الماركسية اللينينية والتنظيم النسائي



فؤاد الهيلالي
2011 / 3 / 24

المقال التالي جزء من سلسلة مقالات يقدمها الكاتب بمناسبة الذكرى المئوية لليوم الأممي للمرأة الذي يصادف يوم 8 مارس. وفي الأصل هو جزء من كتاب سبق نشره، إلا أن الكاتب عاد إلى المسودة الأصلية وقام بإعادة صياغتها تمشيا مع طبيعة الهدف المتوخى من المقال. وبديهي أن التصورات الواردة أسفله تعتمد المبادئ الماركسية اللينينية للتنظيم كما صاغها لينين وطورها القادة الماركسيون اللينينيون الكبار. وقد راجع الكاتب العديد من المراجع من بينها كتاب: "تحرر المرأة العاملة" ألكسندرا كولنتاي. وقرارات مؤتمرات الأممية الثالثة في موضوع التنظيم النسائي ومراجع أخرى. ونظرا لأهمية الموضوع بالنسبة للعمل وسط النساء نقوم بنشره على صفحات الحوار المتمدن تعميما للفائدة.


الماركسية اللينينية والتنظيم النسائي
فؤاد الهيلالي

"إن المساواة الحقيقية وليست الشكلية بين المرأة والرجل لا تقوم إلا في إطار نظام تكون فيه المرأة العاملة سيدة وسائل الإنتاج والتوزيع ومساهمة في إدارة هذه الوسائل تعمل في نفس الظروف التي يعمل فيها سائر أعضاء المجتمع العامل. بكلام آخر لا يمكن للمساواة أن تحقق إلا بقلب النظام الرأسمالي وإحلال الأشكال الشيوعية محل الأشكال الرأسمالية.". "تحرر المرأة العاملة" - ألكسندرا كولونتاي
"إن التحرر الكامل للمرأة، ومساواتها بالرجل، هو الهدف النهائي لتطورنا الثقافي، وهو أمر لن تستطيع قوة على الأرض أن تحول دون تحقيقه، ولكنه ليس ممكنا إلا على أساس تحول يلغي كل سيطرة للإنسان على الإنسان. ومن ثمة يزيل سيطرة الرأسمالي على العامل. وعندئد فقط سيصل التطور الإنساني إلى ذروته. وسيأتي أخيرا "العصر الذهبي" الذي ظل الناس يحلمون به آلاف السنين والذي تاقوا إليه. فسوف توضع نهاية للسيطرة الطبقية مرة واحدة وإلى الأبد بالنسبة للجميع، وستنتهي معها سيطرة الرجل على المرأة.". " مجتمع المستقبل" - أوغست بيبل

I. تقديم:
إن المتتبع لتاريخ الحركة النسائية الاشتراكية في مراحلها الأولى لابد أن تستوقفه ثلاث ملاحظات أساسية حول مرحلة النشأة والتطور:
- الملاحظة الأولى:
تلك العناية المبكرة بقضية المرأة من طرف الفكر الماركسي والتي استمرت على امتداد القرن 19. فقد ربطت الماركسية تحرر المرأة بتحرر المجتمع حتى قبل صدور البيان الشيوعي سنة 1848، ففي "المخطوطات الاقتصادية الفلسفية" (كارل ماركس) كتب ماركس يقول سنة 1844: "فلا يمكن أن تكون حرية، ولم تكن قط، ولن تكون يوما حرية حقيقية طالما لم تتحرر المرأة من الامتيازات التي يكرسها القانون للرجل، طالما لم يتحرر العامل من نير الرأسمال، طالما لم يتحرر الفلاح الكادح من نير الرأسمالي والملاك العقاري والتاجر".
ومذاك عالجت الكتابات الماركسية موضوع المرأة في مناسبات عدة ولأغراض محددة مبينة جذور الاضطهاد الطبقية والتاريخية ومستخلصة من نتائج التحليل شروط تحرر المرأة التي هي من تحرر المجتمع برمته. وفضلا عن المخطوطات المذكورة أعلاه لابد من ذكر "البيان الشيوعي" (كارل ماركس، فريدريك انجلس: 1848)، كتاب "الرأسمال" (كارل ماركس: 1867) "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" (انجلس: 1888)، ثم كتابي "المرأة والاشتراكية" و "مجتمع المستقبل" (أوغست بيبل: 1879).
