تشانغ تشنغ : الطموحات الثورية لقائدة شيوعية ( الفصل الثاني من كتاب : تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتارية العالمية : الماركسية – اللينينية – الماوية. )



شادي الشماوي
2011 / 3 / 7

تشانغ تشنغ : الطموحات الثورية لقائدة شيوعية ( الفصل الثاني من كتاب : تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتارية العالمية : الماركسية – اللينينية – الماوية. )
(مجلّة "عالم نربحه" 1993)
====== فهرس الكتاب =======
المقدّمة العامةّ للمترجم:
الفصل الأوّل: تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتارية العالمية ، الماركسية – اللينينية – الماوية.
1- لنكسر القيود ، لنطلق غضب النساء كقوة جبارة من أجل الثورة !
2- الإمبريالية و الرجعية تضطهدان المرأة و تستعبدانها و الشيوعية تكسر قيودها و تحررها.
3- حركة نسائية من أجل عالم آخر بلا رجعية و لا إمبريالية .
الفصل الثاني : تشانغ تشنغ : الطموحات الثورية لقائدة شيوعية.
الفصل الثالث: مشاركة النساء فى حرب الشعب فى النيبال
1- مشاركة المرأة فى حرب الشعب فى النيبال.
2- مسألة جعل النساء فى مراكز قيادية فى حرب الشعب.
3- مشاركة المرأة فى الجيش الشعبي .
الفصل الرابع: الإعداد للثورة الشيوعية مستحيل دون النضال ضد إضطهاد المرأة !
و تحرير المرأة مستحيل دون بلوغ المجتمع الشيوعي!
- مقدمة للمترجم
1- واقع يستدعى الثورة.
2- الإعداد للثورة الشيوعية مستحيل دون النضال ضد إضطهاد المرأة ! و تحرير المرأة مستحيل دون بلوغ المجتمع الشيوعي!
3- مساهمات فى تغيير الواقع ثوريا.
الفصل الخامس : الثورة البروليتارية و تحرير النساء
1- الثورة البروليتارية و تحرير النساء ...
2- بيان : من أجل تحرير النساء و تحرير الإنسانية جمعاء.
===================================================================

1- مقدّمة:
طوال خمسة عشرة سنة ، كانت تشانغ تشنغ معتقلة من قبل التحريفيين الذين إستولوا على السلطة فى 1976 و رأعادوا تركيز الرأسمالية بالصين و بين أيديهم الخسيسة و الملطّخة بالدماء أتت حياتها إنتهت حياتها فى 14 ماي 1991 فى ظروف مريبة للغاية.
بموت الرفيقة تشانغ تشنغ فقدت البروليتاريا العالمية أحد قادتها الممتازين.
بالنسبة للذين يتجرّؤون على الحلم بالثورة و حتى أكثر الذين يتجرّؤون على القيام بها ، تقف تشانغ تشنغ مثالا قويّا للهجوم بلا خوف على القديم والمتجاوز و مثالا لخطّ طريق جريئ لظهور الجديد عبر كافى الإلتواءات و أحيانا عبر منعرجات دموية فى النضال من أجل ولادة نظام إجتماعي جديد. وقد جعلها تفانيها طوال حياتها فى خدمة قضية الشيوعية – قضية ماو تسى تونغ- تقوم بمساهمات هامّة فى تجربة و فهم الثورة البروليتارية. لقد دافعت بأعماق روحها المتوقّدة عن حق الجماهير فى أن تعصف بالسماوات ، فى أن تتحدّى العادات على الأصعدة كافة. وقد قاتلت لأجل ( و صارعت أولئك الذين لم يفعلوا لأجل) رؤية ماو البعيدة الأثر بصدد تحويل العالم من الأسفل إلى الأعلى و كنس الطبقات و كلّ أشكال الحيف الإجتماعي. منطقلها كان الموقف الإيديولوجي و النظرة الماركسية-اللينينية –فكرماو تسى تونغ.
رغم أنّه بالأساس وقع منعها من لعب دور سياسي علني إلى حدود الستينات ، فإنّ تشانغ تشنغ إتخذت خطوات كبرى فى الإعداد لذلك بتولّيها البحث فى الفنون و مجالات أخرى بما فى ذلك حركة الإصلاح الزراعي. وفى الصراع الحاد داخل الحزب إثر القفزة الكبرى إلى الأمام ،تقدّمت لتساعد بنشاط ماو و الثوريين على دفع الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. فقد صعدت بسرعة و حماس إلى القمم التى تطلّبتها منها الفترات الرائعة التى تطلّبتها منها الفترات الرائعة للثورة الثقافية بما جعلها تقف فى الصفوف الأمامية ضاخّة طاقة سياسية شديدة و مقدّمة قيادة لها و مشجّعة الشباب الثائر و مقدّمة إرشادا عمليا للشعب المتعطّش لإحداث تجديدات إشتراكية و سرعان ما أضحت تشانغ تشنغ قائدة ضرورية لليسار الثوري.
نضالها ضد التحريفيين الذين كانوا يهيمنون على مجالات هامّة من الثقافة و التعليم بسط لها الطريق للإطاحة بهم خلال الثورة الثقافية. لقد ناضلت للتقدّم بالمرأة معا بكسر الحواجز أمامها و بتقديم نموذج قويّ هي ذاتها. كقائدة ممتازة للحزب الشيوعي الصيني خلال العشر سنوات الأخيرة الرائعة من حكم البروليتاريا ، صارت أكثر إنغماسا فى الصراع الطبقي الحاد فى صفوف الحزب ، مكافحة بإستمرار من أجل تعزيز الطابع الثوري و الخطّ الصحيح فى ظلّ قيادة ماو و من أجل الدفاع عن خطوات الثورة الثقافية إلى الأمام و من أجل تركيزها التام و تعزيزها.
إنّ الجماعات التحريفية فى صفوف الحزب الشيوعي الصيني آملة فى كلّ منعرج من الصراع الطبقي و كلّ تجميع قوى أن تحطّم الخطّ الثوري لماو و أن تركّز الرأسمالية و أن تجرّ الصين فى طريق بيع نفسها للإمبريالية مرّة اخرى، قد جمعت قواها بعد موت ماو و إعتقلت تشانغ تشنغ و أتباع اليسار فى أقلّ من شهر بعد ذلك. كان على أتباع الرأسمالية فى الحال أن يقضوا على المعارضة. و فى البداية تظاهروا بأنّهم ورثة ماو و صوّروا تشانغ تشنغ و اليسار على أنّهم التحريفيين و المرتدّين و أعداء ماو. ( فقط لمغالطة الشعب حتّى أكثر وضعوا بعض "عناصرهم غير الراضين عنها" فى المحاكمة مع مجموعة الأربعة- كما جرت تسميتها هي و أقرب رفاقها). و شوّهوا سمعة تشانغ منظّمين حملة باطلة للتشكيك فىكلّ حياتها، حملة مسنودة بإستعراض قمعي و إستعراض للقوّة بغية بثّ الخوف فى أتباعها لثنيهم عن الإلتزام بالخطّ الثوري فى وجه إنقلابهم التحريفي و إستيلائهم على سلطة الدولة. لكنّها رفضت أن تركع لهجماتهم الغادرة و إزاء تهديداتهم تحدّتهم بأت يقتلوها مواصلة مع رفيقها الثوري تشانغ تشون –تشياو رفع الراية الحمراء ببسالة و الدفاع عن حقّ القيام بالثورة و فضحهم التحريفيين و نظامهم الإجتماعي فى محاكمتهما التاريخية سنة 1980.
2- ثائرة على العادات :
منذ أن نزعت رباط رجليها كفتاة صغيرة ، صارت تشانغ تشنغ ثائرة. لقد نشأت فى صين قطّعتها القوى الإمبريالية ، فى أيام الفقر البربري جين كما قال ماو تسى تونغ " [كانت] الأشجار عارية مثل الناس لأنّ الاناس كانوا يأكلونها." و فى ظروف القمع الإقطاعي الذى فيه "كانت النساء الفلاحات تنتظر طويلا أن تعاد ولادتها ككلاب لغاية أن تكون اقلّ بؤسا"(1) .
و المناطق التى كانت تسيطر عليها ألمانيا فى مقاطعة شانتونغ أين ولدت لي تشين ( مثلما كانت تسمى حينها) ضمن عائلتها عائلة حرفي فقير فى 1914، إفتكّتها اليابان خلال الحرب العالمية الأولى كموطئ قدم للدخول للصين بأسرها. أبوها ، صانع عجلات، كان يفرغ جام غضبه من الفقر بضرب زوجته و أبنائه إلى أن هجرته أمّها للعمل كخادمة لدى إقطاعي. و تذكر تشانغ تشنغ دائما أنّها جاعت و لكنّها كانت أفضل حظّا من غيرها بإعتبار أنّها تمكّنت من الإلتحاق بالمدرسة. وقد قالت لمحاور إنّ الدرس الذى كانت تكره أكثر من غيره فى المدرسة الإبتدائية كان التثقيف الذاتي فى الأخلاق الكنفيشيوسية ( أو كيف يجب الخضوع للسلطة)،و إنّها كانت تُضرب لإستغراقها فى أحلام اليقظة. و تذكر إشمئزازها و روعتها كطفلة ترى رؤوسا للمديوينين مقطوعة معلّقة على أعمدة و أصوات إعدام السرقة الذين سرقوا غذاءا تتردّد فى أذنيها الصغيرتين( 2) .
وصارت تشانغ تشنغ مهتمة بالمسرح بداية حين فى عمر الخمسة عشرة سنة ، درست فى مدرسة فنّ المسرح التجريبي التى تسيرها الحكومة و قد وقع قبولها لا لشيئ إلاّ لأن عدد الفتيات المسجّلة لم يكن كافيا. لكن المدرسة أغلقت أبوابها بعد مدّة قصيرة تحت ضغط جيش الإقطاعيين الموجود فى مدينة تسينان فقصدت هي و بعض الأساتذة و التلامذة بيكين كعضو من فرقة مسرحية متجوّلة. فى 18 سبتمبر 1931 إستولى الإمبرياليون اليابانيون مندشوريا فكان حدث موكدتن ذاك المنعرج السياسي الأوّل لتشانغ تشنغ. و منذ الصغر كرهت الإحتلال الغربي لبلادها بيد أنّها الآن قرّرت أنّ عليها أن تتخذ موقفا. و سرعان ما إلتحقت برابطة الجناح اليساري للمثلين ( الذى كان تحت قيادة الحزب الشيوعي) فى تسينغتا و عملت ككاتبة فى مكتبة فى الجامعة و طفقت تقرأ للينين.
مع أصدقاء لها ،شكّلت فرقة المسرح الساحلي التى توجّهت إلى الريف لتعرض مسرحيات معادية لليابان و لتقدّم عروضا لجماهير المناطق "السوفياتية" التى ركّزها الجيش الأحمر الصيني . فإكتشفت الفقر الذى لم تشاهده أبدا فى المدن و فهمت أنّ الفروقات العميقة بين أهداف قوى الكيومنتانغ القومي و اهداف الشيوعيين ليست مسألة أكاديمية. فدافعت تشانغ تشنغ عن خط " المقاومة الشاملة" ردّا على الإعتداء الياباني و بدات تُعرف " كمصدر مشاكل" فى أوساط الجامعة التى كانت تتحرّك ضمنها.
فى الواقع ،لم تحصل تشانغ تشنغ إلاّ على سنوات ثمانى من التعليم الرسمي بما فى ذلك خمس سنوات فى المدرسة الإبتدائية رغم أنّها إعتادت حضور دروس الجامعة التى كانت ترغب فى حضورها. و كما وصفت هي ، تعلّمت أكثر من "التربية الإجتماعية" ،من مدرسة التجربة التى غبتدأت بالنسبة لها فى 1933 لمّا قصدت الحزب الشيوعي الصيني الذى كان ينشط حينها سرّيا و قُبلت عضويتها. فى الفترة المضطربة من الثلاثينات ، قرّرت انّ القيام بالثورة أهمّ بكثير من كتابة القصائد و المقالات.
مع ذلك عندما بُعثت تشانغ تشنغ لتعمل فى شنغاي فى ربيع 1933 ،تبيّن لها أنّه من الصعب جدّا أن تكون عضوا نشيطا فى الحزب . تحت هيمنة أهمّ خصم سياسي لماو ، وانغ مينغ خطّه الإنتفاضي بالمدن، وقع تقريبا تفكيك شامل لهيكلة الحزب هناك وكانت الإنتهازية مستشرية (3). عديد قادة الحزب الشيوعي الصيني أولئك إن لم يكونوا متعاونين مباشرة مع الكيومنتنغ ن كانوا يستعملون القوى المفعمة نشاطا المنجذبة إلى الشيوعية من ضمن مئات الآلاف من الجناح اليساري للمثقفين النازحين إلى المدينة المختلطة لحماية أنفسهم من الشبكات المنظّمة للمخدّرات التابعة للكيومنتنغ.
كانت المهمّة الأولى لتشانغ تشنغ فى شنغاي مع فرقة العمل و الدراسة بالمدينة عينها. صارت ممثّلة مسرحية تقوم بدور فى عديد المسرحيات التقدّمية التى كانت تدعو الشعب للدفاع عن الصين ضد اليابان. و أثناء المهمّة التالية كأستاذة مدرسة ليلية ،زارت عديد المصانع و عاينت عن كثب الظروف البائسة لعقود العمل بالمصانع بالخصوص فى معامل النسيج الكبرى على ملك اليابان و فى مصانع التبغ على ملك بريطانيا. إعتقلها الكيومنتنغ ( ب "إعانة" صديق قديم لها تحوّل إلى مرتدّ عن الحزب الشيوعي الصيني و إلتحق بالمخابرات السرّية) و سجنت لثمانى أشهر ؛ على الأقلّ ، تتذكّر ، أنّ مدة سجنها علّمتها بعض الدروس حول كيفية مغالطة سجانيها من الكيومنتغ بمظاهر خارجية.
أن تشارك كممثلة فى فلم فى الثلاثينات كان يعنى أن تذهب ضد العادات على المستويات كافة. فقد كان التمثيل محتقرا و يعدّ عملا للنساء " المخسورات" و الراديكاليات إجتماعيا. كانت الممثّلات عُرضة للتنكيل الشخصي المنتشر بهدف تحريك "الغرائز" الإقطاعية لضحاياهم و دفع النساء إلى الإنتحار أمر متكرّر الحدوث. كان الكاتب الشهير لوهسين الذى كان له تأثير كبير فى تلك الفترة و الذى كان متعاطفا مع الشيوعيين ،كان أحد المعلّمين المتميّزين لتشانغ تشنغ.و قد تطرّق فى عديد مقالاته لهذا المشكل و تطرّق أيضا إلى قضية تحرير النساء عموما ، لا سيما مقال معنون " الأب شيئ مرعب" تحدّث فيه عن المعاملة غير العادلة للمرأة فى الفنّ و عن الهجمات الصحفية المعادية للنساء( 4) .
فى أواسط الثلاثينات ،كان ماو و الجيش الأحمر يخوضان المسيرة الكبرى .و غدت تشانغ تشنغ أكثر غنغماسا فى تمثيل الأفلام بالأساس للحصول على لقمة العيش ووجدت أنّ المجال لا تزال تهيمن عليه كلّيا هوليود بإستثناء بعض الأفلام الديمقراطية. كذلك كتبت بعض المقلات فى الجريدة اليسارية "التنوير" . إثر الإعلان الخاطئ فى الصحف عن إختطافها ( للضغط عليها كي تنتحر) ، ندّدت بهذا التهديد الشخصي فى مقال بجريدة بشنغاي إختارت له من العناوين "رسالتى المفتوحة". وفى 1937 ، قبل تحرّك اليابات لإطلاق القنابل على شنغاي بقلي، مضت تشانغ تشنغ إلى الشمال إلى جانب قيادات جيش المشاة الثامن التابع للحزب الشيوعي الصيني فى سيان حيث طلبت هي و العديد من الشباب الراديكاليين الآخرين للإلتحاق بقاعدة الجيش الأحمر فى يانان ، على بعد 300 لكم من الطريق الجبلي.
3- يانان : طالبة لدى ماو و رفيقة دربه :
رغم أن تشانغ تشنغ إلتحقت بالحزب قبل سنوات ، فإنّ كلّ شيئ فى قصّتها يبيّن أن فترة يانان هي التى مثّلت قفزة سياسية و إيديولوجية حقيقية بالنسبة لها. لقد حضرت محاضرات ألقاها ماوتسى تونغ و إلتحقت بمدرسة الحزب بينما كانت تعمل و تعدّ دروسا فى فى آكاديمية لوهسيو للأدب و الفنّ ( التى كانت ضمن نشاطات أخرى تدرّب فرقا مسرحية لتخدم الجبهة) لم يعد التمثيل نشاطها الأساسي فبإعتبار وصولها خلال هدوء مؤقت للحرب ، تمرّنت عسكريا طوال ستّة أشهر و شرعت بجدّية فى دراسة الماركسية-اللينينية. كان ماو مهتمّا بعمق بمسائل الثقافة و ذهب يبحث عن نقاشات أدبية و سياسية مع الملتحقين الجدد و تشانغ تشنغ من جهتها غدت طالبة متحمّسة لدى ماو. فى أواخر 1938 تزوّجا . و أنجبا بنتا لى ناي نشأت مع طفلة أخرى لماو ، لى مين.
فى باقة الورود التى قدّمتها خلال تشييع جثمان ما وفى 1976، يُقرأ على إهداء تشانغ تشنغ " من طالبتك و رفيقة دربك". طوال ال38 سنة من الزواج نعتت علاقتها بالرئيس على هذا النحو و رغم أنّ العواصف السياسية التى واجههاها معا كانت كثيرة و متنوعة ، فإنه خلال الأياّم العسيرة التى عاشاها فى إقامات الأغوار التى تقاسماها فى يانان و خلال السنوات الأخيرة من حرب التحرير التى كان يقودها ما وفى الشمال الغربي للصين ، خلال ذلك تعزّزت قفزات التقارب تلك.
زوّار غريبون يصفون جوّ الحرب الشيوعية ذات الروح الجذرية لتلك الأيام الشاقة بيانان حين إختلط القادة الشيوعيون بيسر بالفلاحين ، كان الشباب و المتقدّمون فى السنّ يرقصون معا و كان الجنود يسهمون فى إنتاج الغذاء ، حين كانت الحياة بسيطة نسبيا و منظّمة حول الهدف الوحيد لخوض حرب الشعب الثورية و حين كانت بذور مجتمع جديد خضراء نضرة تبدأ فى النموّ. وكما كان أحد شعارات ماو المكتوبة على الجدران القديمة لينان يقول " بمعزقة على كتف و بندقية على الكتف الآخر سنصبح مكتفين ذاتيا فى الإنتاج و سنحمى اللجنة المركزية للحزب!".
غير جلي إلى أية درجة تدخّلت اللجنة المركزية للحزب فى زواج ماو بتشانغ تشنغ لكن نُقل بصفة واسعة أنّ بعض قادة الحزب قبلوا ذلك شرط ألاّ يسمح لتشانغ تشنغ بأن تنهض بدور سياسي علني وهي وضعية قيّدت مبادرتها لعدّة مرّات خلال السنوات التالية بعد كسب التحرير و بداية مهام الثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي بجدّية.
إلتحقت تشانغ تشنغ بمجموعة إنطلقت فى القيام بستّة أشهر من العمل اليدوي فى جبال نانيوان كجزء من مشروع مطالبة بالأرض و المجموعات المكتفية ذاتيا التى شرع فى بعثها ما وفى 1939 لتشجيع الإنتاج فى المنطقة. وعملت كذلك كسكريتيرة خاصّة لدى ماو لمدّة من الزمن و شاركت فى ندوة يانان الشهيرة حول الأدب و الفنّ على أساس تلك المهمّة ( 5 ).
وسمح لها ماو الذى كان يشدّد دوما على كتابة مقالاته بخطّ يده فقط بأن تقوم بهذه المهمّة فى وقت منعه المرض من الكتابة و لكن فى هذا العمل قالت إنّها كانت منكورة الإحترام الكامل من قبل الرجال الآخرين فى قيادة الحزب الشيوعي الصيني. و رغم مشاكل مقاومة مرض السّل خلال بدايات الأربعينات ، فإنّ تشانغ تشنغ درّست الفنون الدرامية فى آكاديمية لوهسيو و قادت إنتاج مسرحيات تنادى الجماهير لمقاومة الإعتداء الياباني كانت تعرض أمام السكّان المحلّيين و على الجبهة .
فى مارس 1947، قذف تشانكاي تشاك يانان بالقنابل مضطرّا قيادة الحزب للخروج منها. فعملت تشانغ تشنغ كمرشدة سياسية للفيلق الثالث فى مسرح الشمال الغربي حيث قالت إنّ تمّ خوض أصعب سنوات حرب التحرير من مارس 1947 إلى جوان 1949. و تلك الفترة هي التى ألهمت الأعمال الجديدة الشهيرة التى تطوّرت خلال الثورة الثقافية- لحن بيانو النهر الأصفر ،و إثنتان من الأوبيرا الثورية – المصباح الأحمر و شاتشيانغ. تتذكّر حرارة الجماهير و دموع إبتهاجها حين كانت هي و ماو يزوران بعض القرى عبر طريق سيرا على الأقدام كما تتذكّر العذابات التى تكبدوها لحمايته برفض نطق إسمه علنيا.
فى إنسجام مع "بيان العشر تين"لماو الذى نادى فيه كلّ الشعب لإلحاق الهزيمة بتشانكاي تشاك و لتوحيد الأمّة كانت إحدى مهامها تنظيم حملة لإعادة التذكير بعذابات الماضى ضمن الفيالق و تطبيق "الثلاث مراجعات" الشيئ الذى كان يعنى مراقبة تطبيق قواعد نظام تصرّف الجيش الأحمر كما تركّزت فى قواعد الإنضباط الثلاث و نقاط الإنتباه الثمانية(6) . و بعيد ذلك، مع إنتشار كتيّب ماو "الديمقراطية الجديدة " عبر الصين إنطلقت حملة أشمل لتعزيز الجيش جزئيا كإعداد للإصلاح الزراعي. و قادت تشانغ تشنغ كذلك فرقة نقاش كجزء من عمل وحدة دعاية متحرّكة. ثمّ حين كانت دولة الديمقراطية الجديدة ترسى فى بيكين فى ربيع 1949، غلتحقت بسكريتارية الحزب.
تروى تشانغ تشنغ إستغلال ما يتوفّر لها من وقت بين المواجهات مع العدوّ لتتجمع مزيد المعلومات عن الوضع الإجتماعي و السياسي و كذلك العمل السرّي فى خوض الإصلاح الزراعي. فعلمت بقصّة إمرأة من مقاطعة ساحلية خلال تلك الفترة حيث كان التسرّي منتشرا ، و روتها بما هي قصّة ذات دلالة . إقطاعي إضطرّ خليلاته العديدة للقيام بأعمال حقيرة مثل حمله على كرسي مصنوع من أماليد مجدولة و بأعمال كلّ الحقل ،كان مكروه بشكل خاص. خلال الإصلاح الزراعي، ندّدت به خليلاته على الملأ محطّمة إيّاه و تبعا لذلك تحصّلت كلّ منهنّ على قطعة من أرضه للعمل بها كأرض على ملكها.
4- الإصلاح الزراعي و البحث الإجتماعي :
قدرة تشانغ تشنغ على تطوير معرفتها كناقدة ثورية و الدفاع عن خطّ بروليتاري فى الفنون و كذلك قيادة الآخرين فى المجال الثقافي كانت جزئيا متجذّرة فى تجربتها فى القيام ببحث جسور وواسع النطاق فى الخمسينات بينما كانت تناضل بصرامة ضد القوى التى أرادت الإبقاء عليها غير مرئية و صامتة. مع دراستها و تطويرها المسائل السياسية و افيديولوجية المعنية ،فإنّ ذهابها للعمل ضمن الجماهير لتحسين معرفتها الأوّلية للظروف و المشاكل التى يواجهها الفلاحون و العمّال الذين كانوا يقاتلون لتثوير المجتمع أكّد أنّه ذو فائدة كبيرة خلال الصراع مع الفنّنين بعد عشر سنوات من ذلك حول كيفية تحديد المميّزات الثورية لهؤلاء الأبطال الجدد المعوّضين للإقطاعيين و التعبير عن المرحلة الصينية و لا ننسى قدرتهاا على إتخاذ موقف صحيح فى الصراع الطبقي الدائر رحاه فى المستويات العليا للحزب.
