نقابة الصحافيين والمهمات الصعبة



دنيا الأمل إسماعيل
2011 / 9 / 29

اختلف الصحافيون وتباينت وجهات نظرهم حول شرّعية مجلس النقابة الحالي، وتراوحت مواقفهم بين المقاطعة المطلقة أو الاحتواء الكامل، وبين هذين الموقفين كان ثمة موقف ثالث، وسطي، يرتأي في ضرورة إصلاح أوضاع النقابة وإعادة هيكلّتها وفقاً لاعتبارات مهنية بالدرجة الأولى مدخلاً أساسياً لإصلاح البيت الصحافي؛ لكنّه لم يكن بالموقف الفاعل والمؤئر لأسباب متعددة.
غير أنّ ما ينبغي الانتباه إليه هنا أنّ النقابة بمجلسها ( غير الشرعي) بقيت وواصلت إدارة أعمال النقابة على مدار عام ونصف تقريباً وسط المعارضين والمساندين والصامتين.
هذا التقرير يقدم قراءة نقدية عامة لأداء نقابة الصحافيين في ملفي العضوية والحريات الصحافية، خلال الفترة من فبراير 2009 وحتى نهاية مايو 2011، أي منذ تشكيل مجلس النقابة الحالي والذي سمي بالمجلس المؤقت.

أولاً في مجال العضوية:
يعد هذا الملف من أكثر الملفات جدلاً للإثارة بين الصحافيين ونقابتهم، وهو أيضاً أكثر الملفات التي تتعرض للانتقاد والتشكيك بنزاهة القائمين عليه، سواء كانت لجنة العضوية أو المجلس برمته، بسبب عدم وجود معايير واضحة ينم على أساسها تحديد الحق في عضوية النقابة، وهو أمرٌ ليس جديداً، بل يثار منذ أول انتخابات جرت للنقابة بعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية وحتى يومنا هذا، ويبدو أنّ هذا الملف الشائك سيبقى على حاله من عدم الوضوح والتقديم المتوالد لتبريرات غير مقنعة سوى لأصحابها، وهو تبرير يسمح بتمرير بعض الأسماء غير المحسوبة على الصحافيين كما يسمح أيضاً بإجراء عمليتي انتقاء وفرز لهوية الصحافيين المرغوب في عضويتهم، وعلى الرغم من أنّ مجلس النقابة كان دائماً ما يؤكد على حق الصحافيين( الذين تنطبق عليهم الشروط) في عضوية النقابة، إلاّ أنّ الممارسات الفعلية، كانت تشير بشكل واضح إلى وجود عملية إدارة ممنهجة لآليات الاختيار على أساس غير مهني في كثير من الأحيان، وهو ما أثبتته الانتخابات الأخيرة، التي لم تجرِّ في قطاع غزة. فقد تم قبول أو تجديد عضوية بعض الصحافيين بالتوافق مع بعض الأحزاب، ودون استشارتهم ومنهم كاتبة هذا التقرير، التي تم تجديد عضويتها دون علمها بالتوافق مع فصيل سياسي، اعتقد مجلس النقابة السابق أنني قريبة منه. وقد تكرر الأمر ذاته مع عدد آخر من الصحافيين والصحافيات.
وفيما يخص قبول العضوية؛ فقد تم قبول ملفات عضوية ظلت مرفوضة سنوات طويلة تحت دعاوى متعددة، قم جرى قبولها قبل( الانتخابات) الأخيرة مباشرة بتوافق حزبي أيضاً، وهو توافق قدم لنا أسماءًا ينبغي التأني أمام الدور الذي يمكن أن تؤديه لخدمة العمل الصحافي وهي تقترب أو تتجاوز عمر الستين وتشغل منصب عضوية مكتب سياسي لحزب ( تقدمي)ـ، والأدهى من ذلك أنه لا يجد غضاضة في قبول ذلك، كما أنّ النقابة لم ترفض عضويته والسبب المحاصصة الحزبية.
إنّ غربلة ملف العضوية، حقيقة لا شكلاً ، فعلاً ... لا قولاً هو المطلب الأول لغالبية الصحافيين، - على اعتبار أنّ من يرفضون فتح هذا الملف هم مستفيدون من هذه الأوضاع التي تسمح لهم بأن يكون ( صحافيون). وربما يجب هنا أن يستفتى الصحافيون أنفسهم على معايير العضوية في نقابتهم ، لا أن يكون ذلك حكراً على مجموعة ضئيلة منه قد لا تمثلهم التمثيل الحقيقي ولا تعكس مصالحهم.

ثانياً: في مجال الحريات الصحافية:
يعد مطلب تعزيز الحريات الصحافية و الإعلامية من المطالب الحاضرة بقوة في الخطابات الإعلامية والصحافية. غير أنّ هذا الحضور القوي خطابياً لا ينعكس بشكل إيجابي على أوضاع حرية الرأي والتعبير في المجتمع الفلسطيني. والحق أنّ هذا الأمر لا يعود إلى قصور فقط في أداء ومهمات نقابة الصحافيين، بقدر ما يعود إلى جملة من الأسباب السياسية والقانونية والمجتمعية والمهنية. غير أنّ ذلك لا يبرر بالمطلق تقاعس النقابة عن ممارسة دورها في الدفاع عن حرية الرأي والتغبير ليس لأعضاء النقابة فقط ولا للصحافيين والصحافيات فقط ولكن لكل أفراد المجتمع بلا تمييز.
صحيح أنّ الصحافيين والصحافيات يدفعون ثمناً باهظاً لإيصال رسالتهم، لكنهم أيضاً قد يساهمون بشكلٍ أو بآخر في استمرار واقع انتهاك الحريات الصحافية ، كما أنّ الاستقواء بجهات غير نقابة الصحافيين لاستعادة الحقوق والحريات أضعف النقابة كثيراً، لكنه أيضاً جاء بعد اختبار متعدد للثقة أجراه الصحافيون للنقابة وغالباً ما فشلت فيه.
إنّ حماية الحريات الصحافية، ليست عملاً دعائياً ولا خطابياً ، بل يجب أن تشكّل واحدة من أهم أولويات تحسين بيئة العمل الصحافي، وهي مهمة أولى بنقابة الصحافيين أن تضطلع بها، وأن تبادر باتخاذ خطوة أولى في هذا المجال، تتجاوز بيانات الشجب والإدانة إلى ساحة الفعل الحقيقي، الذي لا ينحصر في عملية رصد الانتهاكات – على أهميتها- ونشر أعدادها في بيان اليوم العالمي لحرية الصحافة، وإنما أيضاً العمل على وقفها وملاحقة القائمين عليها قانونياً وإعلامياً حتى تتكامل مع المؤسسات الحقوقية؛ لا أن تتفوق الأخيرة عليها.

بقي أن نقول أنّ نقابة الصحافيين – مهما اختلفنا حولها- يجب أن تبقى بيتاً للصحافيين الفلسطينيين مهما تنوعت مشاربهم واختلفت توجهات ما داموا يحترمون قواعد المهنة وأخلاقياتها، وأنّ انتقاد أداء النقابة لا يهدف سوى إلى الارتقاء بهذا الأداء لتمارس دورها الحقيقي والفاعل في خدمة الوطن والعمل الصحافي.