وإذا كانت كتب ماركس وانجلس معروفة بما يكفي فلابد من التذكير بأن كتاب "المرأة والاشتراكية" (بيبل) قد لعب دورا كبيرا في تطور الحركة النسائية الاشتراكية. ذلك أن بيبل أقام في هذا الكتاب صلة وثيقة بين قضية المرأة وبين الهدف الطبقي العام للعمال ونبه إلى الحاجات الخاصة والمطالب الخاصة بالنساء والى السمات المميزة للمرأة بوصفها امرأة.
- الملاحظة الثانية:
هو أن حركة النساء العاملات باعتبارها جزءا من الطبقة العاملة، قد ولدت في رحم المجتمع الرأسمالي، وقبل أن يحصل تواصلها مع الفكر الاشتراكي، قد ظلت لمدة طويلة كما هو الحال بالنسبة لمجموع الطبقة، عرضة لتأثيرات الفكر البرجوازي باعتباره إيديولوجيا وسط الطبقة العاملة(Idéologie au sein de la classe ouvrière)
لكن لابد من تدقيق الأمور لأن نمو الوعي الذاتي (الطبقي) أكثر تعقيدا عند المرأة العاملة منه عند الرجل العامل. حقا المرأة العاملة عضو في الطبقة العاملة، - كما تقول ألكسندرا كولونتاي - قبل أن تكون أي شيء آخر تعاني الاستعباد والحرمان من الحقوق المدنية، يضطرها النضال من أجل تحررها إلى النضال قبل كل شيء لتحرر طبقتها بأسرها. وحتى لا نقف عند "ويل للمصلين"، فالمرأة العاملة ليست فقط عضوا في طبقتها بل هي كذلك في الوقت ذاته ممثلة لنصف الجنس البشري، وهي ليست فقط عاملة أو مواطنة بل إنها كذلك أما وحاملة الغد في أحشائها، فمن هنا خصوصية وضعها وخصوصية مطالبها التي لم يكن سهلا على العقلية الذكورية حتى داخل الطبقة العاملة إدراكها وبناء تصورات صحيحة حولها.
فنبذ النساء والتمييز ضدهن يولد عدم المساواة بين المرأة والرجل سواء في العمل، في الأسرة، في السياسة، في العلاقة بين الجنسين، لذلك بقيت المرأة تحتل دائما "مركزا ثانويا".
إن نمو الوعي الذاتي لدى المرأة يصطدم بمعيقات أكثر تعقيدا. فلكي تبلغ المرأة العاملة مرحلة نضج الآراء التي يبلغها العامل العادي، فهي ملزمة بأن تحقق قطيعة كاملة مع تلك التقاليد والمفاهيم والقيم الأخلاقية الذكورية التي تترسب داخل كيانها بسبب التربية، مشكلة عقبة كأداء في طريق بلوغ الوعي الطبقي لديها.
وكما استعملت البرجوازية الطبقة العاملة في مواجهة الإقطاع، ستستطيع الحركة النسوانية البرجوازية التي هي ممثلة لمصالح النساء البرجوازيات في نضالهن من أجل تحسين أوضاعهن داخل طبقتهن أن تجد لها مواطئ قدم داخل الحركة النسائية العمالية.
وكما استطاعت الطبقة العاملة في تحالفاتها الأولى مع البرجوازية (انظر البيان الشيوعي) أن تكتسب ثقافة سياسية ستوجهها فيما بعد ضد عدوها الطبقي، كذلك استفادت الحركة العمالية النسائية في مراحل محددة من هذا التأثير، لاكتساب وعي أكثر خصوصية بالمطالب النسائية. ثم بعد ذلك مع نمو وعيها وتوفر الشروط الموضوعية لنشأة حركة نسائية اشتراكية، ستضع حدا فاصلا بين الحركة النسائية البروليتارية والحركة النسائية البرجوازية.
وفي انتظار نضج الشروط الذاتية والموضوعية لنشأة حركة نسائية اشتراكية، "انضمت النساء إلى تنظيمات عمالية واتحادات وأحزاب دون أن يترافق ذلك مع النضال في مجالات نسائية".
- الملاحظة الثالثة:
لقد انقضت أكثر من أربعين سنة على نشأة الفكر الماركسي، قبل أن تستطيع الحركة الاشتراكية إيجاد طريقها الخاص للعمل وسط المرأة العاملة.
