سادة وعبيد



حاتم عبد الواحد
2011 / 8 / 3

هل تصح الاية " الرجال قوامون على النساء " في ظل وضع مهشم ومشحون بالبغض والكراهية والاستنكاف من المرأة كما هو الحال العراقي اليوم ؟
منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في بدايات عشرينات القرن الماضي كان التمايز الجنسي واضحا في اختيار المسؤولين السياسين والاداريين للعراق ، وظل هاجس الرجولة المهانة عاملا اساسيا في عدم اختيار وزيرة عراقية في كل الحكومات الملكية المتعاقبة ، لان الملك الهاشمي وعلماء الدين وقيم العشيرة لا تسمح بالمطلق ان يتبوأ الذي هو عبد مكان السيد ، فنصوص القران تحث بشكل علني وواضح لا يقبل اللبس على تهميش دور المرأة في الحياة العامة والخاصة على حد سواء ، ففي الحياة العامة ينص القران على ان للرجل مثل حق الانثيين ، وينص على ان شهادة المرأة هي نصف شهادة الرجل ، وينص على ان المرأة اقرب للغائط من اي شيء اخر في نص الاية " وَإنْ كنتم جُنُباً فَاطَّهروا وإنْ كُنتُم مرضى أَو على سفرٍ أَو جاء أحِدٌ منكم من الغائطِ أَو لامستم النِّساءَ " المائدة 6
اما في الحياة الخاصة فان القران يحث الرجل على ضرب المرأة " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن بالمضاجع واضربوهن " النساء 34 ، والنشوز ايها السادة هو عدم رغبة المرأة في ممارسة الجنس مع زوجها والنفور منه ، ايستدعي هذا السلوك ان تضرب وتهجر في مضجعها وتوعظ مثل انسان قاصر ؟ فلو كانت المرأة حرة كما يدعي الاسلاميون لما فرضت عليها عقوبات تتعلق بحواسها ورغباتها واختيارها لشريكها ، ومن هذا المنطلق لم تجرؤ حكومة عراقية قبل استيزار نزيهة الدليمي عام 1959 على استيزار امرأة لان عاراً كبيرا سيصيب منظومة الدستور الذي تستند دعائمه على النص القرآني .
والمرأة بصورتها القرآنية ليست سوى عورة يجب سترها ، فعلى مستوى الطقوس العبادية لم يسمح للمرأة بإمامة صلاة او الاذان لها ، ولم يسمح لها ان تتولى الافتاء ولا قيادة اي جماعة لانها كائن ذو عقل ناقص ، لا يصلح الا لتمتيع الرجل ، فهل يعلم اصحاب الشوارب المفتولة ومدعو الجاه والسلطة والسطوة والبنادق ان المرأة العراقية انبل من كل ادعاءاتهم ، ففي غياب تعداد عام للسكان يحدد نسبة الرجال الى النساء تشير مصادر دولية متفرقة الى ان نسبة النساء تفوق 55 % من مجموع السكان ولكن دورهن في ادارة الحياة يكاد يكون محدودا جدا بسبب هيمنة العرف العشائري والنص الديني والتجهيل المبرمج ، فالمعلوم ان نساء المدن وحدهن قادرات على العمل في قطاعات الادارة والخدمات بسبب عدم وجود هذه الخدمات في القرى والارياف الا بنسب جد بائسة ، كما ان نظام العيب العشائري يمنع المرأة العراقية من دخول المدارس في القرى والارياف الا لتعلم الكتابة والقراءة فقط وبعدها يتم سوقهن الى الحقول للعمل مع عوائلهن او تزوجيهن باول رجل يطرق باب العائلة ليتخلصوا من العار القابع بين ظهرانيهم !!
