مجتمعٌ بلا امرأة حُرّة .. مجتمعٌ مهزوم



محمد أبوعبيد
2011 / 5 / 9

أكثر الأقوال في المرأة مقتاً هو حين يجهر المرء بأنها لا تتقن الحرية ، وأنها تسيء لها إذا مُنِحتْها . وهذه هي الفكرة المهيمنة على عقول الكثير من الذكور العرب . لكن ما يزيد من المأساة هو عندما تتفق بعض "الإناث" مع هذه الفكرة، فتصبح مثل المتلذذ بالانتقاص من قدْره .

كلما صار حديث عن حرية المرأة ، تشرئب رقاب البعض ، وقد يكون كثيراً، ويلقون بأسوأ أنواع الضيم عليها حين يصورونها على شكل مفترس داخل القفص باحث عن الرذيلة أو الفاحشة ،إذا أفلت منه وقعت الواقعة . فكيف لمجتمعات أنْ لا تكون مهزومة إذا حسبت أن حرية المرأة هلاك لها وعار لأهلها ، و أن القضبان الاجتماعية والأغلال الفكرية هي صون لها ونجاة.
إن العادات والتقاليد التي ينشأ عليها "الذكر" العربي تجعله يظن أن الحرية هي من شأن جنسه ، وأنه القادر على ممارستها ، بينما " الأنثى" تبقى في نظره طفلة يجب أن تتسلط عليها رقابة الذَكر حتى لو ناهز عمرها العقد الخامس أو السادس، لذلك امتازت مجتمعاتنا بأنها مجتمعات القيود والوصايات ، فإذا شاءت المرأة أن تتعلم ، مثلاً ، قيادة سيارة ، عليها أن تتسلح بعدم ممانعة من ولي أمرها ، وكذا إذا أرادت السفر أو الدراسة ، ولعل بعضهن في حاجة إلى موافقة ذكورية إذا شئن فتح حساب على الفيسبوك أو تويتر.

من العار على مجتمعاتنا أن يعتقد كثير من أفرادها أن المرأة الباحثة عن حريتها وتحررها من الوصايات غير الموصى بها ، إنما هي باحثة عن فاحشة ، أو في طريقها نحو الرذيلة لافتراس رَجل ، وكأن الفضيلة من شأن الذكور فحسب . والطامّة أن هذا الاعتقاد تطور إلى إيمان معشعش في عقول كثيرين بأن المرأة والحرية خطان يجب أن لا يتقاطعا، فبئس هذا الإيمان ، ولا حُمّلت رِجلا رَجُلٍ على هذا الإيمان.

لقد قزّم البعض الجائر حرية المرأة واختصرها في بنطال الجينز الضيق أو البلوزة " البودي" ، وما الضيّق إلا عقل يفكر بهذه الطريقة ، بل هو أكثر ضيقا من ذاك البنطال ، وقلص بعض آخر ظالم مفهوم الحرية للمرأة على أنها انسلاخ عن الدين و الأخلاق واستباحة لأنوثتها وعرضها ، وتفسيرات أخرى ،غير لائقة بإنسانيتها ، لا ترى الحرية الأنثوية سوى أنها فتنة ، بينما إذا أتى أحدهم على ذكر الحرية الذكورية فلا يسمع المرء أياً من تلك الترّهات ، وكأن طاعة الخالق والالتزام بتعاليم دينه فرض على الأنثى فقط .

إن الحرية أبعد من تلك التأويلات الضيقة ، إنها الإنسانية بعينها . هي التي تتعلق بحريتها في خياراتها في حياتها بدءاً من تعليمها واختيار تخصصها الجامعي وفي العمل ،مروراً باختيار شريك حياتها أو في طلب الطلاق منه ، و في تشكيل آرائها وقناعاتها الشخصية ، وصولاً إلى حريتها في التمرد على تقاليد بالية ما زالت تتعامل معها كما لو ما زالت في زمن الوثنية أو الجاهلية وإنْ أدنيْنا عليه الزي العصري .

سيقول الكثير إن الإسلام منح المرأة حقوقها وأن المرأة المسلمة أفضل حالاً من غيرها . نعم ، منحها الإسلام حقوقاً ، لكن لم يطبق الكثير من المسلمين ما تباهوا به بخصوص قواريرهم ، فلم تعد المسلمة أفضل حالاً ، لذلك بلا جريرة تُوأد حرية الفتاة حين تُولَد، ولذلك بلا ذنب تُقْتل العذارى.