و قد أرهقتها الحرب و المشاكل الصحية العديدة ، بُعثت تشانغ تشنغ إلى موسكو أكثر من مرّة خلال العشرية التالية لفترات طويلة للمعالجة الطبّية بإعتبار أن غالبية المستشفيات الصينية دمّرت فى سنوات الحرب. يبدو أنّ الأعداء السياسيين لماو رأوا كذلك هذا طريقة للإبقاء عليها بعيدة عن طريقهم. تذكر أنّه وقع رفض السماح لها بالعودة إلى بيكين فى أواخر الخمسينات حتى حين لم يكن الأطبّاء فى موسكو يفعلون أي شيئ لتحسين وضعها الصحّي و كادت تمون جراء سرطان عنقيّ.
تتذكّر تشانغ تشنغ إبتهاجها بأخبار الهجوم الشامل لجيش التحرير الشعبي ضد الباخرة الحربية الالباقية ، آميثست ، فى أفريل 1949 و التى سمعتها بالإذاعة السوفياتية. و بعيد تأسيس الجمهورية الشعبية فى خريف 1949 رجعت إلى بيكين و قامت بمخططات للبحث فى بعض المناطق الريفية قرب شانغاي حيث كان يطبّق الإصلاح الزراعي . بعدُ خلال الحملة الشمالية الغربية تحصّلت على بعض التجربة واضعة سياسة ماو الفلاحية الثورية موضع الممارسة – قائدة الفلاحين للإطاحة بالإقطاعيين و إعادة تقسيم الأرض.
إثر تعطيل رحلة منظّمة رسميّا إلى المناطق الريفية خارج شنغاي من قبل بعض المرتدّين فى الحزب المراقبين للمنطقة الشرقية الشايعة ( على ما يبدو أنصارا لوانغ مينغ غير معروفين لدى الحزب تحوّلوا إلى الكيومنتنغ) وجدت تشانغ تشنغ نفسها مضطرّة للتعويل على ذاتها للذهاب إلى المدينة الصناعية يوسيه فى مقاطعة كيانغسو. هناك درست أرضية المنطقة و نظام تملّك الأرض و الإقتصاد المحلّي قبل زيارة الريف المحيط. لقد علمت أنّ الفلاحين لم يكونوا قادرين على الإكتفاء الذاتي فى الغذاء و أنّهم كانوا يخصّصون جزءا من أرضهم لإنتاج الشاي و الحرير فى مقابل الحصول على الأرزّ. و ظلّت فوضى الإنتاج الموروثة عن فترة الإحتلال الياباني تمنعهم من الحصول على الغذاء الكافي.
بعد بضعة سنوات زارت ما كان يسمّى "الإقليم المثالي" للكومنتانغ حيث رغم أنّ " النساء تقوم بغالبية العمل" بينما كان الرجال يقامرون و يشربون الشاي ، فإنّه لم يكن مسموح لهنّ بالحراثة . "لذلك ذهبت و حرثت بنفسي" ، قالت. اللامساواة المادية بين الرجال و النساء كانت أيضا اكثر بروزا فى الريف نسبة للمدن. و لو أنّ الإصلاح الزراعي وزّع الأرض على الجنسين على أساس المساواة ،فإنّ مثل هذه القوانين نُفّذت بتفاوت. كانت النساء تحصل عادة على قطع أصغر أو أرض أوسأ و بسبب ثقل إضطهادهن لم تناضل النساء ضد ذلك. عادة ما كان الرجال يستفيدون من ذلك كذلك لرفض إقتسام وسائل الزراعة و للإبقاء على أسوأ الأعمال للنساء مقابل أبخس الأجور رغم سياسة الحكومة الجديدة فى الأجر المتساوي لعمل متساوي ، التى ركّزها الحزب الشيوعي.
إصلاح الزواج المجرى فى 1950 كان بالأساس لحماية المرأة و إعطائها حرّية الإختيار و حقّ الطلاق. و كما وصفت تشانغ تشنغ فإنّ الممارسات القديمة و الأفكار التقليدية من الصعب الإطاحة بها و تواصل الزواج المترتّبفى عدّة مناطق . و قصدت تشانغ تشنغ بعض القرى فى هذه الفترة للإعانة على تسوية خصومات الطلاق و غعطاء توجيهات للجان الحزب المحلّية لتعلّم مسك هذه المسائل المتفجّرة و لخلق رأي عام للإقناع عوض إتباع مطالب الجماهير بحلول أكثر تناقضا مثل احكام الإعدام فى خصومات من نوع الطلاق مثلا.
و كانت تشانغ تشنغ على إستعداد للمساهمة فى الصراع الطبقي لأجل تحويل الرّيف الصيني و فى خريف 1951 برزت مع مجموعة عمل لمتابعة تطوّرات الإصلاح الزراعي فى منطقة ويوهان على نهر اليانغسي. و بينما كان ماو يسندها كان آخرون من أعلى أجهزة الحزب يعارضون هذا الإلتحام بالجماهير (7) و أنزلوها هي و حرّاسها من القطار قبل أن تصل إلى الريف . رافضة الإستسلام أخذت تشانغ تشنغ حرّاسها و نظّمت معهم بحثا على حسابها فى منطقة صعبة جدّا كانت قبلُ مدافعة شديدة عن الكيومنتنغ خلال السنوات الطوال لحرب الشعب و كانت بصفة إستثنائية معارضة للإصلاح الزراعي(8) .
كان للإصلاح الزراعي منعرجاته و إلتواءاته. وقد حدّد ماو الثلاث جبال الكبرى – الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية و الإمبريالية- كهدف بما يعنى فى الريف التركيز على الطبقة الإقطاعية و المتسلّطين المحلّيين الذين كانوا يسيرونمنظمات الإقطاعيين. وعاملة مع السكّان كانت فرقة تشانغ تشنغ تعزل الثماني أو ال20 بالمائة من أتعس المنتهكين للقانون و بالإستناد إلى قانون الإصلاح الزراعي قدّموهم إلى المحاكمة. لقد تذكرت صعوبة كبح غضب الجماهير بعد إندفاعها ضد هؤلاء المتسلّطين المكروهين: فى مناسبات كان على مجموعة العمل أن تحميهم من الضرب حدّ الموت فى المكان نفسه و أحيانا كانت مجموعة العمل ذاتها عرضة للهجمات الجسدية أثناء السيرورة. وقد قدّمتهم مجموعة العمل إلى محكة الشعب للحكم عليهم أحيانا بالموت. إثر ذلك كان تقع إعادة توزيع الأرض و الأملاك المنتقلة و لهذا كان يزم القيام بتحليل طبقي. كان التوجّه العفوي ينزع نحو توسيع الأهداف الإجتماعية بمعنى أن الفلاحين المتوسطين ( الذين كانوا يملكون عموما قطعا صغيرة غير ذات بال) يقع إنتزاع أملاكهم أو أنّ الفلاحين الغنياء تقع تسميتهم بالإقطاعيين لكن بعض "الأخطاء اليمينية" أيضا ظهرت مبقية الإقطاعيين خارج الكُلاّب. وشدّدت تشانغ تشنغ على أنّ الطبقية تميّز منطقة عن منطقة اخرى لذلك يتعيّن تطبيق القوانين الفلاحيةبشكل مختلف. فى تقسيم ملكية الإقطاعيين ، شجعت مجموعة الحزب "إنفتاح الفكر" و أن تأخذ كلّ كلّ أسرة فقط ما تحتاج إليه. وقد دفعتها الصورة التى جمّعتها عن تلك اليام حيث كان الإقطاعيون يتهادون للباسهم عديد العباءات و البدلات بغية إنقاذ أكثر ما أمكن ممّا جعلهم لا يقدرون على التزحزح تحت عبئها!
لأجل تطبيق عمل الإصلاح الزراعي ، درست مجموعة تشانغ تشنغ الماركسية-اللينينية و حاولت إتباع تأكيد ماو على ضرورة " التنظّم". إثر توزيع الأرض ،كرّسوا أنفسهم لهذه المهمّة مركّزين حكومة محلّية جديدة و ديمقراطية و منظّمين إنتخابات لجمعيات الفلاحين.
لمّا جمّع ماو جملة من المقالات فى "النهوض الإشتراكي للريف الصيني" لغاية خلق رأي عام فى صالح التعاونيات فى 1955 ، كتبت تشانغ تشنغ كذلك مقالا سمته " هل يحصل الشعب على ما يكفى من الأكل مو مؤن الحبوب؟" و شارحة جزئيات الحاجيات الفردية ،دافعت عن مؤن الحبوب فى المدن إذ وجدت مقاومة شديدة لإعادة تنظيم الإنتاج فى الريف.
5- التجرأ على الذهاب ضد التيّار :
إستعملت تشانغ تشنغ الفترات الطويلة التى بعثت فيها لإستعادة صحّتها من عدد جدّي من الأمراض للتوسّع فى القراءة حول مواضيع عريضة المجالات مركّزة على "الصراع السياسي الأساسي بين العدوّ الطبقي و بيننا" كما عبّرت عن ذلك هي ذاتها. ركّزت على كتب و مقالات جديدة و مختارة من ضمن أهمّ المواد التى أًعدّت ليقرأها ماو مشيرة إلى ما تعتقد أنّها المواضيع المفاتيح. و تكلّفت بالبحث فى المسائل العالمية بالخصوص. و حين بقي إلى جنبها فى شتاء 1953 سهرت على إبقائه مطّلعا على ما يجدّ من أحداث و قرأت له الصحف و البرقيات (9). وفى 1954، عثرت على مقال كتبه طالبان ناقدين الرؤى البرجوازية لأستاذ معروف على أنّه مختصّ فى تاريخ القصّة فى القرن الثامن عشر، حلم القاعة الحمراء. و جعلت ماو يطّلع عليه فأوصاها بأن يُعاد طبعه فى "دورية الشعب" . و بدأت تتحقّق من الأمر و إكتشفت أنّ كلّ من الجرائد الأدبية اليومية و "دورية الشعب" رفضتا نشره لأنّه كان مكتوبا من طرف "أشخاص نكرة" و ليسوا أهلا للخوض فى الأدب.و لقيت تشانغ تشنغ نفس ردّة الفعل من قسم دعاية اللجنة المركزية. فأصدر ماو توجيها ناعتا المقال ب " الهجوم الجدّي الأوّل فى الثلاثين سنة" ضد ما يسمّى بخبراء القصّة.
و قد كشفت بعدُ تشانغ تشنغ عن شبكة من عديد الأعمال الأخرى المدافعة عن الطبقات الإقطاعية و البرجوازية القديمة و نبّهت ماو إليها. و من بين تلك الأعمال " داخل محكمة تشنغ" شريط عن إنتفاضة البوكسر فى 1900 كان يصوّر الفلاحين كجهلة و متوحشين بينما كان يعظّم سلطان الماندتشو الذى يمثّل الأرستقراطية الليبرالية .عارضت تشانغ تشنغ توزيعه و تشجيعه كفلم "وطني" ( من قبل ليوتشاوتشى ضمن آخرين) و حين شاهده ماو نعته بفلم خيانة وطنية.
حين ظهرت " قصّة ويوهسون" قبلا فى 1950 إبّان حركة الإصلاح الزراعي فضحت الشريط كمعبّر عن مطامح البرجوازية و رسالته الأساسية التى كانت تدعو للتحرير و النجاح الإجتماعي عبر التعليم و كذلك موقفه التوفيقي تجاه الملاّكين الإقطاعيين. و كان ويوهسون شخص عالة على المجتمع أنقذ بإنتباه كلّ قسط من المال أمكن له إنقاذه مستخلصا أرباحا منه من لدى الإقطاعيين و المرابين إلى أن تحصّل على ما يكفى لإشتراء ملكية و بناء مدرسة تقدّم تعليما مجانيا للأطفال الفقراء. حين قال تشويانغ نائب وزير الثقافة إنّه يتضمّن بعضا من الإصلاحية أغلقت تشانغ تشنغ فجأة الباب قائلة " إذا واصل فى إصلاحيتك!". رغم أنّ حتى ماو إعتقد فى البداية أنّها يمكن أن تكون تضيع وقتها ، نقّبت فى بحث طال ثمانية أشهر فى حياة و أسطورة يوهيوسن؛ و قد أرادت أن تكون فى موقع تقديم نقد موثق جيّدا و الشروع فى مهاجمة ركائز هذا الخطّ البرجوازي و المدافعين عنه فى حقل الفنّ.
فى البداية حاول تشويانغ الحيلولة دون تشانغ تشنغ و تحقيق مشروعها هذا بيد أنّه لمّا أخفق أرسل سكريتيرا ليكون مساعدا لها و ليخرّب العمل فى مقاطعة شانتونغ حيث كانت أسطورة يوهسون قوية بشكل خاص. و تبيّن أن ّ إقطاعي محلّى كان يشجّع على نمط يوهسون فى صفوف الناس و كلّما تعمقت أكثر فى إتباع الماضى كلّما إكتشفت جذوره الطبقية. و قد نادت السكّان المحلّيين للمساعدة علىا التوصّل إلى قمة "روح" يوهسون. وإكتشفت أنّه لم يكن فحسب إقطاعي له عشيقات عدّة بل أيضا وقعت ترقيته لمعارضته الإنتفاضات الفلاحية المنتشلرة و التى زلزلت غرب البلاد.
وبعثت بتقارير للرئيس و شرعت "جريدة الشعب" فى نشر نتائج البحث فظهرت مجموعات "إكتشاف جديدة" مناقضة و أصبح النقاش حول نمط يوهسون مسألة إجتماعية واسعة الإنتشار فى 1951. كتب ماو ذاته إفتتاحية ل "جريدة الشعب" مرتكزة على تقرير تشانغ تشنغ مشيرا إلى "درجة الإختلاط الإيديولوجي الذى بلغته حلقاتنا الثقافية الريفية! فى نظر عديد كتّاب التاريخ التطوّر ليس تعويض الجديد للقديم بل إمتصاص أي مجهود للمحافظة على القديم من الإندثار ، ليس عبر الصراع الطبقي للإطاحة بالحكّام الإقطاعيين الرجعيين الذين يجب الإطاحة بهم و إنّما عبر إنكار الصراع الطبقي للمضطهَدين و إخضاعهم لهؤلاء الحكّام على طريقة يوهيوس".و دعا إلى نقاش للشريط ولمقالات مرتبطة بقصّة يوهيوس ( 10).
رغم أنّها لم تكن معروفة لدى الجماهير فإنّ تشانغ تشنغ قامت بمساهمات مبكّرة فى هذا المجال الذى كان تقريبا تقريبا حكرا على المثقفين البرجوازيين و تحت هيمنتهم بمساندة من تحريفيين فى الصفوف العليا للحزب الشيوعي الصيني. وبينما كان شو وانغ ينتحب أنّها كانت "تزعج" الكتّاب و الفنّانين ، كان يشغلها مشكل آخر هو أنّه ثمة ملايين الفلاحين الذين يقومون بجهود ثورية جبّارة لتحويل الفلاحة و العلاقات الإجتماعية فى الريف و كان بإمكانهم مشاهدة ربّا فلم واحد أو مسرحية واحدة فى السنة. هل سيكون عن الأباطرة وزوجاتهم اللامعين الذين سحقوا إنتفاضاتهم و عن اٌطاعيين المتغطرسين الذين يكدّسون الأموال أو ستكون الشخصيات الجديدة من جماهير الشعب الكادح المضحية بدمائها و حياتها لتغيير المجتمع؟
لقد رفضت تشانغ تشنغ أن تتراجع عن النقاش و متسلحة بتحليل ماو منذ الأربعينات للفنّ و السياسة ، ساعدت على تحطيم سلام المجالات المحرّمة التى إلى حينها قلّما وقع تحدّيها و اقلّ من ذلك وقع تحويلها من قبل الثورة و إستعملت هذا النقاش لتفضح تفكير الكتّاب و الفنّانين المتجاوز و المتمسّك ب "معايير" الماضي . وإلى جانب ماو ، شجعت " الأشخاص النكرة" الحيويين على توبيخ "السلطات" الرزينة و المحافظة و الشروع فى تطوير الرؤى بصدد إبراز الإيديولوجيا البروليتارية و ألبطال الثوريين.
هدير الرعد هذا فى الحقل الثقافي لعقد قبل إندلاع إعصارات ربيع الثورة الثقافية كان تماما مندفع بمبادرة ما وفى 1957 لإثارة المسائل المتعلقة مباشرة بالبناء الفوقي- حملة " لتتفتّح مائة زهرة ولتتنافس مائة مدرسة". و أكّد ماو : إنّنا بصفة مفتوحة و ليس بصفة مغطّاة كما أعلنّا ندعو الأعشاب السامّة للظهور ليمكننا نقدها بصفة أفضل. "الصراع الطبقي واقع موضوعي مستقلّ عن إرادة الإنسان... لا يمكن تجنبه حتّى و لو أراد الشعب ذلك. الشيئ الوحيد الذى يجب القيام به هو إستغلال الوضع على أحسن وجه و قيادة الصراع نحوالإنتصار." (11)
6- الهجوم على البناء الفوقي ...و حرّاسه :
مع نهاية الخمسينات ، كان الصراع السياسي داخل اللجنة المركزية يحتدّ بصفة مثيرة. إذ صار الطريقان ، الخطّان أوضح فأوضح – دفع بناء الإقتصاد الإشتراكي إلى الأمام و تثوير المجتمع كلّه أم التوقّف و "مراوحة المكان" مثلما تريده العناصر البرجوازية ، أولئك القادة القدماء "المتشبّثين" بالمرحلة الديمقراطية البرجوازية و تطوير الرأسمالية. إضافة إلى ذلك عزّز نداء خروتشاف إلى الغولاش عوض الشيوعية بشدّة الخطر التحريفي داخل الصين.
و خلال الإجتماع العاصف للمكتب السياسي فى لوشان سنة 1959 ، كتب ماو إلى تشانغ تشنغ جوابا أحضره للردّ على معارضة وزير الدفاع بنغ تاه –هزاي للتسريع فى التحويل الإشتراكي . و كان بنغ تاههواي على وشك التعرّض للإطاحة به كممثّل قيادي لخطّ داخل اللجنة المركزية كان يؤيّد تشكيل جيش عصري مثل جيش الإتحاد السوفياتي ( و يعارض إنشاء ميليشيا شعبية) وهو خطّ مرتبط بهجوم واسع على تحويل التعاونيات الفلاحية فى القفزة الكبرى على الأمام بإسم تشجيع الصناعة الثقيلة و البناء العسكري(12). و رغم أنّ ماو سعى إلى إيقافها محذّرا إياها من أنّ الصراع الحاد جدّا سيتطلّب منها الكثير بالنسبة لصحّتها العليلة ، فإنّ تشانغ تشنغ ألحّت على الإلتحاق به فى الإجتماعات لغاية الفهم التام للوضع.
فى بدايات الستينات ، تركّز الصراع حول كيفية تقييم القفزة الكبرى إلى الأمام و حركة التعاونيّات عموما. و إندفع ليوتشاوتشى قائد معارضة ماو و اهمّم مثّلى عناصر الحزب المتبعة للطريق الرأسمالي ، إندفع بصفة مفتوحة أكثر مناديا لمزيد الدوافع المادية للإنتاج الفلاحي و توسيع الحقول الخاصّة و مزيد من السواق الريفية( الرأسمالية) إلى آخره. و ليس صدفة أن شرع لي وفى القيام بزيارات إلى ضريح كنفيشيوس. و مع انّ ماو و المعسكر البروليتاري كانا فى قيادة الحزب بصلابة عموما ، فإنّ القوى البرجوازية المعشّشة أكثر فأكثر فى الصفوف العليا للحزب كانت قويّة و خلقت بقوّة را]ا عاما قصد إفتكاك السلطة. كان هؤلاء التحريفيين يمسكون بقوّة بنظام التعليم و الفنون وهي مجالات مفاتيح لنشر إيديلوجيتهم و التأثير على الجماهير.
أعدّ اليسار لهجوم مضاد و بدأ فى خلق راي عام موال له ليوجه هجوما كبيرا ضد البرجوازية داخل الحزب. و إندفعت تشانغ تشنغ فى معارك سياسية إلى جانب ماو. و أخذت تنشر مقالات بإسمها الخاص فى بعض جرائد النساء و الشباب و كذلك توجّهت نحو الجماهير فى 1963 كجزء من حركة التربية الإشتراكية التى هي معركة ماو الهجومية ضد التحريفية و الممارسات و اتلتفكير البرجوازيين و التى كانت مقدّمة للثورة الثقافية. و دعا ماو الكوادر و الفنّانين و الكتّاب فى المدن إلى الذهاب نحو الريف و للتعلّم من الجماهير . و فى افجتماع العام العاشر للجنة المركزية الثامنة فى 1962 ، إتخذ قرار بعد صراع طويل للسماح لتشانغ تشنغ بتحدّى لجنة بلدية بيكين الممسوكة بقوّة من قبل التحريفيين برئاسة عضو من المكتب السياسي و رئيس بلدية بيكين بنغ تشان ( الذى كان مسؤولا عن تركيز السياسة الثقافية الوطنية). كان هؤلاء هم الذين يراقبون عددا كبيرا من صحف الصين و مسارحها و حلقاتها الثقافية و الذين أنشؤوا مدرسة فكرية (معارضة لدفع ماو نحو مزيد تثوير المجتمع و مدافعة عن جمع الممتلكات بإسم التعصير) كانت مؤثّرة فى أوساط المثقفين عموما.
لقد خلقوا مأوى للكتاب البرجوازيين الجدد مثل يوهان مؤلّف مسرحية "هاي جيو إستقال من العمل" التى ظهرت فى 1961 و كانت بمثابة إحتجاج على إقالة بنغ تاه-هواي من زارة الدفاع من قبل فى 1959 ، إحتجاج مغلّف فقط بتشبيه رفيع بعصر ديناستية المنغ. و كانوا أيضا مشجعى عامود صحيفة يسمّى "قرية ذات ثلاث عائلات" يهاجم ماو و خطّه بسخرية (13). لو نقد الثوريون الكتابات و الإنتاجات الدرامية المشجّعة من قبل البرجوازة الجديدة و التى كانت تعمل بنشاط لتطبع الحياة الثقافية و الفكرية عامة بنظرتها الطبقية ، فإنّ مثل هذا النقد يُراوغ بنقد ذاتي غير صريح أو مقالات مضادة تمسّ المسائل الثانوية.
إتسع هذا المأزق بفعل أنّ اليسار لم يكن يستطيع حتى نشر أغلب ما أراد نشره و بإختصار كان عليه أن يُعوّل جزئيا على قنوات داخل الجيش تحت إمرة لين بياو. و بعد وقت قصير ، بداية 1966 تحوّل ماو لنعت مركز وزارة الدعاية ب " قصر أمير الجحيم" – " يجب الإطاحة به! الإبقاء على الناس دون علم يخدم مصالح الأباطرة.و من مصلحتنا فتح أعين الناس "(14).
سعت تشانغ تشنغ لأن تنقد " هاي جبو إستقال من عمله" التى كتبت و نشرت فى بيكين لكن هذه المجموعة أقامت سدّا و حالت دون ذلك فى كلّ مكان. و فى النهاية كتب كاتب شاب كان يعمل تحت قيادة تشانغ تشنغ و ماو وإسمه ياوووان الذى أصبح نشيطا أثناء الحركة المعادية لليمين التالية لحملة المائة زهرة ، كتب نقدا لاذعا لهذه المسرحية. و امكن نشر النقد فقط فى شنغاي فى البداية و ليس قبل نوفمبر 1965 حين نعته ماو ب"إشارة إنطلاق "الثورة الثقافية. و سعت مجموعة كتاب بيكين عندئذ أن تقبر الخلاف الهائل الذى إندلع عبر الفوارق الدقيقة التاريخية الأكاديمية و حتى إستعملت الإبتعاد عن المؤلّف (ة و نائب رئيس بلدية بيكين) يوهان لأجل إنقاذ مواقعها هي.
