المرأة والانتفاضات العربية .... مقاربة قائمة على الحقوق



وسام جلاحج
2011 / 8 / 27

في كثير من الأحداث و المتغيرات التي تصيب الشعوب ، قلما تناول الناشطون و الباحثون و الفاعلون في المجتمع ، تأثير تلك الأحداث على واقع النساء في مجتمعاتهم . حيث كان ينظر دائما إلى موضوع حقوق المرأة على أنه من القضايا الثانوية أو غير الجوهرية و التي ستحل تبعا لحل القضايا الأساسية الكبرى في المجتمع . وحتى أن قسما كبيرا من نشطاء حقوق الإنسان كان يضع هذه المسألة في أدنى سلم أولوياته أو لا يعتبرها ذي أهمية تذكر .
وهذه الطريقة الإقصائية في معالجة المسائل المستجدة المثارة من جانب القادة الجدد في المجتمعات ليست حكرا على المنطقة العربية ، فمنذ الحرب العالمية الثانية و ما خلفته من آثار كارثية وعملية إعادة بناء ما هدمته الحرب، طرح موضوع هل للنساء مصالح واحتياجات تختلف عن مصالح واحتياجات الرجال في سياق عملية التنمية و الإصلاح و التغيير .
لقد اعتبر الكثير من قادة الثورات و منظريها أن آثار و منافع الثورة لا بد أن تنعكس على جميع أفراد المجتمع دون استثناء أو تمييز . فإنجازات الثورة ومنافعها لا بد أن تصيب جميع مؤسسات وهيئات ومنظمات الدولة الحكومية وغير الحكومية ، ولا بد في النهاية أن تشمل جميع البنى الاجتماعية وتصل إلى كل فرد فيها دون استثناء .
إن هذه المقاربة الخاطئة للمسالة والتي لم تأخذ بعين الاعتبار الحاجات المختلفة للنساء و الرجال و قدرة كل منهم على ممارسة حقوقه و الصعوبات الموضوعية و القانونية التي تمنع النساء من الوصول للموارد و من تمتعهن بحقوقهن ، خلفت آثارا كارثية ما زالت تعاني منها معظم النساء في أنحاء متفرقة من العالم .
وأهمية هذا الطرح يمكن استشفافه ونحن على أعتاب متغيرات و ثورات تعم أغلب المجتمعات العربية . فمن تتبع معظم البيانات و التصريحات الصادرة من النظام أو المعارضة ، نجد إن قضية المرأة تحتل حيزا ضيقا في هذا الصراع الدائر بين الطرفين . وإذا استثنينا بعض الخطابات و الكلمات التي حاولت أن تعيد قضية المرأة إلى الواجهة ، فإن معظم ما كتب أو قيل في هذا السياق لم يكن أكثر من محاولة لملامسة الموضوع خجلا دون معرفة كيفية تحويله إلى آليات عمل حقيقية على أرض الواقع . فالعنف و الاستبداد الممارس في أغلب هذه البلدان كان للنساء الحصة الأكبر فيه عن طريق استبعادها من مراكز صنع القرار وعن طريق جملة من القوانين التي كانت ولا تزال تحرم المرأة من حقوقها الأساسية التي نصت عليها الشرعة العالمية لحقوق الإنسان .
والمثال الأبرز في هذا السياق ، جملة من القوانين التي يتم تداولها حاليا في كثير من الدول العربية و المتعلقة بالأحزاب و الانتخابات و الإعلام و التظاهر و غيرها ، وقد يكون أهمها مسألة تعديل أو تغيير الدستور.
لقد ظن البعض أن مجرد طرح أي قانون لا يتضمن أية نصوص تميزية واضحة وصريحة كاف بحد ذاته لتحقيق المساواة المنشودة . وعبارة أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق و الواجبات والتي ينص عليها الدستور ، هي الدواء لكل الانتهاكات التي تتعرض لها النساء و هي الضمان لتمتعهن بحقوقهن على قدم المساواة مع الرجال . للأسف إن واقع الحال يشير إلى ما يناقض ذلك بحيث أن تلك القوانين والنصوص زادت من معاناة المرأة و مشاكلها.
