العشوائيات... بؤر للعنف ضد المرأة



لينا مظلوم
2011 / 6 / 10

احيانا تختلط الاسماء و الاماكن... تنسلخ الظاهرة عن موقعها الجغرافي و تتخلى عن خصوصيتها فلا ترتبط بمجتمع محدد و لا مدينة معينة ... انما تتحول الى ظاهرة عامة تنطلق صرخاتها المحذرة خصوصا في المناطق العشوائية .
ظاهرة العنف المنزلي الموجه ضد المرأة بدت لي مثيرة للدهشة و انا اتوجه مع زميلة تعمل في احدى مراكز الدراسات لعمل دراسة او بحث ميداني عن العنف ضد المرأة. اختيارنا منطقة عشوائية في القاهرة يطلق عليها( منشأة ناصر) ليس لانها المنطقة الوحيدة التي تعاني من هذه الظاهرة المؤسفة . مع الاسف العنف ضد المرأة في المناطق العشوائية هي مشكلة تشكل ظاهرة في معظم مدننا العربية. شعرت و انا اسمع لهؤلاء السيدات بنفس مرارة الظلم و القهر حين اسمع عن خفافيش الظلام و الجبن التي تطارد المرأة في بلدي لتمنعها من قيادة السيارة او من ارتداء زي معين. اليس غريبا ان تكون دائما المرأة هي اول هدف تغرس فيه قوى الظلام انيابها ... و تحطم الصورة الجميلة المشرقة ! اليكم الصورة من القاهرة – او اي عاصمة لا فرق- دون اي محاولة لتجميل الواقع.
(منشأة ناصر) منطقة عشوائية ظهرت في مصر اثناء الستينات , عدد سكانها يبلغ 90 الفا , يعمل الرجال غالبا في مجال المعمار بالاضافة الى بعض الحرف اليدوية الاخرى. اغلب منازلها ما زالت بدون مياه او بنية اساسية. ارقام البحث وضعت امامنا حقيقة واضحة .. ان حياة نساء هذه المنطقة هي سلسلة بشعة من العذابات و الاحباطات و الاهانة , تبدأ من يوم مولدهن حين يحرمن من التعليم لمجرد انهن ( بنات) ثم تعرضهن لاقسى تجربة انسانية ( الختان) و هن ما زلن زهورا تتفتح للحياة , ليتم انتقالهن كأي سلعة من منازلهن الى سلطة زوج سنعرف من شهادتهن كيف تتشكل علاقتهن به .
عينة البحث شملت مائة امرأة متزوجة من اعمار تتراوح بين 18-65 , عن طريق اسئلة مكتوبة او حوارات مباشرة . غالبيتهن جئن للمنطقة من صعيد مصر ( الجنوب) و تشكل نسبة الامية بين نسائها اعلى درجة . اختلفت اسباب عدم التعليم بين النساء التي جاء على رأسها رفض الأب استمرار بناته في التعليم . (منى)و مجموعة من الفتيات تشابهت ظروفهن ( ابويا قال مفيش بنات تدخل مدارس . الولاد بس تتعلم . كنا نبكي علشان نروح المدرسة و لأننا من بيئة صعيدية اهلنا خافوا علينا من المدارس من اللي كانوا بيسمعوا عنه, البنات عندنا تعليمها عار !!!) بينما تركن بعضهن التعليم لأسباب اقتصادية مثل (رضا) و مجموعة اخرى من النساءاللاتي ذكرن ( كنت اشتغل مع ابويا على عربة خضار و ما كانش عندنا وقت و لا فلوس للتعليم ) او ( تركت المدرسة بعد السادس الابتدائي عشان اخدم في البيوت و اساعد اهلي) او ( كنت اكبر اخواتي و باربيهم عشان امي تروح تشتغل في الحقل ) الاسباب الاخرى تراوحت بين ضياع شهادة الميلاد و عدم اهتمام الاهل باستخراج بدل فاقد او وفاة احد والديها او كلاهما و انتقالها للعيش مع اقارب لم يهتموا بتعليمها .
ايضا كل النساء في عينة البحث اجريت لهن عملية ختان عن طريق ( الداية – المرأة التي تقوم بتوليد النساء في البيوت) فقط 7% تم ختانهن عند الطبيب . قسوة التجربة عبرن عنها بعفوية شديدة( ما كناش عارفين اننا راح نتطهر , كتفونا و قطعوا بالموس كنا راح نموت من الالم و النزيف ) بينما حدث لبعضهن ما هو اسوأ ( بعد الطهور حصل نزيف و حطوا على الجرح بصل و تراب فرن , لكن اهلنا قالوا كده احسن علشان نتحمل لما نكبر و ما نمشي في طريق الغلط)!!!
