صورة المرأة الثنائية في المجتمع العربي



محمد لفته محل
2011 / 8 / 22

ينظر المجتمع العربي للمرأة نظرة ثنائية، كعورة ومثيرة وهذه الثنائية واضحة في المؤسسات الإعلامية والتربوية وفي العقلية الشعبية والدينية والعشائرية، وهي ليست متناقضة كما تبدو في الظاهر بل هي منسجمة في المحتوى متوازية مع بعضها، لأنها من أصل واحد، وكل التقاليد والنصوص الدينية والشعبية والتربية الموروثة والمكتسبة تصنع وتسوّق صورة المرأة الخجولة المطيعة البريئة في الحب والرجال، صورة المرأة العورة والمشتهاة في كل شيء في صوتها ونظرتها وأصابعها ومشيتها وشعرها وملابسها وتفكيرها، وكل أزياء الحجاب والعباءة أو النقاب، الطويلة والعريضة حول جسدها التي تجعلها مخروط أسود ومخلوق بلا وجه، أو بربع وجه، تظهر المرأة عورة محرمة؟(1) حتى سميت المرأة بالحرم والحرمة؟(2) وتسوّق هذه الجهات ذاتها، صورة المرأة المغرية المثيرة بجسدها وصوتها وشعرها ومشيتها وملابسها وتفكيرها (كلعوب وماكر وضعيف)، وكل أزياء الملابس بشتى موديلاتها، الضيقة أو القصيرة حول جسدها، وكل صور المرأة أو تمثيلها في الإعلانات والدعاية أو في الغناء أو التمثيل تركز على أبراز مؤخرة المرأة ومفرق نهديها البارزين، وسيقانها الممتلئة المكشوفة، تظهر المرأة المغرية المثيرة؟ والجمال غير الإغراء كما تحاول أن تسوقه هذه الجهات بأنهما شيء واحد؟ وطبعا ِكلا الصورتين المتوازيتين معا تسلب إنسانية المرأة وشخصيتها وعقلها وتجعلها موضوع جنسي بحت! وتصّور الرجل كمريض مهووس لا يفكر إلا في جسد المرأة، فهي جسد محّرم ليس إلا، وهي جسد مغري ومثير كأحد شروط قبولها للرجل الذي يفضّل المرأة التي تصده وتثيره في نفس الوقت! أي التي تغريه بخجلها! فالمرأة عورة لأنها مثيرة وهي مثيرة لأنها عورة وهكذا تترتب وتتوحد مربعات الصورة المبعثرة، فالرجل يريد من المرأة أن تشبع رغباته وشهواته كجارية له، لهذا يريدها أن تكون مثيرة، لكنه في نفس الوقت يريدها له ملكه لوحده دون منافس أو شريك له، وأن لا تحب غيره أو تشبع رغباتها إلا منه، أو تساويه في حريته، فيريدها أن تكون عورة! لتتكشف وجهان العملة الواحدة، فالمرأة يجب أن تكون عورة حين تتجمل للآخرين، وهي يجب أن تكون مثيرة حين تتجمل له وحده! فأنانية الرجل هي وراء ثنائية المرأة العورة والمثيرة؟. فأصبحت المرأة تلبس الحجاب مع لبس الضيق أو الماكياج الصارخ، وتظهر العفة والخجل للرجل مع الجذب والتجمّل له تجسيدا لهذه الثنائية التي تصل إلى ليلة الدخلة حيث تتمّنع المرأة عن مجامعة زوجها ليجد لذة اكبر فيها بعد مقاومتها، وحتى يقتنع بعفتها وحيائها، محولة تمنّعها ومقاومتها إلى إثارة له. حتى تقمص المجتمع هذه الثنائية كشيء طبيعي وجزء من سيكولوجية المرأة بما في ذلك النساء أنفسهن دون الشك بصدق هذه القيم الذكورية المنحازة بحكم جنسها إلى نفسها، لأسباب تاريخية سياسية منذ أن هيمن الرجل على المرأة واستعبدها وحكمها حتى أصبحت كل التشريعات والقوانين وحتى الفلسفات والعلم أحياننا لصالح الرجل على المرأة، تسّوق تفوق الرجل الفكري والبدني عليها في كل المجالات إلا التي تخدم مصالحه كالأمومة التي حصر قيمة المرأة بها فقط، لأنها تحفظ نسله.
