المرأة الفلسطينية من الحضور إلى قوة التنظيم



فاطمه قاسم
2011 / 3 / 9


المرأة في فلسطين والوطن العربي والعالم، في يوم عيدها، تجد نفسها دائماً أمام مطالب متجددة، ومدارات مفتوحة، وآمال كبيرة، أبعد كثيراً من حدود "الكوتا" الخاصة بها في بعض الانتخابات، وأكثر جدية حتى من تطوير بعض النصوص في قوانين الأحوال الشخصية، وأكثر جذرية من ترديد الأناشيد القديمة عن "ست الحبايب" أو "المرأة نصف المجتمع" أو "زوجة الأسير وأم الشهداء"، فقد ثبت بالدليل القاطع أن كل هذه الاسطوانات هي اسطوانات مشروخة، وأنها نوع من الاستعطاف للحصول على حق أصلي لا تستقيم بدونه الحياة، وإبقاء المرأة في الإطار نفسه التي سجنت صورتها داخله منذ مئات السنين، بأنها كائن كسير، حزين، مهيض الجناح، وأن عليها أن تفعل كل شيء من أجل أن تستجدي من الرجل لفتة إعجاب أو لفتة إنصاف.

نريد فلسطينياً على الأقل، أن نغيّر هذا النموذج، ليس عن طريق القفز من فوق الجدار، بل عن طريق قراءة الحقائق قراءة حقيقية وشجاعة وعملية، فنبدأ بالقول أن المرأة الفلسطينية تخطت منذ عقود حاجز الحضور، من خلال قدرتها الجذرية العميقة على تأكيد الحضور بكل مستويات الحضور التي بعضها ليس مألوفاً حتى لمئات الملايين من الرجال في هذا الكون، مثل مشاركة المرأة في عملية استشهادية، بأن تقبل عن اقتناع وطيب خاطر، ومن أجل هدف بعيد وليس بمنظور آني، أن تضع الحزام الناسف على وسطها، وأن تنفجر، فثمة ملايين من الرجال في هذا الكون لا يمكن أن تخطر على بالهم فكرة من هذا النوع، ولو طرح عليهم الخيار فسوف يرفضونه، وأنا شخصياً كباحثة متخصصة في علم النفس والاجتماع لا أدعو إلى هذا النموذج بأي حال من الأحوال، ولكني ضربت المثال لكي أصل إلى الحقيقة الأصلية، وهي أن حضور المرأة الفلسطينية في الحياة بكل مستوياتها لم يعد محل جدل أو نقاش، وأن أولئك الذين مازالوا يجدون الوقت لكي يضعونه في مثل هذا الجدل، هم أشخاص خارج الحضور.

فالمرأة ابتداءً من دورها كأم في قيادة الأسرة، وصولاً إلى حضورها في النخب والهياكل السياسية، وفي مجال القضاء، وفي مجال الأعمال، بالإضافة إلى حضورها في مجال التعليم والسياسة والثقافة، في الإطار الرسمي والأهلي، في منظمات المجتمع المدني، هي حاضرة بشكل كامل الحضور، بل أعلى مستوى من مستويات المشاركة وهي الانتخابات، فقد سجلت المرأة حضوراً وفاعلية وانضباطاً يفوق حضور شريكها الرجل، فما الذي ينقصها إذاً حتى لا تكون أكثر وأكثر في مراكز صنع القرار، وفي موقع تشكيل حياتنا ومستقبلنا، وفي حضور قدرتها في القيادة؟

هذا سؤال مهم، أرجو أن تضعه مراكز المجتمع الفلسطيني ككل،ومراكز المرأة على وجه الخصوص في الأولوية الأولى، لماذا حضور المرأة الذي بهذا الاتساع والتنوع لا يوصلها إلى المكان الحقيقي الذي تستحقه، ويتركها – ماتزال – فريسة التساؤلات الكسولة عن دورها، وحجم هذا الدور، وهل تصلح أو لا تصلح للمكانة التي تطالب بها...الخ.

اعتقد، من خلال متابعاتي ومشاركاتي النضالية والأكاديمية، أن هناك سببان وراء ذلك:

السبب الأول: أن المرأة رغم حضورها الشامل، مقصرة في جهدها التنظيمي، أي إدارة هذا الحضور بطريقة فعّالة، تماماً كالذي يزرع ولكنه لا يعرف كيف يحصد، أو الذي يجمع ولكنه لا يعرف كيف يحتفظ بما جمع ويوظفه في المكان المناسب.

وأعتقد أن الحركة النسوية، إن جاز التعبير، مطالبة ببذل جهد في هذا الموضوع تحديدا، فكيف تشارك المرأة بنسبة خمسين في المئة، في الأصوات التي توضع في صناديق الاقتراع، ولكنها لا تنجح في تحويل هذه الأصوات إلى فائزات من النساء؟

يجب بذل مجهود حقيقي في الإجابة عن هذا السؤال، وإيجاد حل لهذه المعضلة، من خلال إبداع صيغ عملية لإدارة حضور المرأة بطريقة جديدة، فعّالة، جذرية، وليس أن تبقى المرأة زينة العرس فقط، وليس موضوع العرس نفسه.

السبب الثاني: أن المرأة نفسها، مازالت مستسلمة للنموذج القديم المصمم لها منذ مئات العقود، والذي بني أصلاً على اعتقادات خاطئة ثبت بطلانها، بأن المرأة غريزياً غيورة من بنات جنسها، وأن المرأة عدو المرأة، وهي تراكيب نفسية واجتماعية وجدت زمن الرقيق، وزمن الحريم، وزمن المحظيات في القصور...الخ، واعتقد أن الحركة النسائية بمجمل عناصرها من نحب سياسية وأكاديمية وثقافية واجتماعية، قادرة على تصحيح هذا الموروث البائس، وهذا بطبيعة الحال تحتاج إلى بحث وتقص وانفتاح أكبر على الحقائق وليس الحكايات المسلية.

المرأة الفلسطينية التي هي اليوم جزء عضوي وحيوي من المشروع الوطني وهو الاستقلال وبناء الدولة، هي موجودة في مفاصل هذا المشروع، وهي تشكل قوة دفع رئيسية له، فكيف تكون بكل هذه القوة والقدرة على العطاء في الميدان، ولكنها تكون في نفس الوقت عاجزة عن صياغة حضورها بشكل منصف وحقيقي ومستمر؟

تستحق المرأة الفلسطينية كل التهنئة في يومها العالمي، وتستحق الإشادة العليا بها، لأنها لم تعد قابعة ففي تلك الزاوية الضيقة المرتجفة بالخوف بأنها شرف العائلة الذي يحميه الرجل، بل هي نزلت إلى الميدان لكي تواجه الاحتلال، وتواجه العجز الاجتماعي، وتواجه الموروث الأسود، بأنها مقاتلة ومدافعة عن شرف الوطن وشرف الشعب، وشرف الأمة
ويا نساء فلسطين في أي موقع كنتن،
لكن التحية،
ولكن الاعتزاز.