الكتابة عن المرأة



فينوس فائق
2004 / 10 / 14

أكثر ما يضايقني في الطروحات و المقالات التي تتناول المرأة موضوعاً لها هي عبارة "قضية المرأة" و كأن المرأة قضية مستعصية على البشرية تحتاج إلى دراسة و تحليل و بحث و وضع الحلول لها ، أو كأن المرأة مرض تجتاح البشرية بين حين و حين و تحتاج إلى إكتشاف و إختراع دواء له ، أو ربما هي ظاهرة من الظاهرات السلبية التي تعاني منها مجتمعات العالم منذ الخليقة و تحتاج إلى دراسة و معالجة ..
و تضايقني أكثر من ذلك كله تلك الشائعة الرعناء التي أطلقها البشر منذ بدأ تأرخينا الكاذب و المشوه في الشرق من أوله إلى آخره أن "الله خلق المرأة من ضلع آدم" ، الآن بالذات لا و لن أعلق على هذه المقولة ، فهي من التفاهة بحيث لا تستحق كتابة سطر عنها ، إذ يكفي أنني مرة ترجمتها لإبني فكان أن ضحك ملأ صدره و قال و كيف يعقل ذلك؟ و هل المرأة عبارة عن ضلع ، أم أنك تحكين لي نكتة ؟
نعم لكل شعب ثقافة خاصة بها لها مميزاتها و صفاتها و يقال أن درجة رقي المجتمعات تقاس برقي مستوى المرأة فيها ، و هذه هي مميزات ثقافة الشرق ، توضع المرأة في أسفل السافلين و تنعت بشتى الكلمات ، فالمرأة في الثقافة و الموروث الشعبي الشرقي متهمة بأنوثتها ، متهمة لأنها إمرأة !! لكن و للأسف الشديد إذا كانت المجتمعات الشرقية لا تزال تنظر إلى المرأة على أنها كائن دوني و أقل مستوى من الرجل ، بالذات في هذا الزمن الحافل بالمفاجئات التكنلوجية و وصول الشعوب و الأمم في باقي بقاع العالم إلى مرحلة تخطت فيها عقولهم هذه الخرافات و باتت تصفها من ضمن هفوات البشر التي لا يريدون تذكرها ، فكيف بالمجتمعات الشرقية إذاً أن تدعي بأنها تتطورأو أنها تريد أن تتطور في ظل كل هذا الظلام العلمي و ضيق الأفق الفكري خصوصاً عند خيرة مثقفيها ، الذين من المفروض بهم أنهم المرآة التي تعكس مميزات و صفات مجتمعاتهم الثقافية و أنهم المعيار الذي يقيس من خلاله الآخرون مدى رقينا و تطورنا ، وإذا كان هناك من لا زال يردد مثل تلك الأقاويل الباطلة و الحمقاء .. أتذكر مرة في بداية وصولي إلى هولندا أن أحد الإخوان "القادمين من إحدى البلدان العربية" كان يتحدث إلى أحد الهولنديين و في سياق حديثهم كان "الأخ" العربي يعد صديقه الهولندي بشيء ما لا أتذكره غير أن ما لفت إنتباهي لحديثهما أن العربي صاح مؤكداً على نيته في تنفيذ وعده قائلاً و مترجما الكلام بالهولندي "إنه وعد رجل" ، فما كان من الهولندي إلا أن بادره بالجواب ضاحكاً: و هل أن وعود النساء عندكم تختلف عن وعود الرجال؟ يومها أحسست بالخجل لدرجة أنني تركت المجلس و إبتعدت إلى أن خرجت من المكان. فالأوروبيون لا يصبغون على أحاديثهم صبغة ذكرورية ، إيماناً منهم بأن المرأة و الرجل كلاهما كائن بنفس المستوى و الدرجة من الإنسانية و يمتلكون نفس الحقوق و الواجبات.
و أتذكر مرة أن أحد زملائي في العمل تباهى أمام زملائنا الهولنديين بأن من حق المسلم أن يتزوج بأكثر من إمرأة ، فسأل أحد الهولنديين: و هل هذا يعقل و كيف توفق بينهن و كيف تعطيهن حقوقهن ، ثم ما هي الحكمة من وراء زواج الرجل بأكثر من واحدة؟ لكن أهم ما قاله هو: و هل يتمتع هؤلاء الرجال الذين يتزوجون بأكثر من واحدة بالسلامة الجسدية و العقلية في آن واحد؟؟ وإلتفت إلي قائلاً : هل هذا صحيح و كيف تقبل المرأة في مجتمعاتكم أن تتزوج رجل متزوج من إمرأة أخرى ، في بلداننا هذه جريمة يعاقب عليها القانون ، إذا تبين أن الرجل متزوج من أكثر من واحدة في آن واحد ، كما أن ديننا يحرم زواج الرجل بإبنة العم و العمة و الخال و الخالة ، فهن بحسب الشريعة في حكم أخواتنا ، و الزاج بهن حرام ، فخجلت أن أقول له أن بنات العشيرة في موروثنا الثقافي والإجتماعي و الديني وحتى الحضاري هن من ضمن الممتلكات التي لا يحق لأبناء الغرباء التقرب منهن ، و لم أجد جواباً مناسباً بحيث أتمكن من إقناعه بأننا لسنا بهذا السوء كما يتصور لأنه عز علي أن أسمع مثل هذا الكلام من رجل أوروبي ، و عزت علي نفسي و أنا المرأة و ليس بمقدوري الدفاع عن خلفيتي الثقافية و الإجتماعية ، فتلك هي ثقافة الشرق شئنا أم أبينا و هي اساس تفكير الرجل في الشرق و عليه نظم حياته و حياة أسرته للأسف..

