المرأة العراقية وتأسيس الاحزاب



خالص عزمي
2011 / 4 / 14

كتبت مرة في موضوع حرية المرأة ومشاركتها في الحياة العامة اقول ــ
لو عدنا بالزمن الى نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن الماضي لوجدنا ان هذا المجتمع العراقي ذاته ؛ وحينما احسن تعليمه وتهذيبه وتوجيهه وتماسكت ايدي ابنائه من اجل تقدمه ورفعته ؛ بذل جهدا استثنائيا لكي يرتقى بمكانة المرأة الى مصاف ما تستحقه من تقدم ورقي ضمن حقوقها المشروعة. حيث تمسكت منظماته المدنية كافة بدعم مطامحها لكي تأخذ موقعها في النشاطات المهنية والعلمية والفنية والرياضية ؛ وفعلا فقد وصلت المرأة ـ وفي فترة زمنية قصيرة جدا ــ الى مركزرفيع من التقدم كان مضرب المثل ليس على مستوى النطاق المحلي وحسب بل وعلى مستوى منطقة الشرق الاوسط .

ان القاء نظرة واحدة على سجل ذلك التطور المدهش ؛ نجدان المرأة العراقية قد تصدرت ؛ وبكفاءة متميزة ؛ مناصب لم تصلها غيرها في أكثر البلاد العربية ؛ كتلك التي احتلتها في الدبلوماسية والتعليم والفنون والعلوم والاداب والاقتصاد والقانون والاعلام والرياضة ... الخ ؛ وهو ما دلل على مدى التطور الذي احرزته المرأة ؛ بعد جهد ونضال كلفها ومن ورائها المجتمع تضحيات جسيمة ؛ خلخلت اثناءها من تلك التقاليد التي كانت عائقا دون ذلك التقدم . لقد انبهر المجتمع العراقي وافتخر وهو يرى فتياته الشابات يتقدمن صفوف طلائع التطور العصري ؛ كمعزز برتو مديرة مدرسة البارودية وهي تقود سربا من كشافات العراق في شارع الرشيد ؛ ونعمة سلطان وهي تترأس أول ناد باسم ( النهضة النسائية) ؛ وبولينا حسون وهي تترأس اول مجلة نسائية باسم ( ليلى ) ؛ وعفيفة رؤوف وهي تترأس اول جمعية نسوية باسم ( جمعية المرأ ة العراقية) ؛ و مديحة سعيد وهي اول من تصعد بكل جرأة خشبة المسرح ؛ وصبيحة الشيخ داود وهي تدخل كلية الحقوق ثم لتتبوء بعدئذ منصبا قضائيا ؛ وبياتريس اوهانسيان وهي تعزفا ا لبيانو وتجوب صالات الدنيا باسم العراق ؛ وفكتوريا نعمان وهي اول مذيعة تعلن من الاذاعة العراقية ( هنا بغداد ) ؛ ومديحة عمر وهي اول رائدة تشكيلية تعلق لوحاتها في قاعات عالمية ؛ ثم يرى هذا المجتمع العراقي بعد ذلك اول سائقة سيارة ؛ واول ضابطة مهنية في الجيش العراقي ؛ واول قائدة طائرة ؛ واول دليلة سياحة واول فارسة ؛ واول سباحة ؛ واول طبيبة ؛ واول ممرضة ؛ واول مهندسة واول قاضية .؛ واول موسيقية ؛ ثم اول وزيرة ..الخ

ولو اردنا تقصي الحقائق وعدنا الى تاريخ كل واحدة من هذه الكوكبة النسائية التي كسرت حاجز الخوف بكل شجاعة وثقة بالنفس ؛ لاكتشفنا ان وراء كل واحدة منهن اسرة شدت من الازر وقوت من العزيمة ووقفت بحزم ضد الظلم و التهريج والتخلف ؛ هذا بالاضافة الى اسناد جاد حقيقي من قبل المجتمع الذي فتح ابواب المستقبل امامهن وناصرهن وشجعهن على مواكبة ابداعات العصر الذي يعشنه و ليقدمن صورة مشرفة للمرأة العراقية المثقفة وهي تتقدم صفوف التطور بكل طاقاتها وأمكانياتها . (1)