7- ثورة فى أوبيرا بيكين :
كانت مجموعة من كبار "الأخصائيين" المدافعين عن مسرح و موسيقى الإقطاعية و البرجوازية بصفة مبكّرة تتحكّم فى غالبية الفنون و كان وضع الأوبيرا الأتعس ضمنها. و هذه الهيمنة على مجالات هامة من البنية الفوقية من قبل ثلّة من البرجوازية الجديدة مرتبطة بالتحريفيين فى الصفوف العليا للحزب كانت إنعكاسا للتحويل غير الكامل للقاعدة الإقتصادية للمجتمع الذى بينما كان عامة إشتراكيا لا زال بعدُ يحمل مظاهرا رأسمالية هامّة. و الحقيقة العميقة التى أغناها ماو – أنّ الصراع السياسي للقيام بالثورة يجب أن يتمّ فى البنية الفوقية فى مجال الأفكار، و القيم و العادات و الثقافة- ظهرت بتحدّى امام الطبقتين البروليتاريا و البرجوازية الجديدة المدفوعتين فى الصراع.
خلال عقد من حكم البروليتاريا ، إتخذت خطوات جبّارة فى تحويل تخلّف الصين شبه الإقطاعية و شبه المستعمَرة فوقع تحويل أساسي للملكية الفردية عبر مشركة و تأميم الصناعة و منذ أن خرجت الصين من غيوم السيطرة الأجنبية كان الإقتصاد ككلّ مرتكزا على تلبية حاجيات الشعب و ليس على ملئ خزائن الإمبريالية. تحطّمت حلقات الفقر و الديون المرهقة للكاهل ووقع كنس الجوع و الجهل بشكل أساسي. و بدأت المرأة تدخل المدارس باداد أكبر و تساهم بأكثر نشاط فى الحياة الإنتاجية و السياسية. وفى نفس الوقت ، كانت الإختراقات فى مجالات متنوعة تعرقَل جزئيا أو كلّيا من قبل خطّ تحريفي و ثقل الإضطهاد الماضي.. لم يكن ذلك فى أي مكان أوضح منه فى ما يتصل ب"الثلاث الإختلافات الكبرى" بين المدينة و الريف ،و العمالو الفلاحين ،و العمل اليدوي و العمل الفكري. وفى 1964 ، نعت ماو قسم الصحّة العمومية ب"وزارة صحّة السادة المدنيين".
فى بعض المصانع كانت الإدارة التى يقودها التحريفيون تدفع العمّال للحدّ من النقاشات السياسية إلى ثلثين دقيقة يوميا حتى لا يتوقّف الإنتاج. و مثلما بيّن التحليل العميق لتشانغ تشنغ للحقّ البرجوازي فى أحد مظاهره أنّ الملكية فى الريف جماعية و ليست "بأيدى الشعب بأسره " وهو وضع سهّل وجود التيارات الرأسمالية.(15)
و ابعد من ذلك كانت نوعية الأرض مختلفة بصورة كبيرة بين الكمونات المختلفة منتجة أفضليات للبعض. و هذا التناقض بين افشتراكية و بقايا شبه الإقطاعية إضافة للرأسمالية الجديدة النشوء ينعكس كذلك بوضوح فى الصراع المتصاعد و الصعب لتحرير المرأة الصينية و الذى طفق يشمل الصناعة ووظائف التعليم و مستويات الحزب الدنيا و المراكز الحكومية ، بعدُ ما فتأ يتعرّض لعوائق هائلة من الأفكار الإقطاعية و الأدوار التقليدية الإضطهادية فى المنزل. فقط بدفع الصراع الواعي فى البنية الفوقية كان بإمكانه أن يكسر هذه القيود الإيديولوجية و بدروه يقود إلى تحويل أعمق للقاعدة افقتصادية .
و نتيجة لذلك برز الصراع فى حقل الفنون. وقد سعى الخطّ البرجوازي لتقليصه ليجعل منه صدام حول فهم جدّ "ضيّق" لمسائل الفنّ و سرعة "الإصلاح الإشتراكي" من جهة و الإبداع "العبقري" اللازم .و فى الواقع يلخّص الصراع بصفة مركّزة المشكل الجوهري حول هل ستكون للبروليتاريا السيطرة على هذا المجال و القيام بالثورة فى البنية الفوقية أم لا. هل انّ مجال الثقافة سيخدم القاعدة الإشتراكية أم سيحطّمها؟ لم يكن اليسار يعدّ فحسب لهجوم على الأفكار الضارّة بل أيضا على الأفكار و العقائد و الأعمال الثقافية التى تحافظ على الإنقسامات الإضطهادية القديمة للمجتمع. و كانت أوبيرا بيكين بصلابة بأيدى الطبقات الإقطاعية و الرأسمالية فى الحقل الإيديولوجي و أعمال الوبيرا كانت تنشر أساسا قيم كنفيشيوس عن الطاعة و الولاء. ووقع تلخيص ذلك بعد عقد من "إختيار أوبيرا بيكين كمنطقة إختراق من قبل الثورة الثقافية فى الأدب و الفنكان صراعا عظيما لنقد معنقدات كنفيشيوس و منشيوس و كان يهدف إلى ضرب الدعامات الروحية التى إعتمدت عليها الطبقات الرجعية لمئات السنين كي تخلق جهنّما على الأرض"(16).
قامت تشانغ تشنغ بقسط كبير من البحث زائرة عديد الفرق المسرحية و متحدّثة مع الممثلين و مشاهدة أشرطة و حاضرة عروضا مسرحية و أوبيرا ت عبر البلاد بأسرها. ولم يكن ما وجدته تجديدا إشتراكيا مسلّطا الضوء على أعمالو بطولات الجماهير بل خليطا سخيفا من التحريفية الجديدة و مملاّ و اعمالا إضطهادية قديمة دافعت عن الإمتيازات و الإختلافات الطبقية و تزويق إخراج مسرحي و شخصيات تقليدية خرافية أو تقليد تام للمسرحيات الأجنبية المكتوبة من قبل مؤلفين برجوازيين.
فى ظلّ شو يانغ رغم إنشاء مسارح جديدة ، فإنّ الأعمال القديمة بقيت مثلما بقيت الجمعيات المحلّية للأوبيرا تمثّل أوبيرات إقطاعية سحرية مملّة أمام حضور ضئيل العدد جدّا.و كان ينتج فنّا جديدا تحريفيا مازجا التقاليد و "المسرح الجديد" وجمع بشكل إنتقائي الشياء معا بالإبقاء على تأثير الشيطان و البطال السلبيين ( إحدى السمات المميّزة لأوبيرا بيكين) و الصيغ و أللحان القديمة بينما يقفون فى وجه تناول مواضيع ثورية مختلفة و تقديم أبطال فى أشكال فنّية جديدة. مثلا ، كانت المسرحيات التى ظهرت خلال الثورة الزراعية للقفزة الكبرى إلى المام تقدّم المضطهِدين الإقطاعيين فجأة يبدون تعاطفا مع جماهير الفلاحين التى كانوا يحكمونها و كانت حرب التحرير نقطة لتناول مواضيع حبّ و تحت شعار "الواقعية و الطبيعية" تُقدّم الجماهير متعبة و رثّة بصعوبة توحى بصورة بطولية.
و حثّت إكتشافات تشانغ تشنغ ماو تسى تونغ على التنديد بوزارة الثقافة : "وزارة الأباطرة و الأمراء و الجنرالات و المومياء و الموهوبين فى الدراسة و الجمال الأجنبي... إذا لم يتغيّروا سنعيد تسميتهم"(17). و شرعت تشانغ تشنغ فى تحويل أوبيرا بيكين – من البحث فى 1961 " مررنا إلى التحرّك" فى 1963. كان رئيس بلدية شنغاي كوتشنغ –شه أحد القلائل الذين ساندوا تشانغ تشنغ فى القيام بتعويض الشياطين و الوحوش افقطاعيين على الركح بمسرحيات ثورية تجسّد جماهير العماّل و الفلاحين و الجنود. نُوديَ الفنّنون لخوض الصراع الطبقي فى هذه المجالات و لتطوير خزينة المسرحيات الجديدة افشتراكية. دارسين أحاديث ما و فى ندوة يانان حول الأدب و الفنّ ، شحذ عدد قليل من الروّاد بقيادة تشانغ تشنغ وسائل نقدهم وشرعوا فى كلّ من فضح الأعمال القديمة و الصراع بحيوية مع الفنّانين و الكتّاب لإعادة النظر فى المخطوطات و لكتابة مخطوطات أخرى جديدة.
فى ظرف بضعة سنوات ، وقع تطوير 37 أوبيرا مراجعة و مسرحية بما فى ذلك الأعمال النموذجية الأولى. و للإبداع مسرحيات جديدة عصرية جرّبت تشانغ تشنغ أسلوب تركيب الثلاث فى واحد فى الفنّ رابطة كوادر الحزب و المؤلفين المسرحيين ( الذين أرسلوا للعيش ضمن الفلاحين و الجنود و العمّال لتحسين قهمهم للتجربة التى عليهم نقلها). و الجماهير الثورية التى كانت تشاهد و تنقد من أجل تحسينإنتاجات آنذاك.
مثلا ، شاهدت تشانغ تشنغ تمثيل أوبيرا لهواي شو ( فلكلور) فى 1963 و إقترحت تكييفها لأوبيرا بيكين لتصير "على الأرصفة" التى غدت إحدى أوائل المسرحيات المنتجة فى الفترة الإشتراكية. فى الأصل مثّلت بغعانة من عمّال أرصفة شانغاي الذين كانوا جدّ متحمّسين :" فى ماضى الأيام كنّا فحسب حمّالين و لم يكن لدنا حقّ المشاهدة ضمن المشاهدين فمابالك بالصعود على الركح". لكن مسرح و أوبيرا بيكين أمسك بهما الخطّ التحريفي فى الفنّ و بدأ كتّابه فى الحال بتحوير المخطوطات محاولين أن يخفّفوا من طابعه الأممي و لإبراز"شخصيات وسطية" فى الدوار الأساسية ممّا أغضب كثيرا عمّال الأرصفة ."لكلّ عضو من أسرنا قصّة معاناة مريرة ... حين يتعلّق الأمر بالقضية الثورية للحزب نكون نحن العمّال القدماء حيويين، مستعدّين و محدّدين. أوبيراكم تجعلنا أغبياء و كسالى... لن تعجبنا ابدا هذه الأوبيرا! "(18) .
فى مارس 1965 ، قادت تشانغ تشنغ إعادة تنظيم توزيع الأدوار و المخطوطات معيدة إحياء قصّة عمّال أرصفة شانغاي المتقدّمين الذين يناضلون لإصعاد حمولة باخرة قمحا موجه لنضالات التحرّر الوطني فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية إلاّ أنهم تعرّضوا إلى تخريب عامل متأخّر كان يتمتّع بمساندة التحريفيين فى الحزب. و مرّة أخرى قام التحريفيون ألحياء فعلا بهجوم مضاد ناعتين هذه النسخة المعدّلة بانّها فقيرة فنّيا و ناقدين الدرو الرئيسي الذى قامت به إمرأة قائدة حزبية ( التى قادت الصراع لفضح المؤامرة و التوصّل لإبحار السفينة فى الوقت المحدّد لها) كأمر "غير واقعي". و حاولوا عرقلة عرضها بما جعل الصراع يتأجّج أكثر.
أكّدت تشانغ تشنغ على الأممية فى تشجيع الفرقة :" تتطلّع الشعوب المضطهَدَة عبر العالم بأسره إلى رؤية أوبيرا ذات مواضيع ثورية معاصرة. و يجب أن تكون لنا أرقى التطلعات و أن نقرّر خدمة حاجيات الشعب الصيني و كذلك الشعوب المضطهَدَة عبر العالم قاطبة"(19). و بعد سنتين من تركيز نار الثورة الثقافية على الصراع بين الخطي نفى الحلبة السياسية وقع إتمام الأوبيرا و عرضت فى الذكرى 25 لندوة يانان.
علاوة على خوض صراع الخطين حول المضمون و الشكل وحول حاجة الفنّانين لإعادة صياغة نظرتهم للعالم و أيضا حاجتهم إلى التعلّم من حياة الطبقات التى يجسدونها على الركح ، فإنّ تشانغ تشنغ أعارت كذلك منتهى الإنتباه للشكل الفنّي و الوحدة الشاملة الأهمّية بين المضمون السياسي الثوري و الشكل الفنّي الجيّد. و ذهبت شخصيا إلى المسارح لتشجّع التجديد و لتتصارع مع الممثّلين ذاتهم حول كيفية تغيير كلّ شيئ فى أدائهم و تحرّكاتهم وفقا للضوء و الديكور و الأزياء و الألوان و الموسيقى و الرقص و الغناء كي يعكس العمل موقفا طبقيا مختلفا. فلم يعد هناك عويل مثلما فى الأوبيرا القديمة. تصدح النساء بالمواقف محولين حزنهم إلى غضب, و عوض تغطية أفواههن حين يضحكن مثلما جرت عليه العادة فى المجتمع الإقطاعي ، فإنهن يضحكن دون تحفّظ و بسرور و تصميم. و حلّت القبضات المناضلة محلّ الحركة الضعيفة و الصابع الرقيقة لأرستقراطية الصين.
وكشفت تشانغ تشنغ جزءا كبيرا من بحثها فى خطابها أثناء مهرجان أوبيرا بيكين المقام فى صائفة 1964 الذى جمع خمسة آلاف ممثّل عن جمعيّات الأوبيرا فى المقاطعات و المدن على مشهد و مرأى غير سهلين من الهرم الثقافي التحريفي.
نشأت أوبيرات ثورية جديدة فى خضمّ الصراع المحتدم فى الحقل الثقافي وقع عرضها بما فى ذلك أعمال مثل "غارة على فوج النمر الأبيض" المنتجة خلال حرب كوريا و "شاتشسيانغ" التى تركّز على العلاقة الوثيقة بين الجيش و جماهير الفلاحين خلال حرب الأنصار ضد اليابان و قدّمت كذلك كسنفونية). و تمّ تبادل تجارب فى خوض الصراع الطبقي ضد التحريفيين الذين عارضوا بشدّة هذه السيرورة من التحويل. إنبعثت إلى الوجود براعم تجارب جديدة من المجتمع الإشتراكي.
خلال هذا الظهور الأوّل أمام الجماهير ، سألت تشانغ تشنغ إجتماع العاملين بالحقل الفنّي : " من علينا أن نخدم؟ حفنة من الأشخاص ( الملاكين العقّاريين ، الفلاحين الأغنياء، و المعادين للثورة و العناصر السيئة و محرضى اليمين و اتباع البرجوازية) أم الستّة مئة مليون (من العمّال و الفلاحين و الجنود)؟
إنّ القمح الذى نأكل مصدره عمل الفلاحين و الثياب و المساكن مصدرها عمل العمّال و جيش التحرير الشعبي يضمن الدفاع عنّا فى المراكز الأمامية. و على هذه المنابر لا نتحدّث عنهم حتى.
هل يمكننى أن أسألكم إلى جانب أيّة طبقة تقفون؟ و أين هو "وعي" الفنّان الذى لم تكفّوا عن الحديث عنه؟" خلق شخصيات أبطال ثوريين ،هذه هي المهمّة التى يجب أن تحضى بالأولوية حسب تشانغ تشنغ.
كان ينبغى تشجيع المبدعين و القادة على إنتاج "أوبيرات تعكس حقيقة وجهة نظر المادية التاريخية و يمكن أن تضع الماضى فى خدمة الحاضر."
لقد أكّدت على أهمّية إنتاج مسرحيات جديدة سواء بإبداعها أم بالإقتباس من مؤلفات أخرى(20).
فى الكواليس ، رسم أعداء تشانغ تشنغ السياسيين ( لنقرأ ، أعداء ماو) خطّة لمواجهة موجة صاعدة بصعوبة ليس بإمكانهم تحدّيها مباشرة. مثلا ، إضطرّوا لإقامة المهرجان ، لكن فى الوقت نفسه، حاولوا تخريب الإعداد للأوبيرات المبرمجة. وتجرّؤوا حتى على تحوير نصّ خطاب تشانغ تشنغ قبل نشره. فالنسخة الأصلية لم ترى النور إلاّ بعد ثلاث سنوات،فى ماي 1967، فى الوقت الذى يُعترف فيه لأوّل مرّة على نطاق واسع بالدور المتفوّق لتشانغ تشنغ فى تغيير أوبيرا بيكين.
بعد ذلك بفترة وجيزة ، فى 1969، واجهت تشانغ تشنغ بانغ تشان-والى بيكين ، بصدد ضرورة المساعدة على بلترة الفنون و أعطت مثالا العمل الذى أنجز بعدُ فى شنغاي من مثل "الفتات ذات الشعر الأبيض".
و بالنتيجة ألا يمكنه أن يسمح لها بالعمل فى نفس الإتجاه مع أوبريرا بيكين لإدخال إصلاح مشابه؟
فقوبلت برفض متعالى ،إذ إنتزع الوالى من أيديها إنتزاعا تاما المخطوطة التى كانت تريد أن تعرضها عليه. و منشغلا بالبحث عن المجد و المال ، أظهر دنك سياو بينغ سلوكا حتى أقلّ ثقافة تجاه إصلاح الأوبيرا. و كان يعترف بذلك قائلا: " سأصوّت نعم بيداي الإثنتين طالما لست مجبرا على حضور العروض!" و صديقه التحريفي تاو تشو (21)، كان يعلن أنّه يفضّل الماه-جونغ مع دنك على أن يجد نفسه مرغما على التصفيق للأوبيرا الثورية!(22)
مع إشتداد تعقّد الوضع فى بداية الثورة الثقافية ، تظاهر هؤلاء القادة التحريفيين بإجراء إصلاح فى محاولة لإنقاذ موقعهم فى السلطة. غير أنّهم شرعوا فى التعثّر منذ الإفتكاكات الأولى للسلطة خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى.
إسقاط القناع عن خدعهم و كشف نزعتهم لتفضيل النظام القديم لم يكن سوى جزء من المهام التى كان ينبغى إنجازها.
لإعطاء مقاليد السلطة للقوى النضرة و الجديدة التى كانت تطمح لتعويض النظام القديم ،كان يتعيّن أن توفّر للجماهير وسائل تشريكها تماما فى إبداع الأعمال الثورية التى تكون إنعكاسا حقيقيا لمصالحها الطبقية البروليتارية.و كان هذا النضال مرتبطا كليا بالنضال الذى كان يخاض على كافة الأصعدة الإجتماعية لتعزيز دكتاتورية البروليتاريا.
فلم تكن هذه المناوشات بين التيارين فى الحقل الفنّي إلاّ إعلانا عن زوابع أخرى فى الأفق، بينما ستصبح الثقافة و سيصبح جهاز الحزب عموما مجالا هاما للصراع الطبقي، أثناء معركة الثورة الثقافية التى دامت سنوات عشر.
8- قائدة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى :
رغم أنّ الهجوم المضاد الحيوي لليسار قد تجسّد فى الحقل الفني حول مسرحية " طرد ها جيو" ، فإنّ الهدف الجوهري للثورة البروليتارية ظلّ السلطة السياسية فى حدّ ذاتها.
هل ستظلّ الصين على الطريق الإشتراكي و هل سيقدر شعبها على تغيير المجتمع من الأسفل إلى الأعلى، و هكذا يبلغ غاية إلغاء الطبقات و الإختلافات الطبقي؛ كانت المسألة الحيوية تتلخّص فى من سينتصر فى الصراع من أجل إفتكاك السلطة : الشيوعيون الثوريون فى الحزب ،قائدين البروليتاريا فى ممارسة دكتاتوريتها على كافة المستويات الإجتماعية ، ام البرجوازية الجديدة أي البيروقراطيون المتخفّين و القادة المحافظون داخل الحزب الذين كفّوا عن القيام بالثورة منذ مدّة و هم الآن يعارضون تمام المعارضة تقدّم الثورة الإشتراكية، عاملين بشدّة لوضع الصين على الطريق الرأسمالي.
و قد رأى بوضوح رهان النزاع ، لم يدّخر ماو جهدا فى قيادة القتال بغية تعزيز السلطة السياسية للبروليتاريا متخذا الشكل الوحيد الممكن ، إستنهاض الجماهير و إقناعها بالإطاحة بالتحريفية فى المستويات العليا من الحزب و كذلك فى المستويات السفلى ،فى إطارتكتيك شامل .
و نظرا للحاجة إلى قيادة عامة ثورية لتنظيم و قيادة هذه الثورة داخل الثورة ، بعث المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية ،و على رأسها تشان بوتا و أخرج تشانغ تشنغ من الظلّ ليجعل منها المساعدة فى القيادة برفقة تشانغ شوان تشياو ،قائد ثوري للحزب من شنغاي.
و نهضت تشانغ تشنغ بجسارة بالتحدّيات و المسؤوليات التى أوكلت إليها زمن تصاعد صراع الخطين الشرس. فلم توجه فقط ضربات محدّدةللتيار التحريفي القوي و المتحفّز ،بل أيضا عرفت كيف تستغلّ الفرصة للعب دور رئيسي فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ،فى خضمّ الإنتفاضة الإعصارية التى لم يشهد لها مثيل فى العالم. و بلا أدنى ظلّ للشكّ ، سيفرض هذا على أنّه أكبر مساهمة من مساهماتها فى الثورة.
كما يعدّ ذنبها الأقلّ قبولا للعفو عنه بنظر الخونة أنّها ساعدت الجماهير على تعزيز تحكّمها فى السلطة السياسية و أنّها إرتباطت إرتباطا وثيقا بتمرّد الثورة الثقافية ،و إتخذت مواقفا جلبت لها حقد و قدح البرجوازية العالمية.
و من المهامالتى أوكلت إليها بإعتبارها عضوة فى اللجنة المكلفة بصياغة وثائق الثورة الثقافية، ان تكتب منشورا داخليا لصدّ الخطّ التحريفي لبانغ تشان فى تقريره لشهر فيفري عن الثقافة الإشتراكية الذى حاول فيه حرف الثورة الثقافية و إفشالها فى المهد.
لقد جرى إعلام الحزب برمته بعمق صراع الخطين صلب القيادات العليا مع صدور منشور السادس عشر من ماي ( الذى راجعه ما وفى عدّة مناسبات ، حسب تشانغ تشنغ) مشيرا إلى "كافة الذين يشبهون خروتشاف و يجلسون إلى جانبنا".
بُعيد ذلك، مع ظهور الدازيباو ( المعلقات ذات الأحرف الكبيرة) على جدران جامعة بيكين فى شهر ماي 1966 ، و التى دعّمها ماو من كلّ قلبه، تفتحت براعم الثورة الثقافية على نطاق واسع.
و بسرعة إنغمست تشانغ تشنغ فى نار النقاش. و فى جويلية 1966، كانت بصفة منتظمة تقصد جامعة بيكين و مؤسسات تعليمية أخرى للتحدّث إلى الطلبة و سماع النقاشات الدائرة. و سرعان ما إكتشفت الدور المعادي للثورة لمجموعات العمل التى كانت تخنق تمرّد الطلبة . و فى آخر الشهر عينه ،قرّرت المجموعة المكلفة بالثورة الثقافية حلّ مجموعات العمل التى أرسلها ليوتشاوتشى و دنك سياو بينغ لزرع بذور الإرتباك و الشكّ فىما يخصّ الخطّ المركزي للحزب بصدد مسألة التمرّد.
دام الإستيلاء الجزئي على السلطة من قبل التحريفيين فى بيكين شهرين ( أثناء غياب ماو) خلالهما عبر المحاصرة و الرعب الأبيض ، أُجبرت الجماهير على التحوّل عن الصراع و تركيز النظام ،و لكنه لم يعمّر طويلا.
كان هؤلاء القادة "الذين ينفخون صدورهم فى تباهى برجوازي و يحطّون من معنويات البروليتاريا " هدفا لما وفى دازيباوه هو الشهير فى شهر أوت 1966" أطلقوا النار على القيادة العامة" مشجّعا هكذا نيران التمرّد على التوسّع أيّما توسّع و قد إستهدف بصورة خاصّة كافة الذين يوجدون ضمن القيادات العليا – حيث كان الصراع الطبقي مركزا- الذين يتبعون الطريق الرأسمالي.
و من الأمور التى سنتذكّرها على الدوام بخصوص تشاغ تشنغ هي أنّها كانت ،مثل ماو ، مرتبطة وثيق الإرتباط بالشباب. فمن الموقع الذى كانت تحتلّه صلب المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية ( التى خوّلت لها اللجنة المركزية بأن تكون قائدتها) السياسية) ، إستطاعت مع ذلك أن تضطلع بدور مختلف عن دور ماو ، قاصدة أماكن النزاع و أحيانا مشاركة فيه بحدّة و قوّة لمساندة تمرّد الشباب . و كانت تنقل لهم تحيات الرئيس الذى كان تشجيعه لهم كبيرا، فى لحظات شدّة صراع الخطّين.
