هل ستحافظ الثورة الشبابية العربية على مستوى المرأة في الميدان وتطور مكانتها



هيفاء دلال ضاهر
2011 / 3 / 16

في الثامن من آذار، يوم المرأة العالمي
هل ستحافظ الثورة الشبابية العربية على مستوى المرأة في الميدان وتطور مكانتها
الف تحية للشعوب المناضلة، الف تحية للذين ينفضون غبار الذل والمهانة، الف تحية للشباب الذين ينفضون غبار الفساد لحكوماتهم الفاسدة.
ففي الثامن من آذار من كل سنة تطلق حركة النساء الدمقراطيات في اسرائيل صرختها واحتجاجها ضد المعاناة وضد الفاسدين، اينما كانوا. وها هي المرأة اليوم تطلق صرختها ضد الطغاة الفاسدين وتطلق تحيتها وتضامنها مع ابناء وبنات الشعوب الذين ثاروا على هذا الفساد. مئات من النساء جبن شوارع مدينة ام الفحم في هذا اليوم ليهتفن ضد سياسة الحكومة الفاشية وممارسة العنف ضد اهالي المدينة. كذلك لتعلنّ تضامنهن مع الشعوب الثائرة العربية في المنطقة، مثل الشعب التونسي والمصري والليبي وغيرهم من شعوب المنطقة المنتفضة ضد الفساد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. ولن اجد اصدق من كلمات شاعرنا الفلسطيني الكبير توفيق زياد رحمه الله لأعبر عن تقديري واجلالي لشباب الثورة "أناديكم واشد على اياديكم وابوس الارض تحت نعالكم واقول افديكم".
فالنساء اللواتي ما زلن يعانين في جميع انحاء العالم من الظلم والغبن والاستبداد والسيطرة الخ.. هن اكثر من يستطعن ان يفهمن ما معنى القهر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني. وثبت ان المشكلة في الحكومات التي تتناقض سياستها مع مصالح الشعوب خاصة النساء فيها، وتمارس اساليب العنف لدرجة الارهاب كما هو حاصل في ليبيا ورئيسها معمر القذافي وزمرته من اجل المحافظة على كرسيه في الحكم، وبدعم دول استعمارية وارهابية في الغرب وامريكا واسرائيل لكي لا يخسروا عميلا جيدا مثله. فهذه الحكومات ورؤساؤها من العملاء يمارسون اساليب العنف ضد شعوبهم لتنهب ثروات هذه الشعوب، كما رأينا حساباتهم في البنوك في دول الغرب وسبائك الذهب ايضا، مخلفين وراءهم الجوع والذل والمهانة الخ.. لشعوبهم. وحتى في اسرائيل التي تدعي الدمقراطية والتطور تسرق مخصصات الضعفاء من الاطفال والشيوخ والارامل وليس لكي تتسلح لحماية مواطنيها من الكوارث الطبيعية كما حدث في حريق جبل الكرمل وتبين انه ليس لديها ما يطفئ الحرائق في الاحراش الكبيرة، وانما للتسلح وضرب شعوب المنطقة. فالعولمة فتحت اسواق التسلح والتجارة بها ليس ليدافع كل من الحكام العرب التابعين للغرب عن شعبوبهم وانما ضد هذه الشعوب. والانكى من ذلك حين تحالف الحكام العرب مع الشيطان الاستعماري الامريكي ضد العراق وافغانستان، ومع اسرائيل ضد لبنان وضد شعبنا الفلسطيني في فلسطين المحتلة في غزة والضفة الغربية حيث اتخذوا جانب الصمت. وليس هذا فحسب بل ان مواقفهم هذه عززت مواقف حكومات اسرائيل بالاستمرار بممارسة استراتيجيتها العنيفة المدعومة امريكيا بالطبع، ولولا لما تجرأ من كل من بليبرمان ونتنياهو براك موفاز اشكنازي اليمينيين ليطبلوا بتصريحاتهم المشؤومة ضد شعوب المنطقة مثلا: "ليس هناك سبب للتنازل عن هضبة الجولان المحتلة" أي ان حالة الحرب قائمة في أي وقت مع سوريا و"مطالبة السلطة الفلسطينية بالاعتراف بيهودية الدولة". أي انه لا مكان للمواطن العربي في اسرائيل الذي يعيش على ارضه منذ الازل" الا اذا اعترف بيهودية الدولة الاسرائيلية وادى ولاء الطاعة لها، والا فليذهبوا الى دولتهم الفلسطينية في الاردن". ويهددون ويتوعدون بالضربة القاضية هذه المرة والخاطفة ضد ايران وغزة ولبنان.
