شؤون حميمة لا يعرفها الرجال



بشرى ناصر
2004 / 11 / 25

كأنما ألقى علي حجر ومضى ... حين دحرج علي د.عبدا لله إبراهيم مسؤولية الكتابة عن المرأة وثقافة المرأة وهموم المرأة ... هكذا سمعتها لتأخذني نصيحته بعيداً حيث أشياءنا الخاصة وهمومنا الخاصة وصراعاتنا التي يجهلها الرجال ولأنني أنجزت كثيراً مما يستحق أن يدرج كدراسة توضح الالتباس في علاقة الرجل بالمرأة ... (أقصد) الالتباس المعرفي الثقافي وليس مسؤولية التشريح البيولوجي ... فقد مضيت لتحديد كل ما من شأنه تصحيح الصورة التي وضعنا بها نحن النساء وعبر المرور على المنجز الأدبي للنساء؛ والثقافة المتراكمة من محكيات وقصص شعبي.....الخ؛ في محاولة لرد الاعتبار الثقافي لنا ؛ وأيضاً للدفع بقضية النساء نحو التحول ومحاولة إكسابها موقعا يتناسب تناسباً تاماً مع حركة العالم ؛ إذ أؤمن تماماً أن قضيتها تتناهبها عوامل شتى تحتم نضالاً متعدداً وعلى جبهات كثيرة ؛ بحيث تبدو مهمة شاقة فعلا وعسيرة ولذا ظلت تمضي ببطء نسبياً رغم ما مرت به من مراحل كثيرة متدرجة ؛ نكتشف أن ذلك لن يحدث دون ثورة ثقافية كبيرة تنسف النص القديم الذي يضع الرجل في حسبانه ويحول المرأة الى تابع ولا أكثر ؛ تلك الثورة لا تستهدف إقامة المساواة بين الرجال والنساء ضمن مجتمعات جوهرها المساواة فحسب ؛ بل المطلوب تحولاً جذرياً للبنى غير العادلة التي أسسها المجتمع الذكوري منذ ألاف السنوات ... فتحرير النساء لا يعني تغيير علاقات الإنتاج ومساواتها مع الرجل بالأجر.. ولا بعدم استغلال وضعها الأنثوي وإنما وضع تصور لمنجز ثقافي كامل يضع في حسبانه التراكم المعرفي والثقافي للمجتمعات والتوقف عند النصوص التي تعمق الاضطهاد وظلم النساء باعتبارها وسائل أشد تأثيراً وفتكاً من الإرهاب ؛ طالما الواقع الراهن يضعنا اليوم أمام انفتاحه رهيبة على العالم ... فالنساء اللائي تم استبعادهن بشكل مطلق خلال ثلاث وعشرين قرناً عن ( الفلسفة) باعتبارهن بعيدات عن العقلانية والمنطق حتى لا يتمردن على المبادئ المقدسة للعقل الذكوري القسري والمطلق و احتقار رجال الكنيسة لهن حتى عهد قريب .... ولم يكن ( نيتشه ) أكثر تسامحاً حين قال : إذا ذهبت للمرأة فخذ سوطك معك ... لازالت الميثيلوجيا والفكر الأسطوري العربي تضرب في عمق ثقافتنا العربية ؛والثورة التي نتحدث عنها ستحدث انقلاباً في العلاقة بين الذكر والأنثى نحو الأفضل وعلى صعيد الحب والشؤون العاطفية لأن الرتابة والإرهاق ليسا فقط السببين الوحيدين المسؤولين عن تخريب العلاقة بين الاثنين كما أن قضية النساء لا تتمثل فقط في المطالبة بحق العمل والمساواة في الأجر بل في إحلال الديمقراطية محل البيروقراطية ؛
والتخلص من التمجيد الشوفوني ومراتبية الحضارات ؛ وإعداد الفتية والشباب إعداداً مختلفاً ... والتخلص من الهيمنة الذكورية على العلوم والسياسة والثقافة والتربية ؛هكذا وبعد هذا كله تفاجئني النساء برفضهن في كل مرة ما كتبت والخروج على التوضيح الذي أجاهد لتأسيسه ؛وتمردهن علي لمحاولتي تعريفهن دورهن الحقيقي الذي لن يؤتي أثماره طالما ظل الانسحاق المستمر لنا والذي يضعنا دوماً في وضع المفعول به ... بالمعنى الحرفي للكلمة... مما يدعوني للحيرة والتساؤل: هل يعني ذلك أن نساءنا العربيات قانعات بواقعهن وراضيات ؟ وهل يعني ذلك انتمائي لمجموع النساء المارقات المدعيات المحاولات تخريب عقل نساء العامة وذاكرتهن التي استورثنها عبر تاريخ طويل ممتد من التراكم الثقافي ؟ ومستمتعات بأشكال السلطة الثقافية ؟