و لأنّ البرامج المتصارعة عادة ما تكون معقّدة ، أعانتهم على تمييز خطوط الصراع الطبقي فى المجتمع رابطة إيّاها بالصراع صلب الحزب ذاته. و برفقة أعضاء آخرين من المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية ، قابلت عدّة مندوبين من الطلبة و العمّال و الجنود و الفلاحين و المدرّسين و الفنانين لتفكيك القضايا الحارقة الطارئة فى سياق الثورة الثقافية ، أي الوسائل التى يجب إعتمدها و من يستهدف و كيف تواجه الإنقسامات و الكتلوية و كيف فى كلمة " نميّز بجلاء بيننا و بين العدوّ" مثلما إعتادت القول ، لكن فى نفس الوقت ،نوحّد الجماهير و ننسج تحالفات للتقدّم بالثورة.
لأخذ مثال الشباب و الطلبة ، فإنّ نداء توجيه نقد حاد لكلّ شخص منحدر من عائلة ذات إمتيازات أو محافظة ،وهو نداء يبدو يساريا إلاّ أنّه فى الواقع جوهريا يمينيا، قد تسبّب فى إضطراب كبير، فى بدايات الحركة.
و أقنعت تشانغ تشنغ الشباب بتغييرالشعار من " بطل يلد بطلا،و إبن رجعي بيضة فاسدة " إلى " إذا كان الأولياء ثوريون، على البناء أن يتبعوا الطريق ذاته ،و إذا كان الأولياء رجعيون ، على الأبناء أن يتمرّدوا".
وفى شهري أوت و سبتمبر 1966 ، كان الحرس الأحمر يدخلون بيكين منذرة بمشاركة العمّال و الفلاحين فى الحركة و دالة على أن هذه الثورة الثقافية كانت تهزّ البلاد هزّا من أقصاها إلى أقصاها.
و طفقت تشانغ تشنغ تتحدّث إلى الجماهير ، مشدّدة بوج خاص على إلتحاق جماهير الشباب للمشاركة فى هذه اللحظة التاريخية. وقد باتت مشهورة بقبعتها وزيّها العسكري ، ظهرت فى سبع من الثمانى لقاءات للحرس الأحمر مع ماو. و قد ألقت أيضا خطابات أمام أساتذة الجامعة و مدرسي التعليم الإبتدائي، و أمام الفنّانين و السينمائيين و كذلك أمام مئة ألف جندي من جيش التحرير الشعبي الذين جاؤوا لدعم و تأطير ملايين الشبان الذين تجمّعوا فى بيكين خلال الشهرين التاليين و العديد منهم قد جاؤوا حتى راجلين.
طوال الخريف ، أشرفت على العديد من عروض الأوبيرا النموذجية أمام الحرس الأحمر ،و فى نهاية نوفمبر، ألقت خطابا هاما أمام عشرين الف عامل فى حقل الأدب و الفنّ بشأن الثورة الثقافية و الصراع الطبقي الحاد حتى داخل أوبيرا بيكين،و كذلك داخل جبهات فنّية أخرى.
متوجّهة إلى احرس الأحمر ، كانت تشانغ تشنغ تدعوهم إلى الإطاحة بأتباع الطريق الرأسمالي فى الحزب و إلى القضاء على الرجعية على الأربعة أصعدة الإيديولوجية و الثقافية و العادات و التقاليد. و دعمتهم لمواصلة سيرورة صراع- نقد- تحويل مثلما وضحتها وثيقة ال16 نقطة(23) ( للقيادة العامة الثورية ،وهي الوثيقة الرئيسية للثورة الثقافية. " أنا متأكّدة من أنكم ستنجزون عملا جيّدا" قالت لهم.
بالنسبة للثوريين ، كانت المهمة تتمثّل ،ليس فى التشديد على الصراع ضد اليميمن و التوجه نحو الإنتصار وحسب ،ولكن فى خضمّ السيرورة ، العمل على تعزيز اليسار و جلب دم جديد ثوري و كذلك قادة جددا إلى صفوفه.
" أسألكم: إذا لم يتوحّد اليسار و لم يعزّز من قوّته، هل يمكنه أن يسحقهم؟ لا! " كانت الإجابة الصاعقة التى واجهت بها شباب الحرس الأحمر.
فى شهر جانفي 1967، عندما إلتحق مندوبون من العمّال و الفلاحين بمندوبي الطلبة و الشباب الذين إلتقوا فى العاصمة ، و تبادلوا تجاربهم الثورية ، ألقت تشانغ تشنغ خطابا أمام قادة شباب الحرس الأحمر الذين كانت مهمّتهم مراقبة الحشود ، عند إنفضاض التجمّع. و تكشّفت مهمّة إلقاء الخطاب عسيرة ذلك أنّها كانت تتطلّب فى آن معا درجة عالية من الوعي السياسي من طرف الشباب لكبح جماح حماسهم السياسي و النقاش لإقناع الذين جاؤوا حقّا للعاصمة بحثا عن الثورة بأن يذهبوا لنشر الثورة فى المناطق الريفية.
لقد صار عدد الناس فى العاصمة حتى عبءا على مصادر المدينة. فكان يتعيّن التحكّم بصورة سليمة فى هذا الوضع. (و هنا يجب أن نشير إلى أنّه إضافة إلى كونه عبءا ، هناك موقف بعض السلط المحلّية فى المناطق التى كان فيها المتمرّدون يزعجونها ، سهّلت لهم السفر إلى بيكين ،بعلاوات فى الأجور و تذاكر قطار مجانية ليذهبوا للتعريف بمطالبهم فى"مكان آخر").
" إذا جاء الناس من الجهات إلى بيكين برغبة إفتكاك السلطة ، فينبغى علينا أن نستنهضهم لكي يعودوا من حيث جاؤوا بذات الرغبة فى إفتكاك السلطة " شرحت تشانغ تشنغ الموقف للحرس الأحمر.
و إبّان لقاء مع المجموعة المكلفة بالثورة الثقافية فى نهاية ديسمبر 1966، فضح الناطقون بإسم مجموعة متمرّدة نظام العمل التعاقدي. و شرحوا أنّ هذا النظام يزرع الشقاق فى صفوف العمّال و يشجعهم على السير فى الطريق التحريفي ، معدّا الأرضية لإعادة تركيز الرأسمالية و خفض النضالية. فهذا النظام وفق ممثلى العمّال تركّز إثر نشر ليوتشاوتشى تقريرا عقب تفقده لمناطق عدّة من مقاطعة هوباي سنة 1964. ووصفوا كذلك جهود التحريفيين لإرساء العمل التعاقدي، بهدف كسر إرادة المقاومة لدى العمّال المرسّمين.
عندئذ حذّرتهم تشانغ تشنغ من السقوط فى فخّ التحريفيين قائلة :" ما تريدونه واضح: تريدون الثورة!" و طلبت بإلحاح من وزير العمل و من سكرتير فيدرالية النقابات أن يلتقوا فى الحال بالعمّال الغاضبين. و حين سأل العمّال أولئك كيف يمضون يومهم ، أجاب التحريفيون: " مسؤوليتنا هي تربية العمّال و تنظيمهم" ممّا جعل تشانغ تشنغ فى منتهى الغضب و ردّت:" أنتم لا تعملون من أجلهم، لا تقدّمون أية تقرير إلى اللجنة المركزية و كذلك لا تعالجون مشاكلهم. أليس لديكم أيةّ ميزة من ميزات الشيوعي؟ إنّ العمّال المتعاقدين هو ايضا بروليتاريون و ثوريون وأنتم القبعات الكبرى فى الوزارة ،كيف عاملتموهم؟ لئن تمادى هذا على هذا النحو ، ماذا سيكون مستقبل العمّال؟"
بعد ذلك ، إحتلّ العمّال المتمرّدون مكاتب قيادات النقابات و أغلقوا مكاتب وزارة العمل و المسؤولين عن توزيع اليد العاملة عبر البلاد. و إقترحت تشانغ تشنغ إجتماعا عاما ضخما من أجل الإتهام و النقد و الطرد و صياغة منشور من المجموعة المكلفة بالثورة الثقافية معلنا أنّ جميع العمّال المتعاقدين و المؤقتين يجب أن يكون لهم الحقّ فى المشاركة فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و أن الذين سيطردون لمشاركتهم فيها ينبغى أن يعاد إدماجهم مع تقديم تعويض لهم.
9- إفتكاك السلطة :
متبعة مثال "زوبعة جانفى" بشنغاي سنة 1967 ، إنطلقت كالإعصار حركة عبر البلاد بأسرها لإنتزاع السلطة السياسية المحلّية من أيدى أتباع الطريق الراسمالي بهدف تنظيم أجهزة قيادية جديدة. و نشرت تشانغ تشنغ التى ساندت الحركة بحماس ، على النطاق الشعبي هذه التجربة البروليتارية الجديدة.
ونشأت تشكيلة جديدة من "ثلاثة فى واحد" متكوّنة من كوادر الحزب و ممثّلين ثوريين عن الجيش و ممثلين عن الجماهير الثورية لتبعث نواة من مراكز السلطة سمّيت باللجان الثورية.
خلال هذه الفترة من الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، كان دور تشانغ تشنغ بإعتبارها قائدة يتمثّل رئيسيا فى نشر المفاهيم الجوهرية التى طوّرها ماو و المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية ، فى ما يتعلّق بنسج تحالفات جديدة و لجان ثورية جديدة من أجل إفتكاك السلطة ،و مواصلة سيرورة الصراع- النقد-التحويل.
و إثر الإطاحة بالقلعة الأكبر للسلطة ألا وهي لجنة بلدية بيكين (المرتبطة وثيقا بالقسم القديم للدعاية التابع للجنة المركزية و لوزير الثقافة القديم)، ترأست تشانغ تشنغ الإحتفال بتشكيل اللجنة الثورية لبيكين. وفى ذلك الإحتفال ، صرّحت بأنّ متزعّمى زمرة بيكين الذين كانوا يعملون فى الكواليس هم "حفنة من الناس ذوى المراتب العليا فى الحزب الذين إختاروا الطريق الرأسمالي. طوال 17 سنة قدّموا بمثابرة شديدة خطّا برجوازيا رجعيّا. و الخطّ البروليتاري الثوري الذى يمثّله الرئيس ماو تطوّر فى صراع ضد هذا الخطّ الرجعي." و هكذا كان من اللازم الهجوم على كافة تأثير هذا الخطّ ، على الجبهات السياسية و الإقتصادية و الإيديولوجية و الثقافية و تعويضه بالراية الحمراء لفكر ماو تسى تونغ.
و ربطت تشانغ تشنغ بين التغييرات الضرورية التى يترتّب إنجازها فى بيكين و مهمّة إتمام الثورة الثقافية. و فسّرت ضرورة إطلاق حركة جماهيرية للتمكّن من مواصلة سيرورة النضال-النقد-الطردوالتحويل المؤدية إلى التغيير ، إلى جانب ضرورة إناء تحالف من أجل إفتكاك السلطة.
" إنّ مهام النضال-النقد-الطرد والتحويل فى مختلف المناطق و كذلك حركة النقد و الطرد لأتباع الطريق الرأسمالي صلب ذوى المراكز العليا بالحزب لا يتنافيان و يمكن أن يمزجا"
و شرحت أنّ كلّ واحدة يمكن أن تدفع الأخرى دفعا كبيرا فى تحقيق أكبر و اعمق فضح و نقد لأتباع الطريق الرأسمالي؛ و ذكّرت الحاضرين بأنّ ذلك يحتاج إلى دراسة جيدة لأعمال ماو و أيضا إلى بحث كامل. و تحدّثت عن ضرورة أن يتواصل بنجاح النضال-النقد -الطرد والتحويل على كافة المستويات التنظيمية و الأقسام لمواصلة الثورة و بناء الإشتراكية. " هذه هي المهمّة الأكبر و الأكثر حيوية بالنسبة للقرن القادم!"(24)
وفى خطاب أمام مندوبين من مقاطعة أنهواي، التى كانت منقسمة للغاية سياسيا ، عملت بنشاط مع الكتلتين من أجل التوحيد و تشكيل تحالف كبير ضد التحريفيين بغية بعث لجنة ثورية لإفتكاك السلطة. حينها فقط ، قالت " سيمكن أن نجد أناسا يقودوننا. و الثورة لا يمكن مواصلتها دون قيادات!". و حذّرت من ريح الرجعية التى بعدُ قد نشرت تياراتها الهدّامة و التى كان هدفها تفكيك جميع اللجان الثورية القائمة بمباركة من اللجنة المركزية." يجب إذن أن نبقى حذرين ضد هذا التهديد . و طبعا ، يمكن أن تحدث تقلّبات ،لكن هذا لا ينبغى أن يخيفنا. إنّ التقلّبات على مستوى السلطة أمور عادية. و فضلا عن ذلك، الوضع عبر البلاد غير متجانس ، لكن عدم التجانس هو أيضا أمر عادي" (25).
10- الطريق المتعرّج للثورة :
هناك شيئان إثنان يغيضان البرجوازية: قيام الجماهير بالثورة و القادة الثوريين فى السلطة الذين يدعمونها و يقودونها. و بما أنّه ليس نادرا بالنسبة للبرجوازية أن تلصق كلّ العنف أثناء الثورة الثقافية بالدعم الصلب و "الشخصي" الذى قدّمته تشانغ تشنغ للجماهير الثورية ، فإ،ّ فحصا دقيقا لدورها يبيّن بصورة دامغة بأنّها قاتلت بصرامة للحفاظ على توجه ماو و مفاده أنّ حفنة من أتباع الطريق الرأسمالي داخل الحزب ، يمكن الإطاحة بهم دون عنف.
موضوعيا ، كان ذلك صحيحا بما أنّه ثمّة ثورة بالضبط داخل الثورة- تمّت فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و هدفها الرئيسي هو القضاء على أعداء الطبقة العاملة و الشعب. و تلك الوضعية معارضة تماما للوضع الحالى فى الصين حيث ينبغى على حزب شيوعي جديد أن يؤسّس و أن يقود الجماهير للإطاحة بالعنف بدكتاتورية البرجوازية المركّزة هناك منذ 1976.
و رغم أنّ القمع العسكري لأتباع الطريق الرأسمالي لم يكن لازما بما أنّ البروليتاريا كانت فى مواقع القيادة ، لم يتخذ ماو موقفا ملتويا إزاء واقع أنّه عندما تنهض الجماهير المكرّسة نفسها تماما للقيام بالثورة و إحداث التغييرات الجذرية، يمكن أن تمسي بعض السلوكات غير قابلة للتحكّم فيها .
و لهذا لم يفاجئ ،خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، برؤية ظهور بعض الخطوط المعارضة للحزب و التى كانت تغذّى العنف لتحرف الجماهير عن الصراع السياسي الرئيسي.
" أثناء هذه التغييرات الأعجوبة التى حصلت خلال السنة الماضية ، عادة ما وجدت إضطرابات. و الإضطرابات التى تنشأ هنا و هناك ليست بالضرورة مترابطة. و مع ذلك، النضال ،حتى المسلّح ، شيئ جيّد؛ حينما تبرز التناقضات إلى السطح، من الأيسر معالجتها, وتتمّ هذه الثورة الكبرى بأقلّ قدر من الخسائر و أكبر قدر من المكاسب" (26)
طوال صيف 1966، لمّا كانت الثورة الثقافية البروليتارية تتطوّر بسرعة، ناضلت تشانغ تشنغ ضد تيار يساري متطرّف يريد المهاجمة الجسدية لأتباع الطريق الرأسمالي و تجنّب المهمّة الأصعب التى كان اليسار يدعو إليه، فى إرتباط بتقدّم الصراع الإيديولوجي و السياسي.
" لا يمكن لصراع القوّة أن يبلغ سوى الجلد و اللحم بينما النضال بالجدلية يمكن أن يطال أعماق أعماقهم"(27).
من جهة ، كان المنعرج نحو النزاعات العنيفة عفويا و معبّرا عن درجة إحتداد الصراع الطبقي ، و من جهة أخرى إنطلق العمّال فى صراع لفظي ، لكنهم أيضا نزلوا إلى الشوارع لإفتكاك السلطة .و منذ بداية سنة 1967، كانت اللجان البلدية المتشكّلة بمبادرة منهم تتحكّم فى على الأقلّ ثمانى مقاطعات.
و كذلك جرت دعوة الجيش لمساندة العمّال و الحرس الأحمر أثناء إفتكاك السلطة ،و لمساعدتهم على الحفاظ على النظام. و فى نفس الوقت ، فى بعض الأحياء، كانت قوّات اليمين تنادى بصفة مفضوحة العنف بتشويه بعض الشعارات أو بدفع الجماهير لأن تخصّص هجماتها على أتباع الطريق الرأسمالي الأقلّ أهمّية ، لأجل حرف الإنتباه عن نفسها هي. فمثلا ، شعار "لنطرد الجماعة الصغيرة من الجيش" يستهدف زمرة القيادات العليا التحريفية ، قد فُهم بسطحية فى بعض الأحياء و طُبّق فى كلّ مكان حيث تمكّن اليمين من إستعماله، بما فى ذلك لإفتكاك سلاح من فرق نظامية.
و لخّصت تشانغ تشنغ وجهة نظرها بهذا المضمار على النحو التالي: " لا ننخدع . الشعر خدّاع . بما أنّ الحزب و الحكومة و الجيش جميعهم تحت قيادة الحزب ، لا يمكن أن نفهم من هذا سوى أنّه يجب أن نطرد من الحزب زمرة أتباع الرأسمالية لا أكثر. سيكون من غير العلمي العمل بطريقة مغايرة. و سيعنى ذلك أنّه ستكون لنا فى كلّ مكان وتقريبا كافة المقاطعات العسكرية سيقع مسحها دون التمييز حتى إن كانت أقلية من الرفاق ، بعض الأشخاص صلب جيشنا ، يقترفون أخطاء خطيرة و لا يستحقّون أن يعاملوا على ذلك النحو".
و إستطردت تشانغ تشنغ قائلة إنّ الشباب ،طبعا، يرغبون فى الحركة و لكنّه من الضروري أيضا أن "نشكّل العقول" لمواصلة المرحلة الأصعب، صراع- نقد- تحويل. يعجب الشباب بالسفر من مكان لآخر بيد انّه يمكن أن لا يعرفوا الظروف الخاصّة بكلّ مكان و يمكن أن يقترفوا أخطاء. " يجب أن تثقوا فى جماهير المناطق التى تزورونها و لا يجب أن تقوموا بالأشياء التى تستطيع أن تقوم بها بنفسها ،كما لا نستطيع نحن القيام بالثورة مكانكم" (28)
لم يكن دائما بديهيا معرفة كيف نتعاطى مع الطبيعة المتناقضة للعنف الناجم عن المبالغة فى الحماس الثوري للجماهيرو إحتدام الوضع لأنه ما كان يجب أن تكبح اللحظة الثورية، الصحيحة و الضرورية لسيرورة تغيير المجتمع، حتى تمارس البروليتاريا دكتاتوريتها بما فى ذلك بالتحكّم الكامل فى السلطة السياسية.
و إعترف ماو بانّه إن وجدت فوضى و تجاوزات فى ثورة ، فإنّه كذلك من الموضوعي التأكيد على أنّ الإقرار بها و الإقرار بمراقبتها بصورة صحيحة لا يمكن دائما أن تكون ممكنة طالما لم تتتوفّر الرؤية الواضحة. و حصل أنّ فى اللحظة ذاتها ، إستفادت بعض القوى من الوضع لمصلحتها و لأسباب إنتهازية. و فى صلب المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية التى ىساهمت تشانغ تشنغ فى قيادتها ، إختار عدد من العناصر ( على غرار تشان بوتا) بجلاء إستعمال القوّة.
كان الشعب يتبع مثلهم، لا سيما إثر الإستفزاز و تمرّد الوحدات العسكرية التى ساندت اليمين فى مدينة يوهان سنة 1967.
و قادة المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية هؤلاء ،الذين جرى لاحقا نعتهم باليساريين المتطرّفين و الذين كان هدفهم إيجاد فوضى ليستفيدوا منها فى ما بعد ، لم يتسنى إبعادهم إلاّ بعد بضعة سنوات. و اليمين من جهته نظّم العنف ضمن قطاع من الحرس الأحمر ، القطاع الذى تحوّل ليعارض المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية. ( 29)
و شوآن لاي بدوره ،كانت لديه نزعة نحو اليمين. و رغم تحالفه مع ماو ووجوده العلني ضمن اليسار ،فإنّه قد لعب دورا وسطيا جدّا فى هذا الجدال ،مشدّدا دائما على غعادة تركيز النظام و العودة إلى الهدوء،و فى نفس الوقت كان يصف الذين يواصلون الحرب الأهلية ب "الفوضويين".
و بإستمرار دافعت تشانغ تشنغ على فكرة أنّه يجب مهاجمة العدو و الإطاحة به عن طريق الصراع الإيديولوجي و السياسي. و أحيانا كان عليها أن تصدر نداءات للتعقّل للجماهير الغاضبة.
فى خطاباتها ، كانت تشدّد على كيف أن ايوتشاوتشى أطرد من السلطة دون اللجوء إلى الأسلحة. و على العكس ،حين إستعملت الأسلحة "للدفاع" فى وحدات معيّنة من الحرس الأحمر، و كذلك فى القوات المتمرّدة ضد قلعة اليمينيين وسط جيش التحرير الشعبي،وافقت تشانغ على مثل هذاالعمل. و شعارها الشهير :" الهجوم بالجدلية ،و الدفاع بالقوّة" لم يتمّ التأكيد عليه لأنّه يفرز نوعا من الإضطراب بصدد التمييز بين الإثنين. كان سيشجّع إستعمال الأسلحة بين فئات صلب الشعب ،غير ميسّر معالجة التناقضات التى تظهر داخل المنظّمات الجماهيرية.
من كان قادرا على معرفة أين بالضبط ينتهى الدفاع و أين يبدأ الهجوم؟ فى 1967، بُعيد عودة ماو إلى بيكين إثر زيارة عديد المناطق ،صدر منشور يمنع مستقبلا إفتكاك أية أسلحة (30).
إبّان الثورة الثقافية ، طوّرت تشانغ تشنغ علاقة وثيقة مع الجماهير الثورية التى أحبّتها على الدوام كقائدة حزبية. وصفت مهتمّة روسية بشؤون الصين ،وقد حضرت إجتماعا كملاحظة ،الجماهير المتحمسة التى كانت تصفّق أيما تصفيق على هذا النحو :
" إثر خطابات تشان بوتا ،و كونغ تشان و لهسواه فانغ ،الذى أنا غير قادرة على تذكّرها ،طالما أنّ بلاغتهم لم تكن كبيرة، أخذت تشانغ تشنغ الكلمة و كانت ترتدى زيّها العسكري الأخضر و قبّعتها و لم تكفّ حينها عن التحرّك فوق الركح و بعث خطابها الحماس فى الحضور: "إنكم الجيل الثوري الجديد، كانت تقول، أنتم الذين يجب عليهم مواصلة الثورة. يجب أن تمضوا بها بعيدا. نحن ، من الجيل القديم ،نرحل ،و نرحل مورّثينكم تقاليدنا الثورية القديمة.(...) الرئيس ماو يهديكم الصين : ستوضع الدولة بين أيديكم. إنّ مدرسة الثورة الثقافية مدرسة عظيمة!" فكان المفعول فورياّ. و بعد مغادرة القادة ، تواصل الإجتماع بلا إنقطاع . و كان المتكلمون يعوّضون الواحد الآخر ،و كلّ واحد ينافس الآخر فى حماسه." (31)
و على سبيل المثال ، كانت تشانغ تشنغ تشجّع الآخرين على الجرأة على أن يكونوا مثلها ، على الجرأة على إطلاق العنان لطاقاتهم من أجل تحديد الخطّ السياسي فى خدمة البروليتاريا و مثلها على رفض الإستسلام للرؤى المعادية للثورةز
بوضوح كانت تحدّد العدوّ بطريقة تميّز بين الموالين للرأسماليين من المراتب العليا ،من جهة، و الذين ، من جهة أخرى ، كانوا فقط تحت تأثيرهم لأنهم كانوا جدّ ضعفاء إيديولوجيا و يسهل التلاعب بهم . و كانت قديرة جدّا على بثّ الحماس داخل الجماهير الثورية و الكره للعدوّ.