لا شك بأن الدستور و القانون هم أهم الركائز لبناء مجتمع المساواة ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحقيق المساواة داخل المجتمع دون وجود قاعدة قانونية يستند عليها . ولكن المساواة المطلوبة اليوم في بنية النظام القانوني لا بد لها أن ترتكز على جملة من القواعد : النص القانوني ، و الوسائل اللازمة للتمتع بالحقوق الواردة في هذه القوانين ، وأخيرا صياغة آليات تضمن أن نحصل على نتائج متساوية لناحية تطبيق النص القانوني .
فأولا ـــــ ومن حيث النص القانوني ـــــ يجب أن ينص الدستور بشكل واضح وصريح لا يقبل اللبس أو التأويل على أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون وفي جميع بنوده و أحكامه .
لقد فسر بعض فقهاء الشرع و القانون عبارة المساواة أمام القانون بعيدا عن مآربها ، فبرأيهم أن القانون يمكن أن يتضمن نصوصا تمييزية دون أن يشكل ذلك تعارضا مع المادة السابقة في الدستور . فالمساواة أمام القانون كما طرحوها تعني بأن القانون يطبق على جميع المواطنين رجالا ونساء سواء دون تفرقة ، دون الحاجة إلى أن تكون جميع نصوص القانون وبنوده وأحكامه تتضمن المعاملة ذاتها . فقوانين الجنسية و الأحوال الشخصية و العقوبات تتضمن نصوصا تمييزية دون أن يشكل ذلك حسب زعمهم تعارضا مع الدستور.
فقانون الجنسية مثلا يطبق على جميع المواطنين دون تمييز ، فالجميع أمامه سواء، رغم أن القانون نفسه يمكن يتضمن نصوصا واضحة تمييزية تعطي الأب وحده حق منح جنسيته لأطفاله دون الأم . لذلك فالمطلوب اليوم طرح مفهوم جديد للمساواة داخل المنظومة القانونية للدولة لا يقبل اللبس أو التأويل بأن هذه المساواة تعني المساواة أمام القانون وفي جميع بنوده وأحكامه ، أي أن النص القانوني نفسه وجميع مواده لا يجب أن تتضمن أحكاما ومعاملة تمييزية بأي حال من الأحوال . و بعبارة أخرى يجب تحقيق المساواة في صلب النص القانوني وتطبيقه على النساء والرجال دون تفرقة .
أما قضية إيجاد الوسائل اللازمة للتمتع بالحقوق الواردة في هذه القوانين ، فتعد من أكثر المسائل إشكالية وإثارة للجدل في عصرنا الراهن وخصوصا لدى المتحفظين و الممانعين لتحرر المرأة . فقد اعتقد البعض أن واجب الدولة ينتهي عند إصدار القانون ، وعلى النساء أنفسهم البحث عن أنجع الطرق للاستفادة من هذا القانون .
إن هذا الطرح هو حق يراد به باطل ، فقد أدرك معظم الممانعين لتمتع المرأة بحقوقها ، إن المشكلة ليست فقط بالنص القانوني ،و إنما بكيفية التمتع و الاستفادة من هذا القانون . فعلى سبيل المثال صدر في مقاطعة أحد البلدان قانون يسمح للنساء بممارسة الرياضة و الاشتراك بالألعاب الرياضية ، رغم معارضة أغلبية الرجال في هذه المقاطعة لذلك. و بعد مرور فترة من الزمن لاحظ نشطاء الجمعيات الأهلية عدم مشاركة أو ممارسة أي من النساء في تلك المقاطعة لأي رياضة على الإطلاق، وذلك لعدم وجود ملاعب أو نوادي مخصصة للنساء أو تسمح لهن من الدخول إليها . وعلى ذلك بقي القانون عمليا دون أي فائدة ترجو منه لعدم أيجاد الوسائل التي تمكن النساء في هذه المقاطعة من الاستفادة والتمتع بالحقوق التي منحها إياها هذا القانون.
