشؤون البيت وغيرها…

وفي حالة ثبوت المبرر الموضوعي والإسثتنائي وتوفرت الشروط الشرعية للتعدد فإن المحكمة تأذن بالتعدد بمقرر معلل غير قابل لأي طعن مع تقييده بشروط لفائدة المتزوج عليها وأطفالهما.

مع العلم انه إذا ثبت للمحكمة من خلال المناقشة بغرفة المشورة تعذر إستمرار العلاقة الزوجية، وأصرت الزوجة المراد التزوج عليها المطالبة بالتطليق فإن المحكمة ملزمة بتحديد مبلغا ماليا كافي لستيفاء كافة حقوق الزوجة من متعو ونفقة ومؤخر الصداق وغيرها وأولادهما الملزم طالب الإذن بالتعدد بالإنفاق عليهم.

هذا المبلغ المالي يجب على طالب الإذن بالتعدد إيداعه داخل أجل لايتعدى سبعة أيام، مع العلم أن عدم إيداع المبلغ المذكور داخل الأجل القانوني المحدد بصندوق المحكمة يعتبر تراجعا عن طلب الإذن بالتعدد يتم على إثره حفظ الملف بشكل نهائي.

وفي حالة إيداع المبلغ من طرف الزوج فإن المحكمة تصدر بمجرد الإيداع حكما بالتطليق، هذا الحكم يكون نهائيا وغير قابل لأي طعن في شقه القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية.

أما إذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعددد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها ولم تطلب التطليق فإن المحكمة تطبق تلقائيا مسطرة الشقاق كما هي منصوص عليها في مدونة الأسرة.

مع العلم انه في حالة الإذن بالتعدد فغن العقد لايتم مع المراد التزوج بها إلا بعد إشعارها من طرف القاضي المكلف بسجل الزواج بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك وهذا الإشعار والتعبير عن الرضى يضمن في محضر رسمي يوضع في ملف الزوجية.

هذه إذن أهم الإجراءات الشكلية والموضوعية التي أتت بها مدونة الأسرة بهدفق تقنين وعقلنة التعدد وفقا إجتهاد وقراءة رزينة للآية الكريمة>.

الرجوع لأعلى الصفحة