و كانت تقوم بذلك بقيادة عملية مساعدة الجماهير على تفكيك التناقضات المتداخلة و المتعدّدة التى كانت تظهر صلب الشعب، بينما كان هذا يناضل ليفتك الشلطة من ايدى الذين كانوا يعبدون الطريق الرأسمالية.
متحدّثة أمام مندوبين منحدرين من فئات إجتماعية مختلفة ، شدّدت على أهمّية تعزيز الفهم الإيديولوجي للبروليتاريا ، و على تشجيع النقد و النقدالذاتي الشديد ،و على النضال ضد الأفكار المعارضة والحفاظ على موقف صلب أمام الصعوبات. لقد نادت تشانغ تشنغ الثوريين القدماء للحفاظ على شباب القلوب السياسية و السماح لأنفسهم بالتأثّر بحماس الشباب الذى كان يكتسح البروليتاريا.
و أمّا بالنسبة للشباب ، فطلبت منهم كذلك أن يمارسوا توازنا حكيما فى النضال و أن يتجاوزوا حدود السنّ و الميزات الخارجية للأكبر سنّا ،حتى يتمكّنوا من فهم أفضل للخطّ السياسي و يعملوا وفق الخطّ الصحيح.
و كمثال ، لأجل الحثّ على توفير ظروف مناسبة لإفتكاك السلطة ، بالنضال ،ضمن أشياء أخرى، ضد الكتلوية التى ظهرت فى بعض الأماكن ، كانت المجموعة المكلفة بالثورة الثقافية تلعب دورا هاما فى توحيد قيادات و مندوبي الكتل المتعارضة، للفرز بين الخلافات الرئيسية و الثانوية.
و مثل ماو ( الذى كان يقول إنّ "تحالفا كبيرا يمكن بناؤه بالقضاء على الأنانية و بتكريس الذات من أجل الشعب و كذلك بخوض صراع سليم) ، كانت تشانغ تشنغ تربط عن كثب مسألة المفاهيم المدافع عنها بإمكانية التوحّد لتشكيل تحالفات كبرى:" إيّها الرفاق ، إذا كنتم تعتقدون أنّ ما أقوله مفيد فلنكرّسه. يجب أن نصبح ثوّارا يكرّسون فكر ماو تسى تونغ و ليس أعضاءا فى هذه المجموعة أو تلك.
إنّ ذهنية الكتلوية ميزة من ميزات البرجوازية الصغيرة ؛ إنّها عقلية الحصن، عقلية الجبل ،و المقاطعة أو الفوضوية فى شكلها الأحدّ...من الأفضل أن يقوم كلّ منّا بنقد ذاتي. و هكذا سنتحدّث بشكل مناسب أكثر و سنبحث عن الإتفاق على المسائل الكبرى، فى نفس الوقت الذى نحافظ فيه على الفروقات الطفيفة بشأن المسائل الأقلّ أهمّية.
بالتوحّد حول النقاط الرئيسية ،نقوم بالثورة و سننجح فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى(...) أن تكونوا من أتباع الخطّ البروليتاري الثوري بقيادة الرئيس ماو أو أن تكونوا أتباع الخطّ الرأسمالي ، يعيّن أنّكم محقّين تماما أم مخطئين تماما.
من هنا ، إذا ناضلتم ضد القيادات العليا من أتباع الطريق الراسمالي ( أو فى آنهواي ، ضد الزمرة التى يقودها لى باو هوا الذى يتبع طريق الرأسمالية) هل هذا سبب لعدم التوحّد أو لعدم توحّدكم؟ إذا وثقنا فى سلوككم الكتلوي ، سأقول إنّكم تعملون من أجل أنفسكم و ليس من أجل الثورة و الشعب و البروليتاريا".
" ... يجب أن تطلبوا ذلك من أنفسكم و من مجموعتكم. إذا تخاصمتم أو خضتم صراعات مسلّحة بينكم و إستوليتم على على أسلحتكم الخاصّة، لا يمكن أن تظلّ رؤوسكم باردة للتمييز بين الجيّد و السيّئ. إنّه لمن السهل القيام بالثورة ضد الآخرين ، لكن من الصعب القيام بها ضد أنفسنا" (32)
وتناول ماو المسألة من زاوية أخرى: إمكانية الحفاظ على السلطة السياسية. و متحدّثا عن الثورة الثقافية القائمة فى 1967 ، لخّص فكره مصرّحا بأنّ المهمّة الرئيسية هي إفتكاك السلطة من أيدى الرأسماليين و مسانديهم، لكنّه أضاف" و هذه المهمّة تتمثّل بالفعل فى معالجة المشكل فى مستوى المفاهيم: يجب القضاء على جذور التحريفية". و إستطرد قائلا و إلاّ كيف يمكن إعتبار الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى منتصرة ؟ بكلمات أخرى ،دون السلطة السياسية ،لا يمكن حصول التغييرات الإشتراكية و لكن دون تغيير المفاهيم الإيديولوجية البرجوازية ، من غير الممكن لاحقا الحفاظ على السلطة.
حين يصرّح ماو بأنّه على الطبقة العاملة أن تقود كافة الميادين بما فى ذلك ميادين الثقافة و البناء الفوقي ، فإنّه يتحدّث بالخصوص عن التربية و الفنون. و قد أكّد على نحو صحيح للغاية و هو يعلم علم اليقين أن البعض سيغتاضون، بأنّ المثقفين لم يتخلّوا بعد عن المفاهيم البرجوازية." عليكم أن تفكّروا لمعرفة إذا كانت كلّ فكرة تفكرون فيها قد عفى عليها الزمن أم لا ". (33)
11- القطع مع الأفكار القديمة :
لم يكن حقل الثقافة الذى كانت تمارس فيه تشانغ تشنغ قيادتها ، شيئا أقلّ من مجال معركة حقيقية تعكس مشكل الفهم البرجوازي للعالم، مثيرا مشاكلا جمّة للثوريين. لقد إنتُزعت نزعا مكاسب و إنتصارات كبرى بصعوبة من البرجوازية ، بفضل إبداع فنّ بروليتاري جديد ، لكن فى كافة المجالات الأخرى ، كان يتعيّن الكدّ لخوض الصراع بلا إنقطاع. و أثناء ندوة فى بيكين حول الأدب و الفنّ ،فى نوفمبر 1967، أشارت تشانغ تشنغ إلى أنّ اللامساواة المتبقية فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى صلب لجان الدعاية و لجان الثقافة تعكس الصراع الطبقي. و رغم ا،ّ آخرين قد نجحوا ، لم يتوصّلوا بعدُ إلى تشكيلات الإتحاد الثلاثي. و يجب عليهم توسيع النقاشات و النقد لأجل معالجة بعض المشاكل ضمن الكوادر.
" هل جرى تطوير عميق و تام للحركة؟ " سألت تشانغ تشنغ الحضور. " لآ أعتقد ، فالعدوّ خبيث للغاية ، إنّه يتحكّم فى عدّة فرق ممثلين. و كلّما حقّقنا نصرا على فرقة من هذه الفرق فإنّه سرعان ما تظهر أخرى. لهذا أعتقد أنّه يجب أن ينجز بحث يذهب إلى عمق الأمور و دراسة معمّقة للأوساط الفنية و الأدبية. إزاء العدوّ ، ينبغى أن نكون مثابرين، شديدين و دقيقين".
و قد أثيرت فى هذه الندوة عدّة أسئلة: حتى و إن وجد إنتاج كافى من الأعمال ، كيف يتمّ نشرها شعبيّا ، و كيف يجرى تحسين مضمونها ، و كيف نحدّد إن كانت الأعمال الحديثة تبلغ "قمة" الفنّ الوطني؟
لكن من كلّ زاوية تقدّم لها ، كانت تشانغ تشنغ تطلق نارها على الحاجز الرئيسي دون تحقيق ثورة فى مجال الفنون : " تظلّ المهمّة الرئيسية قتال الأنانية و نبذ التحريفية و كذلك تنظيم فرق ثورية. دون ذلك ، سيكون مستحيلا إنجاز أعمال ثقافية تخدم قضية الإشتراكية و تكون مفيدة للعمّال و الفلاحين و الجنود. و هزم الأنانية و نبذ التحريفية ليسا بالأمر الهيّن".
حسب إقتراح تقدّمت به مشاركة فى الندوة ، قالت إنّها تقف إلى جانب إرسال فرق صغيرة إلى الريف و المصانع لمزيد نشر الأعمال الثقافية شعبيّا . لكن تشانغ تشنغ كانت تؤكد على قول إنّ الذهاب إلى الريف و المصانع سيكون عديم الفائدة إن كان لتجنّب صراع الخطين.
و بالمناسبة عينها ، فى ردّ على الذين و اللاتى أظهروا إنعدام الصبر ،مدّعين عدم وجود عدد كافى من اللوبيرات الجديدة المعروضة، أجابت تشانغ تشنغ إنّ ذلك يمكن فهمه لأنّه " لا يجب أن تكون هذه الأوبيرات سيئة و إلاّ سيشنّع بها الشعب".و عليه ، دعت كافة الفنّانين إلى التنظّم و الإستعداد لأجل التوصّل إلى الأعمال المرجوّة و إلى إعادة تشكيل الأقانيم الفنّية القديمة.
و دافعت عن الثمانية أعمال النموذجية ( أو النماذج) التى " أبعدت عن الركح و الشاشة الأباطرة و الجنرالات ، و كذلك خدمت إبعاد البرجوازية". و مدحت أيضا الأعمال الأولى التى أدخلت غصلاحات على الباليه و السنفونيات لأنها رغم تضمّنها هنات، "أحدثت تأثيرا كبيرا فى كلّ مكان".(34)
فى 1963 و 1965، نجحت إختراقات كبيرة فى التغيير الإشتراكي للفنون. و كانت تشانغ تشنغ و مجوعة صغيرة من الرفاق على رأس هذا النضال. و مع ذلك ، طالما أن المجتمع بأسره لم يكن مشتركا فى النضال من أجل السلطة السياسية فى الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، لم يعالج مشكل تكوين فرق لإنجاز هذا التغيير على أفضل وجه و على نطاق واسع: لن تكون ممكنة أيضا معالجة صعوبة نشر الثقافة البروليتارية الجديدة إلى أعمق أعماق الجماهير و إنتشارها فى الصين. فى 1967، بدأ يحدث تحوّل فى الوضع ، ضمنه رسمت مخطّطات لعرض أعمال ثقافية نموذجية على الشاشة الكبيرة ، قصد جعلها فى متناول كافة الصينيين و الصينيات.
عندئذ جرى عمل واسع النطاق لنشر هذه الأعمال شعبيّا. و قد دعمت فى المساهمة فى المهمّة الوحدات الثقافية التابعة لجيش التحرير الشعبي و ساهم فيها عمل الفرق المتنقّلة أو الطائرة ( صيغ تجديدية) التى عرفت إزدهارا كبيرا.
و غالبا ما تحدّثت تشانغ تشنغ إبّان اللقاءات مع الفرق الفنّية و الكتّاب أثناء الثورة الثقافية ، متحدّية إياهم أن يساهموا تمام المساهمة فى المهام العامة للثورة. و هكذا كانت تحثّهم على القيام بالثورة فى وحداتهم.
لكن إتّضح أنّه ليس قبل صيف 1967 أن تمكّن الحزب حقّا من تنظيم هجوم و تطوير النقاش حول الثقافة فى صفوف الجماهير. فشوهد صراع خطين حاد. و كانت المسألة متعلّقة بصفة خاصّة بتغيير الفنون و النشر الشعبي للتجربة الناجحة لتشانغ تشنغ فى ما يتّصل بتثوير أوبيرا بيكين.
و ظهرت عديد المقالات و الكتابات فى الصحافة و فى أجهزة النشر النظرية. و قد طُبع للعموم الملخّص الهام لندوة 1966 حول الأدب و الفنّ فى صفوف القوات المسلّحة. و فيه نجد بعض تعليقات ماو حول هذه المسائل. و جرى عرض أعمال الأوبيرا الجديدة. وقد عُدّ ماو و قيادات هامّة أخرى ضمن جمهورهذه العروض. و نالت تشانغ تشنغ شرف رئاسة الإحتفال بالذكرى 25 لندوة يانان ، وهي مناسبة عرضت خلالها عديد النماذج الفنية .
و منذ البداية ، إعتنى اليسار بالتشريك التام لجيش التحرير الشعبي فى القتال المتفجّر من أجل الثورة الثقافية. و كان لهذا ميزة تعزيز خطّ اليسارفى صفوف الجنود، رافعا مستوى فهمهم السياسيو افيديولوجي و سامحا لهم برؤية الصراع الطبقي بين الخطّين الدائر ليس فى المجتمع و حسب و إنّما أيضا وسط الجيش.
و من المهام الأخرى التى أسندت لتشانغ تشنغ مهمّة مستشارة ثقافية لجيش التحرير الشعبي فى فيفري 1966و مستشارة مجموعة الثورة الثقافية التى ستنبعث فى صفوفالجيش بعد ذلك بسنة. و فى ظلّ قيادة تشانغ تشنغ ، على الجبهة الثقافية ، خيض صراع شديد لمعالجة المسائل المتصلة بالخطّ الصحيح بخصوص الأعمال الثقافية البروليتارية. و هكذا وُلدت أعمال جديدة.
و عقدت ندوات حول الإبداع الأدبي و أوليت عناية خاصة لتخريج "جيش من النقّاد الأدبيين و الفنّانين". و كانت بعض الثمار المجنية أثناء الثورة الثقافية ،و كذلك الإتجاه الذى طبعه خطّ اليسار بوجه خاص ، تُلاحظ بسهولة فى صفوف جيش التحرير الشعبي مع نهاية الستينات.
و بالفعل ، أخذ الجنود يشاركون فى هذه الثورة على مستوى مختلف نوعيّا سواء فى ما يتصل بنشاطاتهم السياسية أم الثقافية.
لقد كان إتساع مجال النشاطات يفتح الباب لدراسة السياسة حتى كتابة و إنتاجا و لعروض الساينات-الكوميديا و الأوبيرا ، و تنظيم الندوات و المهرجانات للهواة وسط الوحدات المحلّية لجيش التحرير الشعبي عبر الصين.
صراع الخطين يتخطّى مرحلة جديدة :
رغم أ،ّها فى ديسمبر 1964 ، شاركت فى المؤتمر الوطني الشعبي بإعتبارها ممثلة لمقاطعتها الأصلية شنتونغ، لم تفرض تشانغ تشنغ ذاتها حقا كقائدة إلاّ خلال الثورة الثقافية. و لم يسند لها هذا الدور بشكل "رسمي" إلاّ فى المؤتمر التاسع للحزب سنة 1969،حينما إنتخبت عضوة فى المكتب السياسي لللجنة المركزية.
و من هناك جرّتها مسؤولياتها أكثر فأكثر إلى الصراعات السياسية وسط المراتب العليا للحزب. و بنضالاتها ساهمت مساهمة هامة فى تعزيز اليسار.
و خلال السنوات الأخيرة من الثورة الثقافية ، كانت الصين منشغلة بالتسريع فى التحويل الإشتراكي للإقتصاد ،و الصحّة و الفنون و الثقافة لا سيما بمهاجمتها للنظام التعليمي القديم. و تمّ كلّ هذا عبر بناء وتعزيز اللجان الثورية. و قد وجّهت هذه التغييرات ضربات شديدة للأسس المادية و السياسية للرأسمالية و سمحت للبروليتاريا بأن توسّع تأثيرها فى مجالات جديدة.
و كان هناك ايضا غنعكاس للتغييرات العميقة الحاصلة فى علاقات الإنتاج ، التى كانت تتشكّل حسب قوالب جديدة موسّعة نطاق العلاقات الإجتماعية الجديدة فى كافة مجالات المجتمع للتوصّل فى الأخير إلى قبر علاقات الإضطهاد و الإستغلال التى ستنتهى الإنسانية بجعلها تقبع فى أعماق الموسوعات المغطّات بالغبار.
و من ضمن الظواهر الجديدة التى يمكن ملاحظتها ، لنشر إلى العمّال و الفلاحين و الجنود المسجّلين فى الجامعات ؛و الشباب المتعلّم الذى رحل إلى الريف ؛ و كوادر الحزب التى كانت تساهم فى العمل المنتج؛ و العمّال يساهمون فى إدارة و إعادة تشكيل القواعد و القوانين القديمة؛ و تنوّعات الإتحاد الثلاثي التى تركّزت فى كافة الميادين ،بمافى ذلك ميدان التحديثات التقنية فى المصانع و فى المناطق الريفية و كذلك الإختراقات العلمية عموما ،و شعارات ط أحمر و خبير" أو "السياسة فى موقع قيادة القدرات المهنية" كانت تكرّس الوحدة بين المسلحين بفهم سياسي صحيح و الذين يمتلكون معارفا خصوصية. و النساء اللاتى جرى تشجيعهن على تبوّء مراكز قيادية فى الحزب و فى قيادة تشكيلات الوحدة الثلاثية ، و كذلك أناس أكبر سنّا منحدرين من الجماهير كانت تجربتهم الغنية فى تحالف مع الشباب ؛ و جرى تشجيع عمل الجماهير فى حقل العلم و التقنية و أيضا تشجيع أعمال كانت تستخدم كنماذج للإبداعات الثقافية، أعمال غدت ملكا للجماهير ؛ و كان ينشأ أدب ثوري شعري و ملوّن ؛ و نظّمت دراسة النظرية الماركسية على نطاق واسع و انشأت مصحّات مجانية أو تقريبا مجانية فى الريف حيث المباشرين للعمل الصحّي ذوى الأقدام الحافية، ومنهم بعض الفلاحين المدرّبين على الطبّ ، كانوا يوفّرون العناية الصحّية.
و قد عارض البعض هذه التى أطلق عليها إسم " الأشياء الإشتراكية الجديدة" التى ظهرت فى خضمّ الإطاحة باليمين. و قد جرى تعويض ممثّليهم الرئيسيين فى المواقع العليا للحزب . و مع ذلك ، حتى البعض ،مثل لين بياو ، الذين إدّعوا أنّهم رفاق أوفياء لماو ، إنتهوا إلى تشويه تحدّيات الثورة الثقافية هذه.
و منذ رسالة جويلية 1966 إلى تشانغ تشنغ ، أطلق ماو هذا التحذير :"بعض أفكار أصدقائنا تزعجنى كثيرا" و كان يحيل على الطريقة التى كان يشجع بها لين بياو أفكار ماو ، اي كما لو أن لهذه الأفكار قوّة مقدّسة. " كلّ شيئ مبالغ فيه " هذا ما كتبه ماو لتشانغ تشنغ. (35) وهو ما يذكّرنا بالغضب الذى أبداه ماو تجاه الترجيعة الغبيّة للين بياو فى 1959 ، حين تمّت ترقيته لمركز وزير دفاع" "جملة واحدة لماو تساوى 10000 جملة!"(36)
و قيّمت تشانغ تشنغ تقييما وجيزا ما قام به لين بياو فكتبت أنّه عقب الفترة التى ادّت إلى الإطاحة بأتباع الطريق الرأسمالي ، الذين كان على رأسهم ليوتشاوتشى ، عُيّن لين بياو خليفة لماو فى المؤتمر التاسع للحزب. و عندها سعى إلى الإستيلاء على قيادة الحزب و الدولة و الجيش. ففضلا عن نشره لكتبه مستخدما إسم ماو ( ناشرا بشكل واسع أعمال الرئيس الفقيد و معنونا إيّاها "فكر لين بياو" ، حسب تعبير تشانغ تشنغ) و قد خلق إضطرابا كبيرا حاثا على المعارك ،و رفع السلاح و ناشرا القوات المسلحة دونما ضرورة لذلك.
و قد تحدّثت تشانغ تشنغ كذلك عن طريقة عيشه الشاذّة و عن حماسه الكنفيشيوسي ل" أن تصبح ضابطا ثريّا" (37) و غداة الإعداد لمحاكمة لين بياو من قبل اللجنة المركزية،حيث كانت تشانغ تشنغ تنهض بدور محدِّد ، فإنّ هذا التقييم حتى رغم كونه حكائي فهو يعدّ مؤشّرا عن الوضع. لقد تخفّى هذا الخائن ،مثلما كانت تصفه، قرب ماو و ضربته؟؟؟ العنيفة للإستيلاء على السلطة قد رجّت بعمق الحزب و المجتمع فى لحظة كانت فيها مكاسب الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و الوحدة الوطنية بإتجاه التعزيز.
دون إعتبار أنّ هذه الأحداث تتنزّل فى إطار تاريخي حيث كان الإتحاد السوفياتي يضغط على الصين و يهدّدها عسكريا. و من العشرة صراعات الكبرى بين الخطين داخل الحزب الشيوعي الصيني ( إلى 1972) ، تعلمنا تشانغ تشنغ أن أخطرها كان ضد لين بياو.
كان لين بياو قد إرتبط إرتباطا وثيقا باليسار أواسط الستينات ، حينها تكشفت ضرورة تحالف كبير لتشديد الهجوم على اليمين و ضد خطر إعادة تركيز الرأسمالية . فى تلك الحقبة ، إضطلع لين بياو بدور هام بتوليه مسؤولية التربية الإشتراكية فى الجبيش ، مصحّحا خطأ خطّ بينغتاهوا ( الذى كان يدافع عن تعصير الجيش بتبعية للتقنية المتقدّمة ،على غرار التحريفيين السوفيات).
و إستغلّ لين بياو و أتباعه كذلك الفرصة لتقوية قاعدة مساندة ماو و تعظيمه و حتى ، إلى درجة معيّنة ، تشانغ تشنغ ، حتى يجعلوا منهما أيقونات يطمحون للإنقلاب عليها. كان لين بياو يودّ التعويل على الجيش لإعادة تركيز النظام و فى 1967-1968 ، كان بعدُ يدّعى أنّ الإنتاج يجب أن يُقدّم على الصراع السياسي.
فى المؤتمر التاسع ، سنة 1969، كان من الجلي أنّ برنامج لين بياو يقع على اليمين: كتب أنّ التناقض الرئيسي هو التناقض بين النظام الإشتراكي المتقدّم و القوى المنتجة المتخلّفة وهي نفس طبخة ليوتشاوتشى التى جرت الإطاحة به قبل سنوات عدّة. و كان يعتبر الأشياء الإشتراكية الجديدة عائقا دون الجماهير التى كانت فى حاجة للحصول على "الغذاء و البترول".
ورغم كونه عارض بجلاء إستسلام شوآن لاي أمام الإمبرياليين الأمريكان ( بما أنّ لين بياو كان يفضّل "الإشتراكيين السيّئين "للإتحاد السوفياتي) ،فإنه فى الواقع شاطره الكثير من الأفكارالتى كانت تبدو أكثر "إعتدالا" و بالأساس تعصير ذى أهداف يمينية، وإستسلام للإمبريالية إلخ. أيضا عارض لين بيا جهود ماو لإعادة تركيز الدور القيادي الشامل للحزب و الحدّ من دور الجيش(38).
حينها إندلع صراع شديد حول الوضع العالمي فى صفوف قيادة الحزب الشيوعي الصيني. و فى 1970 وافق ماو ( مع شو آن لاي لكن لأسباب مغايرة ) على إنفتاح الصين على الغرب موجدا تحالفا بين اليسار و القوى الوسطية التابعة لشو _ وهي فى البداية "الحرس القديم " لمركز الحزب و الهيئات العسكرية) ضد لين بياو. و قد هُزم سياسيا ،واصل لين بياو تنظيم إنقلابه و مخططاته لإغتيال ماو و كلّها إنتهت عوض ذلك إلى طيرانه نحو الإتحاد السوفياتي و موته فى حادث طائرة تقلّه فى سبتمبر 1971. من جهة كان أحمرا ومن جهة أخرى كان عقلا أسود(39)، لاحظت تشانغ تشنغ بمرارة.