صحيح أننا لا نستطيع أن ننكر تلك المحاولات المبكرة لطرح العمل وسط النساء العاملات التي قام بها جيل الرواد الأوائل، فلويزا أوتا (مناضلة ألمانية) قد ألقت خطبة في أخوية للعمال سنة 1848 (ودادية : amicale) مشيرة إلى ضرورة إشراك النساء في التنظيمات العمالية. وكان ماركس وراء القرار السابع الذي اتخذه مؤتمر مندوبي الأممية الأولى المنعقد بلندن من 17 إلى 23 سبتمبر 1871.
ونص القرار على مايلي:" يوصي المِؤتمر بتشكيل فروع نسائية داخل الطبقة العاملة، شرط أن لا يمس هذا القرار بوجود أو بتشكيل فروع تضم عمالا من الجنسين".
وبعد تقديم هذا القرار المتخذ من طرف المجلس العام أمام المؤتمرين، برر ماركس موقفه بأنه يرى ضروريا تأسيس فروع نسائية محضة في البلدان التي تستخدم فيها الصناعة النساء بأعداد كبيرة. إن النساء يلعبن دورا كبيرا في الحياة، يعملن في المصانع، يشاركن في الإضرابات... إن لهن حماس أكثر من الرجال. وفي منتصف ثمانينات القرن 19، وفي ألمانيا، قامت المناضلة الاشتراكية وليام شاك بتأسيس جمعيات للتثقيف الذاتي ونوادي نسائية للعاملات لكن السلطات الاستبدادية في ألمانيا آنذاك وضعت حدا لهذه التجربة بمبرر القوانين التي كانت تمنع النساء من العمل النقابي والسياسي.
ورغم كل هذا وإلى حدود 1896 تاريخ انعقاد مؤتمر غوتا للحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني الذي وضع لأول مرة قواعد العمل التنظيمي والتحريض الخاص والمستقل بين النساء، ظل الاتجاه السائد داخل الأحزاب الاشتراكية آنذاك يحكمه منطق تبسيطي اختزالي للحركة النسائية لا يراها إلا مندمجة بالحركة العامة للطبقة العاملة دون إدراك لخصوصية العمل وسط النساء العاملات.
وقد يثير هذا التفاوت بين التقدم النظري للفكر الاشتراكي في طرحه لجوهر المسألة النسائية، والتطور البطيء للوعي السياسي (والتصور التنظيمي المرتبط به) بخصوصية العمل النسائي وإشكالياته، عدة أسئلة أهمها:
- هل مرد ذلك إلى الفكر الاشتراكي نفسه؟ - أم أن هناك عوامل أخرى محددة لعلاقة الفكر والنظرية بالواقع التاريخي؟.
إن الفكر الاشتراكي العلمي هو نتاج الصراعات الطبقية للمجتمع الرأسمالي الذي درس ماركس أهم قوانينه الاقتصادية وحللها وبين تاريخية هذا النمط الإنتاجي السائد في التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية. أما نظام الباطرياركا فهو شكل اجتماعي أقدم من الرأسمالية عبر عشرات القرون من تاريخ البشرية وخدم المجتمعات الطبقية وظل في خدمة الرجل. لقد حطمت الرأسمالية الأسس المادية للعائلة البطريركية الواسعة. وخلقت بدلها العائلة النووية لكن دون القضاء على الأسس المادية لاضطهاد المرأة داخل الأسرة. لقد استوعبت الرأسمالية نظام الباطرياركا في شروط تاريخية جديدة ومفصلته ضمن آليات الاستغلال الرأسمالي الطبقي والاضطهادي للمرأة. إن الإيديولوجيا البطريركية وثقافتها الذكورية القائمة على الميز الجنسي ضد المرأة، تخترقان كل البنى الطبقية للمجتمع الرأسمالي. فلا حدود مغلقة بين الطبقات إذ لا وجود للبروليتاريا بدون البرجوازية والعكس صحيح. فضلا عن هذا توجد حالات انتقالية مستمرة لفئات اجتماعية تتدهور حالتها الاقتصادية فتغذي صفوف الطبقة العاملة بأعداد جديدة من العمال يحملون معهم ثقافة وإيديولوجية الطبقات المندحرة.
إن الحزب السياسي الطبقي هو نتاج الصراعات الطبقية ومكوناتها المختلفة يتأثر بها ويؤثر فيها. وهو بذلك لا يستطيع الإفلات من تأثيرات الإيديولوجيا البطريركية حتى في صفوفه. إن سيرورة تشكل الوعي الطبقي لا يمكن فهمها خارج العلاقة المتناقضة والجدلية التي تجمع الحزب والطبقة: علاقة ترابط وانفصال في آن واحد.