وعليه يقع على الدول و الحكومات حسب المادة الثالثة من اتفاقية سيداو واجب اتخاذ كافة التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع ، لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين .وذلك لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة الكاملة مع الرجل .
فاليوم من أجل إيجاد بيئة قانونية متساوية لا يكفي أن نقوم بسن القوانين ، وإنما يجب علينا تأمين كافة الوسائل و الموارد و الإمكانيات لإتاحة الفرص أمام النساء بالتمتع بهذه القوانين على قدم المساواة مع الرجال . فقانون الأحزاب و قانون الانتخابات و إن لم يتضمنا نصوصا تمييزية بشكل واضح وصريح ، إلا أن تطبيقها قد يؤدي إلى إجحاف كبير بحقوق المرأة يحرمها من ممارسة حقوقها بذات السوية مع الرجل .
وعليه فقد كان على واضعي قوانين الأحزاب و الانتخابات ، دراسة وتحليل وضع النساء داخل مجتمعاتها وهل هن بحاجة لنصوص خاصة تمكنهن من ممارسة حقهن في الترشح و الانتخاب و التصويت و الوصول إلى مختلف المجالس المحلية و النيابية على قدم المساواة مع الرجال ، وهل كانت هناك حاجة إلى قواعد ونصوص خاصة تجبر الأحزاب على ضمان حصة معينة للنساء في جميع المناصب القيادية و الفرعية داخل هذه الأحزاب أو نصوص تلزم بأن لا تقل نسبة النساء في هذه الأحزاب عن نسبة معينة .
إن اتخاذ مثل هذه الإجراءات لا يعد تمييزا طالما هو يساعد على تحسين وضع وظروف النساء داخل المجتمع و يسرع من عملية تمكينهن من ممارسة حقوقهن على أكمل وجه . لقد نصت المادة 4 من اتفاقية سيدوا على حق الدول في اتخاذ إجراءات وتدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بتحقيق المساواة ، حيث أن اتخاذ هذه الإجراءات لا يعد تمييزا طالما هي مؤقتة ولتحقيق هدف معين هو تحقيق التكافؤ في الفرص و في المعاملة .
وفي النهاية و بعد إصدار القوانين و إيجاد الآليات المناسبة التي تسمح للنساء من الاستفادة والتمتع بهذه القوانين ، لا بد من إجراء عملية مراجعة وتقيم للنتائج للتأكد من أن الجميع نساء ورجالا يستخدموا و يستفيدوا من هذه القوانين أو الإجراءات بذات السوية و لدراسة الصعوبات والعقبات التي تحول أو تعطل تمتع النساء بحقوقهن الواردة في هذا القانون .
إن عدم وضع الشباب الثائر اليوم الطامح للتغيير المقاربة القائمة على التساوي في الحقوق نصب أعينه ، من خلال النص القانوني والدستوري ، ومن خلال إيجاد كافة الآليات و الوسائل التي تمكن وتسمح للنساء من التمتع بهذه القوانين والأنظمة و التعليمات ، وبتبني عملية التقييم والمراجعة المستمرة لضمان أن تكون نتائج تطبيق هذه القوانين هي واحدة على جميع أفراد المجتمع دون تمييز ، سيؤدي إلى زيادة معاناة النساء في مجتمعاتنا وهن المشاركات بفاعلية مع الرجال في ثورة التغيير التي تجتاح بلداننا . إن هذه المقاربة هي الضمانة الحقيقية للوصول إلى مجتمع المساواة المأمول، وأي مقاربة أخرى اليوم تحت أي مسمى أو عنوان لن تكون إلا تكريسا للعقلية البطرياكية الأبوية التي كانت و ما زالت السبب في تخلف بلداننا عن طريق إقصاء نصف المجتمع وتهميشه .