عيد المرأة عيد المحبة والرحمة



جاسم المعموري
2011 / 3 / 14

مرت ذكراك العطرة قبل ايام قليلة مضت , ولم تسعفني الاحوال ان اكتب لك شيئا , فما يجري اليوم في ساحات الحرية في وطننا شغلنا عنك مع ظروف الحياة الاخرى , حيث نكدح من اجل لقمة العيش , ونعاني الأمرين في ديار الغربة , ولكن ما كان يجب ان ننشغل عن ذكراك التي يصلي في محرابها الابرار .
سيدتي .. انت المرأة الخالدة التي كتب الله تعالى الحج علينا من اجل ان نتذكر موقفها الانساني المفعم بالحب لوليدها العطشان , فنذهب الى مكة كل عام , ونركض هنا وهناك كما ركضت وهي تبحث عن الماء من اجل وليدها , ونشرب من ماء زمزم الذي تفجر تحت قدمي ذلك الوليد المقدس الذي يكاد قلبه الطاهر ان يتفجر رحمة ومحبة وسلاما للعالمين , ونقوم بكل تلك الشعائر اكراما لها , فلم تكن هاجر (ع ) رجلا , بل كانت امرأة وكانت أما حنونا , آمنت بربها وأحبت وليدها , فأكرمها ربها بذكر لايزول ابدا .
ألست انت التي كلما دخل عليها زكريا (ع) المحراب وجد عندها رزقا , فيقول لها أنى لك ذلك , فتقول هو من عند الله , هنالك دعى زكريا ربه .. لماذا ياترى ؟ الم يكن زكريا نبيا ومريم لم تكن كذلك ؟ بلى , هو اراد ان يدعو ربه في تلك اللحظة , وذلك المكان بالتحديد , لأنه كان يرى حجم البركة ونوعها التي كانت تحيط بمريم (ع ) , فاستجاب الله تعالى له , ورزقه يحيى بعد ان وهن العظم , واحترق الرأس شيبا , اكراما لمريم , وتعظيما لشأنها , فهل أنزل الله تعالى الطعام على رجل من القريتين عظيم ؟ كلا , بل كانت امرأة احبت ربها واتقته فأكرمها .. ألست انت التي قلت ياليتني مت قبل هذا , وكنت نسيا منسيا , وأنت الطاهرة العفيفة الشريفة ..؟ ألست انت التي أسقطت عليك النخلة من ثمارها رطبا جنيا , رغم انها كانت شجرة ميتة قبل ان تلمسيها ؟ .
ألست انت التي أسقطت فرعون وأغرقته في اليم بعد ان تجبر وتكبر ؟ فلو لا أن أكرمك الله بحبك لموسى (ع ) , ورعايتك له عندما اصبحت له أما , هل كان سيصل الى فرعون ليسقط عرشه ويحطم جبروته ؟ .
ألست انت التي جعل الله تعالى ذرية حبيبه النبي الاكرم الاطهر (ص) فيها , فكانت كوثره الذي اعطاه له ربه , وانزل للتذكير والخلود من اجل ذلك سورة في القران إسمها الكوثر , أكانت الكوثر رجلا .. كلا بل هي امراة احبت ربها واتقته , فأكرمها بذرية ملأت الوجود عطاءا , وفضلا , وعلما , وخلقا , ورحمة , وحبا , وسلاما , ورفضا للظلم والعدوان والتجبر والفساد , وقدمت – هذه الذرية - دمها وحياتها وجهدها ووقتها , بل حتى حريتها وكرامتها من اجل الانسانية , مما جعل لنا الحق ان نفخر بإنسانيتنا على سائر خلق الله لأن ذرية فاطمة (ع) بشر مثلنا .