إن عزل الرجل عن المرأة فاقم هذه الثنائية بدل حلها إذ أصبح التعطش الجنسي أكثر بينهما، فالمرأة تصد الرجل الذي يحبها أو الذي تحبه لكي يحبها دون أن يشك في عفتها وشرفها! بل إن المرأة حوّلت خجلها وحيائها وصدّها إلى مصدر جذب للرجل لأنه يفضّل المرأة التي تصده! وحين يسأل الرجل المرأة هل تحبه أو تقبل الزواج به؟ تخجل وتسكت لأن السكوت هنا علامة القبول! وطبعا يمكن لأي امرأة أن تمثل هذا الدور دون أي اعتبار للحب أو الانسجام نتيجة هذه الثنائية، حتى أصبح الجنس هو الرابط والجامع الوحيد بين الرجل والمرأة سواء كان زواج أو علاقة صداقة كانت أم زمالة، حبا كان أو إعجاب سواء، لأن العلاقة بينهما قد أفرغت من أي محتوى إنساني نتيجة هذه الثنائية. إن كثير من الزيجات تفشل أو يشوبها التوتر والعنف وعدم الانسجام لكنها تبقى مستمرة كالمومياء، بسبب هذا العزل وهذه الثنائية الغير طبيعية التي تسوق المرأة بهذا الشكل المفتعل الذي أشرت إليه.
هناك ثنائية أخرى لصورة المرأة إنها ثنائية المرأة المستعبدة بالعلن والقائدة في الِظل للرجل في مجتمع ذكوري أبوي! تسيطر عليه الموروثات والقيم والعادات التقليدية السلفية خصوصا فيما يتعلق بالمرأة التي تكاد تشكل بؤرة (التابو) وحقوقها دائما منقوصة رسميا ومهدورة شعبيا، ُمستعبدة من الرجل فكرا وجسدا وإرادة وهي تابعة للرجل أدنى منه منزلة اجتماعية في الأسرة والعمل والمجتمع بحيث أصبحت شتيمة أن ُيلقب الرجل بالمرأة (3)، وإن الرجل الذي يتبع امرأة أو يخضع لها، فهو منقوص الرجولة أو جبان أمام المجتمع، رغم كل هذه الانتهاكات البشعة إلا أن هناك كما أشرت ظاهرة المرأة التي تحكم زوجها أو الرجل بصورة عامة في الوقت الذي يعلن الرجل سيادته وتفوقه عليها! وهذه السلطة الِظل غالبا ما تكون غير معلنة وغير مباشرة باستخدامها للبكاء والتظلم أو الدلال والزعل أو الإيحاء والإلحاح أو الحيلة والكذب مستغلة عاطفة الرجل نحوها باعتقاده بضعف المرأة! التي حولت هذا الضعف المفترض إلى مصدر قوة تقود بهِ الرجل على إنه الحامي والمنقذ والفارس وإنها الضعيفة والضحية التي تحتمي به وتأتمن بوجوده ولا تعيش بدونه ولا تحيى إلا له، مُصورة نفسها على إنها المستغيثة في حين إنها المُحرضة والمُحركة له، والمشاكل التي تحدث بسبب تحريض المرأة للرجل لا تحصى في مجتمعنا العربي. وهذا الرجل التابع لقيادة المرأة سواء كانت زوجته أو أمه معلنة كانت أو مستترة هذه السلطة، يرفض أن يتهم بهذه التهمة حتى لو كان مقتنعا بالمساواة أو اعتقاده بصواب المرأة عليه، باعتبارها انتقاص من رجولته أمام المجتمع، والمرأة ذاتها تحتقر الرجل الذي تقوده هي أو تقوده امرأة أخرى بسبب النظرة الاجتماعية لتفوق الرجل وأهليته لقيادتها، وكنوع من الانتقام من هذا التفوق المزعوم، لهذا ترغب المرأة أن تكون ذكرا لانحياز القوانين والتشريعات له أو لأن فيها طاقات لا يسمح بها المجتمع إلا للذكر.(4) والثنائية تصل إلى قدرات عقلها فهي ناقصة العقل عاطفية لكنها ماكرة بالحيلة والخداع وذات كيد عظيم تستطيع خداع أكبر رجل! والقصص الشعبية حافلة بالحكايات التي تجسد هذه الثنائية ابتداء من أسطورة آدم وحواء، التي تدين المرأة بتحريض الرجل على عصيان ربه، ولعل خضوع الرجل للمرأة يرجع لأسباب طفولية في السعي لاسترضاء الأم لنيل رغباته ورعايتها له، بسبب نمط التربية الذكوري الذي يحدد وظيفة المرأة بالأمومة دون مشاركة الرجل لها ما يجعل الطفل شديد التعلق بأمه، فيكون ضعيف الشخصية في المستقبل يبحث عن شخص أمه في المرأة التي يختارها للزواج ليخضع لها كما كان طفلا لأمه، وكثير من الرجال يُحب أن ترعاه زوجته كأحد أطفالها، والمرأة بحدسها تتقمص دور الأم في معاملة زوجها ليطيعها مقابل تحقيق رغباته، بالتالي فالمجتمع الذكوري الذي ينحاز لتفوق الرجل على المرأة هو الذي يربي رجال ضعاف الشخصية أمام النساء ويربي نساء تشعر بالدونية رغم مساواتها أو تفوقها على الرجل أحياننا، بسبب هذا النمط الأحادي من التربية.