لكن ثورة الشباب العظيمة بنسائها ورجالها للشعوب العربية جعلت الغرب واسرائيل يضطربون وينكمشون على انفسهم مذهولين مرتعدين ليعيدوا حساباتهم من جديد، وتعبير نتنياهو بأن: "هذا الا زلزال" الا دلالة واضحة على الخوف والهلع. خاصة عندما يقرأ تحليلات لكتاب يهود في وسائل الاعلام مثل: "احتمالات بقاء اسرائيل ضئيلة جدا، واسرائيل قلقة دائما وتعي بانه لا
مستقبل لها وتنتظر نهايتها"، وحتى هناك من حذر من اندلاع انتفاضة عربية على خلفية اقتصادية للمواطنين العرب في اسرائيل. نستطيع من ذلم ان ندرك مدى اضطرابهم النفسي. لكن حساب القرايا ليس كحساب السرايا فالبشائر تبشر ببداية قطف الثمار للثورة بتطاير الرؤساء عن عروشهم كالرئيس التونسي والمصري والليبي حتما سيطير ومهما تبقى من رؤساء فاسدين، ولن تتقهقر الشعوب لانها ارادت الحياة الكريمة وحتما لا بد لليل ان ينجلي.
إن نزول النساء الى الساحات والميادين جنبا الى جنب مع الرجال حيث يناضلون معا لنصرة قضايا شعوبهن ولنصرة قضية المرأة ايضا ضد التمييز في المجتمع وفي العائلة، من خلال القهر الطبقي والابوي الذكوري وفي الاعلام ايضا.
حين نتساءل اين هي المرأة؟ اين هن النساء؟ فعندما يتقلد المناصب العليا رجال فقط، كرؤساء حكومة ووزارات ومجالس محلية ومؤسسات مدنية
وعسكرية. وحتى التقارير في التغطية العسكرية والسياسية هي ايضا حكر على الرجال .واما النساء فيقتصر دورهن على الفن والثقافة والحبيبة الضعيفة والخادمة الخ.. كثيرون هم من النساء والرجال الذين لا يخطر ببالهم هذه التساءلات ويقولون بانها موجودة وتملأ الشاشة الصغيرة، وترقص وتغني وتملأ القنوات التلفزيونية والشوارع يسمح لها ان تخرج للتسوق والتنزه احيانا والبعض القليل يخرجن الى العمل الخ.. لكن هل سمح لها ان تتقلد منصبا عاليا في الاحزاب او مجالس محلية او بلدية الخ؟ فبالطبع هذا الامر مرفوض في المجتمع والعائلة، ليس لانه فقط هناك من يقول لها لا، وانما لوجود عقيدة اجتماعية متجمدة مهيمنة على ان هذه المناصب ذكورية و اختراقها يعتبر تدنيسا لقداستها. فهل ذلك ليس الا خوفا عليها او خوفا منها؟ اليست هذه العقيدة التي تحمل الهيمنة الذكورية تضعف المرأة وتخفض من مكانتها اجتماعيا، سياسيا، واقتصاديا. لماذا هذا التجاهل الواضح بالرغم من انها قضية هامة وعامة لكل المجتمع من النساء والرجال؟ لماذا يتجاهل الاعلام ايضا طرح موضوع مشاركتهن في سوق العمل مع انها قضية وجودية من الدرجة الاولى؟ اليس وضعها يحدد نسبة الفقر في المجتمع العربي. كيف لا ونسبة العاملات العربيات مثلا في اسرائيل يصل الى 14% فقط بسبب عدم وجود فرص عمل وان وجدت فهي محدودة جدا. لماذا هذا الرفض لوجودها في هذا المجال مع ان هناك تقارير وابحاثا تقول بان مشاركة المرأة في الاقتصاد يعتبر حافزا للنمو الاقتصادي وتوجد توصيات تناشد الحكومات ان تأخذ دورها بالحسبان في نمو بلدها الاقتصادي. وعدم تعليمها ايضا فذلك ما يكلف العائلة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لشخصها ولعائلتها ولمجتمعها اكثر بكثير من تكلفة تعليمها على قدم المساواة مع الرجل.اما بجهلها لربما تصبح كارثة في المجتمع لتعلقها بالعادات والتقاليد البالية وينذر بعواقب وخيمة تؤدي الى انهيار الاسرة وتهدد مستقبلها.
