-إصلاح- يسمَّى -إحياء عصر الجواري-!



جواد البشيتي
2011 / 6 / 5

إنَّها لحظة عربية تاريخية استثنائية، احتدم فيها الصراع بين "القديم" و"الجديد"، بين "الماضي" و"المستقبل"، بين "ما مات (وشَبِع موتاً)" و"ما يُوْلَد"، بين إبيمثيوس العربي وشقيقه بروميثيوس، بين سلوى المطيري ونوَّارة نجم.

وفي هذه اللحظة، تُرينا الأمَّة أجمل وأنبل وأفضل ما فيها، من خلال الثورة الشبابية الشعبية الديمقراطية السلمية؛ كما تُرينا، من خلال سلوك ومواقف وآراء أعداء "الربيع العربي"، أبشع وأحطَّ وأسوأ ما في أُمَّة العرب.

صحيفة "السياسة" الكويتية أجرت مقابلة مع "ناشِطة" كويتية، و"مرشَّحة سابقة" لمجلس الأُمَّة الكويتي، تُدْعى سلوى المطيري؛ فدَعَت هذه "المُصْلِحَة الاجتماعية"، التي تَسْتَلْهِم "فكرها الإصلاحي" من الدِّين، والتراث الإسلامي، إلى الاستعجال في سَنِّ قانون (عصري) للجواري، حمايةً للرجال من الفساد، وللأبناء من شَرِّ الزنا، وللمجتمع من الأمراض والمعاصي.

إنَّها دعوة صريحة إلى العودة إلى "عصر الجواري (والإماء)" في القرن الحادي والعشرين، وفي "الربيع العربي"، وإنْ خصَّت الكويت بهذه "النعمة الإصلاحية (الأخلاقية والاجتماعية)"؛ فإنَّ المشكلة التي أرادت هذه "المُصْلِحَة" حلَّها هي أنَّ الرِّجال الكويتيين يُكْثِرون من "مصاحبة النساء"، ويتَّخِذون البنات خليلات لهم من دون زواج، فيضيعون دينهم، ويأتون بالمعاصي، ويُنْجِبون "أطفال الزنا"، ويتسبَّبون بنقل الأمراض.

نتَّفِق مع هذه "المُصْلِحة" في "التشخيص"، أو في بعضٍ من "التشخيص"، للمشكلة؛ لكن في "الحلِّ" الذي اقترحته ودَعَت إليه، وفي "المبادئ" و"المعايير" التي اعتمدتها توصُّلاً إلى هذا الحل، نرى خَلْقاً لمشكلة أكبر وأعظم من المشكلة التي تصدَّت لحلِّها.

"المُصْلِحة" إنَّما تريد حلاًّ "لا يُخالِف الدين"، ويُحقِّق، في الوقت نفسه، للرِّجال رغباتهم.

وبعد إعمالها التفكير، قالت وكأنَّها قائل "وجدتها"، إنَّ الحل يكمن في "إحياء نظام الجواري"، مع وضع "ضوابط قانونية له".


لكن من أين تأتي بـ "الجواري" اللاتي، على ما أوضحت، وُجِدْن لمتعة الرجل الجنسية، واللاتي حلَّل الدين (الإسلامي) امتلاكهن "شرط أنْ يَكُنَّ سبايا غزو المسلمين لبلاد غير إسلامية"؟

في الإجابة، اقترحت "المُصْلِحة الاجتماعية" استقدام الجواري من روسيا (ومن دول أخرى غير إسلامية) داعيةً إلى جَعْل "سبايا الروس" لدى "الشيشان" جواري لدى الرَّجال الكويتيين، على أنْ يَدْفَع الرَّجل الكويتي الراغب في امتلاك جارية (روسية مثلاً) 2500 دينار كويتي ثمناً لها؛ ثمَّ احتجت بـ "شرع الله"، فأكَّدت أنَّ للرجل الكويتي الحق في امتلاك ما يشاء من الجواري؛ ثمَّ جاءت بـ "المثل الأعلى" ألا وهو الخليفة هارون الرشيد الذي كان متزوجاً من امرأة واحدة؛ لكنه كان يملك 200 جارية.

وقبل دعوتها هذه ببضعة أيام، تحدَّث الشيخ المصري أبو إسحق الحويني عن "ضرورة العودة إلى نظام الرِّق والاستعباد، وسَبْي النساء الكافرات، واتِّخاذهن جواري (للرجال المسلمين الأثرياء)"، معتبراً أنَّ في هذه "العودة" خير حلٍّ لـ "المشاكل الاقتصادية، ودواء للفقر"!