إذا رجعنا إلى أصل الثنائية التي كادت أن تأخذ وجودا ميتافيزيقيا، نجد إنها تنشأ من قراءة منحازة أو نفعية أو مؤدلجة للواقع لكنها بطبيعة الحال لا تلغي الحقيقة بذاتها الغير معترف بها، والتي تبقى مؤثرة بالفرد بالتوازي مع الحقيقة المفترضة التي ورثها أو اكتسبها، فتظهر ثنائية السلوك والتصور تجاه الموضوع الواحد.
ـــــــــــــ
1ـ هذا المنطق الأعور يتجاهل حقيقة أن الرجل يغري المرأة أيضا بنظراته وغزله ومعاكساته وملبسة وبجسمه دون أي قيود أو تحريم.
2ـ ولا يجوز ذكر أسمها الصريح بل الإشارة لها كأخت أو زوجة (أم فلان) مع كلمة (العرض واحد) في المجتمع العراقي، وحتى حين تموت المرأة لا يذكر أسمها بل يذكر أنها (عقيلة فلان أم فلان!).
3ـ والشتائم بصورة عامة تتمحور على تصوير عضو المرأة التي تقرب للشخص المشتوم كأن تكون أمه أو زوجته أو أخته أو أبنته، في حالة جماع مع عضو الشاتم أو أي عضو ذكري. وكأن الفعل الجنسي بذاته هو انتصار وتفاخر وتباهي للرجل، وانكسار وإذلال للمرأة، ليس وحدها وإنما للذي يقرب لها أيضا يصبح موضع سخرية وتحقير! لهذا يشعر الرجل بالإهانة، بل أن الرجل مجرد أن يمارس الجنس مع ذكر آخر ويكون بموضع الأنثى معه أي الذي يتلقى العضو الذكر بمؤخرته، يصبح مصدر إذلال وعار، ويكون الآخر الذي ولج عضوه بالمتلقي مصدر قوة وافتخار؟ فعضوا المرأة الجنسي مُسفل بالنسبة لعضو الذكر لا لشيء إلا لكونه معاكس له! لكنه كواقع مُكمل له، يكمل احدهم الآخر، لأن العلاقة الطبيعية بينهما التكافؤ وليس علاقة السالب بالموجب كما يستعمل في أدبيات الفكر ألذكوري النرجسي التي تعود في أصولها النفسية إلى عقدة الخصاء عند الطفل حين يعتقد أن البنت مخصيه بعد أن كانت تمتلك عضوا أصبحت ناقصة العضو، والثنائية نجدها هنا أيضا، فالرجل الذي يتباهى بقوته الجنسية وتفوقه على المرأة وإذلالها، يعترف بأن قدرة المرأة الجنسية تتفوق عليه بسبعة مرات وأنها تستطيع إرهاق أي رجل جنسيا دون تعب!.
4ـ من الطبيعي حين يقلد الرجل المرأة بالشكل أو بالتصرف أو حتى وظائفها المنزلية يكون عارا وشاذا ومحتقرا، لأنه تنازل عن مكانته العليا بالنسبة لها بحسب المنطق ألذكوري؟ ولكن حين تقلد المرأة الرجل بالشكل أو التصرف أو المهنة تصبح شاذة منبوذة أيضا! لسد أي محاولة لها للالتفاف على القوانين الذكورية للمساواة معه.