و عزّز سقوط لين بياو بصفة معتبرة موقع شوآن لاي. فقد تطلبت الظروف من اليسار أن يفعل ما يريده شو- إرجاع يمينيين أطيح بهم خلال الثورة الثقافية لملئ المواقع التى كانت تحتلّها قوى لين بياو بما فى ذلك فى الجيش. و حتى دنك سياو بينغ أُعيد و لو أنّ اليمينيين قدّموا حينها ظاهريا نقدا ذاتيا ووعدوا بالدفاع عن الثورة الثقافية و فى الواقع كسبوا قوّة عامة. وقد واجه اليسار ضرورة الحفر أعمق لإقتلاع جذور تحريفية لين بياو . فبينما لم يكن تنظيميا جدّ قويّ ،كانت له سياسيا حرّية نشر خطّه اليميني صلب الجماهير فى حين يعرض ثانويا غطاءه "اليساري" المتطرّف و خطّه المثالي ل"العباقرة يصنعون التاريخ".و رغم أنّ اليمين كسب قوّة فإنّ اليسار فى المؤتمر العاشر للحزب فى 1973- مدافعا عن الثورة الإشتراكية و الأشياء الإشتراكية الجديدة. مثل مبدأ " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج"- خرج عامة منتصرا. و تمّت إعادة إنتخاب تشانغ تشنغ إلى المكتب السياسي لكن فى اللجنة الدّائمة فقط وجد تشنغ تشن –تشاو وهو فى معسكر ماو كلّيا.
تحدّثت تشانغ تشنغ عن التأثير الإيجابي للدراسة المنظّمة ضمن الكوادر لدحض خطّ لين بياو و الرفع البديهي للمستوى السياسي للجماهير و قدرتها الواعية على النشاط برفعها بصفة صارمة أكثر فكر ماو تسى تونغ فى تلك الفترة.
نظّم اليسار حملة نقد لين بياو و كنفيشيوس فى 1974. و كانت عقيدة كنفيشيوس هي الأخرى تدعو إلى إعادة تركيز النظام القديم ( العبودية) و الإستسلام للمعتدين الغربيين و الطاعة العمياء للجماهير التى ليس لها سوى حقّ أن يقع التحكّم فيها. و من منظور تاريخي ، كانت هذه الحملة تستهدف دنك سياوز بينغ _ كنفيشيوس) و ثانويا شو آن لاي ذى البرنامج الوسطي الذى كان جسرا لصعود اليمين.
13- المعركة الكبرى الأخيرة :
بدأت تشانغ تنغ تتصادم من جديد مع الخطّ التحريفي فى الثقافة الذى تبنّى محاكاة النماذج الغربية بإسم " العصرنة" و رمى إلى الحطّ من قيمة الفنّ البروليتاري مثل للأوبيرا الثورية الجديدة و مكاسب أخرى للثورة الثقافية. حيثما كان لهذا الخطّ نفوذ ، شرع فى قلب خطّ تلك الأعمال أو فى إنشاء أعمال تحريفية جديدة. وفى ظرف دفع فيه شو نحو الإنفتاح على الغرب ،وقع إستدعاء أوركسترات غربية إلى الصين غالبيتها بمبادرة منه. و لم يكن هذا سوى جبهة من الجبهات التى وجد فيسها توتّر متصاعد بين الوزير الأوّل و تشانغ تشنغ و أيضا وجد هجوم متصاعد من قبل اليمين على الجبهة الثقافية و هجوم سياسي مندفع شامل بين 1973 و 1975. و المسألة ليست أنّ اليسار كان يعارض زيارة الأركسترات الغربية للصين ككلّ بل المسألة هي أنّه طالب بأن يكون من الواضح لأي غرض سياسي يقع إستقبالها. مقال نافذ حول " الموسيقى المطلقة" نشر حينذاك متحدّيا أطروحة أن ليس لهذه الموسيقى معنى أو مضمون طبقي وهي فوق المكان و الزمان بأمثلة من التاريخ و من تطوّر المجتمع الطبقي. وضّح أنّ مثل هذه النظرة حاولت إخفاء الطابع الطبقي البرجوازي لهذه المقطوعات المسّماة الآلاتية رغم أن بعض تقنيات الموسيقى الكلاسيكية يمكن إستيعابها نقديا.
( و تجدر الإشارة إلى أنّه بينما كان عدد الزوّار العالميين يتكاثر خلال تلك الفترة ، كانت تشانغ تشنغ عادة ما تستقبل قادة الدول الغربية و ممثليها و ترأس عديد المبادلات الرياضية العالمية و أحداث جماهيرية أخرى).
و شهدت الذكرى العاشرة لتثوير أوبيرا بيكين فى 1974 تعليق مقالات و إحتفالات تدافع عن الثقافة الإشتراكية الجديدة و بالأحرى تجادل بوضوح ضد أولئك الذين يرون أنّه من "غير الملائم" وضع العمّال و الفلاحين الأبطال على الركح و الذين يطالبون عوضا عن ذلك بالرجوع إلى الأيام التى كان للأمراء و الأباطرة فيها مكانتهم الخاصة هناك!
و فى نفس الوقت ، ظهرت أعمال جديدة تنشر شعبيا التحوّل الإشتراكي فى شتّى المجالات و الأعمال البطولية للإنتاج الفلاحي و التطورات النموذجية للصناعة مثل حقول نفط تايتشنغ و الأشياء الإشتراكية الجديدة مثل الأطباء ذوى الأقدام العارية. و وجدت بعض الإختلافات الطفيفة فى صفوف اليسار حول الأعمال المرغوبة و إلى أي مدى من العلوّ يجب أن تكون المقاييس. كانت تشانغ تشنغ بقوّة ضد التسويات الخاصة بعلوّ المقاييس سواء منها السياسية أو الفنّية.و نظرا لمعرفتها بعالم الثقافة كانت قادرة على تحديد و نقد الفروقات الدقيقة و الإحاءات المبطّنة التى لا يتفطّن إليها الآخرون. و علاوة على ذلك يبدو أنّ ماو وافق على بعض الفلام التى عارضتها تشانغ تشنغ على مستويات مختلفة ؛ و لهذا دلالته فى علاقة بالمبالغة المفرطة للتحريفيين حين إفتكّ اليمين السلطة و إعتقل الأربعة و إستعمل ذلك ك "دليل" على أنّ ماو لم يكن يوافق تشانغ تشنغ و تهم أخرى سخيفة.
فضحت تشانغ تشنغ واليسار كذلك و أجهضا مؤقتا الظهور الأوّل لفلم لهواو كوفينغ الذى صوّر أوبيرا خفيفة حول التعليم سمّيت " أغنية البستاني" كانت تمجّد فضائل الأساتذة الأذكياء و تشبّههم بالبستاني المتمرّس الذى يعتنى بالورود(40). معارضة هذا الفلم الواضحة لإدخال السياسة فى دروس الشبان تتضارب بجلاء مع شريط اُنتج فى ظلّ الخطّ الثوري اليساري فى تلك الفترة " القطع مع الأفكار القديمة" وهو شريط يصوّر بشكل حيوي الصراع الطبقي فى المجتمع حول من يشرع فى الذهاب إلى المدرسة و صعوبة مواجهة كلّ من الأساتذة التقليديين القساة و برنامج ينسجم أكثر مع التربية البرجوازية منه مع حاجيات الجماهير لتغيير العالم. و رغم أنّ الشريط أنجز خلال القفزة الكبرى إلى الأمام فإنّ هذه المواضيع كانت بالضبط مناسبة للسبعينات و صار الشريط فعلا عملا له وزنه و دلالات عالمية. جنبا إلى جنب أطاح الطلبة و قادة الحزب بالتنفّجية الأكاديمية و بالطرق القديمة غير المجدية كاسبين عديد المتذبذبين فى المسار.
و حدث هذا النهوض أثناء إحتداد الصراع الطبقي فى صفوف الحزب بين الخطين و الطريقين. أعيد عدد من التحريفيين إلى مراكز مفاتيح . و فى جانفى 1975 خلال مؤتمر الشعب الوطني الرابع بينما كسب اليسار سياسيا و،واصل الموقع التنظيمي و مبادرة اليمين فى اغلنموّ. نادى اليسار بتعزيز اللجان الثورية على جميع المستويات بينما وضع شو آن لاي خطّة لتعصير الصين بحلول سنة 2000 ( بالإعتماد على الإمبريالية و إعادة تركيز الرأسمالية و غضّ النظر عن الصراع الطبقي).ووجد هذا صداه فى مشروع هواو كوفينغ لمكننة الفلاحة فى نفس المصبّ السياسي اليميني. نُقل أنّ تشانغ تشنغ التى كانت تتابع تطوّرات مجموعة تاتشى الفلاحية عن كثب ، نعتت تقرير هواو بالتحريفي فى "ندوة التعلّم من تاتشى" (41) فى أكتوبر 1975 حيث برز صراع حاد. فالتقرير كان عمليا جزءا من رياح اليمين المتصاعدة و حاول تجنّب المسألة المركزية لهل أنّ الثورة ستقود التطوّر الشامل للإقتصاد.(42)
أجاب ماو و الأربعة على ذلك بحملة دراسة و تعزيز دكتاتورية البروليتاريا مشيرين إلى انّه رغم أنّ الملكية بالأساس إشتراكية ،فإنّه ثمّة عديد بقايا الرأسمالية مثل نظام السلع و نظام درجات الأجور و عدم المساواة المادية- الإمتيازات المادية و الإجتماعية المعتمدة على القيمة غير المتكافئة لقوّة العمل لدى أشخاص مختلفين و متطلباتهم المختلفة لإعالة أسرهم- لم يقع القضاء عليها. فى صائفة 1975 نادى ماو لنقد الرواية التاريخية " حاشية المياه" التى قدّمت سانغ تشيانغس المعاصر –اليومي( شخصية إستسلمت للإمبراطوربعد إلتحاقها بإنتفاضات الفلاحين) و ذلك من أجل تركيز الهدف على الخونة دنك سياو بينغ و شو آن لآي و آخرين مثلهما.
و إندلع صراع الخطّين هذا فى التعليم إثر ذلك بقليل حول إمّا تثوير التعليم [ أو التركيز على الإنتاج] ، فإنّ بعض الأساتذة فى جامعة تسينهوا كتبوا لماو يشكون من "تدنّى المستويات الأكاديمية" و فى الواقع مشيرين تحديدا إلى إنحطاط المستويات البرجوازية. و دفع ماو نحو نقاش جماهيري و ساعد الأربعة بحيوية على تطبيق ذلك و كان تشنغ تشن-تشياو يلعب دورا خاصا و مفتاحا. وجهة نظره الشهيرة الآن صيغت على الأرجح أثناء هذا الصراع " تنشئة مستغِلّين و مثقفين أرستقراطيين ذوى وعي و ثقافة برجوازيين أو تنشئة عمّال ذوى وعي و دون ثقافة- ما الذى تريدون؟" . و قد حرّ ف اليمين ذلك لجعله يغنى أنّه قال إنّ العماّل لا يحتاجون إلى ثقافة مسقطين إشارته للثقافة الخادمة للبرجوازية. (43)
و تواصل الصراع ليحتدّ ضد دنك سياو بنغ الذى طالما كان ممثّلا واضحا للقطب اليميني فى الحزب الشيوعي الصيني ، متميّزا بشعاره " قطّ أسود ، قطّ أبيض لا يهمّ طالما أنّه يصطاد الفئران"؛ و كانت وجهات نظره مركّزة فى برنامجه العام فى تطبيق "التوجيهات الثلاث" (عوضا عن و لأجل إنكار الصراع الطبقي البروليتاري) كرابط مفتاح. إثر وفاة شو آن لاي فى جانفى 1976 إرتفعت قدرة اليسار على فضح دنك سياو بينغ ( دون شو حاميا له) بأكثر شمولية و أمسك بالمبادرة. مع ذلك لم يكن اليسار بالقوّة الكافية ليجعل من تشانغ تشن-تشياو الوزير الأوّل فى صراع الخلافة. ( إضافة إلى دور تشانغ تشن-تشياو المفتاح فى الثورة الثقافية – كعضو فى المجموعة المكلّفة بالثورة الثقافية و فى شنغاي- فإنّه تطوّر كقائد مفتاح للحزب كلّه.و قد كان مؤلّف مقالات نظرية رائدة مثل "حول ممارسة الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية" (44 ) و كانت أهمّيته كبيرة ضمن مجموعة شنغاي لدراسة الإقتصاد السياسي جميعه و التى ألّفت أعمالا هامّة قائمة بتحليل طبقي للقوانين الإقتصادية فى ظلّ الإشتراكية و طبيعتها المتناقضة). و فى حين حال اليسار دون دنك سياو بينغ فإنّه إضطرّ للقبول بهواو الذى لم يكن الوجه الأوّل لجبهة اليمينيين و لم يكن لديه أتباع شخصيين كثر.
و كانت تشانغ تشنغ ناشطة فى هذا الصراع و مرّة اخرى لعبت دورا جدّ جماهيري بما ازعج دنك سياو بينغ . وفى محاولة إستعراض للقوّة قام اليمين بالإضطرابات المضادة للثورة بتيان آنمان فى أفريل 1976 بُغية مهاجمة ماو و سياساته بدعوى تقديم الإجلال لشو آان لاي و خطّه حول " التعصير". لكن التحريفيين إستهدفوا بوضوح تشانغ تشنغ عوضا عن ماو بشعارهم الكنفشيوسي الرخيص حول " الإمبراطورية الأرملة". ( الحاكم الإقطاعي الذى أطاح بثورة طرد الأجانب من الصين فى 1900 و تاريخيا يشبه أكثر نظام دنك الدموي الذى قتّل الطلبة و العمّال فى 1989). و بعد إحباط العرض الرجعي من قبل جيش التحرير الشعبي و المليشيا الشعبية ، كانت مهمّة تشانغ تشنغ كما أعلن هي تنظيم تحويل البقايا التذكارية من الساحة – عمل أزعج بعمق اليمين و فى ما بعد حاول إستعماله ضدّها(45).
لقد عُزل دنك سياو بينغ من كلّ مهامه لضلوعه فى الإضطرابات و سرّع ماو واليسار حملة دكتاتورية البروليتاريا موجّهين النار إليه و إلى الرياح اليمينية المنحرفة. حينها صاغ ماو موقفه الشهير " إنّكم تقومون بالثورة الإشتراكية و لا تعرفون أين هي البرجوازية – إنّها بالضبط داخل الحزب الشيوعي . أتباع الطريق الرأسمالي لا يزالون يتبعون الطريق الرأسمالي". كان ذلك جوهر المسألة و هجوم اليسار- "الخمسة" ، ماو و الأربعة كمحوره السياسي- ألحق ضربة موجعة باليمين ، دافعا دوما إلى مواجهات مفتوحة بين القيادتين صلب الحزب بما فى ذلك إضرابات و إعتصامات و إسقاط الوزراء رغم أنّ التحريفيين بقدر ما كان بإمكانهم حاولوا صدّ الحملة و تطوّر الحركة الجماهيرية.(46)
14- موت ماو و الإنقلاب الرأسمالي:
فى التاسع من سبتمبر 1976 توفي ماو تسى تونغ. شأنها شأن الجماهير فى الصين عديد الملايين فى الكثير من بلدان العالم فجعت جراء هذه الخسارة التى لا حدود لها و إبتهج التحريفيون و إستعدّوا لإفتكاك السلطة. و الخليفة "الرسمي" هواو كوفنغ على رأسهم و بالإعتماد على أجزاء من السلطة إفتكّوها بعدُ بما فى ذلك داخل القوى المسلّحة ، تمكّنوا من القيام بإنقلاب عسكري فى غضون شهر من وفاة ماو تسى تونغ و غعتقلوا الأربعة و أقرب مسانديهم. آل حكم البروليتاريا إلى نهاية مفاجأة و عنيفة فى الصين معيدا للأذهان التحذير الذى صاغه ماو تسى تونغ فى 1966 فى رسالته لتشانغ تشنغ حول إمكانية إستعمال اليمين لكلماته للقيام بإنقلاب معاد للشيوعية فى الصين بعد وفاته لكن أيضا مؤكدا لها أنّهم لن يعرفوا السلم.
و بالفعل عرف العديد أنّها نهاية الثورة و رؤوا بصفة صحيحة عبر سدّ الدعاية السياسية و لهذا السبب جرى تقديم الإنقلاب مع ومضات و جرعات ضخمة من البنادق كما لو أنّه يسجّل نقطة هامّة أخرى لفائدة ماو. لقد أعلنت وسائل الإعلام أنّ الأربعة يمثّلون " اليمين التحريفي الفعلي" و أنّهم و خاصة تشانغ تشنغ كانوا مرتدّين أتباع الكومنتنغ و انّ هؤلاء الربعة – تشانغ تشنغ ،وتشلنغ تشن-تشياو، و ياووان-يوان ووانغ هونغ –وان- مع مجموعة كبيرة من رفاقهم كانوا الأعداء الأصليين لماو تسى تونغ ؛ و قد صوّر أنّ ماو لو كان حيّا لساند هذه الإطاحة ب" الثورة المضادة" . فبيّن هذا المستوى المتدنّى من القدح مدى مأزق القائمين بالإنقلاب و لحاجتهم اليائسة لتعزيز السلطة أضافوا إلى ذلك حتى قدح أدنى مستوى هو حملة ذات قناة بالوعة وسطحية مليئة بأبشع القذف الشخصي يمكنهم التفكير فيه و حوادث غير ذات أهمّية بالغوا فيها إلى حدود الهذيان.
ساعين فى نفس الوقت إلى تضييق سلاسل العادات مع طاحونة الأكاذيب التى لفقوها ، إختار هؤلاء الكنفشيوسيين المعاصرين أن يجعلوا ضحية و بأكثر وحشية المرأة ، تشانغ تشنغ. بإعتبارها زوجة الرئيس ،كان من المفروض أيضا أن تكابد و أن تتحمّل المسؤولية عن كلّ "الأشرار" التى عرفتها الصين أبدأ، القديمة منها و المعاصرة لكن و بالخصوص خلال الثورة الثقافية .بالنسبة لأتباع الطريق الرأسمالي هؤلاء أسوأ هذه "الأشرار" كان طبعا تحمّل 30 سنة تقريبا من قيادة ماو للجماهير لتثوير المجتمع الذى منه يريدون أن يصبحوا أغنياء و بإرتباط بذلك إخفاقهم فى الإطاحة بماو و رفاقه الثوريين من مركز السلطة قبل ذلك بكثير.
و مع ذلك ، قاوم الناس . بطرق عديدة . و تهمة من أهمّ التهم أثناء " المحاكمة " التاريخية لسنة 1980-1981 كانت تهمة إعداد إنتفاضة مسلّحة فى شنغاي ضد الإنقلاب. كان لتشانغ تشن-تشاو و آخرين عدّة مناصرين سياسيين فى تلك المدينة نشؤوا خلال الصراع الحاد و التغيّرات الهامة للثورة الثقافية. وقد كانت شنغاي مشهورة بعاصفة جتنفى حين إسترجع ملايين العمّال و إنضمّ إليهم الفلاحون و الطلبة ، السلطة من أيدى لجنة الحزب البلدية المقادة من قبل التحريفية سنة 1967. وفى أوت 1976 بتصاعد إنتظار حسم داخل الحزب وُزّعت الأسلحة و الذخيرة على ميليشيا شنغاي التى تعدّ المليون شخص و التى أُنشأت من قبل اللجنة الثورية لبلدية شنغاي قبل عدّة سنوات.
إثر تسرّب أخبار إعتقال الأربعة وُضعت مخطّطات دقيقة لإيقاف نشاط الموانى و المطارات و إغلاق الصحافة و الراديو و دفع إيقافات للعمل و مظاهرات و تحريك رجال و نساء المليشيا معَا مع قيادة حامية شنغاي. قائد شيوعي قديم زهو وونغ-جيا رفيق قريب من تشانغ تشن-شياو و رئيس مجموعة الكتابة للجنة الحزب بشنغاي جمّع الثوريون لتحضير التحرّك مناشدا إيّاهم أن "يقيموا كمونة باريس. إّا لم نستطع الإبقاء على القتال لأسبوع ،فإنّ خمسة أو ثلاث أيام ستكفى لتجعل العالم يعلم ما يحصل..." بكلمات أخرى ستكون هذه الإنتفاضة بمثابة بيان أن إنقلابا تحريفيا حصل بالصين و انّه تقع مقاومته بنشاط من قبل الثوريين. أغلب التقارير ترتكز على صحف هونكونغ و حتى على وصف فى الصحافة التحريفية ذاتها لذلك ،فإنّ جزئيات المخطّط كانت محدودة.
و وقع إرجاء الإنتفاضة حين تمّت دعوة القادة عمدا إلى بيكين و يبدو أنّ الثوريين فقدوا المبادرة فى تطبيق الإنتفاضة التى خطّطوا لها بإعتبار انّ من قاموا بالإنقلاب إندفعوا إلى المدينة للحيلولة دون ذلك. و رغم ذلك نُقل أنّه وجد قتال مسلّح فى بعض وحدات المليشيا فى 13 أكتوبر و لآلاف الناس كانوا يتجمعون كلّ يوم فى مراكز القيادة الحيوية لرؤية ما هي التحركات التى سيتخذها القادة. أشار زهو بصفة صحيحة إلى الحاجة الماسة إلى "تحرّك سريع و حيوي جالبا مساندة كبيرة" ليس فحسب بشنغاي بل عبر البلاد بأسرها(47). لعدّة اسباب أخفقت القيادة فى التحرّك فى الوقت المناسب . وهذا يؤكّد حتى أكثر أهمّية الموقف الحيوي و الصارم لتشانغ تشنغ و تشانغ تشن-تشياو و أهمّية فقدانهما.
و رغم الضباب الذى أطلقه هواو حول أنّه يعمل بإسم ماو ، فإنّ فى شوارع الصين فى أوساط العديد من الجماهير وُجدت تحيّة ذات خمسة أصابع وراء ظهر الرسميين وهو أمر لا يستدعى تفسيرا : ماو والأربعة هم الثوريون الذين وقعت الإطاحة بهم. قال ملاحظ أجنبي فى شنغاي خلال الإنقلاب إنّ النقاشات و التحركات كانت مراقبة عن كثب و إنّ التوتّر كان على أشدّه فى صفوف الشعب . ووقع تقطيع ملصقات رسمية للجنة المركزية مهاجمة الأربعة ، من على جدران محطّة قطار نانجينغ(48). دون شكّ لم تظهر بعدُ إلى الضوء الكثير من الحكايات الأخرى بما أنّ المعادين للثورة ضربوا بسرعة و بعنف معتقلين و ساجنين المتعاطفين المعروفين مع اليسار و قتلوا العديد منهم.
لقد مثّل الإنقلاب فى الصين صفعة لشعوب العالم و للبروليتاريا العالمية ككلّ . فقد كانت الصين الثورية منارة لمئات الملايين من الناس الذين يتطلّعون إلى التحرّر. طوال عشر سنوات مثيرة ،حالت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى بقيادة ماو و القادة الثوريين داخل الحزب دون قَلب السلطة البروليتارية و إعادة تركيز الرأسمالية بدفع النشاط الواعى للجماهير. طوال عشر سنوات ، أقيمت خطوات جبّارة من قبل من كانوا قبلا منسيين و مضطهَدين تاريخيا مفرزة أرضية إشتراكية جديدة للبروليتاريا العالمية. و خلال كلّ هذا تطوّر العلم الثوري إلى مستوى جديد نوعيا و صار معروفا بالماركسية –اللينينية- فكر ماو تسى تونغ.و برزت إلى الوجود منظّمات و أحزاب جيدية مرتكزة على هذه الإيديولوجيا عبر العالم بأسره.
رؤية أعظم تحوّل راديكالي و ابعده مدى فى المجتمع فى ظلّ حكم البروليتاريا يُنتزع من طرف حفنة من البرجوازيين الرجعيين داخل الحزب الشيوعي مستولين على السلطة من أجل أهدافهم الذاتية الضيّقة للتحصّل على ثروة ،كان أمرا لا يطاق. وفى الوقت ذاته، فى عمق الثورة الإشتراكية ذاتها و إتساعها ركّز ماو أسس الماركسية-اللينينية كي يمسكوا بالأسلحة التى وسّعها و شحذها بغية فهم كلّ من طبيعة الإنقلاب و كيفية مواصلة السير فى الطريق إلى الأمام. لم تكن هذه مهمّة سهلة- كانت تتطلّب صراعا حادّا حول خلاصة طبيعة المجتمع الإشتراكي و مساهمات ما وفى علم الثورة و ايضا فى أحداث الصين ذاتها. بعدُ ، متحمسين إلى حدّ كبير بفضل موقف تشانغ تشنغ و تشانغ تشن-شاو الجريئ لم ترفض عديد الأحزاب و المنظّمات الماركسية-اللينينية التخلّى عن مسار الثورة أمام خيانة التحريفيين الصينيين و الهجوم الإيديولوجي المترافق معها المعدي للشيوعية من قبل البرجوازية العالمية فحسب و إنّما نجحت فى تحقيق خطوات نوعية نحو الأمام فى تحويل الأزمة داخل الحركة الشيوعية العالمية و تشييد مركز عالمي جنيني قائم على هذا الفهم و ممثّل اليوم فى الحركة الأممية الثورية.
