يريدونها أنثى



رواء هادي
2011 / 7 / 28

مُذْ سنوات خلت أكاد أكون ما كتبت حرفا في الصحافة، بسبب إنشغالي في العمل البحثي الأكاديمي.. وها أنا ذا أعود فأكتب وقد خشيت أن لا يدب النبض في قلمي مجددا، ولكن حمدالله أن ما زال في قلمي بقية من نبض..
والذي أثارني حقا ودعاني إلى الكتابة، موقف مررت به، وتمر به نظيراتي من النساء، وهو موقف لا غبار عليه إنسانيا، ولكن لربما عليه كثير من المؤاخذة إجتماعيا، ألا وهو الحاجة إلى التعبير عن الغضب.
فكلنا يمر في لحظات غضب أو فرح أو حزن..، وكلها إنفعالات تختلف في نوعها وشدتها، وهي حالات إنسانية طبيعية جدا، والتعبير عنها أمر طبيعي هو الآخر، ولكن من غير الطبيعي أن يطلب إلى المرأة الدخول في دوامة الصمت وعدم البوح بإنفعالاتها حفاظا على الأنوثة، مع إنه قد يكون مقبولا إجتماعيا أن تعبر المرأة عن فرحها أو حزنها..!
فقد دعاني الداعي إلى الغضب، والتعبير عن غضبي بالكلمات وليس بشيء آخر(!).. والمثير في الأمر أن ذلك أثار حفيضة زملائي في العمل من الذكور، بل إن أحدهم أعرب عن إستياءه من موقفي ذاك، طالبا إلي أن لا أخدش أنوثتي بالغضب الذي هو من شيم الرجال!
وإني لأسأل هنا، ما مفهومنا نحن الشرقيين للأنوثة؟ ولماذا مسموح للرجل بأن يعبر عن غضبه وإنفعالاته كافة، وليس مسموح بمثل ذلك للمرأة التي لا تقل إحساسا عن الرجل بأي شيء إن لم تكن تفوقه قدرا في أحاسيسها شتى، فإذا ما عبرت عن غضبها قالوا أنها قليلة الأنوثة إن لم تكن قليلة الحياء!
أفهل تعني الأنوثة أن تظل المرأة مبتسمة ومتغنجة طوال الوقت؟ أم تكون مجرد وعاء للتلقيح والتفريخ فكلما فرّخت أكثر نالت رضا المجتمع، وقالوا عنها إنها أنثى بحق؟! أم أن الأنوثة أن ترضى المرأة بواقع الحال أيا يكن هذا الواقع، وتبدي موافقتها على أي وكل شيء، فإن إعترضت وتذمرت فقدت شيئا من أنوثتها؟! أم هل تعني الأنوثة أن يغمط حق المرأة فتظل ساكتة جامدة، لئلا تتهم بأنها مسترجلة، على إعتبار أن الرجل وحده له الحق بأن يغضب ويتصدى ويدخل حلبة الصدام مع الآخرين إذا ما تضاربت مصالحه معهم؟!
لماذا لا يريد أن يفهم البعض الغالب من الرجال في مجتمعنا، أن الأنوثة لا تزيد عن عملية فسلجية تؤهل الأنثى (كما الرجل) للقيام بوظائف معينة، وليس معناها وئد العواطف والإنفعالات والأفكار، لئلا يكون في التعبير عنها خدشا للأنوثة؟!
إن الأنوثة في مجتمعنا مجروحة، كما هو حال كثير من المفاهيم والقيم التي إنطبعت بطابع العرف السائد والمتوارث من العادات والتقاليد، وليس بطابع المنطق السليم الذي يتفق مع كل ما هو إنساني وطبيعي.
فكثير من المفاهيم والقيم في مجتمعنا تحتمل الكثير من الجدل، ومنها الرجولة نفسها التي يفسرها الكثير من الناس على وفق مفهوم (الذكورة) أو (الفحولة)، ولا يفسرها بكونها أخلاق وشهامة ومسؤولية. والصدق والشرف تلك القيم النبيلة التي تحولت إلى عباءة يتستر بها الضعفاء والجبناء الذين يخشون النور، فيمارسون ما يمارسون في السر، حفاظا على شكلهم الإجتماعي أو طمعا بمكاسب دنيوية. والكرامة التي نتشدق بها دائما ولا نتورع عن إرتكاب ما يسيء ويهدر كرامتنا الإنسانية..
إن مشكلتنا أننا نخشى دائما مواجهة الحقيقة، ورؤية أنفسنا بمرآة صافية كيما نرى ما نحن عليه حقا، فنواجه عيوبنا ونحاول تقويم أخطاؤنا، علنا نفلح بعد ذلك.

[email protected]