لقد كانت ألمانيا بالمقارنة مع بريطانيا وفرنسا بلدا متخلفا من حيث الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. بريطانيا وفرنسا قامتا بثوراتهما البرجوازية الأولى سنة 1689 والثانية سنة 1789. بينما ألمانيا فشلت ثورتها البرجوازية سنة 1848. هذا التأخر التاريخي طبع الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهذا البلد. لكن ألمانيا بالرغم من ذلك كانت البلد الذي عرف انتشارا سريعا للفكر الاشتراكي وسط الطبقة العاملة ابتداء من سبعينيات القرن 19. واستطاعت الطبقة العاملة الألمانية بقيادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي أن تحقق العديد من المكتسبات وتصبح في طليعة البروليتاريا العالمية.
اقتصاديا كان على ألمانيا أن تنتظر مجيء ثمانينات وتسعينيات القرن 19 لتلتحق تدريجيا بفرنسا وبريطانيا. وفي هذه الحقبة عرفت الرأسمالية اتساعا كبيرا على المستوى الصناعي رافقه الانتقال إلى مرحلة الرأسمالية الاحتكارية واتساع السيطرة الإمبريالية على بلدان "العالم الثالث". بموازاة مع هذا التطور، اتسع حجم اليد العاملة النسائية وأصبحت ذات وزن اجتماعي كبير. لكن جل النساء اللواتي اقتحمن ميدان العمل المأجور كن غير منظمات وأصبحن بسبب تدني وعيهن واستغلال الرأسماليين لهن، يهددن بتخريب نضالات العمال المنظمة، لقد أصبح تنظيمهن ذا إلحاحية كبيرة بالنسبة للأحزاب الاشتراكية الديموقراطية والنقابات التابعة لها. وبعد فترة من النقاش والجدال حول أسلوب تنظيم النساء بحكم تنوع التجارب والأشكال التنظيمية تغلب ما سمي "بالأسلوب الألماني" القائم على دمج النصفين النسائي والرجالي من الطبقة العاملة في التنظيم الحزبي الواحد، مع الاحتفاظ باستقلالية في التحريض بين النساء العاملات.

II. الماركسية اللينينية ونظرية التنظيم النسائي:
إن التصورات التنظيمية للعمل النسائي بما هي مبادئ عامة وإجراءات تنظيمية يحكمها أساسا الخط الإيديولوجي والنظري وقاعدتهما النظرية الماركسية اللينينية. وتنضاف إلى هذه القاعدة تجارب الحركة الشيوعية العالمية وخبرات الحركة النسائية الاشتراكية العالمية وثورات الشعوب ضد الاستعمار والإمبريالية.
1. التصورات العامة:
ترسم هذه المبادئ المنطلقات النظرية والأهداف العامة التي يرتكز عليها منظورنا الاشتراكي لتحرر المرأة. وتتحدد بما يلي:
- ضرورة إعطاء الأولوية للصراع الطبقي في نظرتنا للقضية النسائية باعتبارها جزءا من القضية الاجتماعية العامة. فتحرر النساء والنضال من أجل انعتاقهن جزء من النضال الذي تخوضه الطبقة العاملة والكادحون (رجال ونساء). فهو كذلك يندرج ضمن الوحدة الطبقية لكل المستغلين والمضطهدين المرتكزة على وحدة الهدف: تحقيق الاشتراكية وبناء المجتمع الشيوعي.
- ضرورة الإنطلاق من الأطروحة الماركسية التي ترى أن اضطهاد النساء تاريخيا، قد تم عن طريق نفس القوى والعلاقات الاجتماعية التي ولدت اضطهاد طبقة من طرف طبقة أخرى، وعرق من طرف عرق آخر، وأمة من طرف أمة أخرى. وهذه القوى والعلاقات تتمثل في المجتمع الطبقي ومؤسساته: الملكية الخاصة، العائلة الأبوية، الدولة. وبالنسبة لنا فإن الرأسمالية باعتبارها مرحلة عليا في تطور المجتمع الطبقي، قائمة على الاستغلال الاقتصادي والاضطهاد الجنسي، هي المسؤولة أساسا عن الانحدار الذي تعيشه المرأة في عصرنا.
