شىء عن الاتحاد النسائى المصرى



نوال السعداوى
2011 / 6 / 14

سمعت امرأة مصرية تتحدث عن كتاباتها فى إحدى الإذاعات، تتفاخر بأنها لم تكتب أبداً عن القضية النسوية، أو الصراع بين الرجل والمرأة، لأنه لا يوجد صراع بل حب وحنان وشوق، إنها لا تكتب كامرأة بل كإنسان عن قضايا الإنسانية العليا، وحقوق الإنسان، تكور شفتها السفلى وتمطها للأمام فى امتعاض واشمئناط، تؤكد أن فكرة تحرير المرأة دخيلة على القيم والتقاليد المصرية والعربية الإسلامية، فكرة مستوردة من الغرب والاستعمار، وأن الثورة المصرية العظيمة قامت ضد النظام السابق الفاسد وليس من أجل تحرير النساء. قاطعها المذيع: يا سيدتى شعار الثورة كان «الكرامة، الحرية، العدالة» للشعب كله، ليس للرجال فقط، النساء نصف هذا الشعب، انفعلت المتحدثة: لا يا سيدى، الثورة لم تقم من أجل حرية المرأة، أنا وقفت ضد المسيرة يوم ٨ مارس، يسمونه اليوم العالمى، ليس يوم المرأة المصرية، لذلك كان لابد من إعادتهن إلى بيوتهن بالضرب.

ضحك المذيع مندهشا: تؤيدين الضرب يا أستاذة؟.. نعم يا أستاذ، أباح الله ضرب النساء الخارجات عن طاعة أولى الأمر.. يا سيدتى أنا كنت هناك مع عدد كبير من شباب الثورة، شاركنا زميلاتنا المسيرة، كانت شعاراتنا هى شعارات الثورة، الكرامة الحرية العدالة، للجميع بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الطبقة أو غيرها، هجم علينا بلطجية النظام السابق، ضربوا الشباب كما ضربوا الشابات، تصدينا لهم بكل قوتنا وأنقذنا البنات الصغيرات، كانت معنا شابات قويات الجسم، شجاعات، تغلبت بعضهن على البلطجية. واصلت الكاتبة كلامها: «المرأة المصرية يا سيدى هى الأم الحنون التى ترعى بيتها وأطفالها ولا تتعارك مع البلطجية فى الشوارع، هى الزوجة المطيعة لزوجها التى تروح عنه متاعب عمله ولا تجلب له المشاكل، هذه هى مبادئ الإسلام يا سيدى».

قال المذيع: «يا سيدتى الإسلام وجميع الأديان تدعو إلى العدالة والحرية وكرامة الإنسان، الإنسان ليس الرجل فقط، المرأة إنسان يا سيدتى، هل تقبلين الإهانة من زوجك؟»، اندهشت وتساءلت: وكيف يمكن له أن يفعل ذلك؟ مثلا يا سيدتى إذا اتخذ زوجك لنفسه عشيقة أو زوجة ثانية دون علمك؟

قالت الكاتبة: زوجى رجل محترم لا يمكن أن يفعل ذلك، وإن فعل فهذا حقه، أباح الله له أربع زوجات. صفق جمهور فى الاستوديو للسيدة الكاتبة، أغلبهم رجال باللحى القصيرة أو الطويلة وبعض نساء بالحجاب والنقاب، وبعض شابات غير محجبات، قامت شابة منهن طويلة القامة مرفوعة الرأس، قالت إن قضية تحرير المرأة ليست غربية أو شرقية بل هى قضية إنسانية عالمية، تحتاج إلى وعى جديد بكرامة المرأة وإدراكها معنى العدالة والحرية، أنا نشأت فى أسرة علمتنى الكرامة والحرية والعدل، لم يفرق أبى وأمى بين البنت والولد، دخلت الجامعة وتخرجت واشتغلت بأجر بسيط لكنى أشارك زوجى فى الإنفاق وكل المسؤوليات خارج وداخل البيت، شاركت فى الثورة مع زملائى وزميلاتى، زميلة لى أصابتها رصاصة حية، زميلة أخرى أصابتها رصاصة مطاطية فى عينها، لكن كل ذلك لم ينل من كرامتى وعزيمتى، بل هو ثمن ندفعه من أجل حريتنا وحرية بلدنا، إن البلد لا يكون حراً إذا كان نصفه مستعبداً، إذا كانت النساء مستعبدات، تلعب التربية فى البيت دورا مهما فى تكريس مفاهيم الخضوع وقبول الظلم،

أغلب الأمهات غير واعيات بحقوقهن، فاقد الشىء لا يعطيه، تغرس الأم فى طفلتها البنت عشق الخضوع، باعتباره من سمات الأنوثة، تغرس فى ابنها الولد عشق السيطرة باعتبارها من سمات الرجولة، يسيطر الأخ على أخته وأمه أيضا، ثم يسيطر على زوجته وبناته باعتباره رجلا كامل الرجولة، التعليم فى المدارس والإعلام والثقافة العامة كلها تعيد إنتاج هذه التفرقة على أساس الجنس، فلماذا تندهش يا سيدى مما تقوله السيدة الكاتبة؟ قال المذيع: يمكن أن نغفر للأم غير المتعلمة ألا تعرف مبادئ التربية الإنسانية العادلة، لكن إذا كانت المرأة متعلمة تعليما عاليا ومتخرجة فى الجامعة؟

قالت الشابة: التعليم الجامعى لم يعلمنا القيم الإنسانية العادلة، نحن نتعلمها فى البيت فى الطفولة، نحن فى حاجة إلى أمهات واعيات بحقوقهن الإنسانية.