بورترية لوأد النساء في زمن الصحوة



كريم كطافة
2004 / 11 / 2

هذه التداعيات بمناسبة تلك الأخبار التي صارت تتوارد عن حملة جهادية جديدة، أبطالها مجاهدون مسلحون بكل أنواع الأسلحة من السيف إلى السيارة المفخخة، ومن طرفي الخلاف المذهبي هذه المرة، لإجبار طالبات المدارس والجامعات على التحجب والفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات العراقية.

قديماً وقديماً جداً كان الإعرابي الذي تلد امرأته بنتاً، يدحلب بالوليدة كالذئب العائد من صيد فاشل، إلى أقرب وهدة أو وراء أكمة أو في شق جبلي.. يحفر لها هناك ويطمرها حية. جريمة يكفي لها رجل واحد هو الأب في العادة أو ربما الأخ الأكبر لتلك المؤودة. لا محال سيكون ذلك البليد حزيناً، إنما مصدر حزنه لم يكن الوأد بل مجيء البنت بعد طول انتظار الذكر. أقول الأب والأخ لأني أشك أن تستطيع امرأة مهما تبلد عقلها وغام بصرها أن توأد جزءاً من لحمها وبيديها. لا أحد من أفراد القبيلة سيسأل صاحب المصاب الجلل بما فعل ولماذا فعل، جميعاً فعلوا ويفعلون ما فعله عندما يدركهم ذات المصاب هم ينتظرون مقاتلين يساهمون مع القبيلة في الغزو لا نساء يشكلن عبئاً على أولئك المقاتلين وبالتالي موضوعاً للسبي من القبائل المعادية لهم.

على العموم لم تكن المرأة إلا موضوعاً للاغتصاب إن كان باسم الزواج أو الخطف والسبي قيل أن هذه القصة قديمة بل هي قديمة جداً تراكم عليها غبار أربعة عشر قرن من السنين أندرس ذكرها وأثرها بمجيء الإسلام بتلك الآية الرائعة الحزينة (وإذا المؤودة سئلت...)، تلك الآية التي أدخلت الجنس البشري في الصحراء العربية في رحاب عالم من القدسية والرحمة، وأنجت أولئك البداة الأجلاف من خطر الإنقراض فيما لو هم واصلوا تلك الحمية القبلية الشاذة، كذلك حمت منهم أجناس بشرية أخرى غزتها تلك الأقوام وفتحتها فتحاً مبيناً تحت راية الإسلام، ناقلة لهم الكثير من الأعراف والقيم الصحراوية باستثناء ذلك العرف الذي نهى عنه الدين الجديد.. نعم، هكذا قيل؛ وكان ذلك قديماً وقديماً جداً.. !!!