- اعتبار الأطروحة الماركسية القائلة بأن النساء يشكلن جنسا مضطهدا لأسباب اجتماعية، طبقية وتاريخية. وبناء عليه، يرفض الماركسيون اللينينيون التفسيرات الخاطئة التي تعتبر أن سبب دونية المرأة يعود إما إلى عوامل بيولوجية تارة أو إلى النظام البطريركي تارة أخرى. إن هذه الأطروحات الخاطئة لا تدرك أن الأمومة في المشاعة البدائية كانت "وظيفة اجتماعية" وهي بذلك لم تعق المرأة التي كانت تحتل موقعا رفيعا داخل العشيرة المشاعية. أما اختزال السبب في نظام الباطرياركا دون غيره، يتغافل حقيقة تاريخية، هي أن الباطرياركا كتكوين اجتماعي لازم المجتمعات الطبقية منذ نشأتها إلى الآن، فهو إحدى مؤسسات المجتمع الطبقي. وليس أقل خطأ الأطروحة النسوانية التي ترى أن النساء يشكلن طبقة. هاته الأطروحة الأخيرة تفتقد إلى أي أساس مادي في تحديدها الطبقي رغم ادعاء بعض دعاتها انتماءهن إلى الماركسية.
فبماذا تعرف الطبقات؟:
حسب التعريف اللينيني: "تسمي الطبقات الاجتماعية مجموعة كبيرة من الناس تتميز ب:
* المكانة التي تحتلها في نظام الإنتاج الاجتماعي محدد تاريخيا.
* علاقاتها (في أغلب الأحيان محددة ومكرسة بالقوانين) اتجاه وسائل الإنتاج.
* دورها في التنظيم الاجتماعي للعمل وبالتالي بأهمية نصيبها من الثروة الاجتماعية التي تتوفر عليها والطريقة التي تحصل عليها.
* الطبقات هي مجموعة من الناس بإمكان طرف منها أن يتملك عمل الطرف الآخر. وذلك نتيجة المكانة المختلفة التي يحتلها داخل بنية محددة للاقتصاد الاجتماعي". "المبادرة الكبرى" مجلد 29 ص 425 لينين.
- الانطلاق من التحليل الماركسي الذي يرى أن الرأسمالية، كنمط إنتاج تاريخي، لما أقحمت المرأة في العمل الشخصي المأجور، قد خلقت أحد شروط تحررها. واعتمادا على المنظور الاشتراكي، فمساهمة المرأة في العمل والتحرر من الاستغلال الرأسمالي هما المرحلتان الأساسيتان لتحرر المرأة. "إن وضع المرأة مرتبط بشكل لا انفصام فيه باعتبارها إنسان وعضو في المجتمع بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. هنا الفارق بيننا وبين حركة النساء البرجوازية. هذا هو أساس طرح المسألة النسائية كجزء من المسألة الاجتماعية العمالية، ومن ثمة ربطها بالنضال البروليتاري الطبقي وبالثورة". "بصدد تحرر المرأة" لينين.
من هنا نرى أن الطرح الماركسي اللينيني لتحرر المرأة يناقض النزعات الفردانية البرجوازية الصغيرة التي ترى أن تحرر النساء هو تحرر كل امرأة على حدة. فلا تحرر للمرأة بدون انتصار الاشتراكية ولا اشتراكية بدون مساهمة فعلية للمرأة وتحررها.
- التأكيد على حق المرأة في العمل كمنطلق لتحررها. "ذلك أن مساهمة المرأة في العمل المأجور هو نقطة انطلاق وشرط التحرر السياسي والقانوني والجنسي للمرأة. إن العمل يعطي المرأة ثقة في النضال ضد الرأسمالية ويوفر لها القدرة على مقاومة الاضطهاد الذي تتعرض له داخل الأسرة وداخل المجتمع فضلا عن أنه يمنحها إمكانية الاستقلال المادي عن الرجل. وضدا على التمييز الذي تتعرض له المرأة في العمل ودفاعا عن خصوصيتها كامرأة، يجب أن تحظى مطالب النساء بالمساواة في الأجور، ومن أجل حماية العمل النسوي، ورعاية الأمومة بكل دعمنا." تحرر المرأة العاملة" – ألكسندرا كولنتاي.
- الانطلاق من الاعتبار الذي يرى أن ثورات النساء تشكل فصيلا أصيلا وهاما من فصائل الثورة العالمية للشعوب. ففي سنة 1868 كتب ماركس يقول: "إن كل من يعرف شيئا من التاريخ يعرف أن من المستحيل حدوث تحولات اجتماعية كبيرة دون حركة نسائية". وفي سياق آخر كتب ماركس: "كما أن كل الانقلابات الاجتماعية العظيمة مستحيلة دون خميرة نسائية". وأضاف لينين بدون النساء: "يستحيل وجود حركة جماهيرية حقيقية".