عقب إيقاف القيادة الثورية ، قام النظام بموجات من حملات التطهير فى الحزب و فى 1977 بدأت سلسلة الإعدامات. وبعد سنتين من الإنقلاب جرى حلّ اللجان الثورية و صارت إمتحانات الدخول و الإمتياز ( لفائدة أوّلا أبناء موظّفى الحزب) مقياسا للحصول على تعليم أعلى. ووقعت مراجعة الأفلام و الأعمال الأخرى المنتجة فى ظلّ قيادة تشانغ تشنغ أو دمّرت تماما.و أعاد التحريفيون النسخة ما قبل الثورة الثقافية من باليه "الفتاة ذات الشعر البيض" مثلا مبرزين الحبّ كمحور رئيسي. و عادت عادة وأد البنات المولودات بما أنّ الرأسمالية وضعت مكافأة على المواليد الذكور. و مثلما كانت تنتظر النسور الجشعة الغربية مثل كوكاكولا و ميتسوبيشى للإنقضاض وتركيز أسواق جديدة بالصين ، بدا الإنتاج يتوجّه إلى حاجيات الإمبريالية و يُرفّع عبر العلاوات و أكبر فروقات فى الأجور. بإختصار أعيد تركيز الرأسمالية بصفة ثأرية. و تمّ كلّ هذا فى إطار قمع ثقيل متبعين الخطّ الرسمي و إيقاف الصراع السياسي الذى قاد و شجّع البناء الإشتراكي لأزيد من عشرين سنة.
15- المحاكمة الأشهر فى القرن العشرين: " أنا مسرورة لأنّنى أدفع دين الرئيس ماو!":
طوال أربع سنوات ، ظلّت تشانغ تشنغ و رفيقها تشانغ تشن-تشياو دون تهم رسمية. جاء فى صحف هونكونغ أنّ هواو حاول لمدّة سنتين أن يجعلها تتراجع فسخرت منه تشانغ تشنغ قائلة :" أتحدّاك أن تطلق سراحي!".فى 1978 وقع تعويض هواو بالوجه الحقيقي الماسك بالخيوط ، دنك سياوبينغ . وكإنتقام خاص وضع دنك التحريفي الكبير بنغ تشن ( من لجنة بلدية بيكين القديمة الذى وقعت الإطاحة به خلال الثورة الثقافية ) مسؤولا عن إستجوابها قبل محاكمة 1980. من مواقفها أثناء المحاكمة أنّها[تشانغ تشنغ] قالت إنّها بينما كانت تعدّ نفسها جسديا للمحاكمة كي تقوم بأفضل ما تقدر عليه للدفاع عن الثورة الثقافية ، " كلّ يوم من صياح الديك أسحب سيفى" مشيرة إلى إعداد للذات من أجل المعركة.
كان أوّل تكتيك للتحريفيين هو تحويل الحكم على لين بياو ووسمه باليساري المتطرّف و محاولة محاكمة العشرة ك "عصابة". لقد دسّوا معهم بعض الجنرالات العسكريين القدامى الذين تآمروا كجزء من اليمين ضد ما وفى بداية السبعينات و ذلك فقط من أجل خلط الخطوط السياسية حتّى أكثر. و نُقل أنّ سلسلة التهم قبل المحاكمة وقع تغييرها لثلاث مرّات لأنّ الإنفجارات غير المتوقّعة لتشانغ تشنغ تجعل غير "لائق" المشهد أمام الملأ. عندما سئلت إن كانت تريد محاميا ، فضح جوابها بحدّة المحكمة الكنغرية.: فقط إذا إتخذ المؤمرين التاسع و العاشر كأساس سياسي للدّفاع عنّى! عند رفض الطلب...أعلنت تشانغ تشنغ أنّها ستدافع عن نفسها بنفسها.
صاغت موقفا فى 181 صفحة ناقدة تهمهم بصفة لاذعة: إذا كان اليسار "يكيد" للقادة القدماء، ما الذى تقومون به أنتم الآن؟ ما الخاطئ فى أن تطيح الثورة الثقافية بالقادة المتبعين للطريق الرأسمالي لليوتشاوتشى و من معه وأن تعيد الطبيعة الحقيقية للحزب؟ و إنتقلت مباشرة إلى جوهر الموضوع : " لن أعترف بأيّة جريمة ليس لأنّنى أريد أن أنقطع عن الشعب بل لأنّنى بريئة. إن كان عليّ أن أعترف بشيئ فيمكننى أن أقول فقط إنّنىخسرت فى هذا الصراع من أجل السلطة.
بأيديكم الآن السلطة لذا بإمكانكم إتهام الناس بالجرائم و إختراع دلائل غير صحيحة تسندون بها تهمكم. لكن تعتقدون بأنّه بمقدوركم مغالطة الشعب فى الصين و فى العالم ،إنكم مخطئون تماما. لست بل هي عصابتكم الصغيرة التى تقف أمام محكمة التاريخ".
هذا بالضبط ما قالته إبّان المحاكمة ذاتها التى إنطلقت فى العشرين نوفمبر 1980 و تواصلت إلى جانفي 1981. وخلافا لوانغ هونغ- وان و وياوووان-يوان الذين إستسلما قبل المحاكمة معترفين بكلّ إتهام وجّه لهما و قد أملا فى تخفيف للحكم ، فإنّ تشانغ تشن-تشياو ظلّ صامتا بتحدّى ( بإستثناء حين رفض التهم الموجّهة له) رافضا الإعتراف بالمحكمة المتكوّنة من 35 قاض و سخريتهم و المشاهدين المختارين و المشهد المعروض تلفزيا. لم تظهر تشانغ تشنغ سوى الإحتقار تجاه من سيصبحون جلاديها وحوّلت نار الإستجواب نحوهم :" غالبية أعضاء المحكمة الحالية بما فيهم رئيسكم جيانغ هوا تسابقوا فى تلك الأيّام لنقد ليوتشاوتشى . إن كنت أنا مذنبة فماذا عنكم أنتم؟"
و صوّرت بوضوح العلاقة بين نشاطاتها و خطّ ماو الثوري مرّة أخرى مُسكتة قُضاتها الذين بالطبع لم يستطيعوا ان يبيّنوا العكس و إضطرّوا إلى أن يقولوا لها " إغلقى فمك" مرّة فمرّة. "بما أنّكم لن تدعونى أتكلّم" كانت تشانغ تردّ " لماذا لا تصنعوا صنم بوذا فى مقعدى و تحاكمونه عوضا عنّى. لقد كنت زوجة الرئيس ماو لثمانية عشر سنة .ز. لقد إتبعت خطّ ماو و خطّ الحزب. ما تقومون به الآن هو مطالبة أرملة بأن تدفع دَينَ زوجها. حسنا سوف أقول لكم ، أنا مسرورة بأن أدفع دين الرئيس ماو!" و فى لحظة مثيرة ،أعادت مقولة شهيرة لماو أنّ الثوريين الحقيقيين لا يهابون جهنّم و لا القانون. لم تستطع السلط مواصلة الجلسة. و بينما كانت تُسحب خارج القاعة ،صاحت " من حقّنا القيام بالثورة! ليسقط التحريفيون بقيادة دنك سياو بينغ! أنا مستعدّة للموت!" وقد ذهلوا أجّل التحريفيون مكيدتهم لبضعة أيّام ليقرّروا ما الذى سيفعلون.
لقد ألهمت حركات تشانغ تشنغ أناسا عبر الصين و فى كافة أنحاء العالم و إعترف بذلك حتى الرجعيون هناك.و عبر العالم نظّمت مظاهرات و تجمعات مساندة لتشانغ و رفاقها . من سيريلنكا حيث هُوجمت سفارة الصين إلى الولايات المتحدة ، إلى باريس و لندن و أمضيت عريضة من قبل ألفا شخص ل "إنقاذ حياة تشانغ تشنغ" نُشرت فى اليومية الفرنسية " لومند". و تحققت قفزة جديدة فى صفوف الحركة الشيوعية العالمية خلال الندوة العالمية الأولى للأحزاب و المنظّمات الماركسية-اللينينية التى شرعت فى سيرورة تجميع الماويين عبر العالم مساعدة على وضع أسس الحركة الأممية الثورية فى 1984.
لقد تملّك العذاب النظام الصيني (المكتب السياسي لدنك سياو بينغ) عذابا شديدا لمدّة شهر تقريبا قبل إعلان حكم الموت ضد تشانغ تشنغ و تشانغ تشن-تشياو . و قد كان التحريفيون غير متأكّدين من ما سيضرّ بهم أكثر – إعدام هذين الثوريين أو الإبقاء على حياتهما كسجينين سياسيين رئيسيين. وقدّما لهما سنتين "ليعلنوا التوبة" . حين سمعت كلمة "موت" ، صاحت فيهم تشانغ تشنغ " القيام بالثورة ليس جريمة!".
وُضعت تشانغ تشنغ فى سجن كونغ تشنغ القديم لمئات السنوات و قضّت العديد من سنواتها ال15 هناك فى عزلة. و عندما رفضت التعاون مع السلط حرمت من الغذاء و من ممارسة الرياضة أو كانت تتعرّض للضرب على أيدى سجاّنيها. غالبية الوقت لم يكن لها حقّ الكلام إلاّ خلال إستنطاق. و الإنسان الوحيد الذى كان مسموح لها برؤيته هو إبنتها لى نا.
فى السجن ، كانت تشانغ تشنغ تخيط عرائسا و تكتب إسمها عليها جاعلة إيّاها "غير ممكنة " البيع و رفضت القيام بالنقد الذاتي الشهري المطلوب من السجناء السياسيين . فى مقال ب"النيويورك تايمز" سنة 1983 ،نقل أنّها تحدّت سجّانيها " أن يقطعوا راسها" فى شعارات كتبتها بالحفر على جدران سجنها. لقد طلبت أن تقابل دنك سياو بينغ الذى رفض و كتبت على أوراق مواقفا سياسية تفضح النظام التحريفي. و نُقل أيضا أنّها طلبت أن تعرض وجهات نظرها فى نقاش مفتوح فى المؤتمر الثاني عشر فى صائفة 1982. و فى 1983 ،تغيّر حكم تشانغ تشنغ إلى السجن مدى الحياة. و ثمّة تقارير عن مناشير ظهرت فى شوارع بيكين و شانتونغ مساندة للثورة الثقافية و فاضحة أتباع الطريق الرأسمالي فى السلطة يُقال إنّها هي التى كتبتها و هرّبتها إلى خارج السجن.
فى ما يتعلّق بالخارج ، فقد نشرت رسالة سرّيا فى الصين و بُعثت إلى الماركسيين –اللينينيين خارج الصين فى أواخر 1980. حيّت الرسالة موقف تشانغ تشنغ و تشانغ تشن-تشياو كما تعرّضت إلى بعض المشاكل فى الخطّ السياسي الذى حال دون الثوريين و التحرّك بحيوية فى اللحظة الحاسمة للقيام بالإنتفاضة المسلّحة إثر إنقلاب 1976. و دعت الشعب ليقيّم اربع سنوات من دكتاتورية البرجوازية الجديدة التى عاشها و تتعهّد بإعادة السلطة إلى البروليتاريا. و لاحقا ، أكّدت مصادر يابانية إنتشار الرسالة على نطاق واسع و جريئ فى الصين مع بعض التحريض المفتوح فى الشوارع.(49)
16- زوجة ماو و رفيقة دربه طوال 38 سنة:
ذو دلالة أن ماو أكّد أنّه قام بشيئين إثنين قبل وفاته فى 9 سبتمبر 1976. إلتقى بالمكتب السياسي و فى جويلية كتب رسالة إلى تشانغ تشنغ. وبّخ اليمين خلال الإجتماع لأنّه كان يتمنّى موته السريع كي يستطيع مواصلة مؤامراته و فى نفس الوقت ، حذّر من أنّه يتعيّن النضال ضد كلّ من الولايات المتحدة و الإتحاد السوفياتي. و الأسطر التى خطّها لتشانغ تشنغ تضمنت تحدّيا مع نقد ذاتي حاد مطالبا إيّاها أن تمسك بصلابة بعصى القيادة ."كنت على خطئ. اليوم ننقسم إلى عالمين. هل يمكن لكلّ واحد أن يبقى على سلامته. كلماتى القليلة هذه يمكن أن تكون آخر رسالة إليك. حياة الإنسان محدودة لكن لا حدّ للثورة. فى صراع العقد الماضي نحاولت أن اصل إلى قمّة الثورة لكنّى لم أنجح. لكن أنت بإمكانك بلوغ القمّة. إذا فشلتى فإنّك ستسقطين فى هاوية لا قاع لها. و جسدك سيتحطّم . هيكلك العظمي سيتكسّرتكسيرا". (50)
ضمن آخر كلماته الموجهة مباشرة للماسكين بالسلطة ضد التحريفيين الذين أرادوا ان يخلقوا صدعا بينهما ورد" ساعدوا تشانغ تشنغ على رفع الراية الحمراء".
لقد ذرّ التحريفيون الصينيون الرماد ما قدروا و إخترعوا الأكاذيب عندما إحتاجوا ذلك ساعين إلى إظهار أنّ ماو و تشانغ تشنغ كانا على إختلاف فى نهاية حياة ماو. هذأ بإمتياز يجانب الحقيقة و ببساطة طعنة خرقاء فى محاولة لإستعمال هيبة ماو العظيمة لإخفاء أعمالهم هم الفاشية فى أكتوبر 1976 الشيئ الذى إستدعى كي ينجح إحباط الجماهير الثورية و بثّ المغالطة فى صفوفها و السعي لتحييدها هي التى كانت تحبّ و تساند كلّ من ماو تسى تونغ و تشانغ تشنغ.
و لئن كان ماو من جهة أخرى قدّم توجيها للشعب وهو على فراش الموت لمساعدة تشانغ تشنغ على رفع الراية الحمراء فذلك لأنّه يعتقد أنذها أحد القلّة اليسارية فى الصفوف العليا للحزب الشيوعي الصيني القادرة على القيام بذلك!(51)
الحقيقة التامّة هي أن ماو ساند تشانغ تشنغ وهي ساندته و كانت تحت قيادته عبر كلّ الفترة التى قاما بها معا بالثورة رغم أنّ تأكيد ليس سذاجة كإدّعاء أنّ مثل هذه الوحدة القوية أتت دون أي صراع. لكنّه كان صراعا من أجل التقدّم بالموجه الثورية الهائلة التى كانا منها و حول طبيعتها التاريخية و الأهمية المزلزلة للأرض التى فهماها الإثنان بصلابة و التى تحمّلا مسؤولية كبيرة فيها لأجل دفعها إلى الأمام.
حين صوّرها أعداؤها السياسيون و النقاد العالميين على أنّها " بلا فضيلة" و متآمرة من أجل المصلحة الذاتية "لسرقة عرش ماو" كما يقولون ، فإنّ نقطتهم الأساسية هي أنتّه كان على ماو ألاّ يمسك أبدا السلطة بأيّة طريقة. لكن بالضبط وراء ذلك يوجد يوجد بالتأكيد كونه لا يجب على أية إمرأة أن تتجرأ على الوقوف مرفوعة الرأس و ان تكون طموحة- أحد أكبر التهم المسوغة عادة ضد تشانغ تشنغ – و أن تكون مقدامة على النضال من أجل السلطة السياسية الثورية! و بما أن العديد لا يمكن مغالطتهم بسهولة بمنطقهم القائل بأن الطموحات الثورية لقيادة و خدمة الشعب "قضية خاسرة" ، فإنّ هؤلاء النقاد و الأعداء السياسيين بنظرتهم الذاتية الضيقة أوّلا يحاولون التدليل على أنّ طموحها كان ببساطة "شخصيا". و من هناك فإن تعمّقا بسيطا لإجراء تحقيق فى زواجتشيانغ و ماو ... و فى هذا لهم مع الأخصائيين الإقطاعيين و البرجوازيين المنحطّين أشياء عديدة مشتركة. بأنوفهم الشوفينية كانوا ينقبون عبر المراحيض الفارغة باحثين عن غسيل وسخ بما أنّه حسب رأيهم يجب الحكم فى النهاية على جدارة المرأة على أساس علاقاتها الخاصة لا سيما مع الرجال.
أمر واحد ليس سرّا . لم تعرف تشانغ تشنغ أبدا لحظة سلام منذ أن تزوجت ماو. لكن "السلام" الشخصي لم يكن الشيئ الذى كانت تبحث عنه. لقد قاتلت بشجاعة للنهوض بدور حيوي فى المعارك التاريخية التى كانت تزلزل الصين و كان عليها أن تقاتل لتنهض بذلك الدور. دون شكّ فى الأربعينات و الخمسينات ،حالت مشاعر ماو القوية المضادة للإقطاعية و ضد عادة الأسرة ...التى تصبح مركز سلطة ، حالت دونه و تشجيعه الشخصي لتشانغ تشنغ فى صفوف الحزب.
و بينما يبدو أنّ بعض قادة الحزب الشيوعي الصيني شدّدوا على أن تبقى خارج أعين الجماهير ، فإنّ تشانغ تشنغ بتطوّرها إلى شيوعية ثورية فى يانان أحرزت على مساندة ماو لنشاطاتها و خطّها الصحيح و بعد سنوات إختار ماو بالتأكيد أن يدفع بها إلى الأمام لتمسك بمسؤوليات قيادية إعدادا لما كان سيحدث خلال أثناء الثورة الثقافية. و قام بذلك عارفا أنّها ستواجه حتى أكثر مشاكلا و ستكون عرضة للنار المباشرة كوجه جماهيري يدافع عن نظرته السياسية. و يجب أن نقول فى نفس الوقت بانّ ماو بالتأكيد إعترف بالضرورة الملحّة لدفع أكثر نساء إلى الأمام للعب أدوار قيادية و شجّع خاصّة بقوّة على ذلك صلب الحزب.
أمّا بالنسبة لتشانغ تشنغ، فإنّ حياتها كلّها كانت حياة ثورة و معارضة لعلاقات إضطهاد المرأة – ضد الإقطاعية و العادات و ضد الشوفينية و "موقع المرأة" فى المجتمع ،و ضد القداسة الكنفيشيوسية للمنزل و العادة المنافقة لتوبيخ المرأة بسبب اخطاء زوجها. بإعتبارها زوجة الرئيس ، فإنّ ذلك كان يعنى تحمّلا لامتناهيا لمروّجى الإشاعات الصغار و للقيل و القال و كذلك للهجمات الفاسدة للأعداء السياسيين الذين لم يكونوا ليتجرّؤوا على مهاجمتها مباشرة.
كان لهذا أيضا تاثيراته على حياتهم الشخصية. ففى مناسبة تعود إلى الخمسينات على ما يبدو إستغلّ هؤلاء الأعداء السياسيين ذاتهم غياب تشانغ تشنغ إبّان معالجتها للسرطان ليأخذوا منها أحد ابناء ماو من الزواج السابق و الذى ربّته هي مثل إبنها و نشأ متعلّقا بها.
أثناء حياتها السياسية ،كانت تشانغ تشنغ بفعالية و بصفة مستمرّة تشجّع النساء على التقدّم و ناضلت مع آخرين من أجل ذلك. فى الحقل الفنّي ناضلت ضد هيمنة الرجل على المسرح – ليس فقط الكتاب المسرحيين ، المخرجين و المموسيقيينبل على الركح ذاته كان كافة الممثّلين من الرجال- لتدفع إلى الأمام بالنساء كفنّانات بروليتاريات و كتبت و راجعت بطلات ثورية فى السيناريوهات الجديدة . و محور أساسي فى عدد من الأعمال النماذج التى قادتها هو المرأة التى تطيح بالعبودية الخانقة للأيام القديمة مكرّسة نداء الحزب و القيام بالثورة . و من أوّل ما ألغت التقليد الإقطاعي المحطّ للممثّلين الرجال لاعبين دور النساء. و فى صراعات الحياة الحقيقية للثورة الثقافية أعارت دوما إهتماما بالدور الذى كانت تنهض به النساء و حثّت المتقدّمات منهنّ على تحمّل المزيد من المسؤوليات.
و ناضلت تشانغ تشنغ أيضا بصعوبة على هذه الجبهة صلب قيادة الحزب. و لأنّ الحزب الشيوعي الصيني إفراز للمجتمع الصيني – بارزا عامة كقوّة معارضة لطابعه الإضطهادي-و رغم أنّه نوعيا مختلف و يمثّل مستقبل التحرّر الشامل ، فإنّه لم يكن حرّا كلّيا من هذا المصنع افجتماعي العام شبه افقطاعي و المستعمر و الوازن بثقله بمفاهيمه المتخلّفة بشأن النساء و الأسرة و العلاقات بين الرجال و النساء . كانت تلك عادات و أفكار ناضل الحزب ككلّ ضدّها و بيّن القطيعة لا سيما فى البداية بالتشجيع النشيط للنساء فى حرب التحرير ( 52) و ثمّ بعد التحرير بالعمل على قدم المساواة مع الرجل جالبا النساء إلى الحزب و قائما بالتربية السياسية لتطوير النساء الكوادر و القياديات. و جرى النضال مع الرجال إيديولوجيا كي يقاسموهن مسؤوليات العناية بشؤون المنزل. و أنشأت تسهيلات مراكز الأكل و بيوت الحضانة و رياض الأطفال مثلا لتحرير المرأة من عمل العناية بالمنزل الخانق كجزء من القفزة الكبرى إلى الأمام و حركة تركيز الكمونات.
السياسات الإشتراكية الرسمية جدّ هامة فى تركيز توجهات عامة لكن فى النهاية ، مدى سرعة و صرامة إمكانية تقليص التفاوتات بين الرجال و النساء فى سيرورة بناء الإشتراكية مرتبط بالتحويل الثوري لنظرة الشعب و تقدّم النساء ذاتهنّ نحو الثورة ضد الأيام الغابرة و النضال لبثّ الحياة فى أشكال جديدة و أرقى فى "رفع نصف السماء" الذى يمسى لأوّل مرّة فى التاريخ ممكنا بفضل السلطة البروليتارية.
و فى نفس الوقت ، كانت مسألة تطوّر النساء كقياديات فى الصين وثيقة الإرتباط بصراع الخطين ذاته صلب الحزب. لم يعارض أبدا التحريفيون ( ورجال الدولة البرجوازيين أمثال تاتشر أو آكينو ) النساء القياديات اللاتى كانت تدعو إلى العبودية حتى و إن كانت من النوع المعاصر و كانت تتبع الطريق الرأسمالي مثل زوجة ليوتشاوتشى ،وانغ غوانغ-ميى. إلاّ أن النساء القياديات اللاتى كانت تستنهض الجماهير للتحرير الشامل و ليس فحسب من أجل مساواة برجوازة سطحية لأقلية ، تعتبر أمرا مغايرا تماما وهذا لم يكن إلاّ جزءا ممّا قاومته تشانغ تشنغ و مصدره القادة اليمينيون القدماء.
مثّلت تشانغ تشنغ نموذجا قويّا بهذا الصدد . كقائدة شيوعية ناضلت من أجل قضيّة التحرير الكامل إلى وفاتها و بهذا فحسب دفعت الكثير من النساء (و الرجال) للنهوض و ليس فى الصين فقط. غير أنّه يتعيّن على أي إنسان أن يعتبر أنّ ذلك كان يسيرا لكونها إمرأة أو لكونها زوجة ماو تسى تونغ.

17- قُتلت حتى يثبت العكس :
فارقتنا تشانغ تشنغ بعد 15 سنة من تحمّل زنزانات النظام الصيني. علاوة على النتانة الكريهة الناجمة عن الذين فى المناصب العليا فى بيكين الذين أبقوا على إعلان وفاتها إلى ذكرى مجزرة تيان آن ما نفى 1989، بعد ثلاث أسابيع هو وصف جدّ باعث على الشكّ لذلك فى رواية "الإنتحار". مرّة أخرى ، بالإعتماد على تفاهة الكنفيشيوسية لمحاولة تمرير هذه "العادة" القديمة للعالم عوض عملية تحدّى نهائية للسلطة ، فإنّ النظام حاول أن يغسل يديه من القضية بأسرها.