والآن لنبحث عن مسمى جديد نطلقه على هذا الكائن العصري الذي أنجاه الإسلام من الوأد قبل أربعة عشر قرناً.. لننزع أغشية العيون وأحجبة العقول ونتملاه بروحانية مجردة أولاً ثم نبحث له عن الاسم.. هذا الكائن العصري لم يزل بلا اسم.. مجرد كائن يسير على اثنتين ويمارس حركات بشرية شبيهة بالإنسان لكنه ليس بالإنسان، لأنه بلا ملامح.. ملامح الكائن تعطيه الهوية وبالتالي الاسم.. هذه ملامح قرد وإن كانت على رأس حصان.. وتلك ملامح حصان وإن كانت على جسد إنسان وغيرها ملامح هذا أو ذاك من الحيوانات وإن غيروا موضعها.. هذا الكائن العصري يفتقر بالمطلق للملامح.. كيف أصفه إذن؟ لا أستطيع أن أصف غير كتلته العامة.. هي كتلة ضخمة.. وأحياناً غير ضخمة.. بالطبع هناك أحجام مختلفة لهذه الكتلة.. لكنها بكل أحجامها أقرب شبهاً بالزنزانة الانفرادية في السجون الفاشية.. زنزانة مكونة من طبقات من الأقمشة الخشنة مفصلة لسجين فرد، هي في هذا الشأن أقسى حتى من زنزانة السجون الفاشية لأن تلك الزنازين تكفي أحياناً لشخصين أو شخص ونصف في أتعس الظروف.. لكن هذه الزنزانة التي من القماش الخشن لا تكفي سوى فرد واحد هو ذاته الكائن الذي يحملها حيثما ارتحل.. تغطي الزنزانة ذلك الكائن الذي بلا ملامح من أسفله حتى هامة ذلك الشيء الذي يشبه رأس الإنسان.. زنزانة من النوع المتحرك.. نعم.. أنها تتحرك وتمشي.. بل حتى تستطيع أن تهتدي إلى طريقها بدون مساعدة خارجية.. لا أظن أن هناك من يوجهها بواسطة أجهزة تحكم عن بعد.. رغم زعم البعض أن هناك من يوجهها.. لكني أميل إلى الاعتقاد بنوع من التوجيه على شكل أوامر قليلة تتعلق بمشروع خروجها من البيت وإلى البيت ثانية.. الأمر لا يشبه الريموند كونترول بالطبع.. لكن لحسم الجدل سنقول أنها تسير ببرمجة داخلية مؤلفة من حزمة صغيرة من الأوامر.. زنزانة تسير في الطرقات والأسواق وتركب وسائط النقل وتنزل من وسائط النقل بدون مساعدة، وإن كان نزولها وصعودها فيه بعض الصعوبة والثقل، لكنها تحقق المهمة بنجاح في الغالب.. زنزانة سوداء داكنة أو زرقاء داكنة أو رمادية داكنة.. قتامة اللون شرط من شروط وجودها وسيرها منفردة في الطرقات.. في أعلاها شباك هو ذاته شباك الزنازين في أي سجن انفرادي فاشي أو غير فاشي وفي أي مكان من الدنيا، الاختلاف هنا في نسيج الشباك، في زنزانة الحديد الفاشية الشباك من جنس الحديد.. كذلك شباك هذه الزنزانة المتحركة هو من جنس قماش هيكل الزنزانة ذاته.. أُشيع مؤخراً عن خلاف حام دار بين شيخين من أولئك الذين أفتوا بهذه الزنازين.. كان موضوع الخلاف هو الشباك ذاته.. بين قائل بردمه وآخر داعي إلى سفوره.. الداعي إلى الردم كان أقوى حجة وأشد وطأة على الكائن الزنزانة من ذاك الداعي إلى سفور الشباك.. لقد استدل شيخ الردم بحقائق لا يمكن دحضها! ببساطة فاتت الأول استدل الثاني بالعيون وعالم العيون العميق السحيق، قائلاً: العيون هي مكمن الرذيلة ومبعث الشهوات ونداء الفجور وصوت الشيطان.. العيون تفضح عري الحريم أكثر مما تفعله ملابس الحريم الشفافة يا مولاي.. هل تقبل يا هذا بسير امرأتك في الطرقات عارية..؟ لقد اُسقط بيد الرجل الداعي إلى سفور العيون.. مجرجراً خلفه ذيلاً طويلاً من الشكوك بعيون نسائه السافرات، شكوك صارت تنغل في قلبه مثل سوسة لئيمة.. جعلته يلعن اليوم الذي جادل فيه شيخ متفقه بأمور الدين. هذا الكائن الزنزانة يكون في البيوت مركوناً في غرف وزوايا مظلمة.. كلما كانت شبابيك وأبواب الغرف والزوايا صغيرة ومانعة لفضول وتطفل الغرباء من غير المحرمين، كلما كانت أكثر شرعية وهي أقرب إلى قلوب وعقول حماة الحريم في هذا الزمن.. هذا الكائن الممنوع من الحياة الرابض في زنازين الغرف والزوايا المرصودة والسائر في الطرقات والأسواق حاملاً زنزانته أينما يرتحل يسميه حماة الحريم في هذا العصر تجاوزاً بالمرأة المسلمة.. هل هي هذه المرأة المسلمة حقاً.. ما هذا التجني يا سادة الحريم.. كيف يحررها الدين من الوأد تحت التراب ويوئدها في الحياة.. أيهما أكثر بلاءاً وأقسى وقعاً.. أهي جريمة الوأد تحت التراب لمرة واحدة وإلى الأبد.. أم جريمة الوأد كل لحظة ودقيقة وساعة ويوم وسنة.. ما دام النفس يصعد وينزل في جسد ذلك الكائن المغلوب على أمره.. أخيراً إذا كان تحرير المؤودة الأولى حصل بواسطة الإسلام ونبي الإسلام.. هل تنتظر مؤودة القرن الواحد والعشرين ديناً جديداً.. أو نبياً جديداً ليحررها..؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

أفتونااااااااااااااااااا دامت توفيقاتكم