من ينصف الأرامل في يومهن؟!



صادق الازرقي
2011 / 7 / 4

مر اليوم العالمي للأرامل عندنا مرور الكرام، وكأن نساءنا لسن الاكثر وقوعاً تحت تأثير حالات الترمل غير الاعتيادية، وكأننا لسنا معنيين بالأمر برغم انه يمسنا في الصميم، اذ اننا اكثر بلد يمتاز بحالات الموت غير الطبيعي للأزواج في ظروف تواصلت لدينا بصورة اكثر ايلاما منذ بداية ثمانينات القرن الماضي حين عزم حكامنا الذين ابتلينا بهم على خوض حروب غير مسوغة قتلت أعداداً هائلة من الناس.
وبالطبع فاننا لسنا بحاجة لإيراد الارقام بشأن الارامل في دول العالم، اذ ان ذلك الامر يحتاج الى دراسات خاصة ونكتفي هنا بتناول وضع الارامل العراقيات اللواتي تفرد لهن الإحصاءات الدولية ارقاما مهولة ونحاول لفت النظر الى اوضاعهن وتداعيات ترملهن عسى ان يلتفت المعنيون بدورهم الى قضيتهن ويعملون على انصافهن .
لقد قررت الجمعية العامة للامم المتحدة الاحتفال في 23 حزيران من كل عام ابتداء من عام 2011 باليوم العالمي للارامل. فلم يذكره احد من سياسيينا ومسؤولينا، كما لم نتذكر الارامل برغم اهمية هذا الموضوع وبرغم ان البلد شهد موتا جماعيا للازواج وترمل الالوف المؤلفة من الشابات في اثناء الحرب العراقية الايرانية، كما ان اكثر الاحصائيات تفاؤلا تشير الى ان عدد النساء اللواتي فقدن ازواجهن في حوادث غير اعتيادية منذ التغيير في عام 2003 وحتى انحسار ما سمي بالحرب الطائفية في 2007 يربو على المليون وخمسمائة الف نسمة على وفق احصائيات الامم المتحدة وان اعمار المترملات انحصرت بين 20 ـ 40 عاما .
يؤدي الترمل المبكر الى نشوء مشكلات عدة تتعلق به و بما يرتبط بذلك ونعني المشكلات المتعلقة بالأطفال في حالة وجودهم اذ ان الافتقار الى الأب في وقت مبكر يؤدي الى مشكلات نفسية وتربوية كبيرة تؤدي اذا اقترنت بالفقر والعوز والامية الى اضرار خطيرة لا تطول الجيل الملازم لحالة الترمل بل الاجيال اللاحقة كافة. واذا ما عرفنا مقدار الإعانات الشحيحة والمتواضعة التي يعلن عنها للارامل لتبين لنا عظم الظلم الذي الحق بتلك الشريحة المهمة في المجتمع اذ برغم حجم الارقام الكبيرة التي ذكرتها شتى المعلومات الاحصائية عن نسبة الارامل في العراق، فان الإجراءات التي تتخذها الجهات المختصة لتعويضهن عن مأساتهن والتخفيف عن كاهلهن لم يزل متواضعا جدا، فبرغم تجاوز اعداد الارامل المليون واضعاف ذلك من الاطفال الايتام فان التقارير تقدر عدد الارامل اللواتي يحصلن على معونات حكومية بنحو 84 الف ارملة فقط وان تلك المعونة لا تتجاوز 120 الف دينار شهريا في احسن الاحوال.
