حقوق المرأة بين الشعار والممارسة



نبيل الحيدرى
2011 / 7 / 8

إن المرأة قد عانت على مر التاريخ بأنواع مختلفة من الظلم والإضطهاد والقهر والإستعباد والإستغلال. وقد تم تجاهل بعض الحقوق فى الكثير من القوانين والتشريعات على مر التاريخ، رغم أن قوانين حمورابى تضمنت 92 قانونا يخص المرأة من مجموع 282 فيها حقوقها للبيع والتملك والتجارة والوراثة والتوريث كما وصلت ملكة سمير أميس فى العصر البابلى إلى السلطة خمس سنوات، وفى عصر الفراعنة تميزت المرأة ووصلت للحكم والسلطة مرارا وتكرارا وحصلت بما لم تحصل عليه غيرها فى الحضارات السابقة، ولكن بعض الثقافات والديانات قد وضعت عناوين غير سليمة لانتقاص المرأة والنظر إليها كرمز للشر والعورة والفتنة والبلاء. وقد كان لذلك أسباب دينية ثقافية إجتماعية تاريخية، فقد وردت فى الأحاديث والروايات مثلا (النساء نواقص العقول والإيمان) (إن النساء همهن زينة الحياة الدنيا) (إياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن) (خيار خصال النساء شرار خصال الرجال) (المرأة شر كلها) (المرأة عقرب حلوة اللبسة) (إنما النساء عى وعورة فاستروا العورة بالبيوت واستروا العى بالسكوت)، وإن كنت قد ناقشت سابقا هذه الروايات المأثورة ورددت كل هذه الأحاديث من حيث السند والرواة أولا، وكذلك من جهة دلالاتها بعد دراسة الظروف الموضوعية وقصص وقوعها لو صحت، فضلا عن تعارضها مع القرآن كآيات سورة النساء وغيرها، والسنة النبوية والوقائع التاريخية الكثيرة لمن راجع معاملة النبى مع زوجاته كخديجة بنت خويلد التاجرة المعروفة وعائشة بنت أبى بكر وحفصة بنت عمر ورملة بنت أبى سفيان وزينب بنت جحش وزينب بنت خزيمة وسودة وهند وصفية وبرة وميمونة، وبناته كفاطمة، والنساء الأخريات وقصص قرآنية كثيرة كخولة بنت الأوس التى حاججت النبى واشتكت إلى الله حتى أنزل أحكاما لعلاج تلك المشكلة الكبيرة وهى ظاهرة الظهار حتى قال الله فى قرآنه (قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركماإن الله سميع بصير. الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن أمهاتهم إن أمهاتهن إلا اللاتى ولدنهم) وقد وصل رفض الله لهذه الظاهرة لدرجة قوله تعالى (إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) وهكذا كانت هذه المرأة وموقفها الشجاع سببا فى حل معضلة كبيرة وظاهرة خطيرة ضد النساء
كذلك فى الغرب فقد حصلت المرأة فى أمريكا مثلا على حق الإنتخاب عام 1924 وفى بريطانيا عام 1945 وغيرها لكنها تجاوزتها وقد تطورت الأمم والثقافات والتشريعات خصوصا بعد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى 10/12/1948 حيث بدأت المرأة تأخذ حقوقها شيئا فشيئا حتى وصلت مثل السيدة ماركريت تاتشر إلى رئاسة حزب المحافظين سنة1975 ثم منصب رئاسة الوزراء منذ 1979 وحتى 1990 فترة طويلة متميزة ولقبت آنذاك بالمرأة الحديدية وأثبتت قدراتها السياسية والإدارية فقد أصبحت أول قيادة سياسية فى تاريخ بريطانيا تكسب ثلاثة إنتخابات وطنية متتالية ومتلاحقة.
أما مجتمعاتنا العربية فلازالت هنالك سلطة ذكورية وثقافة ذكورية فيها تمييز ومحاباة للرجل ضد المرأة وهذا ما أظهرته أيضا الدراسات الأدبية فى القصص والروايات والتراث الكاشفة عن الإزدواجية فى التعامل مع المرأة، كزوجة وحبيبة تارة، وكبش فداء وملك فردى أشبه بالإستعباد تارة أخرى. فشتان بين أمينة عند إحسان عبد القدوس وأمينة عند نجيب محفوظ، وكتابات طه حسين وقاسم أمين وهدى الشعراوى ومصطفى أمين وشبلى شمل، لذلك نقد محمد قطب رواية (اللص والكلاب) لنجيب محفوظ فى جدلية الخير من خلال الشر وحركته فى الرواية حيث تسوق المتابع إلى التعاطف مع الظروف والمحنة. وإذا نظرنا إلى التشريعات الحديثة بصالح المرأة نظريا فإن الممارسة منقادة للتقاليد والأعراف فى التمييز ضد المرأة لذلك لاتصل المرأة إلى المناصب العليا رغم الحديث المطنب عن أهميتها ودورها وقدراتها. وقد أجبر الواقع حتى المتشددين والمتطرفين ومن لايؤمن أصلا بحقوق المرأة، بالحديث عن حقوق المرأة لكى لا يرمى بالتحجر والإنغلاق والتخلف الذى ترفضه الحياة والعلم والواقع والمدنية، مما يثير كثير من الأسئلة حول مصداقية الشعارات التى يستخدمونها حول المرأة وحقوقها وحرياتها.
فى العراق مثلا حيث أجبرت الظروف الموضوعية وضع كوتا للمرأة حتى تشارك النساء فى البرلمان بنسبة معينة لكن هؤلاء السياسيين أنفسهم عندما جاؤوا يتقاسمون الوزارات المترهلة جدا لعدد يزيد على الأربعين وزارة فيها أكثر من 16 وزارة بلا حقيبة وزارية ليس لها مثيل فى أكثر دول العالم فى محاصصة تثقل كاهل الخزانة المالية، لكنهم جميعا تجاهلوا النساء فى جميع الوزارات حيث أن جميع الأحزاب وقياداتها الرجولية حتى المدافعين ظاهرا عن حقوق النساء، قد رشحوا رجالا دون أى إمرأة أبدا رغم اعتراض مؤسسات محترمة تدافع عن حقوق النساء ودورهن الريادى فى المجتمع العراقى
ومن أغرب الغريب فى الواقع المعاصر هو حقيقة ماذكره على الوردى من التناقض بين القول والعمل لظاهرة بعض المثقفين والليبراليين المطالبين بحقوق النساء بقوله (يدعو إلى حرية المرأة فى الصحف والمجالس لكنه يحجر عليها فى البيت) وكذلك تفريقهم بين الزوجة والعشيقة وتعاملهم مع الجسد الأنثوى والمقاسات مختلفة مما يكشف ازدواجية المعايير بين القول والفعل، الوهم والواقع، الشعار والممارسة، الشكل والحقيقية