ورغم كل هذا الاقتحام وتلك المواقف وما اعقبها عبر مسيرة طويلة وشاقة ؛ اجد ان المرأة العراقية بقيت تراوح في مكانها ولم تتقدم خطوة واحدة نحو هدف اساسي وهام ؛ الا هو طرقها لباب تأسيس الاحزاب ؛ فقد بقي هذا المجال ذكوريا ؛ لم تحاول المرأة كسر اقفاله بارادتها على الرغم من صراخها الدائم بضرورة مساواتها بالرجل في مختلف المجالات . لقد دخلت الاحزاب ؛ وشاركت في الحياة العامة والمجتمع المدني منه بشكل خاص ؛ ولكنها بقيت مقصرة بحق نفسها في التقدم نحو تأسيس حزب مختلط وقيادته وتزعمه . في حين نجد ان سيدة مصرية كانت من االمكافحات في الحقل السياسي اسمها فاطمة نعمت قد تقدمت رسميا عام 1942 بطلب لتأسيس حزب سياسي تحت اسم ( الحزب النسائي المصري ) ؛ كما نرى ايضا ان الكاتبة والصحفية المعروفة درية شفيق تقدمت هي الاخرى عام 1949 بطلب تأسيس حزب سياسي ايضا باسم ( بنت النيل ) ؛ اما الجزائرية الشجاعة والمناضلة حقا السيدة لويزا حنون النائبة في البرلمان والمرشحة لرئاسة الجمهورية ؛ فقد اسست فعلا حزبا سياسيا عام 1990 وقادته زعيمة له تحت اسم ( حزب العمال ) بمجرد ان اعلنت الحكومة عن اطلاق حرية التعددية الحزبية وما زالت تقوده لحد هذا اليوم .

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ..... اذا كانت المرأة قد احتلت كل تلك المواقع البارزة ( سياسية وحزبية او غيرها ) على امتداد اجزاء كثيرة من مجالات العمل السياسي فلماذا لم تخض اذن تجربة تأسيس احزاب سياسية مختلطة وتزعمها لها كما فعلت المناضلة الجزائرية البارزة لويزا حنون و التي حققت نجاحا مذهلا على الصعيد العام واحتلت مركزها بجدارة تحت قبة البرلمان كزعيمة حزب معروف . انا لا اقول ذلك من باب طرح موضوع شائك على جدته ؛ بل اطرحه بعدما تأكدت بأن زحف المرأة نحو المواقع الرفيعة راح يكتسح جميع المعوقات التي تحول دون اخذها حقها الطبيعي في المساواة .
وارجو ان يكون واضحا باني لا اقصد بهذا الطرح ايضا هو الدعوة الى قيام المرأة بتأسيس احزاب نمطية كصورة مستنسخة مكررة لما هو موجود فعلا ؛ بل ادعو المرأة خلق نموذج حزبي يستوحي روح تطلعات الشباب وتطور نظرتهم المعاصر نحو الحياة الافضل في مختلف المجالات ؛ نموذج يأخذ على عاتقه توحيد لحمة الشعب تحت هوية موحدة لا مكان فيها للتمايز او العرقية او الطائفية او الاثنية وما الى ذلك من تشظية وتفتيت للوطن .

ان دعوتي هذه لاتنصب على ولوج المرأة العراقية هذا المجال واثبات وجودها فيه حسب ؛ بل هي دعوة موجهة لكل النساء العربيات على امتداد الوطن الكبير ؛ لكي يزحن عن طريقهن كابوس الخوف والتقوقع ثم التقدم علنا نحو قيادة حديثة لهذا المضمار .... وعلى حد سواء مع الرجل الذي احتكرهذا المجال لنفسه .

وجوهر الموضوع .... هو على المرأة ان تعلن عن رغبتها الفعلية في تأسيس حزب او اكثر يكون للرجال فيه نصيب من المشاركة الفاعلة كسرا لطوق التقاليد التي كبلت بها المرأة من جهة ؛ وتطبيقا لمبـــــــــــــــدأ
( المواطنون متساون في الحقوق والواجبات ) .

لقد كتبت بالامس القريب مقالا حول موضوع حقوق المرأة أوردت فيه عبارة ما زلت ــ بنظري ــ هي البوصلة الحقيقية التي تشير الى ضرورة تمسك المرأة بحقوقها كاملة غير منقوصة ؛ وكانت تلك العبارة هي ــــ
يقول لنا تاريخ نضال المرأة عالميا ؛ ان عوائق كثيرة كانت تقف امامها هي الاخرى ؛ الا انها باصرارها وقوة عزيمتها وسحقها للتقاليد البالية التي لا قيمة لها و التي كانت تقف حائلا دون تقدمها ونيل حقوقها ؛ قد استطاعت ان تزيل كل تلك العوائق بكل حزم متواصل وبجهاد مرير وحرب لا هوادة فيها ضد التخلف والهمجية والاذلال والخنوع والتمايز حيث حررت ذاتها ومن حولها اولا ثم أنطلقت نحومواصلة مسيرتها الصائبة في تحقيق هدفها الاستراتيجي المنشود ألا هو المساواة ؛ و التي أمنت لها تلك المساواة بعدئذ ما سعت اليه دونما منة او احسان او استجداء من طرف آخر ؛
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع خالص عزمي ـ المرأة ومسايرة روح العصر ــ نشر في صحف ومواقع عدة بتاريخ 5/3/ 2008
(2) راجع خالص عزمي ـ المرأة العربية والثورة على الذات ـ نشر في صحف ومواقع عدة بتاريخ 10/3/2011