اما ما نراه من تمثيل نسائي في المشهد السياسي العراقي فانه ناتج عن سياسة المحاصصة ، وللعلم فان الوزارات التي منحت للمرأة في الحكومة الاخيرة انما هي وزارات لا قيمة لها في صناعة القرار وغير منتجة ، وقد ابتكرت هذه الوزارات فقط من اجل تجميل الديكور الحكومي ليبدو امام العالم ديكورا حضاريا ديمقراطيا ، وعدد البرلمانيات ما زال عند الحدود الدنيا مقارنة بنسبة النساء العراقيات في المجتمع فهن لا يشكلن الا نسبة 25 بالمئة من عدد المقاعد الــ 325 ، كما ان قانون الاحوال المدنية يميل بشكل تعسفي لتحميل المرأة اكثر من طاقتها ، فلم يزل هذا القانون ورغم موجات الموت المنظم ضد الرجال ينص على ان حق المرأة هو نصف حق الرجل من الميراث اذا توفي والداها ، ويكون حقها الثمن من التركة اذا توفي زوجها ، ويكون حقها اقل او اكثر من هذا بحسب عدد الشركاء الذين ورد ذكرهم في سورة النساء .
ان ملايين الارامل تعيش اليوم على الصدقات وما تتبرع به بعض المنظمات الدولية او المؤسسات السياسية المؤدلجة بعد ان ضعفت رابطة التكافل الاجتماعي التي كانت تربط العائلة العراقية ، فلم يعد الانسان مهتما بمصير اخته او امه او ابنته الا فيما ندر وذلك استجابة لمنطق الانانية الفردية التي اعترت طريقة الحياة الجديدة ، والتي افرزتها المنظومة السياسية المفككة ، فبناء الدول وفق منطق التاريخ يبدأ من الفرد الى العائلة فالقبيلة فالحي والقرية والمدينة والدولة ، ولكن هذا السلم نراه مقلوبا في العراق ، فقد انحسر البناء المجتمعي من الدولة الى المدينة ثم الى القرية والحي والقبيلة والعائلة انتهاء بالفرد ، وعلى هذا الاساس تفاقمت ظاهرة غسل العار التي تستهدف المرأة العراقية دون الرجل ، وليس هذا بغريب اذا علمنا ان الرجل هو السيد والمرأة مهما كانت صفتها هي العبد الذليل بتصريح قرأني مقدس لا يمكن المساس به ، فما الذي قدمه الاسلام للعراق لكي يكون الدستور مبنيا على اسسه ومستمدا لاحكامه ؟
لولا خشية الرجل على دوره السيادي لبادر البرلمان والمشرعون العراقيون الى وضع قانون اساسي يستند الى الحقوق المدنية والنص الحضاري المتطور ولكن لا يمكن للمفترس ان يعف عن فريسته طالما هناك مسوغ سماوي يدعم فعلته ، فالمرأة العراقية تعني ايتاما ومشردين في اكثر حالاتها بهجة ، وتقارير المنظمة الدولية لحقوق الانسان تقر بالجرائم التي تطالها ، ولكن التثقيف الديني والعشائري يابى الا ان يجعلها ومن برعايتها ضحايا السطوة الرجولية المخادعة ، ان غالبية رجال العراق الان يعملون في اعمال تتنافى والسليقة السليمة للبشر ، فملايين منهم موزعون بين المخبر السري والمتعاون مع الارهابيين والمتاجرين بالاعضاء البشرية والتجار الذين يستوردون ازبال العالم ليطعموا بها الشعب الجوعان ، وسماسرة الجنس والمال ، ومنظرون طائفيون يروجون لهذه الجهة او تلك ، وكتبة يدبجون مقالات في مدح اولياء نعمتهم ، وجلادون يغتصبون النساء والرجال والاطفال في المعتقلات ، وغشاشون يبيعون الناس وعودا معسولة ويطعمونهم غسلينا ، وذو عمائم ومسبحات وجباه موسومة بالسواد يشيعون احقيتهم في الاستحواذ على الغنيمة ، فلماذا يعادون المرأة العراقية ويهملون شكواها ان هي طالبتهم بانصافها ، ولماذا لا تحمي الدولة مستقبل العراق بسن قانون مدني يأخذ بالحسبان التطورات الاجتماعية السريعة في العالم وتبقي قانون الاحوال المدنية منحوتا على قياس المقدس الديني الآفل ؟