ثمة إشكالية لا يجب تجاوزها قبل الدخول في النقد النسوي العربي تتلخص هذه الإشكالية في غربلة كل ما وصل إلينا من كلام .. أو لغة لعبت بنا آماداً طويلة وضعها النظام ألبطريركي لتخدمه؛ وأيضاً الوقوف ضد كل الأسئلة المغلقة المنطلقة من مقولة: المرأة ناقصة عقل ودين....؛ فاللغة لا يجوز تجاوز تأثيرها التراكمي باعتبارها بنية مادية واجتماعية وإلا سنظل نراوح في نفس الخطأ في تقييم إبداع المرأة ؛ كما ستظل محاولات إقصاء النساء وتهميشهن مستمرة ؛ ومن باب الأمانة أقول لكم : أنني استخدمت في فترة مبكرة أساليب الثقافة الذكورية حتى أنني اتهمت في عدة مرات بالكتابة بقلم ذكوري ؛ في محاولة لإذابة الهموم النسائية في (أسيد) الهموم الجماعية مدعية أننا نتخندق جميعا في خندق واحد هو خندق القضايا الكبرى الإنسانية ... حتى صحوت من غيبوبتي بسؤال من شقيقي الأكبر طرحه عليّ : لماذا لا تكتبين عنكم .......... ؟ ففتح بسؤاله كل بوابات جهنم الفكرة في رأسي لكن الخجل والخوف من القوانين المجتمعية ؛ والخوف من سوء الظن وسوء التفسير كلها متاريس ربما أقمتها عامدة من أجل حصانتي الذاتية ... أو ربما أقامتها المرأة الأخرى بداخلي و التي تشاركني كل يوم تمردي وتدعوني للتعقل والرصانة؛ وعدم الخروج على الوعي القديم الذي كونه المجتمع والعائلة المثقل بالحساسية والأسى... ولا زلت حتى اللحظة عاجزة عن احتواء ذاك الوعي القديم بما يمدني بالسعادة والاحتفال المستمر بأنني أنثى ... ألاحظ ثورتي المنفجرة أمام سلوك قطعان النساء المتهاديات بزهو بأنوثتهن في تعزيز مستمر لجعلهن في وضع مستكين خانع ربما آخرها ما شاهدته في تجمعهن وتكدسهن على دكان يبيع جلابيب رديئة الصنع رخيصة الذوق لا لشيء الا لأن البائع كتب لافتة بخط يده : (جلابيات نانسي عجرم) والصق على كل جلابية : (آه .. ونص) أمام الثقافة العجرمية وتوق النساء لمزيد من استلاب وخضوع ماذا استطيع فعله ؟ وأمام اندفاع النساء للصحف( الموجهة للمرأة) والتي تجعل الحياة وليمة لا تنتهي وشموع وأزياء فقط دون أن تدخل مرة لعقول الفلاحات المزدحمات بالتعب .... وماذا أفعل أمام كتب على شاكلة موسوعة النساء التي تستمتع بها بناتنا ونسائنا دون أن يعرفن أنها حرب ضروس ضد المرأة ؛هل هو خطأي أن أعجز عن اللحاق بركب النساء المتنسونات بعدما خرب الوعي داخلي ؟ أم هو خطأ المثقفات الأمهات اللائي بدأن مشوار الخروج على الصمت وطرق أبواب التغيير والتحول ......... ؟ لا أدعي ارتدائي ملابس مقاتلين ولا أريد وضع قوانين جديدة لحماية أو مساندة النساء.. فالمقاتلة والمثابرة على وضع برامج عمل هو آخر ما يمثل متعة أو نشوة الإنجاز لدي ؛ لأن ما يعنيني بالدرجة الأولى هو : حل الإشكالية بداخلي اولاً وذلك بقطع الصلة نهائياً بين المرأة المحتشمة جدا التي تسكنني وترويض الأخرى الشرسة بداخلي والرافضة لقوانين قديمة بالية تصر على وضع الإناث موضع التعارض في القدرات والإمكانات ؛ بل واستصدار مزيد من الأفكار التافهة المعمقة لعزل النساء وتهميشهن وسلخهن عن مسائل جوهرية لا غنى عنها مثل :الرغبة بالحرية وحب الحياة والرغبة بالتفوق والنجاح.
كيف أستطيع إنجاز نصوص ليست متفجرة بالغضب ومشبعة بالإحساس بالضيم؛ ودون أن تضطر للإشارة بأنني امرأة في كل سطر...ومع ذلك تتجنب تلك النصوص المجابهة مع الرجال ؛ أو بمعنى أفضل أن نكتب الإبداع بعد تمييع الفروق البيولوجية التي نستشعرها كل دقيقة حتى نستطيع الكتابة عنها جيداً ... فالمخاض والولادة وما يرافقها من ألم لا يمكن لكاتبة ما إتقان وصفها بنفس القدر اذا كانت لا تزال مستعدة لخوض تجربة الولادة كفعل بينما تستطيع ذلك بمهارة من تنظر للموضوع باعتباره مرحلة منتهية من حياتها ...وهذا لن يحدث الا اذا تحررت الروح من سطوة الجسد ؛ وانفتح العقل برحابة وبقدر يتيح فهم كل المتغيرات الاجتماعية ؛ وبعد كل السرد الطويل سأذكركم بالعوائق المادية التي تواجهنا في الحياة العامة وفي التفكير فالأدباء الرجال بينما يتنقلون هنا وهناك لجمع الخبرات الاجتماعية والجنسية ؛ تضطر الكاتبة المرأة للتوقف عن لحظة الكتابة لتصنع لزوجها القهوة أو تقشر البطاطس ...ناهيك طبعاً عن الصعوبات الأكبر التي تواجهها النساء المشتغلات بالإبداع : والمتمثلة في إقصائهن عن النشر والكتابة وإرغامهن على التكيف على ما أنتجه الرجال .