وتوصُّلاً إلى "إحياء عصر الجواري (عملاً بتلك "الضرورة")"، دعا الشيخ (الجليل) إلى "إحياء واجب الجهاد (في سبيل إشباع الرغبات الجنسية للأثرياء من الرجال المسلمين)"، فمن غير طريق الجهاد لا يمكن الحصول على "المغانم" و"السبايا"، على ما أوضح واكتشف الشيخ؛ ولا يمكن، من ثمَّ، التوصُّل إلى حلول للمشكلات التي تواجه الأمَّة.

وهذا الشيخ العلاَّمة (الذي يحيط عِلْماً بكل شيء) اكتشف أنَّ "الغزو" و"الغنائم المالية والبشرية" أفضل من التجارة والصناعة، معتبراً أنَّ كل من يقف ضدَّ هذا الرأي يستحق أنْ يلقى ما يلقاه الكافر من مصير على أيدي المجاهدين المسلمين.

الصحيفة نفسها استطلعت "الموقف الديني (القويم)" من هذه الدعوات، فأخبرها الداعية الإسلامي صالح الغانم أنَّ امتلاك الجواري بالحرب هو أمر جائز "إذا ما خيضت الحرب تحت راية ولي الأمر" الذي "يحقُّ له وحده التصرُّف بالسبايا كيفما يشاء؛ فله أنْ يقتلهن أو يوزِّعن على الرجال المسلمين".

أمَّا "وكيل المراجع الشيعية" السيد محمد المهري فراعى "ضرورة الخلاف والاختلاف مع شيوخ السنة"، قائلاً: "لا يجوز في هذا العصر نهائياً اقتناء الجواري حتى في الحرب؛ لأنَّها (أي الحرب) ليست تحت إذْن ابن الإمام المعصوم".. ورقَّصْني يا جدع!

وقبل كل هؤلاء سَمِعْنا الجارية الأَمَة "الكاتب" فؤاد الهاشم وقد قاء ما قاء من أقوال، فحقَّ لنا أنْ نتساءل في دهشةً واستغرابٍ عن ظرفي "المكان" و"الزمان" اللذين يُنْتِجان هذه "الكوكبة" من "المفكِّرين"!

الدعوة (أو الدعوات) إلى إحياء وبعث عصر الجواري، وعلى النحو الذي ذكروه، ليست هي الأمر الذي أدهشني وحيَّرني؛ فما أدهشني وحيَّرني حقَّاً هو "المفارقة" التي أراها في الدَّاعين أنفسهم، وفي مَنْ يؤيِّدهم، ويؤيِّد فكرهم وتفكيرهم؛ أليست مفارقة عجيبة أنْ ترى العبيد (والجواري والإماء) هم الذين يريدون اقتناء وامتلاك العبيد (والجواري والإماء)؟!

في الثورات الشبابية الشعبية الديمقراطية العربية (وفي تونس ومصر واليمن وسورية وليبيا..) رأيْنا أنفسنا "أُمَّة"، أُمَّة تنتصر لحقوقها الديمقراطية، ولقضاياها القومية، وتنال من إعجاب شعوب العالم ما لم تنله من قبل؛ أمَّا هنا فيريدون لنا أنْ نعود "أَمَةً"؛ فكيف للإنسان أنْ يظلَّ (أو يكون) حُرَّاً إذا ما استعبد غيره؟!

إنَّهم يعيبون على الغرب "فسقه" و"فجوره" و"انحلاله الأخلاقي"، و"مادية حضارته"، وانتشار "البغاء" و"الدعارة" فيه، وسماحه بوجود أماكن تبيع فيها بعض النساء أجسادهن؛ ثمَّ يحاربون ويكافحون هذه "الرَّذيلة الغربية" بـ "فضيلة"، يسمُّونها "العودة إلى عصر الجواري والإماء"؛ وإنِّي لأُفضِّل (إذا ما اضطَّررتُ إلى المفاضلة بين السيئ والأسوأ) بائعة جسدها على هؤلاء الذين بدعوتهم إلى "إحياء عصر الجواري"، مع مستلزماته جميعاً، يبيعون البقية الباقية من "الإنسان" و"الإنسانية" و"القيم الأخلاقية والإنسانية والحضارية" في نفوسهم، مُرْتضين لأنفسهم أنْ يصبحوا، في "الربيع العربي"، النفايات لهذه الأُمَّة.