المرآة العراقية وتحديات المستقبل



كاظم الشاهري
2003 / 5 / 28

  هذه المقالة نشرتها في موقعي الحوار المتمدن والنهرين في السنة الماضية وبالتحديد بتاريخ 28-8-2002 وبعد التحرير او الاحتلال فاني ارى ان اهمية اعادة نشرها قائمة وخصوصا بعد بروز قوى الظلام ورمزهما محمد الفرطوسي وكاظم العبادي وايضا امثالهما في جامعة البصرة ، اما الذين لم تنقل لنا وسائل الاعلام تصريحاتهم في بقية المدن والقرى العراقية لانهم اعضاء احتياط في فريق الفرطوسي والعبادي . فانني اتوقع في القريب العاجل من خروج ( نشمية )  عراقية توجه لهم  ( نطحة ) قوية وتعيدهم من جديد الى موائد الثريد واحكام الحيض والنفاس . وكفا الله المؤمنين شر القتال .  

المرأة العراقية وتحديات المستقبل

                                                                                                                       

مسكينة هي المرآة . وبالاخص العراقية منها.
 فعلى مايبدو ان الذين يامنون بالدور الثانوي للمرآة في الحياة الدنيا يتعاملون معها ايضا بنفس الطريقة في الحياة الآخرة . فهي سلعة وهدية وموضع لرغبة الرجل ونزواته الحسية في الحياتين .

كنت استمع للحوار الممتع مع الاستاذ فايق الشيخ علي في غرفة البرلمان العراقي ، على البالتوك.
ومن اجل التعبير عن الشكر والامتنان للسيد فايق اهداه احد الحضور بوصفه ( سيد وشيخ معمم ) اربعين امرآة في الحياة الاخرة . وهي هدية ادهشت الاستاذ فايق في الحقيقة واثارتني ايضا من اجل كتابة هذه المداخلة القصيرة .
من الجدير بالذكر ان الدولة العراقية اول دولة عربية تستوزر امرآة في حكومتها واقصد وزارة الدكتورة نزيهة الدليمي في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم . ولكن هذا لايعفينا اطلاقا من ان المراة في مجتمعنا لم تحصل على القليل القليل من حقوقها على الرغم من ان ظاهرة الكتورة الدليمي واستوزارها كان من المفروض ان يكون محفزا لنا وللمرآة خصوصا بالمطالبة بحقوقها .
وعلى مايبدو كانت ظاهرة الدكتورة الدليمي حالة استثنائية ولم تكن نتيجة لتطور المجتمع العراقي فكريا واجتماعيا ، بل ان الواقع يثبت  العكس تماما . فما زال وضع المراة في المجتمع العراقي وضعا مأساويا وفي حالة انحدار دائم . ففي مناطق عديدة من العراق ، توهب المرآة  كوضع حد لخصومة بين عائلتين كما هو معروف عندنا ب ( الفصل ) والمرآة تسمى في هذه الحالة ( فصلية )
ومازالت المراة تهدى ايضا وقد نكون قد سمعنا عن حالات كثيرة يهدي فيها الاب ابنته الى رجل دين او وجيه تعبيرا عن الامتنان .
اما القانون العراقي ففيه تاكيد واضح على الغاء المرآة . وان الاكثر دهشة لم يتصدى احدا سواء كان في الداخل او في الخارج لذلك القانون واقصد على وجه الخصوص فقرة او احكام  ( غسل العار ) وهي حالة قتل متعمد يتم التغاضي عنها لابل يعتبر فاعلها بطلا وهو قانون فيه اهانة للرجل حيث يوضع شرفه بين فخذي المراة وليس شرفه في الصدق ولااخلاص والعمل المثمر والابداع والايثار وغيرها .

بدأت الحضارة الانسانية بتقديس المرأة ، واتخذ الهة منها .
بيد ان هذا الدور لم يستمر طويلا ففي المراحل اللاحقة من الحضارة تراجع دور المراة . ويحدد الكثير من علماء الحضارات القديمة انحسار دور المراة وتهميشها الى العصر الزراعي ويرجعون ذلك الى ما تحتاجه الزراعة من قوة بدينة يمتلكها الرجل وما تحتاجه الحقول ايضا للدفاع عنها وصد هجمات الاقوام الغازية التي يستجدم فيها بأس الرجل وقوته البدنية .
وجاءت المراحل اللاحقة من الحضارة لتؤكد الوضع السلبي والمهمش للمرآة حتى العصر الصناعي الحديث التي بدأت فيها المصانع تحتاج الى المهارة والطاقة الذهنية والايدي العاملة الى زج المرآة مرة اخرى في العمل ومع هذا العصر بدات حركات التحرر النسوية تنبثق وتنشط واخذت المرآة وخصوصا في المجتمعات الصناعية من استعادة دورها الحقيقي في الحياة ، كما بدأت .

في السنوات الاخيرة وفي هذه الفترة بالذات التي وصلت فيها معركة الشعب العراقي مع الطاغية صدام الى اقصى مراحلها . وتوزع الملايين من العراقيين في المنافي ، انبثقت تيارات فكرية وفنية وادبية وحركات واحزاب سياسية جديدة لم تكن معروفة في الساحة العراقية بقواها التقليدية القديمة .
ومن الغريب ان المرآة العراقية التي شاركت الرجل نصيبه من الظلم والمواجهه ، بقيت سلبية حتى هذه اللحظة  فلم نسمع عن اصوات او حركات نسوية عراقية تتخذ من ظلم المرآة قضية لها و تستثمر هذا الوضع الذي يبدو فيه ان الدولة العراقية القادمة هي الان في مراحل بنائها وتاسيسها من جديد بعد ان اادرك الجميع خطلها التي انشات عليه في السابق . وهذا وضع يعتبر في الواقع فرصة ذهبية للمرآة اذا ما ارادت ان تضع قدمها في الموقع الصحيح وان تبدا في المطالبة بحقوقها كاملة من الان .
اننا كشعب في كل المراحل السابقة واللاحقة نحتاج فيه الى تحرير الرجل . الرجل نفسه الذي سيكون قادرا على هضم حقوق المراة وانسانيتها في الحياة .
ان تحرير الرجل من اوهامه ومطلقاته الثابته واحدة من مهمات المراة العراقية القادمة . المرآة التي ترفض فيه ان تكون هدية او سلعة او قطعة زينة على رفوف الرجل الذي استسلمت له من ازمنة طويلة وقنعت بما يعطيها من سخائه ان كان سخيا حقا .
ويوزعهن ( شيخنا ) عطاءات ليس في الحياة الدنيا فقط بل وفي الحياة الاخرة ايضاً.

                                                         
             28 / 8 / 2002
                                                                                      الولايات المتحدة