أين حقوق الأرامل والمطلقات والأطفال يا حكام العراق؟ عاملات الطابوق أنموذجاً!



كاظم حبيب
2011 / 5 / 19

الحكومة العراقية تعيش أزمة شديدة ومتفاقمة, والشعب العراقي يعيش محنة قاهرة ومريرة. الأحزاب الرئيسية الحاكمة تتصارع بسلاح الطائفية المقيت الذي مكنها من حكم البلاد في أجواء الاصطفاف الطائفي السائد وتحت وطأة قانون مشوه للانتخابات وتزوير تحدثت عنه قوى الائتلافين التحالف الوطني والعراقية قبل غيرها من القوى والأحزاب التي عانت من التزوير ولم تتمثل فيه. والقوى الفائزة والمتصارعة تطالب بالمزيد من السلطة والنفوذ والمال, وكأن ما لديها غير كاف, فتنادي هل من مزيد؟ وهي بعد كل ما جري في العراق منذ سنوات تدعي إنها تريد كل ذلك لصالح الشعب واستجابة لإرادته وتعمل من أجله! والشعب الذي يعيش المحنة لا يصدق ما يقال, فحياته اليومية تؤكد عدم صواب ما يقال من أطراف الحكومة.
أسامة النجيفي يقف مهدداً بإسقاط البرلمان, هذا البرلمان الذي لم يعمل شيئاً يستحق بسببه البقاء, بل كل الدلائل تشير إلى دوره في أعاقة كل ما ينبغي أن ينجز لصالح الشعب حتى الآن. وخير عمل يقوم به هو إسقاط هذا البرلمان. ثم يتصدر أياد علاوي فضائيات البغدادية والشرقية والعربية وغيرها, إضافة إلى تصريحات نارية, مهدداً بانسحاب قائمته من الحكومة لإسقاطها, وهو لا يجرأ على اتخاذ هذه الخطوة التي أصبحت ضرورية لأن قائمته مفككة ومتناقضة ومتصارعة على المصالح الذاتية الضيقة ولا يضمن توحيدها مرة أخرى, وهو مسؤول مع قائمته بصورة مباشرة مع القوائم الأخرى الحاكمة عما يجري في العراق وعن بؤس أداء الحكومة. ونوري المالكي يقف هو الآخر مهدداً متوعداً بالاستقالة وإسقاط الحكومة وحل البرلمان, ولكنه لن يفعل لأن قائمته اليوم هي أكثر تفككاً وتشتتاً وتبايناً في المواقف والتصريحات والتهديدات المتلاحقة, وهو ما تجلى في خطابه الأخير الذي تميز بالتوتر وفقدان الصبر, حيث هدد بكشف الفاسدين ولن يفعل. إذ كان وما يزال عليه أن يفعل ذلك خاصة وأن الشعب يطالب بذلك ليعرف ويتعرف على الفاسدين!
ورئيس الجهورية يستقبل الوفود من الأحزاب والقوائم المختلفة ليستمع إلى رأيها, ولكن ليؤكد رأيه بضرورة دعم الحكومة, وكأن ليست هناك حلولاً أخرى يفتر ض التفكير بها.
لن يستقيل المالكي إلا تحت ضغط الشارع والفشل المتلاحق الذي تعاني منه الحكومة وهو مسؤولية كل الأطراف الحاكمة التي شكلت الحكومة على وفق التوزيع الطائفي المقيت الذي أعلنه المالكي بوضوح: وزير دفاع سني, ووزير داخلية شيعي, ووزير أمن وطني كردي, وأن لم يعلن عن الأخير صراحة. هكذا تسير الأمور, وأن صح ما قاله عن الذين ترشحوا حتى الآن وكونهم قياديين سابقين, وربما حاليين, في حزب البعث الذي أذل الشعب العراقي ومرغ كرامته بالتراب, فهي الكارثة بعينها وهي الطامة الكبرى التي يفترض أن يحاسب عليها أولئك الذين رشحوا مثل هؤلاء الأشخاص لهذه المناصب, وهم يدركون موقف الشعب الرافض لهم.
رئيس مجلس الوزراء وقف أخيراً مهدداً بإسقاط الحكومة وحل مجلس النواب وإجراء انتخابات عامة مبكرة. ويبدو للغالبية العظمى من الشعب العراقي, وأنا منهم, إن خير ما يقوم به رئيس الوزراء هو ما هدد به, الاستقالة وإسقاط الحكومة وحل مجلس النواب وإجراء انتخابات عامة مبكرة. فهل سيفعل؟ حتى الآن لا أظن إنه سيفعل ذلك, فهو متشبث بالحكم كالغريق الذي يتشبث بالقشة, ولكنها القشة التي ستقصم ظهر البعير! كم أتمنى أن يفكر بهدوء ليصل إلى استنتاج يخدم الشعب قبل أن يفكر بخدمة حزبه أو طائفته.
فالشعب لا يعتبر الاستقالة تهديداً بل إنقاذاً له من مجلس نواب لا يعمل وحكومة عاجزة عن العمل لا بسبب عدم كفاءة الكثير من الوزراء من جميع القوائم المشاركة في الحكم فحسب, بل وبسبب طبيعة الصراعات الجارية التي تعطل عمل الحكومة وتسيير الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد لأن الحكومة قائمة على أساس المحاصصة الطائفية اللعينة.
الشعب يا حكام العراق يعيش في محنة حقيقية. فهو الذي يعاني من القتل اليومي على أيدي الإرهابيين القتلة والمليشيات الطائفية المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة, وهو الذي ينهب يومياً لقمة عيشه وعيش عائلته وأموال تنمية اقتصاده وحياته الاجتماعية والثقافية والتعليمية والبيئية عبر الفساد المالي المتنوع والمتعدد الصيغ والكميات الهائلة من الأموال المنهوبة, هذا الفساد الذي يعم البلاد كلها.