لقد أثبت التاريخ صحة هذه المقولات من خلال الأمثلة الساطعة للثورات البرجوازية في القرنين 18 و 19 وللثورات البروليتارية والاشتراكية (كومونة باريس 1871، ثورة أكتوبر 1917) وثورات التحرر الوطني في القارات الثلاث (إفريقيا، أمريكا اللاثينية، آسيا) مثال الثورة الجزائرية والثورة الفيتنامية والثورة الكوبية والثورة الفلسطينية وغيرها من ثورات القرن العشرين. وإذا كانت لكل ثورة مميزاتها وخصائصها الطبقية والتاريخية التي تحكم نظرتها إلى المرأة، ورغم أن النساء قد حققن بعض المكتسبات في هاته الحالة أو تلك، خاصة في الثورات الاشتراكية لعصرنا، فإنه إما بسبب نظرة طبقية ذكورية للمرأة أو بغياب تصور استراتيجي لتحرر المرأة في المجتمع الاشتراكي أو بسبب انتصار الخطوط التحريفية في هذه البلدان، لقد كانت النساء الخاسرات الأكبر من تلك الهزائم أو الانتكاسات. فعلينا إذن أن نتعلم من دروس وخبرات النضال النسائي وتوفير الرؤيا الاستراتيجية والأدوات التنظيمية الكفيلة بتحصين مكتسبات النساء خلال سيرورة النضال الثوري من أجل الاشتراكية والمجتمع اللاطبقي.
- ضرورة الاحتكام لنظرة جدلية - تاريخية لتحرر النساء كجزء أصيل من الثورة الاجتماعية الكبرى التي نادت بها الماركسية. إن هذا التحرر لن يسير في خط مستقيم بل لابد من أن يمر من منعرجات وينتظم في فترات ومراحل المد والجزر الكبرى حتى تحقيق الهدف الأسمى: تحرير النساء من الاضطهاد المزدوج.
إن الشروط الموضوعية والذاتية قد تشكل كوابح أو قد تكون ملائمة لتقدم النضال النسائي، لكن في كل الأحوال فإن تحرر النساء يجب أن يكون من صنع النساء أنفسهن باعتبارهن جنسا مضطهدا. وعلى النساء أن يستوعبن دروس البناء الاشتراكي ويبنين من الآن أدوات تنظيمهن الذاتي. إن تحقيق التحرر النسائي سيرورة طويلة ومتواصلة تمر بالضرورة بمراحل وتستدعي باستمرار القيام "بثورة داخل الثورة" سواء داخل التنظيم السياسي أو في المجتمع بعد "انتصار" الثورة.
- إن الطرح الاشتراكي والماركسي اللينيني لتحرر المرأة يقر بدور النساء في نضالهن الخاص باعتبارهن جنسا مضطهدا. وهو بذلك يناقض ذلك المنطق التبسيطي الداعي إلى اندماج حركتهن بالحركة العامة للطبقة العاملة. لقد فندت تجربة النضال النسائي الاشتراكي خطأ هذا الطرح الذي يترك الحركة النسائية العمالية لقمة سائغة في يد الحركات النسوانية البرجوازية وفكرها البرجوازي.
لكن هذه الخصوصية تستدعي منا بعض التوضيحات:
* إن الحركة النسائية التي نسعى إلى بنائها هي حركة جماهيرية تمثل جزءا عضويا من حركة الجماهير الكادحة. "بدون النساء، لا يمكن أن تكون حركة جماهيرية حقيقية" لينين.
* إن اعتبارنا إياها حركة جماهيرية لا يعني حصرا ضمها فقط للعاملات أو الكادحات بل كل المستغلات والمضطهدات وكل ضحايا الرأسمالية.
- إن الطرح الماركسي اللينيني ينبني على القواعد التالية:
* اعتبار وحدة الخط الإيديولوجي والسياسي والتنظيم الحزبي انطلاقا من وحدة الطبقة العاملة ومشروعها التاريخي وقيادتها للثورة عبر حزبها الطبقي الثوري.
* بناء استراتيجية التحرر النسائي انطلاقا من وحدة الهدف (الاشتراكية) التي تستدعي وحدة طبقية لكل المستغلين والمضطهدين أي أولوية النضال المشترك والتضامن الطبقي بين كل الكادحين والكادحات وبين المضطهدين والمضطهدات في سبيل تحقيق الاشتراكية.