لقد ترك كثير من الأزواج المتوفين بفعل التفجيرات واعمال العنف المتواصلة اطفالا قاصرين ومن الظلم ان ندفع بهم الى الالتجاء الى العمل اليدوي المضني ـ وهو ما يحصل الآن فعلا ـ لإعالة اسرهم، بل ان عمل المرأة الارملة نفسه يكون قاسيا وغير مقبول ـ تذكر احصائية للامم المتحدة إن من بين كل 10 عائلات عراقية هناك امرأة تقوم بدور رب العائلة، 80% منهن أرامل ـ، لقد وضعت الأرملة العراقية بفعل الاضطرابات السياسية والإرهاب في ظل وضع بالغ الخطورة فهي من جهة لا تستطيع ان توفر بسهولة الوضع المعيشي الملائم لعائلتها، كما ان من الصعوبة بمكان ان تتابع امور تربيتهم وتنشئتهم في ظل العوز المالي فيعمد كثير من الاطفال الى التخلف عن الالتحاق بالدراسة ويترك الآخرون مقاعدها ليبحثوا لهم عن عمل متعب في شتى الأعمال المتواضعة التي انتشرت بسبب غياب اي سياسة اقتصادية سليمة تعيد احياء البلد وتسهم في رقيه اسوة بالبلدان الاخرى.
ان إنصاف الأرامل العراقيات مسألة حاسمة أرى ان مصير البلد وبناءه على اسس سليمة يتوقف عليها مثلما يتوقف ايضا على القضايا الاخرى التي هي ليست موضوع حديثنا الآن ومنها تشغيل العاطلين واعادة احياء المصانع وتوفير الخدمات ومكافحة الفساد فجميع تلك الامور يرتبط بعضها ببعض، غير ان تخصيص الامم المتحدة يوما يحتفى به سنوياً خاص بالارملة اثار فينا الشجون المتعلقة بمحنتها ومعيشتها، ومن هنا فاننا نرى ان على الجهات الحكومية المعنية و لاسيما في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الالتفات الى النساء الارامل وحسم اوضاعهن بما يليق بتضحياتهن حرصا على مستقبل الاسرة العراقية الذي يتعرض لتهديد كبير فيما لو تواصل اهمال حاجات الارامل المشروعة لاسيما في مجال توفير الظروف المعيشية الملائمة لها ولأطفالها وان تلبية تلك الحاجات تستوجب تخصيص ضمانات مالية ملائمة لكل ارملة فقدت زوجها لاسيما ممن لا يملكن راتبا تقاعديا وتنظيم اعانات مالية للاطفال القاصرين لتشجيعهم على مواصلة تعليمهم ومنع تسربهم من المدرسة وان المباشرة بذلك الامر تتطلب توجيه الدعوة الى جميع الارامل ممن لا يمتلكن موردا ماليا ملائما بمراجعة الدوائر المعنية بتلك الامور وتنظيم ذلك على وفق الاسس العلمية باستعمال التكنلوجيا الحديثة تجنبا لتكرار حالات الفساد المالي والإداري الذي ضيع حقوق الكثير من الارامل والابناء .
ان التصرف المطلوب ازاء ملف الارامل والايتام وبصرف النظر عن أعداد المشمولين يعد امراً وطنياً حاسما في الحكم على جدوى العملية السياسية والبناء العراقي الجديد اذ انه وطائفة واسعة من احتياجات الناس يجب ان يمثل الهم الاول في برامج الاحزاب السياسية وفي البرامج الانتخابية، ونأمل من السياسيين ان يسعوا لإثارة تلك القضايا والمطالبة بتحقيقها والعمل على انجازها بدلا من اثارة السجالات السياسية التي تدفع المواطن الى الجزع وفقدان الأمل.
ولا بأس هنا، ان نقترح تخصيص يوم وطني للأرامل؛ ولكي لا نشعر الارامل بعزلتهن عن المجتمع لا ضير من تخصيص ايام لشرائح الشعب الاخرى انما اقترحنا تخصيص يوم الارامل نظراً لعظم المسؤولية المترتبة علينا تجاه تلك الشريحة التي يقع عليها ظلم مضاعف، ظلم فقدان المعيل والزوج من جهة وظلم الاهمال والتغاضي عن حقوقهن من جهة اخرى.