العالم السفلي للمرأة السعودية



علي فردان
2004 / 10 / 19

مطويات وكُتيّبات وكتب ونشرات وإعلانات في كل مكان، في العيادة والمستشفى، في المجمّعات التجارية، في البقالات وفي الدوائر الحكومية، أكثر هذه المطويات تحمل عناوين جميلة مثل "أختي المحجّبة، أنت ملكة، لا تُصبحي نهباً للأعين، أنت ماسة وغيرها"، وبداخل هذه المطويات كلمات رقيقة مثل أختي المحجبة، أختي المسلمة، أختي المؤمنة، أختي الملتزمة، لكن كل هذه العناوين تحمل في طيّاتها شيئاً واحداً، هي أن المرأة هي الشيطان الرجيم، لذلك حبسها في المنـزل هو الطريق الأوحد لصلاح المجتمع.
قرأت قصة في أحد هذه الكُتيّبات الصفراء عن فتاة خرجت للأسواق وتعرّفت على بائع والتقيا بعد ذلك وحملت سفاحاً وانكشف الموضوع وأصبحت عائلة الفتاة تعيش مصيبة تلو الآخرى، والجريمة هي أن الفتاة من أخطأ، وليس الخطأ المشترك بين فتاة وشاب، فلم يرد ذكر لا من قريب ولا من بعيد عن الشاب، أغلب الظن أنه ليس مواطناً. ليس القصد من هذا هو أن شبابنا ملائكة، فهم يحومون حول مدارس البنات وممارساتهم في الأسواق لا تخطئها العين، لكن لأن معظم من يبيع في المتاجر والأسواق هم من جنسيات عربية وأجنبية. من هذه القصة يأتي النصح بالتشديد على عدم خروج الفتاة إلى السوق لأن ذلك يعرّضها ويعرّض شرف أهلها للكوارث. أمّا الشاب فلا يحتاج لنصيحة وليس عليه حرج، فقد فعل فعلته وانتهى، هذا هو المنظور المتطرف تجاه المرأة وتجاه نصف المجتمع تحديداً.
كتب صفراء أخرى تتحدث عن الطبيبة واختلاطها بالأطباء، حيث يحاول الكاتب ثنيها عن عملها النبيل والبقاء في البيت، مع أن نساء هؤلاء المتخلّفين لا يرضون بأن يفحصهن إلاّ نسوة مثلهن، فمن أين نأتي بهن؟ نستقدم نساء أجنبيات، ولا ضير بأن يقابلن المرضى ويضحكن معهن ويختلطن بالأطباء، طالما هن لسن نساءنا، بل نساء غيرنا. هذا كان واضحاً بشكل مخزي عندما ظهرت تقارير دولية عن اضطهاد الأجانب من رجال ونساء واعتداء واغتصاب للخادمات وحرمان من أبسط حقوق الإنسان، لكن ذلك لم يثني الجهات الحكومية من الكذب بشأنها مرةً أخرى ظناً منهم بأن الحقيقة يمكن حجبها كمن يحاول حجب الشمس بمنخل.
والنفاق العجيب يظهر بوضوح أكثر وأكثر عندما يتم طلب حجب المرأة عن كل مكان خارج المنـزل حتى لا يزداد الفساد. ولأن الشباب "المسلم الملتـزم الناتج من بيئة الإسلام العظيمة في المملكة" يدور في كل مكان يراقب كل لون أسود يتحرك، فعليه يجب منع الفتاة من الخروج لأن الذئاب تنتظرها لتأكل من وجهها ولبسها وعطرها وكل شيء. أمّا الولد فلا مانع من أن يستمر في فعلته في مضايقة الفتيات والعائلات دون رادع ديني أو قانوني، حيث تعود الطعنات المميتة للمرأة، وعلى رأسها: لماذا خرجت؟ لو لم تخرجي ما تعرّض لك أحد؟
أصبحت المرأة ليست فقط عورة، بل أصبحت "مالاً سائباً" لكل من تسوّل له نفسه، فهي الضعيفة وهي العار، ويتجرأ على الانتقاص منها والشتم لها كل شخص يمشي في الشارع، فالكل أصبح ولي أمرها، وخاصةً من أبناء السلف من الشباب، فهذا يقول لها "تغطي يا مرة"، وهذا يقول لها "اتقي الله يا مرة" وآخر يعطيها مطوية، خاصةً إذا كانت هذه الفتاة بيضاء البشرة وبها مسحة من جمال. حتى حارس المدرسة أصبح ولي أمر هذه الفتاة وتلك، ويتجرأ على التعرض لهن بأمرهن بالنقاب وتغطية الوجه عند خروجهن من المدرسة ويتفوه بكلمات لا يستطيع والد الفتاة النطق بها احتراماً لمشاعر ابنته وثقته فيها. ولم تسلم هذه الفتاة المسكينة في مكان إلاّ وعيون أخرى ترصد حركتها. فرجال الهيئة الأشاوس يقفون عند بوابات دخول الطالبات في الجامعة، بوابة الفقراء وليس بوابة دخول الأميرات، فيشتم ويضرب وينتقص، وحتى عندما تصعد سيارة أجرة، لا يتورع رجل الهيئة المناضل من أن يسحبها عنوة إلى خارج السيارة حفاظاً عليها من المحرّمات ومنعها من الذهاب للكلية؛ فالتعليم ليس واجباً في نظره. في غياب وسيلة النقل المناسبة تضطر الطالبات لركوب سيارات الأجرة، وبدو شك هذا ليس من شأن رجال الهيئة، فصلاحيتهم هي مراقبة الفتاة وليس مساعدتها.