وتأسيسا على ذلك:
- لا حاجة إذن لبناء تنظيمات نسائية منفصلة، كما روجت لذلك أطروحات النساء طبقة. إن هذا الطرح لا أساس له، لأن النساء الاشتراكيات هن عضوات في التنظيم الحزبي بنفس الحقوق والواجبات التي للذكور، ومنها واجب الذكور العمل في الميدان النسائي. لكن لابد للتنظيم الحزبي من خلق إطارات (لجان، مجموعات عمل...) مهمتها الخاصة ربط النساء بالتنظيم الحزبي عبر القيام بعمل منهجي وسط النساء من خلال إيقاظ وعيهن ودفعهن إلى النضال ضد واقع الاستغلال والاضطهاد. ولأجل ذلك لابد من إيجاد أشكال تنظيمية ودعائية خاصة بالعمل النسائي. وعند صياغة البرنامج المطلبي، لابد من استخراج دائم للمطالب التي لها راهنية والانتقال من التركيز على هذا المطلب إلى مطلب آخر حسب الظرفية الملموسة دون إغفال في أية لحظة المصالح المشتركة للطبقة العاملة وعموم الكادحين. فكل مناوشة أو تعبئة منا يقول لينين ستدفع التيارات الأخرى إما أن تكون معنا أو تكشف عن أقنعتها.

2. مبادئ موجهة للعمل النسائي:
اعتمادا على النظرة أعلاه، هناك مبادئ موجهة لابد من مراعاتها في العمل الحزبي والجماهيري:
- ضرورة الانطلاق من المساواة التامة حقوقا وواجبات بين الجنسين داخل المنظمات: التنظيم السياسي، النقابة، الجمعيات الخ...
- ضرورة إشراك المرأة في كل أشكال النضال المخاض من طرف البروليتاريا والكادحين والجماهير الشعبية.
- ضرورة خلق أجهزة خاصة للعمل بين النساء ذات ارتباط بكل هيآت الحزب من اللجان القيادية المركزية إلى اللجان المحلية. مع اعتبار العمل النسائي من مهام التنظيم السياسي برمته (ذكور وإناث وليس الإناث فقط).
- ضرورة اعتماد النظرة إلى الأمومة باعتبارها وظيفة اجتماعية والنضال من أجل فرض حماية المرأة بوصفها أما.
- ضرورة اعتماد أسلوب تحريض ودعاية انطلاقا من الوضع الخاص للنساء، أسلوب قوامه مبدأ "التحريض والدعاية بالعمل" وليس بالنقاش فقط والانطلاق من الممارسة العملية إلى المعرفة النظرية للفكر الاشتراكي.
ملحق: كرونولوجيا تاريخية:
في ألمانيا:
- فبراير 1848: صدور "البيان الشيوعي" أول وثيقة برنامجية لحزب ماركسي من تأليف كارل ماركس )1818 – 1883 (وفريدريك انجلس )1820 – 1895).
- 1848 : لويزا أوتا، المناضلة الألمانية تلقي خطابا في ودادية للعمال تشير فيه إلى ضرورة إشراك النساء في التنظيمات العمالية.
- 1867: صدور كتاب "الرأسمال" الجزء الأول لكارل ماركس.
- 1871: قيام كومونة باريس أول ثورة تستولي فيها الطبقة العاملة على السلطة السياسية. وقد لعبت النساء دورا بطوليا خلال الأيام التي استمرت فيها الثورة قبل أن يتم القضاء عليها.
- 1871: بإيعاز من ماركس، صادق مؤتمر مندوبي الأممية الأولى المنعقد بلندن في الفترة ما بين 17 و23 سبتمبر على القرار السابع الذي جاء فيه:
- "يوصي المؤتمر بتشكيل فروع نسائية داخل الطبقة العاملة، شرط أن لا يمس هذا القرار بوجود أو بتشكيل فروع تضم عمالا من الجنسين".
- 1879: صدور كتاب "المرأة والاشتراكية": أوغست بيبل.
- الثمانينات من القرن 19: المناضلة الاشتراكية الألمانية، وليام شاك تقوم بتأسيس جمعيات للتثقيف الذاتي ونوادي للنساء العاملات. سرعان ما تم القضاء على هذه التجربة بسبب القمع.
- 1888: صدور كتاب "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" لانجلس.