ألست انت شريكة الثائر العملاق التي لو لاها ماعرفت البشرية نور الرسالة ولا معانيها , ولاذاقت طعم العدالة أو أمانيها , ولا انشدت للحرية أغانيها , فهل كانت خديجة الكبرى (ع ) رجلا ؟ كلا , بل كانت امرأة أحبت ربها واتقته , فأكرمها وجعلها أول من آمن , فهل كان اول الناس اسلاما رجلا ؟ كلا , بل امرأة آمنت بالثورة وأعطتها كل شيء , وختمت حياتها بالشهادة , وهي محاصرة مهجرة من ديارها بين جبال خشنات يابسات , بواد غير ذي زرع سوى نبتة التحدي والشموخ .
ألست انت التي كنت ملكة لاقوى البلدان , وحكمت شعبها بالعدل حتى صار أسعد الشعوب , واقترن اسمه بالسعادة , فاذا قيل اليمن قيل السعيد ؟ ألم تكوني ملكة الديمقراطية والشورى قبل عصر الديمقراطية هذا بآلاف السنين ؟ فتقولين لشعبك " ياأيها الملأ أفتوني في امري ماكنت قاطعة امرا حتى تشهدون " , أكانت بلقيس رجلا ؟ كلا , بل امرأة أحبت ربها , وكانت تبحث عنه حتى دلها عليه , وهداه الى نوره , وأحبت شعبها حتى جعلته اسعد الشعوب , فأكرمها ربها , وجعل ذكرها خالدا خلود آياته , وباقيا بقاء قرآنه.
ألست انت المرأة الثائرة التي تملأ اليوم ساحات الحرية والتغيير والثورة في كل ازقة وشوارع الوطن الجريح المهان المستعبد المنهوب , لتعيدي اليه كرامته وحريته وحقوقه واستقلاله وأمنه ؟ واذا تأملت معي قليلا ستجدين انك لم تكوني حاضرة في تلك الساحات فحسب , بل انت من يفجرها ويقودها جنبا الى جنب مع شباب امتنا الغيارى الميامنين الطاهرين , لا , بل ازيدك علما , فانك لم تحضري ساحات الكرامة لوحدك فحسب , بل دفعت ابوك واخوك وزوجك واختك اليها , ولو لاك ياسيدتي لما انتبه العالم الى حجم الظلم الواقع على هذا الشعب العربي الكريم , فهل كنت رجلا ؟ كلا , بل انت امرأة آمنت بربها وشعبها ووطنها وثورتها , فأكرمها ربها وجعل منها صانعة للتاريخ , ومسؤولة تعرف عظم مسؤوليتها , حيث تشارك في صنع القرار .
فهل من نعمة اكبر من هذه النعمة ؟ وهل من كرامة اعظم من هذه الكرامة ؟ ودعيني اودعك سرا , لو عرف الرجال قدر الكرامة التي منحت لك , لعرفوا طريق الجنة والخلود , ولكن لاينالها الا ذو حظ عظيم .
واخيرا كان علي التوقف هنا , حيث لا اريد ان اطيل عليك – وان كان الحديث عنك ليس فيه اطالة وان طال – ولكن رب قائل من أولئك المتزمتين الذين لم يعرفوا بعد كيف يحترمون انفسهم بحبك واحترامك يقول : ولكنها ايضا حمالة الحطب التي في جيدها حبل من مسد , وهي آكلة الاكباد , وهي التي " كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما " وهي التي كانت السبب في حرب كذا وكذا .. فأقول له لكل قاعدة شواذها , وان من طبيعة الانسان , لاسيما المرأة التعلق والانشداد الى المثل والقيم العليا , والتعلم والتزود منها , فإن قصرت في شيء من هذا القبيل , فذلك لأنها لاتعلم , والسبب هو حجب العلم عنها من قبل أولئك الذين لايعرفون الله ولا رسالته ولا رسوله ولا القيم ولا الاخلاق .
فهنيئا لها عيدها وأسالها العفو لتأخري في تهنئتها ..
جاسم المعموري
12 - 3 - 2011