الأقسى والأمر هو استمرار الطابور الخامس من أتباع أسامه بن لادن في تعليم طالبات المدارس، فمعلمة تقضي معظم وقتها في عرض كتب فتاوى شيوخ التطرف بدل تعليم المنهج الدراسي، ومعلمة أخرى خبيرة في الحاسب ترصد جائزة للطالبات لمن تعمل رسماً ممتازاً على برنامج فوتوشوب عن النمص، وأخرى تطلب من الطالبات أن يحضرن للمحاضرات بعد الصلاة في جماعة المصلّى وتنشر هناك الكتيبات الصفراء نفسها. أماّ عن إدارة هذه المدارس فهي ربما أسوء من هذه الحالة، فيتم استدعاء "داعيات" بارزات مشهود لهن بالتطرف والغلو، وأخريات من وزارة التربية والتعليم، رئاسة تعليم البنات، داعيات يتم دفع رواتبهن من وزارة التربية والتعليم لدعوة الطالبات إلى التطرف. تقوم المدرسة بإجبار كل طالبة لحضور هذه المحاضرات على حساب حصص الرياضيات وغيرها مما يعني تأخير أكثر في منهج التدريس، ولكن ذلك غير مهم طالما كان الهدف سامياً مثل نبذ العباءة الكتّافي والنمص ونبذ لبس البنطال وأقراط الأذن وحرمة صبغة الشعر وعدم الخروج من المنـزل.
طبعاً لا تنسى الداعية لله الطعن في اليهود والنصارى والغرب عموماً لأنه ابتذل المرأة وأهانها وأراد منها أن تكون سلعة يبيعها ويشتريها ويستمتع بها، وأن الغرب لازال يحاول إفساد المسلمين وخاصةً في مهد بلاد الإسلام "التي تطبق شريعة الله" عن طريق إفساد الفتاة المسلمة فيه. لكم أن تتخيّلوا أعزتي القرّاء بأن معلمة تتحدث عن النظام الشيوعي بقولها بأن الطفل ما أن تتم ولادته إلاّ وتأخذه الحكومة من والديه لتربيته وتعليمه مبادئ الشيوعية ومعاداة المسلمين إلى إن يكبر. لا تكتمل هذه النصائح دون المرور بالغرب الكافر وأنه يعادي الإسلام وينصب الفخاخ للنيل من طهارتنا وعفّتنا وانتمائنا لأننا على حق وهم على باطل.
مجتمع منافق يعيش على الأوراق الصفراء يطبع منها الملايين ويوزعها في كل مكان على سطح الأرض وبلغات متعددة، مع حقيبة متميزة وأشرطة سمعية وبصرية وحفلات أكل وشرب وإفطار صائم، ومنح دراسية ودعوات بالتوفيق ليكونوا دعاة للدين في حال عودتهم إلى بلادهم كما تقول أحد هذه المطويات؛ كل ذلك لم يفلح في تغيير دين الملايين ممن يعيشون بيننا لأننا أسوء مثل لتطبيق الشريعة السمحاء. هذا النفاق الذين نمارسه هو السبب في ما نعيشه من أزمة هوية وفساد كبير، فحتى مع مرور عدة أجيال على هذه التعليمات "الإيمانية" لازالت أكثر فئات المجتمع تعيش أوضاعاً بعيدة عن المُثل التي تتحدث عنها هذه الهيئات والمؤسسات الحكومية. فانتشار الفساد الأخلاقي خلف "أسوار العفاف" ومشاكل الطلاق وانتشار مرض الأيدز بشكل مرعب وانتشار البغاء تحت مسمّيات كثيرة، كل ذلك يبين الفشل الذريع الذي مُنيت به هذه المؤسسات.
تقرأ على شبكة الإنترنت بأن العديد من الشباب من الدول الفقيرة يدافعون بشكل مستميت عن المملكة وهم لم يروها؛ ويحلمون باليوم الذي يستطيعون فيه القدوم إلى المملكة لدراسة العلوم الشرعية على طريقة "السلف" وهم بدون شك ضحايا وجنود قادمون لهذا الفكر الإرهابي المنحرف. إن نجاح هذه الهيئات في الخارج يعود لأسباب عدة أهمها: الإعلام من كتب وصحافة وإذاعة وتلفزيون، والأموال التي تصب صباً عليهم إذا ما تحوّلوا إلى "الإسلام الوهابي"، وعدم قدرة الكثير منهم على زيارة المملكة والعيش فيها لرؤية "بلاد الإسلام على حقيقتها"، وإلاّ لكفروا بعد إيمانهم.