- 1891: انعقاد مؤتمر إرفورت للحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني. وفي البند الخامس من البرنامج الذي أقره المؤتمر جاء ما يلي:
* "إلغاء كافة القوانين التي تميز، حياتيا، بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالحقوق السياسية أو المدنية".
* لم تعد المسألة تختزل في تحسين ظروف عمل المرأة ولكن أيضا مسألة تحررها كمواطن وكإنسان.
- 1896: انعقاد مؤتمر "غوتا" للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني حيث كان دور كلارا زتكين (1857 - 1933) بارزا في هذا المؤتمر، أثارت فيه موضوع العمل الحزبي بين العاملات، وأرست قواعد قيام عمل حزبي متخصص ومستقل بين النساء. وأوصى المؤتمر بضرورة تركيز التحريض بين النساء، بالإضافة للدعوة للأهداف العامة للحزب، على سلسلة كاملة من القضايا النسائية المحضة مثل حماية العمل النسائي وضمان الولادة ورعاية الأطفال وتربيتهم والتثقيف السياسي للنساء والمساواة للنساء...
يشكل هذا المؤتمر منعطفا تاريخيا بالنسبة للحركة النسائية الاشتراكية لأنه افتتح مرحلة العمل الحزبي لتنظيم النساء والتحريض المنتظم في صفوف البروليتاريا النسائية.
- 1896: انعقاد المؤتمر الاشتراكي الأممي في لندن، وخلاله وقع اجتماع خاص ضم حوالي 30 مناضلة اشتراكية عن إنجلترا، ألمانيا، بلجيكا، أمريكا، هولندا، بولونيا. ومن بين نتائجه إقرار ضرورة رسم حد فاصل بين الحركتين النسوية البرجوازية والبروليتارية والتأكيد على ضرورة التحريض الاشتراكي الخاص بين العاملات لجذبهن إلى صفوف حزب الطبقة العاملة.
في روسيا:
- 1906: أسس الحزب الاشتراكي الديموقراطي الروسي نوادي النساء العاملات في بعض نواحي مدينة بتروغراد دون أخذ إذن مسبق بذلك. وبعد حل مجلس الدوما الأول (البرلمان الروسي) أجبرت هذه النوادي على إغلاق أبوابها.
- 1907: بادر الاشتراكيون الديموقراطيون الروس إلى تأسيس "جمعية التثقيف الذاتي للعاملات"، كان هدفها اجتذاب أوسع جماهير النساء ذوات الوعي المتدني إلى الحركة الطبقية، وإدخالهن إلى الاتحادات النقابية وإلى الحزب. لكن النظام القيصري سيقضي على هذه المحاولات سنة 1909 مما اضطر الحركة العمالية إلى الالتجاء إلى العمل السري مرة ثانية.
غير أن ذلك لم يمنع العاملات الاشتراكيات الديموقراطيات من حضور أول مؤتمر نسائي لعموم روسيا، دعت له حركة الحقوق المتساوية البرجوازية سنة 1908.
- 1913: قررت الحركة الاشتراكية الديموقراطية الروسية عقد يوم المرأة في روسيا ويمكن اعتبار هذا الحدث بدء إدراك الطبقة العاملة الروسية لضرورة القيام بعمل خاص بين البروليتاريا النسائية.
في ألمانيا:
- 1907: في ظل عقد من الزمن، ستبلغ حركة المرأة العاملة درجة من الاتساع ستسمح بعقد أول مؤتمر أممي للنساء في شتوتغارت بالتعاون مع المؤتمر الاشتراكي الأممي العام ومن قراراته:
* إنشاء مكتب نسائي أممي: مهمته توثيق العلاقات بين التنظيمات العمالية النسائية في مختلف الأقطار.
* الاعتراف بصحيفة "غلا يشهايت" (المساواة) التي كان يصدرها الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني وكانت تديرها كلارا زتكين، كصحيفة ناطقة باسم المكتب النسائي الأممي.
- 1910: خلال انعقاد المؤتمر الثامن للنساء الاشتراكيات، دعت كلارا زتكين إلى جعل يوم 8 مارس يوما عالميا للمرأة.
- 1911: في 8 مارس 1911 تم إحياء اليوم العالمي في أمريكا، لينتشر بعد ذلك في بلدان أوروبا وفي بلدان العالم.
- 1975: تحت ضغط واسع للقوى التقدمية عموما والمنظمات والحركات النسائية خصوصا التي عرفت تطورا جماهيريا خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، هيئة الأمم المتحدة تعترف بيوم 8 مارس كيوم عالمي للمرأة.