لم أكن قد قررت أساساً كتابة مقال عن المرأة و لا يعتبر ما أكتبه الآن بمثابة مقال حول المرأة لسبب بسيط وهو إعتزازي العميق بكوني إمرأة و لا أحتاج لأن أتحدث عن نفسي ، و عندما أقول "نفسي" أقصد المرأة بشكل عام ، و السبب الثاني حتى لا أخرج عن كوني إنسانة ، فكثرة الحديث عن المرأة و"قضية المرأة" يمنحني إحساساً قاسياً بأنني "شيء" و ليس إنسان ، لكن مع ذلك بدأت بكتابة ما كتبته بعد أن إستمعت خلال تواجدي في مناسبة إلى مناقشة بين عدد من "المفترض بهم" المثقفين ، و موضوع النقاش كان المرأة بطبيعة الحال فبادر أحدهم إلى القول أن النساء ناقصات عقل و دين و حسب الشرع والقانون فإن شهادة إمرأة واحدة لا تكفي للحكم في قضية أمام القاضي ، و ثم أن الله خص الرجل بحصة كاملة في الميراث و خص إمرأتين بحصة واحدة أي لكل واحدة النصف ، و أهم ما قاله من العدالة الإنسانية الوهم أن الله سمح للرجل بأن يزوج بأكثر من واحدة حتى يحقق العدالة الأسرية و الإجتماعية ، فالرجل يأتي بنصيبه من ميراث أبيه و عندما يتزوج من إثنتين يأتين هن أيضاً لكن كل و احدة بنصف نصيب الذكر و يشكلن بذلك نصيباً واحداً من المراث أمام نصيب الزوج ، لكن الأخ لم يشر إلى الرجل الذي يتزوج بأربعة و يستحوذ على نصيبهن "الإثنين" في ميراث آبائهن و لم يذكر هل هو الطمع أم العدالة الإجتماعية و الأسرية أيضاً ؟ و ما إلى ذلك من مهاترات و مغالطات بعيدة كل البعد عن نقاش مبني على أساس علمي و حضاري و خصوصاً أن المكان هو في إحدى القاعات بإحدى المدن الأوروبية ، ثم بادر آخر و قال هل فتحت الموقع الفلاني على شبكة الإنترنت؟ إنه موقع ممتاز و الكلام كان للأخ المحترم..
و الموقع الفلاني هو: http://www.fahad.net/windex.html تجد فيه أبواب عن المرأة منها : أمثال في المرأة ، صفات المرأة ، عيوب المرأة ، المرأة و المرأة ، المرأة و الشيطان و ما إلى ذلك من أبواب الهدف منها الإساءة إلى المرأة ، فعند عودتي دفعني فضولي لأن أفتح الموقع الذي حفظت عنوانه عن ظهر قلب ، و قرأت ما ورد فيه فكرهت الإنترنت و كرهت التطور و كلمة تكنلوجيا و لعنت اليوم الذي تعلمت فيه القراءة و الكتابة و كرهت الثقافة و المثقفين ، فإنني لم أتفاجأ بالأقوال و الحكم قدر تفاجئي بأنها مازالت متداولة لحد اليوم ، و تفاجئت بأن هناك من يستغل كل تلك النكنلوجيا للتروج لأفكار مريضة و عدوانية، و أن هناك و لحد الآن مثقفين في الشرق يشيرون إلى هذه الحكم و الأقوال في أحاديثهم و يستعينون بها للإساءة للمرأة ، يورد الموقع على سبيل المثال أمثالاً هدفها التقليل من شأن المرأة و المس بمشاعرها الأنثوية و الإنسانية مثل:

دموع المرأة . . دليل كذبها
المرأة لعبتها الرجل .
النساء ناقصات عقل و دين
غيرة المرأة . . مفتاح طلاقها
حيلة الرجال : الأدب ، وحيلة النساء : ما يلبسونه
إياكم مشورة النساء
لا وفاء . . للمرأة
حلي الرجل الأدب . . وحلي النساء الذهب
السيارة . . مفسدة النساء . .
ما أشق على المرأة أن تكتم سرا
..... ألخ

و غيرها من الأمثال التي الغرض منها الإساءة إلى المرأة ، و في زاوية أخرى من الموقع يوجد عنوان "المرأة و الشيطان" و هي عبارة عن مقارنة رخيصة و خسيسة بين الشيطان و المرأة ، و كأن المرأة مخلوق يختلف عن الرجل ، حيث ترد في هذه الزاوية بعض السطور منها:

المرأة شيطان متقن الصنع
ما آيس الشيطان من انسان الا أتاه من قبل النساء
المرأة تغلب الشيطان
المرأة شيطان الرجل
الشيطان يحتاج عشر ساعات ليخدع رجلا والمرأة يكفيها ساعة واحدة لتخدع عشرة شياطين
المرأة مخلوق مركز بين الملائكة والشياطين
الرجل ألعوبة المرأة والمرأة ألعوبة الشيطان
ما لا يقدر عليه الشيطان تقدر عليه المرأة
الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة
الرجل هو النار والمرأة هى الحطب وابليس هو الهواء
الشيطان نفسه لا يعرف أين تشحذ النساء سكاكينهن
حيثما ذهبت المرأة تبعها الشيطان
ابتلع الشيطان المرأة فلم يهضمها
المرأة معمل أسلحة الشيطان
حب المرأة شراك الشيطان
المرأة شيطان نستعيذ من شره ونتلمس أسباب التقرب اليه

و غيرها الكثير من المقارنات الفارغة بين المرأة و الشيطان .
لست هنا بصدد الدفاع عن المرأة ، فأنا قليلاً جداً ما كتبت في الماضي عن المرأة و لكن كل ما كنت أكتبه لم يصب إطلاقاً في مجال الدفاع عن المرأة ، لأن المرأة مخلوق شأنها شأن الرجل ، و ليست بالخطيئة التي أتى بها الله للبشر ليصلحونها ، و ليس لأن المرأة مجرمة و تحتاج إلى من يدافع عنها ، لكن ما أود فقط قوله : في أي زمن نحن لنتفوه بهذه الحماقات ، ثم هل من واجبنا تسخيركل تلك التكنلوجيا و العلم و التطور التي جاءت بها الشعوب المتقدمة و تعبو من أجل خدمة البشرية بها في إطلاق هذه التفاهات التي لا تظيف شيئاً إلى خزيننا و تأريخنا الثقافي و الحضاري ، بل تحط من شأننا أمام شعوب العالم التي وصلت القمر منذ عشرات السنين و هي بصدد الوصول إلى المجرات الفضائية الأخرى ..
عادة عندما نتصفح الكتب أو المواقع الألكترونية يفترض بنا أننا نبحث عن الجديد و المتميز على مختلف الأصعدة الثقافية و العلمية و الإنسانية ، لكن للأسف اليوم عندما أتصفح بعض المواقع "التي لا تعرف لها لا صاحب و لا إتجاه" وهي كثيرة و أكثرها مواقع مشبوهة سياسياً و إجتماعياً ، أشعر بالذل و المهانة و أفقد ثقتي بعقولنا و بوعيينا و أفقد ثقتي بمقدرتنا على تقبل التطور..
فعلى نفس الموقع تقرأ :

