رمزية حضور المرأة في مشهد المصالحة



ريما كتانة نزال
2011 / 5 / 8

بدت مشاركة المرأة الرمزية في مشهد المصالحة التي تمت في القاهرة الاسبوع الماضي كمسطرة لقياس المساحة المحدودة التي تشغلها المراة في مركز القرار، وإن دل إقصاؤها على شيء، فعلى التردد والتلعثم الذي يعتري خطاب القوى السياسية اتجاه المرأة وغرقه في جماليات اللغة والخطابية الخادعة.
وان دل استثناء المرأة من وفود الأحزاب والمستقلين على حد سواء؛ فانه يدل على الثقافة المتناقضة بين الفكر والممارسة والتي تتجلى في الاستخدام البراغماتي للمرأة وللمزايدة في الادعاء بوقوفها الثابت مع قضاياها ومصالحها، بينما تكتفي بالدعم الكلامي دون التنفيذ العملي، الأمر الذي يؤكد بأن المنطلقات النظرية حول مبدأ المساواة في واد، والممارسة في واد آخر وحسب المصلحة، وبأن المرأة ما زالت مقيدة إلى متلازمة " المقدّر والمكتوب" في وصفات الحزب السياسي الذي لا يمكنها من ولوج الفعل القيادي السياسي، ويكيّفها على الاعتياد على لعب دور محدود وديكوري تجميلي.
كان من الطبيعي أن تعكس وفود الاحزاب كافة القطاعات والفئات المشكلة لبنية الأحزاب، وكان متوقعا أن نرى المرأة في مركز الحدث بحجم معاناتها من جراء الانقسام. لقد تأثرت المرأة بتبعات الانشطار السياسي والجغرافي، والذي لم تقتصر آثاره على حياتها وأمنها وأمن اسرتها فقط، أو على التآكل الذي جرى على حرياتها العامة والخاصة، بل تعداها في آثاره السلبية على واقع الحركة النسائية الفلسطينية الذي بات بحاجة الى معالجة طويلة الأمد بسبب شقها بشكل عمودي، مما أضعفها وشلّ قدرتها على تحقيق المكاسب الحقوقية والقانونية والاجتماعية خلال السنوات الأربع الماضية. فلم يكن مستوعبا أن تتقدم المرأة بمطالبها ذات البعد القانوني والتشريعي؛ في الوقت الذي يعيش فيها المجلس التشريعي في حالة سبات وعاجز عن تأدية وظيفته التشريعية. ولم تقتصر الآثار التخريبية للانقسام على ذلك، بل تعدتها الى تجميد عديد اللجان التنسيقية أو ذات الطابع النشاطي المشترك بين التيار والوطني واليساري من جهة وبين التيار النسائي الاسلاموي من جهة أخرى، وهي الفعاليات التي كان يستعاض بها لحاق التواصل والعمل المشترك؛ حتى تحين اللحظة التي تمكّن من الفتح على خيارات أرقى من الأشكال التنظيمية وفي إطار التعددية.
وبتقديري، ان الاكتفاء من قبل الحركة النسائية، والاتحاد العام للمرأة والأطر التابعة للأحزاب على وجه الخصوص، بطرح الاسئلة في كل مرة يتم فيها تجاوزمشاركة المرأة، لا يحل الاشكالية القائمة؛ الأمر الذي يتطلب اجلاء الموقف الحقيقي للاحزاب بكل تلاوينها من مشاركة المرأة السياسية، وفحص مدى صدقية المواقف المعلنة وفرزها عن الوهمي والمضمر.. انه باختصار سؤال حدود الوهم الذي تمني المرأة به نفسها من أحزابها وتخوم الادعاء والتظاهر في مواقفها.. ان الوهم كبير وكذلك الادعاء، فالمواقف الجدية تكتشف في السياسات الاستراتيجية وفي كل مرة ترسب الاحزاب في الامتحان. إن الذي يملك مواقف جادة يصوغ السياسات والاجراءات التي تحوّل مبدأ المساواة المنصوص عليه في القانون الأساسي الى سياسات وخطوات عملية وملموسة تجسد المبدأ، فالنطرية شيء وتطبيقها مسألة أخرى بحاجة الى سياسات وخطط واجراءات تحول مبدأ المساواة الى عملية راسخة وحقيقية. وكذلك، فالذي يعتبر نفسه ذاهب باتجاه المساواة لا يحيد عن المبدأ لحظة احتدام المنافسة بين الرجال على الفرص ولا يجد حلها إلا بحصرها بينهم..
ان تغطية شمس الحقيقة بغربال لا يفيد للوقوف على حقيقة الأمر، فالواضح بأن الحضور الرمزي للمرأة في مشهد المصالحة وغيره من المشاهد القيادية في الحقل السياسي والعام، يعكس واقع البنى التي لا زالت تحمل ركام سلبي يحول دون الاستفادة من القوانين غير التمييزية التي تم تحصيلها، وهي المكاسب المتحققة بتبني الوثائق المرجعية لمبادئ المساواة دون مدّها على القوانين الفرعية ودون تطبيقها وترجمتها، أو ما الفائدة من انضمام فلسطين الى اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة دون تظهير وتجسيد التوقيع بسياسات واجراءات.. وكأن الدوافع لكل تلك المكتسبات لا بهدف الا لتحقيق السمعة والانطباع لدى الرأي العام فقط.

ان المصالحة المتحققة والتي لن أدخل في تقييمها، وذلك بهدف التركيز على البعد الاجتماعي الذي قد تتضرر مصالحه الحقوقية بنزوله عن سقوفه المفتوحة، وذلك بسبب التوافقات والتنازلات التي يمكن أن تقع بذرائع مختلفة ومنها فزاعة الأولويات المعهودة، ولرفع الصوت والتذكير بأن المرحلة الجديدة تحسب الى التغيرات الاقليمية الايجابية التي لم تسقط النظم السياسية فقط، بل أسقطت الفكر الجاهز والمسبق حول توسيع دور المرأة السياسي والمجتمعي، بل وقطعت تلك الثورات مع ثقافة تقييد المرأة وطرحت انعتاقها وتحررها سواء كانت محجبة أم بدونه، وهذه النقطة تدل على أن تحرر المرأة العربية يتم بطرق أخرى عن تحرر المرأة في الغرب، وكانت المرأة الفلسطينية قد طرحته ومارست على الأرض ترجمته وعليها أن تستكمله، بالعمل على احداث التناغم بين النص مع السلوك، لوقف الثنائية الثقافية المتنافضة لكونها لا تحقق مصالحها بالتحليل الأخير..لان الحقوق لا تعطى بل تنتزع انتزاع، أو تتحول الى مظاهر قشرية.