امرأة من هذا العالم



لينا جزراوي
2011 / 5 / 8

امرأة من هذا العالم
كانت مؤمنة بذاتها وبقدراتها ، وتشعر منذ بدأت تدرك الحياة أن في داخلها نهرا من العطاء لا ينضب، وأرادت أن تترجم ما تشعر به الى أمر واقع....كان لها سحر خاص وتأثير على المحيط لا ينكره من يعرفها، وبدأت معالم مستقبلها تتضح أمامها ، وترسم طريقها الذي ترتأيه كفيلا لتحقيق طموحها وارواء عطشها للعلم والمعرفة.
الا انها وفي سن المراهقه ، بدأت تصطدم بواقع ، لم يكن في حسبانها ،واقع يقول أن عليها الدخول الى عالم النساء ، عالم القيم والادوار المؤنثة ،حيث الادوار محددة ، والابواب محددة ، والسقوف شديدة الانخفاض فهذا حرام وذاك عيب وهذا لا يجوز وذاك ممنوع ،
انت انثى هل تعرفين معنى أن تكوني انثى ؟ قالت لها والدتها ذات يوم.
يعني ، ان تركزي على قيم النساء وأدوار النساء، وان لا تحاولي ابدا كسر حواجز المجتمع. الانثى يجب أن تصبح زوجة وأما أولا، وهذا هو هدفك الاسمى ، وبدونه انت ناقصة ، وعانسة ، ومن بعد هذا الدور تأتي الطموحات والعمل وغيرها من الامور.انت مطالبة بأن ترتدي ثوب الشرف وثوب العفاف، ثوب التضحية وثوب السكينة وثوب الاستقرار.لم تجد مفرا، فاستجابت لدعوات المجتمع ، فهي وحدها لا تستطيع أن تجابه العالم وأن تغير الكون . دخلت عالم النساء الضيق، لتكون أما وزوجة ، كما يرتضيها الاهل والمجتمع .حاولت مرارا اقناع زوجها بأنها مختلفة ، وأنها تأمل منه أن يؤمن بها وبطاقاتها الكامنة ويدفعها نحو العلم والعمل والانتاج ، فهي لا تختلف عنه ، الا في انها تمتلك تقنية الانجاب .
قال لها زوجها يوما ، لماذا تعملين وما معنى ان تتركي أطفالك من أجل دخل يمكن الاستغناء عنه . مكانك هو البيت ووظيفتك هي رعاية الابناء.لكنها كانت تعرف أن البيت ليس مكانها و رعاية الابناء ليست مسؤوليتها وحدها، والمسؤوليات يجب ان تكون مشتركة بينها وبين زوجها ،لكنه لم يكن يفهم.

كانت تائهة ، تتخبط في مكان ليس مكانها ، بحثت عن نصير لها يؤمن بما تؤمن به ، لجأت للام والاخت والصديقة والقريبة، لكن لم يتفهم أحد رغبتها في اللحاق بقطار النجاح والعمل قبل أن يفوتها.اخذت قرارها وحدها، وقررت الخروج من قفص فرض عليها ولم ترتضيه يوما.
اصطدمت بالعيب والتقاليد ، واتهمت بالتمرد ، فهي تطلب الخلاص والحرية في زمن حتى القوانين فيه لم تسعفها ، فالقانون ذكوري والعرف ذكوري والقيم ذكورية.
لتقض سنين حياتها بين أروقة المحاكم وجلساتها المؤجلة، تنتظر حريتها، ولم تنلها ، الا بعد ان صرفت طاقتها وأموالها وسنين حياتها ، لتغرق في عالم جديد ينظر لها نظرة امرأة مختلفة.

نظرة امرأة حلقت خارج السرب.
لتدرك اخيرا، ان للحرية ثمنا غاليا ستستمر بدفعه ما بقيت على قيد الحياة