الشعب في واد والحكومة العراقية ومجالس النواب والمحافظات في وادٍ آخر لا علاقة لهم بالمجتمع والفئات الكادحة والفقيرة. أعضاء الحكومة الاتحادية والإقليم ومجالس النواب ومجالس المحافظات كلهم يتسلمون أعلى الرواتب والمخصصات بالمقارنة مع وزراء ونواب في عشرات الدول الأخرى يحلمون بنصف هذه الرواتب والمخصصات. والسؤال المحير للناس هو: هل في مقدور وزراء ونواب يعيشون بهذه الرواتب العالية والحياة المرفهة وبلا دفع إيجارات وأجور استخدام الماء والكهرباء أن يتصوروا كيف هي حالة وعيشة الإنسان العراقي الاعتيادي, امرأة كانت أم رجلاً؟ هل في مقدورهم أن يتصوروا كيف يمكن أن تعيش امرأة أرملة أو مطلقة من زوجها لديها عدة أطفال بثلاثين ألف دينار شهرياً أو ما يعادل 26 دولار أمريكي تقريباً؟ إنه الجحيم بعينه, أنه يعني سوء التغذية للأطفال والمرض والموت البطيء لا غير! من لا يصدق ما أقوله عليه أن يقرأ التقرير (فيديو) الذي أعدته السيدة رويدا كمال تحت عنوان: "عاملة طابوق، عمرها عشرين سنة، مطلقة وأم لثلاث بنات، أخذت منها ابنتها الكبرى ذات الأربع أعوام، تفكر بمستقبل بناتها ولا تريدهن أن يعشن مثلما عاشت". وفي هذا التقرير المصور تتحدث عاملة الطابوق نجلاء إنها تحمل يومياً لمدة ثماني ساعات المئات من الطابوق المصنوع محلياً وفي معامل بعيدة كل البعد عن مستلزمات الصحة والحماية من المخاطر والصيانة وتتسلم 30 ألف دينار عراقي في نهاية الشهر لا غير, تتحدث عن وضعها البائس والعبرة تخنقها والدموع قد جفت في مآقيها. والسؤال هو: هل العاملة نجلاء قادرة حقاً أن توفر لبناتها وضعاً أفضل من وضعها البائس, كما تتمنى في ظل الظروف التي تعيشها وتعيش تحت وطأتها نسبة عالية من بنات وأبناء الشعب العراقي حالياً التي تشير بقسوة إلى الفجوة المتسعة باستمرار بين الأغنياء المتخمين والفقراء من ذوي البطون الخاوية. أنظر إلى الرابط التالي:
http://media.causes.com/1034441?p_id=170349307&;s=fb_feed&ref=nf
إن عاملة الطابوق هذه هي انموذج واحد لمئات وآلاف النساء العاملات من الأرامل والمطلقات ممن يعملن في معامل الطابوق وفي غيرها, وكذلك هو حال الكثير من الرجال. تعيش نجلاء, عاملة الطابوق, وذات أل 20 ربيعاً, التي تعيل طفلتين, بأجر شهري قدره 30 ألف دينار عراقي, أي أقل من الدولار الواحد, 0,88 سنت في اليوم الواحد. وهو أقل من دخل الأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر المحدد دولياً (دولار واحد للفرد في اليوم). إن هذا هو معدل الدخل الفردي اليومي للجمهرة المسحوقة من بنات وأبناء الشعب العراقي.
السيد رئيس الجمهورية قال مرة بأنه سعيد جداً أن يرى بروز عدد من أصحاب الملايين والمليارات في العراق. ولكن ألا يرى معي بأن أصحاب هذه المليارات والملايين من الدولارات قد اغتنوا بغفلة من الزمن على حساب تلك البطون الخاوية للنساء الأرامل والمطلقات وبقية العائلات وأطفالهن في العراق, على حساب غالبية الشعب العراقي, سواء عبر التوزيع غير العادل للدخل القومي أم عبر الفساد المالي السائد في البلاد أم عبر أساليب النهب التي تنوعت في بلادنا كثيراً!
حين زرت كربلاء في العام المنصرم مررت بمقبرة كربلاء القديمة (الوادي القديم) التي أصبحت وسط المدينة. لم اصدق عيني. فطابوق أسوار المقابر الخاصة وحجارة القبور ذاتها لم تعد موجودة, فقد نهبت كلها. وحين زرت قبر عائلتي في ذات المكان لم أجد سوى الشواهد (الطابوق الشذري) التي حملت أسماء بعض الأحبة من العائلة. هذا المشهد ليس بالأمر الفظيع جداً على بشاعته. إذ كان الأبشع منه حين واجهت جمهرة من أطفال المدينة, وهم بعمر الزهور إذ تتراوح أعمارهم بين 8-10 سنوات, وهم يتسكعون بين القبور يستجدون الناس, أو حمل بعضهم قناني ماء صغيرة بقصد بيعها, ولكنهم في الغالب الأعم كانوا يستخدمونها للاستجداء. لقد كان المشهد مروعاً حقاً في بلد غنى حتى التخمة بالنفط والمال. فبدلاً من أن يجلس هؤلاء الصبية على رحلات صفوفهم في مدارسهم, تراهم يجوبون المقابر ركضاً وراء لقمة العيش لعائلاتهم. لقد التقطت بعض الصور لهؤلاء الأطفال, ولكن لم امتلك الجرأة على نشرها لكي لا أسيء إلى كرامة هؤلاء الصبية الأبرياء, كرامة الإنسان الفقير المهانة, فأين هي حقوق هؤلاء الأطفال يا حكام العراق؟