إذا اجتمعت امرأتان فلن يكف لهما حديث و اذا اجتمعن ثلاثة فلن ينقطع لهن شجار
إن أفضل سلاح ضد المرأة يبقى امرأة أخرى
المرأة لا تثني على المرأة
تتألق المرأة من أجل امرأة أخرى وتتزوج لأن غيرها سيسبقها الى الزواج وتعني بمنزلها لتبدو نظيفة أمام زائرتها ولولا هذا لكان للمرأة شأن لآخر
لا يضايق المرأة أنها تملك القليل ولكن أن ترى امرأة أخرى تملك أكثر منها
لو علمت كل امرأة ما تقول فيها صديقتها لما وجد على الأرض صديقتان ابدا
من السهل أن نصلح بين دولتين ولكن من الصعب أن نصلح بين امرأتين
عندما تترك امرأتين معا فقلما لا تحدثان كارثة
المرأة أعدى أعداء المرأة

لا و لم أفهم حتى اليوم لما كل هذا التحامل الأزلي من قبل الرجل على المرأة ، مع أن الرجل لا يستطيع العيش بدون المرأة و هي شريكته في الحياة لكنه يرفض الإعتراف بذلك علناً ، في حين كل ما ينتجه من فنون و آداب و ما يكتبه من شعر و قصائد غزل يكتبها للمرأة ، لكأني به يكذب و يخدع نفسه أولاً و يخدع المرأة ثانياً ، و يجعلني أفقد الثقة ببعض الأقلام الرجولية التي تتغنى بالمرأة و أحس أنه نفاق ما بعده نفاق ، إذا كانت هناك عقول لا تزال تؤمن بتلك التفاهات التي جاء بها ذوو النفوس المريضة عن المرأة..
و لا و لم أفهم حتى اليوم هل يفعل الرجل ذلك لكي يخفي عيوبه أو لكي يخفي مناطق الضعف في شخصيته إزاءها ، خصوصاً و أنني نادراً ما أجد على وجه الأرض رجلاً يفرح لنجاح إمرأة سواء كانت أمه أو أخته أو زوجته ، في حين أن المرأة توقد أصابعها العشرة كالشموع لكي تنير طريق رجل ناجح في حياتها..
لست هنا بصدد الإنتقاد أو التحليل أو الدراسة ، و لست بصدد فتح نار الكلمات على الرجل ، لأن الرجل الذي لا يقدر قيمتي كإمرأة لا يستحق مني عناء كلمة أكتبها له أو ضده . و إنما أنا هنا بصدد التساؤل : ماذا يتصور الرجل نفسه عندما يشن حربه هكذا بعدوانية ضد المرأة ، في حين أن جمال الرجل يظهر عندما تقف بجانبه إمرأة. يبدوا شفافاً عندما يتعامل مع المرأة بشفافية و بصدق ..
أن ما يرد في هذا المقال ليس موجه إلى كل الرجال بشكل عام ، فهو موجه فقط إلى أولئك الرجال الذين يرددون تلك الأمثال و لا يؤمنون في أعماقهم بأن المرأة ليست أقل قدراً و قيمةً من الرجل . و هذا لا يعني الوقوف في جبهة مضادة للرجل ، بل على العكس فأنا من دعاة الوقوف على الأرض التي يقف عليها الرجل لأثبت له أن المرأة ليست أقل منه و بإمكانها أن تثبت له أنها ستتمكن من منافسته في كل المجالات و التفوق عليه شاء أم أبى ، و في ذلك درس لعلهم يفقهون...