اختصارا للغة الارقام التي قد تجرد التجربة من ابعادها الانسانية , نتائج البحث اثبتت ان 33% من الرجال المتسببين في العنف ضد زوجاتهم مدمنون للمخدرات , وان 70% منهم اميون . يعتبر السبب الرئيسي لممارسة العنف من قبل الزوج في السنة الاولى للزواج تدخل العائلة- والدة او اخت الزوج- حيث يعيش اغلب سكان المنطقة وسط عائلات تضم اسرة الزوج. يليه الخلاف حول الزيارات , ترغب العروس في زيارة اهلها او صديقاتها او جاراتها , فيرفض الزوج و يضربها لان فكرة الخروج حتى الى الشارع او خارج باب المنزل مرفوضة. ( لواحظ) قالت( انا كنت واقفة في الشارع فضربني) بينما زوج ( زوبة) ضربها( رحت اشوف بنتي لاني كنت متزوجة واحد قبله فضربني )و الثالثة ( ضربني بالحزام لاني رحت بيت عمي) (هويدا) واجهت اكتشاف مؤلم نتيجة رفض الخروج ( ضربني لاني رحت بيت اخوه و اكتشفت انه متزوج و اني زوجته الثانية) اما ( امينة) فقد دفعت ثمن طفولتها ( كان عمري 13 سنة , ما كنتش عارفة يعني ايه زواج نزلت العب مع الاطفال في الشارع ضربني, بعد يومين رحت اشوف ابويا ضربني لما كنت راح اموت ). اما ( الدخلة البلدي) او الطريقة الوحشية لفض بكارة العروس فقد ادت الى حالات نزيف بين اغلب من تعرضن لها , حيث تشابهت اجابتهن( اخذوا شرفنا بلدي ,حصل نزيف فضربني و اخذ حقوقه و ما رحمش حالتي)
امسك اعصابك عزيزي الرجل فما زال في الجعبة الكثير! 40% من نساء هذه المنطقة يتعرضن للعنف بشكل يومي . الوسائل مختلفة, اما الضرب باليد , بالعصا, بالحزام , بالسلاسل او اسياخ الحديد!!! بالاضافة الى قذف اشياء على وجوههن مثل الاحذية او الكراسي او الطعام و لا ننسى جرهن من الشعر او الضرب على الحائط... اما الاهانة الشفوية فهي كالماء و الهواء!!! و الاغرب انهن اجبن بدهشة( ده شئ علدي و كل راجل بيعمل كده, بيضربونا اما بايديهم او بالخرطوم او السكينة او بارجلهم. واحدة مننا كانت حال في شهرين ظل يضربها و يدوس عليها لحد ما اجهضت . اما (غالية) فمصيبتها اعظم ( بيضربني بسلك الكهرباء , برميل مياه يويقعني فيه في عز البرد و يوقفني في المطرو يوقفني امام زوجته الثانية عشان لو ضحكت يعيد الضرب, ممكن يفضل الحال كده طول الليل , و ممكن يقضي حاجته علينا او يعمل جماع مع واحدة فينا امام الثانية !!)
مجموعة اخرى كان اعترافهن( يسبوننا و يحبسونا و يهينونا قدام الناس – و ذكرت (انتصار)- بيطردني من البيت عشان اهلي في البلد و مافيش معايا فلوس لازم ارجع له) وسيلة اخرى ذكرنها( بيحرمني من الاكل انا و الاولاد حتى في رمضان نفطر الساعة عشرة بالليل لما يسمح).
المعاشرة الزوجية تتم بالضرب و الاهانة حتى و ان لم تكن الزوجة مستعدة و الادهى ما ذكرن( لا يهمه وجود الاطفال معنا, هو عايز و خلاص و الا يصرخ و يضربنا باي شئ , اغلبنا ساكنين في غرفة واحدة لكن هو ما يهموش).
اكدت اغلب الزوجات ان الزوج هو سبب العنف( هو اتربى كده ابوه كان مثله راجل غبي و ما عندوش رحمةولاقلب...ده مش بني ادم حتى بنته بيضربها البارحة كسر ايدها و هي عمرها 4 سنين ) رصدنا حالات عديدة للاجهاض و الدخول الى المستشفى نتيجة العنف.
9% من النساء اعترفن انهن حاولن الانتحار اما عن طريق حرق انفسهن او ابتلاع اقراص اي دواء, بينما اكتفت اكثر من نصف نسبة عدد نساء الدراسة بعدم القيام بأي رد فعل تجاه العنف الواقع عليهن مكتفين بالبكاءو كان التعبير الاكثر شيوعا ( يعني راح اعمل ايه) .كما ان فكرة ابلاغ الشرطة لم تكن محبذة بين نساء المنطقة (منظرها سئ قدام الناس بعدين يعايروا ولادي و يقولوا امكم دخلت ابوكم السجن. و انا خايفه منه لانه ظالم بعد ما يطلع من السجن ممكن يحرقني او يضربني بسكينة ) (فايزة) بعفوية من بعد نفسي للظاهرة( احنا متعودين على الضرب.. اخويا كان بيضربنا قبل الزواج و الان برضه بننضرب)
بعد طرح الظاهرة بشكل حيادي , يبقى سؤال بسيط : هل تكفي كل شعارات المساواة و حقوق المرأة و حتمية اعتبارها نصف المجتمع و التي بحت اصواتنا لتأكيد معانيها .. هل يكفي كل هذا لمسح دمعة الم و ذل على خد نساء ( منشأة ناصر) ايأ كان موقعها على خريطة العالم العربي!!!