من غير الضروري القول إنّ أيديهم الملطّخة بالدماء تظهر أبدا أكثر دموية و حتى يّثبت العكس فإنّ كلّ الأمور تشير إليهم كصانعى موت تشانغ تشنغ. إنّها لم تتراجع قطّ أمام الظروف الصعبة أو الهجمات الشخصية و عادة ما ناضلت لجرّ الفئران المماثلة لأولئك الذين يحكمون الصين اليوم إلى ضوء النهار و لتضع من جديد قضية إفتكاك السلطة على الطاولة. تقارير عن آخر "وصية" لتشانغ تشنغ التى حاول النظام على ما يبدو أن ينكرها تؤكّد أن تلك كانت إحدى التقاط المفاتيح. وصية أخرى، يقال، كانت تفضحهم لإرتكابهم مجزرة تيان آن مان و تتنبّؤ بأنّ حكمهم ستكون حياته قصيرة.
إدّعاء أنها إنتحرت يعارضه أيضا طلبة و " متابعون لأوضاع الصين" آخرون حسب تقارير نُشرت فى عديد صحف هونكونغ. أوّلا، لأنّ إبنتها لى نا زارتها أسبوعا قبل موتها و قالت إنّها فىصحّة جيّدة و حالة أفضل نفسيا من قبل جزئيا لأنّه وقع تحويلها إلى حجرة أوسع داخل السجن. ثانيا ، تحويل تشانغ تشنغ ذاته تبعته ملاحظة عن بعد و قد أعلنت أنّها ستكتب سيرة حياتها ، حسب هذه المصادر، و كانت غاضبة للغاية لأنّ السلط إفتكّت منها المذكّرات التى كتبتها. هؤلاء الرواة أشاروا أيضا إلى قصيدة كتبها أحد سجّانيها لها الشيئ الذى أثارها و جعلها تعمل معه إلى أن إكتُشف الأمر و طردوه مرجعينه إلى القرية مسقط رأسه.
حتىّ فى موتها تشكّل مشكلا كبيرا لحكّام الصين. و لاحظت مجلّة من هون كونغ ظهور 16 لافتة مختلفة إحتجاجية عبر بيكين كلّها و أيضا شعارا كتب على البوّابة الخارجية لمدرسة إبتدائية يُقرأ عليها " ليحي إنتصار الخطّ الثوري للرئيس ماو! ليسقط المدعوّ حزب شيوعي لدنك سياوبينغ!" و فى أحد جوانب نزل نٌقل أنّه وُجدت ضورة لتشانغ تشنغ فى زيّها العسكري كلمات " الرئيس ماو ، سنتذكّرك على الدوام" و تشكّلت ما يشبه فرق مقاومة الحرائق تفسخ الشرارات هنا و هناك و منعت حينها شرطة دنك سياو بينغ بيع أي كتاب أو مكادّة عن تشانغ تنغ أو حتى الصور القديمة و نظّمت حملات إفتكاك أي من تلك الأشياء. و منعت التلفزة و الراديو من تقديم أي مقاطع من الأوبيرات و الباليات الثورية.
18- لنتجرّأ على أن نكون مثل تشانغ تشنغ :
خسارة تشانغ تشنغ خسارة مؤقتة :إنها لم تتخل أبدا عن الماركسية-اللينينية –فكر ماو تسى تونغ و بالفعل كرّست حياتها وحماسها من أجل تعزيزها ، إنها وقفت بثقة و دون أية شبهات إلى جانب ماو و إلى جانب الثورة. كانت قائدة مثّلت البروليتاريا العالمية فى السلطة و قدّمت إلهاما و شجاعة عظيمين للشيوعيين و الثوريين عبر العالم و قد رفضت كذلك التخلّى عن الثورة حين كانت الصين الثورية تخنقها البرجوازية الجديدة داخل الحزب الشيوعي. بهذا المعنى موقفها و موقف تشانغ تشن-تشياو عكسا حقيقة أنّ الثورة الثقافية و تجربة الصين ككلّ دفعتا الثورة البروليتارية العالمية إلى حلقة أرقى من لولب تطوّرها. كم يختلف هذا عن 1956 عندما مات ستالين و لم يتقدّم أي من أعضاء قيادييم بالحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي إلى الأمام للدفاع عن الراية الحمراء و لرفعها عاليا بعيدا عن قذارة و مستنقع إفتكاك التحريفيين السوفيات للسلطة! و كم كان ماو ثاقب النظر عندما شجّعها مرّة أخرى قبل أشهر فقط من وفاته ، على النضال لتنهض بالثورة على جميع الأصعدة عالما أنّه بقدر علوّ الرهانات بقدر ما تكون المخاطركبيرة.
بالمرّة لا ينبغى إعتبار الدور الذى إختارت تشانغ تشنغ الإضطلاع به مجانيّا. إنّ الحقبة التاريخية التى كانت هي جزءا منها رفعت موضوعيا الثورة على أعلى – إلى أعلى قمّة بلغتها البروليتاريا العالمية إلى حدّ اليوم. لكن فى نفس الوقت ، يمكن أن يكون الأشخاص حيويين فى تعميق أو عرقلة هذه القضية ( أو أن لا تكون لهم ببساطة أيّة علاقة). أفرزت هذه الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى تشانغ تشنغ وهذه الأخيرة لم تتذبذب و ألهمت صرامتها و عزمها و شجّعا الملايين عبر العالم الذين شهدوا و قيّموا إنهيار التحريفية. لقد سخرت تشانغ تشنغ من سجّانيها و قضاتها و المعادين للثورة الحاكمين بالصين و ملأتهم حتى بالرعب بحيوتها و موقفها. لقد رمت بالقنبلة السياسية من جديد فى وجوههم مستغلّة الفرصة لا "لتنمظيف إسمها" بل لتفضح حتى أكثر طبيعة هؤلاء التحريفيين . لقد صارت إمرأة جدّ خطيرة – بالنسبة لهم و بالنسبة للبرجوازية عامة. و قد شاهد العالم قاطبة إعترافا شيوعيا غير آسف بفقط "جريمة" إتباع ماو تسى تونغ فى القيام بالثورة. تعكس حياتها ثقة إستراتيجية فى الجماهير و فى العدالة النهائية و غنتصار القضية الشيوعية و غحساس بعطاء تام لأجل صعود البروليتاريا إلى مسرح التاريخ و لو أنّنا فى هذه الجولة نجد أنفسنا مؤقتا مدفوعين خارج الركح .أي موقف على المرء إتخاذه و أي دور يقرّر المرء النهوض به فى وجه العوائق و حتى تراجعات كبرى يمكن أن تكون لها أبعاد نوعية. أن تكون نظرة بعيدة الأمد مشبهة للولب حول إلحاق الهزيمة بالعدوّ أو أن تكون نظرة تسوية للحصول على بعض ما يبحث عنه شخصيا، العروض فعلية لتجنّب الموت و ظروف مقرفة للسجن و ما إلى ذلك- كلّ هذا إنعكاس حيوي لموقف المرء إزاء علم و إيديولوجيا الماركسية-اللينينية-فكر ماو تسى تونغ. ولنعقد مقارنة بين موقف تشانغ تشنغ و المسؤولية تجاه جماهير العالم المضطهَدَة و الثورية و تجاه صنع التاريخ ذاته من جهة و من جهة أخرى موقف وانغ هونغ-وان و ياووان-يووان اللذان ساهما فى الثورة الثقافية لكنّهما تعثّرا و إنهارا إيديولوجيا حين وضعا أمام إمتحان هام للغاية حول موقفهما الطبقي و نيّة التضحية.
لقد نعت العدوّ تشانغ تشنغ بالطموحة للمُلُكية لأنّ تسلّطهم و حكمهم هم يزدهران بتحطيم البطولة الثورية؛ نظرتها كانت متناقضة مع نظرة سلالتهم الحاكمة البرجوازية ( و أفقطاعية) . لقد نشطت بإسم البروليتاريا العالمية و ليس من أجل مصالحها الذاتية الخاصة . بتحدّى لفظت كافة مخطّطات العدوّ بغية طعن تكبرهم و كشف خواء قضيتهم التاريخية فى وقت كانت فيه خيبة الأمل و الإحباط منتشران بصفة واسعة جراء الخسارة الكبيرة للثورة فى الصين . بثقة سُمعت وهي تلاحظ بعد المحاكمة " لقد قمت بما وددت القيام به!"
إنّ نظرة الرفيقة تشانغ تشنغ إلى مجتمع دون إنقسامات و طبقات وحشية و دون إختلافات إجتماعية. بالضبط شأنها شأن ، يكرهها بعث شبح الجماهير التى تفتكّ السلطة السياسية فى أي بلد البرد فى دم المضطهِدِين فى كلّ مكان ، يكرهونها لذلك. أمّا بالنسبة للكورال الفظّ و بالأساس المثير للهجمات ضدّها من قبل البرجوازيينو الناطقين بإسم الأكاديميات الذين تحرّكهم موضة ترجيعة هذه الأيّام عن "إنهيار" الشيوعية – ما علينا قوله هو أن الإحتقار متبادل! تلخيصنا لهذه الحقبة التاريخية التى أورثت ندوبا لدى البرجوازية الجريحة عبر العالم و فى نفس الوقت ، سمحت للبروليتاريا العالمية بالتحليق إلى إرتفاعات جديدة سيبقى معركة بين الجانبين. لكن أكثر من ذلك بإمكاننا و سنتسلّق مرتفعات حتى اعلى فى السنوات القادمة.
مثلها مثل ماو قبلها، ليست تشانغ تشنغ نموذجا بطوليّا بسيطا يمكن تخطّيه و قد مدّت لنا المشعل، نحن ورثتها . لقد ساعدتنا نحن على رفع الراية الحمراء./.
الهوامش:
1- أندري مالرو "مذكّرات مضادة" مقتطف من لقاء مع ماو تسى تونغ.
2- ركسان وتكاي " الرفيقة تشانغ تشنغ" ، 1977.
3- كان وانغ مينغ متأثّرا حينها بخطّ الكومنترن ( الأممية الثالثة) الذى كان يرتئى تطبيق النموذج السوفياتي كإسترتيجيا عسكرية عوض حرب الشعب طويلة الأمد فى الأرياف. و قاد العمليات السرّية للحزب فى شنغاي، بالأساس متبعا خطّ موسكو ، من 1931 إلى 1937
4- كان صراعا حادا قائما حول التوجه الصحيح الذى يجب تطبيقه فى حقل الفنّ و كان لو هسون أحد أهمّ المشاركين فيه.
5- عُقدت فى ماي 1942. و كانت هذه الندوة مجالا لجدال حاد.فى ختامها ، صاغ ماو الخطّ الجماهيري للحزب فى علاقة السياسة بالفنّ ، أمام ملايين الفلاحين القادمين من قرى بعيدة و قد عصّت بهم قاعة القراءة و شوارع يانان للإستماع لذلك. و قد إلتحق بها كذلك عديد المثقفين من الحقل الفنّي.
6- "مبادئ الإنضباط الثلاثة الكبرى" هي التالية : طبّقواالأوامر فىكافة أفعالكم ؛ لا تأخذوا من الجماهير و لو إبرة واحدة او خيطا واحدا؛ و سلّموا كلّ الغنائم للسلط".و "التوصيات الثمانية " هي : تحدّثوا بإحترام ، إدفعوا بلا غشّ مقابلا لكلّ ما تشترونه؛ أعيدوا كلّ ما تستعيرنه؛ إدفعوا مقابلا أو عوّضوا كلّ ما تتلفونه؛ لا تضربوا الناس و لا تشتموهم ؛ لا تتلفوا المحاصيل؛ لا تأخذوا حرّيتكم مع النساء ؛ لا تسيئوا معاملة الأسرى".
7- خاصّة تشويانغ ، من وزارة الثقافة ، كردّ فعل على فضح تشانغ تشنغ لمجموعة كتّابه الموالين للسوفيات.
8- كان الحزب يقود الإصلاح الزراعي لكنه كان يعوّل على الجماهير لتطبيق مصادرة الأرض و إعادة توزيعها. و كان يرسل مجموعات إلى شتى مناطق البلاد لتحسيس الفلاحين بهذا الهدف. و رغم أنّ المهمّة قد إضطُلع بها بعدُ فى المناطق التى عبرها جيش التحرير قبل 1949، فإنّ المناطق التى ظلّت تحت حكم الكيومنتانغ إلى التحرير كانت متخلّفة و رجعية.
و فقط أمكن تنظيمها أثناء سيرورة توعية الفلاحين و تبنّت المفاهيم الثورية.
9 –ركسان وتكاي " الرفيقة تشانغ تشنغ" 1977.
10- ماو تسىتونغ :" كونوا منتبهين لنقاش حياة يوهسون" 20 ماي 1951، كتاب "أرشيف ماو" لجيروم تشاف ،1977.
1-1- مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة، المجلّد الخامس ، صفحة 446.
12- "القفزة الكبرى إلى الأمام" حدثت فى 1958 بفعل نشاط حثيث للجماهير ، لا سيما فى الريف.حيث أمسك الفلاحون بأيديهم الأمور و شرعوا فى تطوير قطاع الصناعة الخفيفة لتقديم الدعم للفلاحة ( مطاحن حبوب صغيرة،و مصانع حديد بدائية). وسمحت هذه المبادرة بتركيز مزارع جماعية أكبر،تتزايد نسب ملكيتها العامة،و كذلك بإنشاء الكمونات الشعبية. تعرّضت سياسة ماو الهادفة إلى "تحريك الأرض و السماء لبلوغ أفضل النتائج الإقتصادية، بصفة أسرع و أفضل و على أوسع نطاق ممكن، بإتجاه بناء الإشتراكية " للنقد الشديد فى إجتماع اللجنة المركزية على أنّها تؤدّى على تخريب الإقتصاد.
و إضطرّ هذا النقد ماو إلى الإدلاء بتصريحه الشهير " كانت الإضطرابات على نطاق واسع و أنا أتحمّل مسؤولية ذلك". و كان يشير جزئيا إلى الصعوبات التى جرت مواجهتها و التجاوزات الحاصلة التى تكشّفت ثانوية جدّا مقابل التقدّم الهائل و الخطوات المقطوعة بفضل المبادرة الواعية للجماهير.
و عقب فترة وجيزة ، سحب افتحاد السوفياتي التقنيين و المستشارين السوفيات بصورة مفاجئة ممّا تسبّب فى ضرر شديد للإقتصاد الصيني . و إنضافت لهذا المشكل الخطير سلسلة من الكوارث الطبيعية و ساهمت الظاهرتان فى إحتداد صراع الخطين بشأن بناء الإشتراكية. و شرعت الصين مذّاك فصاعدا فى سلوك طريق مغاير لطريق الإتحاد السوفياتي.
13- أحد هؤلاء الكتاب ، لياو مو-شا ، بعناد معاد لماو وهو مساهم مع يو هان فى رواية " ثلاث عائلات قروية" ، تعرّف على تشانغ تشنغ فى أوساط الفنّانين و الكتّاب الراديكاليين بشغاي.
و حضر مو-شان كأحد الشهود فى محاكمة "الأربعة" ، متّهما زورا تشانغ تشنغ بأنّها كانت على علاقة حينها بالكومنتانغ. و قد أُخرجت تشانغ تشنغ من قاعة المحكمة أثناء شهادة مو –شا "الكاتب الشهير" بدعوى أنّها " ازعجت الشاهد بمقاطعته المستمرّة بإستمرار و أنّها هرسلته أثناء الثورة الثقافية.
14- ذكاء الشعب" ، 11 فيفري1966، ضمن "أرشيف ماو" جيروم تشان، 1970، صفحة 103.
15- تشانغ تشن –تشياو، " حول الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية" منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين ،1975.
16- تشو لان "عشر سنوات من الثورة فى أوبيرا بيكين" ، مجلّة بيكين، عدد 31، 2 أوت 1974.
17- وثائق المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني ،منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1969.
18- دوان تاي، "تشانغ تشنغ" ، صحافة العروض، هكسفيل، نيويورك ،1974، و كذلك ،مجلّة بيكين ،25 أوت 1967.
19- تشانغ تنشغ ، غالبية الخطابات المذكورة أعيد نشرها ضمن إصدارين : شو-هوا-مين و أرتور ميلر، " السيدة ماو، صورة عن تشانغ تشنغ"، هون كونغ،1968 أو "وثائق الحزب الشيوعي الصيني خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى" 1966-1967.
20- المصدر السابق.
21- تاو تشو كان أحد أبرز الوجوه المهيمنة فى الحزب فى ميدان الدعاية. و كان يحاجج بأنّ على الكتّاب أن يشرحوا النواقص التى نجدها عند الجماهير فى الكمونات. فردّ عليه ياو وان-يوان على النحو التالى: " توجد أغنية عنوانها الجماهير فى الكمونات رائعة. هل من الضروري حقّا تغييرها بإضافة جملة تقول بأنّ للجماهير فى الكمونات نواقص؟".
22- دوان تاي " تشانغ تشنغ" ، صحافة العروض، هكسفيل ،نيويورك، 1974،و كذكلك مجلّة بيكين ، 25 أوت 1967.
23- منذ 1962، بينما كان اليمين يعدّالرأي العام لمواجهة قادمة ، كُلّفت تشانغ تشنغ بمهمّة إعداد وثيقة تقيم ترسى ركائز الخطّ البروليتاري فى الفنون. و عُرفت هذه الوثيقة لاحقا بمنشور 16 ماي. وفى الأصل نشرت فى جريدة الحزب "الراية الحمراء" تحت عنوان "طريق تقدّم "المثقفين".
24- 20 أفريل 1967: خطاب تشانغ تشنغ فى الإجتماع الإتتاحي للجنة الثورية لبيكين ( ترجمة صدرت بالأنجليزية) ،وكالة أنباء هسينهوا، بيكين 20-04-67.
25- 5 سبتمبر 1967، خطاب هام ألقته تشانغ تشنغ فى ندوة ممثلى أنهواي، نشر ضمن منشور اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني فى 9.09.67.
26- "ماو تسى تونغ يحلّل الثورة الثقافية" نصوص غير رسمية لمقولات لسنة 1967، نشرت كملحق ل "تاريخ الثورة الثقافية البروليتارية"الجزء الثاني ، جون دوبيه، ص 149.
27- 28 نوفمبر 1966، توجهت تشانغ تشنغ لتجمّع العاملين فى حقل الأدب و الفنّ للثورة الثقافية فى بيكين وكالة أنباء أنجليزية هسينهوا، بيكين ، 3-12-66.
28- 5 سبتمبر 1967، خطاب هام ألقته تشانغ تشنغ فى ندوة ممثّلى أنهواي، نشر ضمن منشور للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بتاريخ 9-09-67.
29- إحدى الفئات اليمينية كانت تسمّى لجنة العمل الموحّد. و كانت كتكوّنة من عديد أبناء و بنات قادة الحزب المرتبطين باليمين. خلال فترة قصيرة فى 1967، إستهدفت تشانغ تشنغ فى هجماتها.
30- أمر من اللجنة المركزية و" المجموعة المسؤولة عن الثورة الثقافية" بصدد منع مسك الأسلحة و كلّ مواد عسكرية مأتاها جيش التحرير الشعبي، 5-09-67.
31- دوان تاي، "تشانغ تشنغ" صحافة العروض،هكسفيل، نيويورك 1974،و كذلك مجلّة بيكين ،25 أوت 1967.
32- 5 سبتمبر 1967، خطاب هام ألقته تشانغ تشنغ أمام ندوة ممثلى أنهواي، نشر ضمن منشور اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بتاريخ 9-09-67.
33- لقاء مع مبعوثين عسكريين ألبانيين (ماي 1967) ، "عالم نربحه" عدد1، 1985.
34- خطاب للرفيقة تشانغ تشنغ، نشر كوثيقة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، ضمن "تشونغ-فا-354؛ 13-11-67.
35- هان سوين "رياح فى البرج، ماو تسى تونغ و الثورة الصينية 1949-1976؛ هرتس : ترياد بنتار، 1978.
36- فى وثيقة مصدرها لقاءات لوشان فى 1970، يردّ ماو على ذلك بروح فكاهته المعهودة ،المصبوغة بالسخرية" جملة تساوى جملة. لا يوجد إلاّ موضوع حيث تكلّمت مستعملا ستّة جمل و حيث لم يساو ذلك شيئا،و لا حتى نصف جملة..." و كان يشير إلى طلب متكرّر من لين بياو بأن يعيد الحزب النظر فى موقع رئيس الدولةالذى ظلّ شاغرا بعد ليوتشاوتشى ،حتى يشغله هو ذاته. لم يرد ماو الإستجابة لهذا المطلب ( روي فى كتاب روكسان وتكاي،" الرفيقة تشانغ تشنغ")
37- روكسان وتكاي،"الرفيقة تشانغ تشنغ" ، 1977.
38- بوب آفاكيان، " هزيمة الصين و إرث ماو تسى تونغ"منشورات الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية ، شيكاغو، 1978.
39- روكسان وتكاي "الرفيقة تشانغ تشنغ"،1977.
40- إدواردا ماسى "شتاء الصين" أ-ب طوتون، نيويورك، 1982 (تحت العنوان الأصلي "بارلا الصين "1978)
41- أواسط الستينات ، كان ماو أطلق على تاتشاي لقب الفرقة النموذجية لتطوير الفلاحة لكلّ البلاد. قد نجح فلاحو هذه المنطقة فى تجاوز الآفات الطبيعية و أكثر من حاجز لبلوغ أفضل إنتاجية ، بفضل تعبئة الجماهير المحلّية ضد غيديولوجيا البرجوازية و التحريفية.
42- ريموند لوتا، "وخامسهم ماو" ، شيكاغو بانر براس، 1978، وفيه نجد إعادة نشر بعض الوثائق المفاتيح لفترة 1973-1976 التى أنتجها اليسار و اليمين ( حول تاتشاي، ص 35، تشان تشون –تشياو و الثقافة ص 36، وحول دنك و التوجيهات الثلاث" ص 274).
43- المصدر السابق.
44- تشانغ تشن-تشياو "حول الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية " منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين ، 1975- (الملحق عدد4).
45- عندما سئلت بهذا المضمار إبّان محتكمتها ، ردّت تشانغ تشنغ :" لم أكن مسؤولة عن قمع حادث تيان آن مان . يمكنكم اللجوء إلى شهادة وزير الأمن العام بهذا الصدد". و المقصود ليس إلاّ هواو كوفينغ ذاته.
46- أنظر الهامش عدد 40 ، المصدر نفسه.
47- صحافة العالم الجديد " محاكمة كبرى فى تاريخ الصين" بيكين 1981، تقرير التحريفيين الصينيين حول المحاكمة . وورد ضمن ما ورد الحديث عنه تهمة "التمرّد المسلّح" فى الصفحة 25، وهي من أهمّ التهم الموجّهة لتشانغ تشنغ.
48- الهامش 38 ، المصدر نفسه.
49- كافة هذه المنشورات ممضاة"اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني (الماركسي-اللينيني) " و تاريخ الطباعة هو جانفى 1981.و بعد بضعة أشهلر ، نُشر كرّاس بنفس الإمضاء ،فاضحا هذه المرّة الإجتماع السادس للجنة المركزية 11 ،فى جوان 1981. و كانوا ينادون بالإطاحة بالتحريفيين فى السلطة.
50- لقد إستعمل هذه الحملة الأخيرة فى رسالة بعث بها قبل سنوات عشر ، بينما كانت الثورة الثقافية فى أوجها|، مشيرا فى ذات الوقت إلى المخاطر الناجمة عن هذا النداء البصوت عالى لمواصلة الثورة و الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية.
51- فى تقرير غير رسمي ظهر فى جريدة هون كونغ ، نعثر على مقولة لتشانغ تشنغ ،مؤكّدة للمحكمة أن تصريح ماو بشأن هواو كوفينغ لحظة توليه المنصب " أنا مرتاح و أنت فى السلطة" محي جزئيّا . ففى البقيّة جاء "... لئن كان لديك أبسط سؤال فتوجّه به لتشانغ تشنغ".
52- باليه "الفرقة النسائية الحمراء" و فلم "جزيرة الفيالق النسائية" معتمدان كلاهما على أحداث تاريخية واقعية.