أمومة مبتورة بأغلال المال



إيمان احمد ونوس
2011 / 4 / 11

سمعته يتحدث لأحدهم أن ولده في المشفى ويحتاج لعمل جراحي خطير، وهو الآن ينتظر قرار الطبيب بذلك. حاولت أن أستفهم منه عن وضعه المادي والاجتماعي وعدد الأولاد لديه... قال لي والدمعة تختبئ وراء نظرات تائهة:
- لي ثلاثة أولاد أكبرهم في الخامسة من عمره، وأصغرهم عمرها سنة واحدة فقط...
- وزوجتك ماذا تفعل... سألته..؟
- قال والآه تحرق ما تبقى من أبوّة متبعثرة ما بين اللقمة والطبيب: لقد تركتنا ورحلت منذ ما يقرب الخمسة أشهر.
- لماذا.. وأولادها في عمر الندى وأكثر ما يكونون بحاجتها الآن..؟
- لأنني طلبت منها أن تكون لي عوناً على القدر والقهر في زمن البطالة والجوع، وان تعطي ابننا المريض ثمن إحدى إسوارتين ألبستهما لها يوم عرسنا، من أجل أن نعالجه من مرض عجز عنه الأطباء، فلقد خضع منذ أيام للعمل الجراحي رقم/16/ وهو مازال في عمر الخمس سنوات.
- وبعد.. لكن انتظر، هل تعمل زوجتك..؟
- نعم تعمل في شركة عامة، بينما أنا أعمل في مطعم، وفي الشتاء تقلُّ فرص العمل، وربما أبقى عاطلاً عدة أشهر، وها أنا اليوم كما ترين أعمل في شركة تنظيفات من أجل إطعام الصغار.
- رغم أنها تعمل لم تساعدك..؟ لم تبع الإسوارة من أجل عملية الولد...؟
- لا.. لا لم تفعل، وقالت لن أبيع ذهبي من اجل الولد حتى ولو مات، وخرجت من يومها ولم تعد رغم أن ابنها كان في المشفى بعد عمل جراحي خطير.
ولأنه وزملاءه يعملون في مجال التنظيفات في دائرتنا الحكومية، سألت البعض منهم عن مدى صدق ما رواه لي عن مأساته وزوجته، فكان الجواب بالإيجاب، وبأنه فعلاً كما روى لي.
صُعقتُ لما سمعته من هذا الرجل البائس.. صُعقتُ من احتمال وجود أم تخالف الأمومة في حنانها وتضحيتها بنفسها من أجل أطفالها...
فهل يُعقل أن يكون الراتب أغلى من طفل يرتاد المرض والمشفى باستمرار، وحتى لو لم يكن مريضاً، فهل يعقل أن تتخلى أم عن أطفالها ومسؤولياتها الزوجية..؟
الحرية عزيزتي المرأة مسؤولية حقيقية تجاه الأسرة والمجتمع كما هي مسؤولية تجاه الذات والشخصية، الحرية وحقوق المرأة والمساواة ليست بالتخلي عن دعم الأسرة التي أشأتها وزوجك بإرادة حرّة، دعمها بكل ما تحتاجه مادياً ومعنوياً.
ما كان عمل المرأة يوماً مدعاة لأنانيتها لاسيما تجاه أطفالها.. ولا كان مدعاة لأنانية واتكالية تجاه الزوج بداعي أنه المكلّف بمتطلبات البيت والعائلة شرعاً، فشريعة الحياة الزوجية هي التشاركية الحقيقية القائمة على الاحترام وصون الحقوق لجميع الأطراف، حيث تندمج الأهداف والغايات أمام تأسيس الأسرة واحتياجات الأبناء خاصة الصحية منها.
واعلمي سيدتي أن هذا النموذج من النساء، والذي يعطي صورة سلبية عن عمل وتحرر المرأة هو أكثر ما يعيق تحرر باقي النساء من قيود اجتماعية قاتلة.
فهل نرتقي لمستوى الوعي بأن عمل المرأة بات في يومنا هذا ضرورة ملحّة في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم، والبطالة المتفشية التي طالت ببراثنها معظم الشبّان والشّابات.. عمل المرأة ضرورة وواجب تقتضيه الحياة المعاصرة بكل أوجهها ابتداءً من مطالب المرأة بالحرية والمساواة، وصولاً للتعاون الحقيقي والفعّال بين الزوجين لأجل النهوض بأعباء الحياة دونما إبطاء.
وأعتقد أن هذا الأمر لا يكون سليماً وصحيحاً إلاّ في ظل قانون أسرة عصري يواكب المتغيرات الاجتماعية، ويصون حقوق جميع الأطراف دونما استثناء.
فهل يعي أصحاب الأمر هذا الواقع ويعالجونه بسرعة لأجل الحفاظ على كيان الأسرة من التشتت والخراب..؟؟؟؟