ولطالما تساءلت النساء عن كيفية التغيير لهذا الوضع في المجتمع حتى بدأ اليأس يزحف لداخلهن وما اندفاعهن لساحات النضال لتزحن هذا لظلم والاستبداد عن شعبهن ولنصرة قضيتهن ايضا من سيطرة الفساد الرأسمالي الذي فرض الطبقية في المجتمع ورسخ الفجوات الاجتماعية وتأثير مخاطرها على الشعوب، وجلبت الغنى والنمو الاقتصادي الرأسمالي للطبقات الغنية وازداد الفقر الذي يكثر معه حدة العنف والقتل وتعاطي السموم والامراض الجسمانية والنفسية التي كثيرا ما تؤدي للانتحار والاغتصاب والتسرب من المدارس بالاضافة الى امراض كثيرة ايضا.
فمشاركة النساء في النضال والصمود في مظاهرات سلمية اضفت عليها التهذيب والرقي لتغيير النظام الى الافضل، لانه بمجرد خروجهن يكون قد حصل التغيير الاجتماعي، وهذا أيضا اعطاها الثقة بنفسها بترسيخ وجودها وظهورها في الاعلام ومشاركتها بتقسيم المهام بين افراد شعبها مما ادى لتلاشي الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية خاصة برفع شعار "الارض قبل العرض" و "تسييس موضوع الشرف" وتعالت المبادئ الراقية والعقيدة الراقية عن تفاهات العقيدة البالية.
أما الخوف الذي اخذ يعتري نساء وكاتبات وبدأن يتساءلن ماذا بعد قطف ثمار الثورة وحصول الاستقلال السياسي والاقتصادي: "هل ستتراجع حالة المرأة الاجتماعية لمجرد انتهاء الوضع السياسي وان الرجل الذي يثور ضد الحاكم المستبد في الدولة سيرجع الى بيته مشتاقا للاستبداد بزوجته ويا ترى هل تتحرر المرأة اوتوماتيكيا من القهر الابوي في الاسرة حين يتحرر الرجال من القهر الطبقي في الدولة" اسئلة كثيرة كهذه تظل تطاردنا وسيظل الثامن من آذار رمزا لهذه المسيرة النضالية وباستمرار.
وما قالته د. نوال السعداوي بان "العائلة هي نموذج مصغر للدولة والتغيير يجب ان يحصل معا في العائلة وفي الدولة أي نصف المجتمع مع المجتمع كله. وكما ادت هذه الثورات الى وعي سياسي ادى الى تغيير اجتماعي، أي ان الوعي السياسي انقذ المجتمع وعمل على تغييره وحماه، لذلك يجب اشراك نساء اكثر في عمليات التغيير لضمان تغيير المجتمع". فهذا يؤكد لنا بان مسيرة النضال ما زالت امامنا وهي طويلة جدا.