أزمة المرأه العربيه 2



سامح سليمان
2011 / 10 / 14

المرأة كانت ومازالت أكثر فئات المجتمع تمييزًا وسحقًا!
ابتداءً من أمثالنا الشعبية المقدسة (المرأة اسمها حرمة لأن الله حرمها من العقل) (أكسر للبنت ضلع يطلع لها أربعة وعشرين) (المرأة مثل السجادة ما بتنظف إلا بالتخبيط) وطرقنا القويمة في التربية بتمييز الولد عن أخته بجعله المهيمن والمسيطر والسيد المطاع حتى وإن كان يصغرها في السن أو أقل منها علمًا أو فكر وثقافة، وإعطاؤه الشرعية في ضربها وشتمها حتى أمام أصدقائها إن أخطئت أو لم تحسن التصرف. وإن كان الولد على درجة جيدة من الوعي والإنسانية وعامل أخته معاملة الند بالند اتهمناه بأنه (دمه بارد أو معندوش نخوة أو ديوث) وتوجد بعض الأسر التي تمنح حق التأديب لأبن العم أو الخال أو أحد الجيران أو الأقارب بصفة عامة أو ربما عابر سبيل! وتكافئه الأسرة بأن تشكره وتتمنى له الأجر والثواب!!
(في أغلب المجتمعات العربية نحرص على أن نعلم المرأة فن الخضوع فهي مخلوق ناقص يجب أن يبقى تحت الوصاية وصاية الأسرة أو الزوج أو حتى الأبناء ويجب عليها أن تعمل لإرضاء سادتها فهم الأعلم والأعرف يجب أن ينكر عليها حق الاختيار ويجب عليها أن تقبل بالخضوع للعادات والتقاليد حتى وإن كانت ظالمة) (سهام فوزي: الحوار المتمدن).
حتى في شتائمنا، عندما يريد أحدنا شتم الآخر وإذلاله لا يجد أفضل من أن يقول له:
(يا مرة، أو يتهمه بالخنوثه، أو شتمه بأعضاء أمه أو أخته الجنسية)!

* صورة المرأة في الإعلام:
هي العاهرة أو الراقصة، المنتظرة سفر زوجها أو مرضه لتبحث عن عشيق، المريضة بالشبق الجنسي والتي تغوي مَن يعجبها من الرجال، ولا تهدأ إن رأت فحلاً ذو عضلات مفتولة وإن لم يرضخ لها ثارت ودمرته.
فالمرأة بالنسبة للكثير من كتاب ومنتجي ومخرجي الدراما والإعلان ليست سوى كائن جنسي وجسد وإناء لإفراغ شهوة الرجل.
(تكفي قراءة العناوين التالية للأفلام المصرية للتعرف على صورة المرأة في هذه السينما: المرأة التي غلبت الشيطان، الشيطان امرأة، البنات والمرسيدس، جحيم امرأة، العذاب امرأة، وتعبر هذه العناوين عن رغبة المخرج في اجتذاب المتفرج عن طريق الإيحاء بالأفكار السائدة عن المرأة، فهي مخادعة ولا تريد سوى الزواج أو المتعة أو النقود والشهرة والغنى).
(الإعلام وقضايا المجتمع: أ.د.سوزان القليني - د.منى حافظ)

ذلك بخلاف تصويرها في الكثير من الأفلام ككائن لا يستحق ولا يصلح لتهذيبه سوى الضرب والإهانة بل وتستمتع أيضًا بذلك.
(ويتجلى هذا التصوير الكاذب بوضوح في الفيلم التافه والمبتذل جدًا (آه من حواء) بطولة الفنان رشدي أباظة والفنانة لبنى عبد العزيز حيث يقوم البطل المغوار بتقويم سلوكها عن طريق استخدام أحقر الأساليب بمساعدة جدها!!
وفعلاً ينجح في ذلك وتعشقه البطلة وتتزوجه ويعيشوا في تبات ونبات ويخلفوا صبيان وبنات!!

* أما عن صورة المرأة الفاضلة في الدراما:
فهي المرأة السلبية الخانعة التي لا هم لها سوى انتظار الزوج وهي متعطرة ومرتديه قميص النوم البمبي! ومهما فعل معها من خيانة أو إذلال وتحقير، لا تفعل شيء سوى الصبر والدعاء له بالهداية!
(فكلما كانت المرأة أكثر جهل وسذاجة وسلبيه وخنوع كلما كانت أكثر أنوثة وتقوى واجتذاب للرجل بل وأكثر صلاحية للزواج).
د.نوال السعداوي (قد ورث بعض رجال العصر الحديث عن رجال العصور السابقة كراهيتهم الشديدة لذكاء المرأة. أنهم يفضلون عليها المرأة الغبية التي تعتقد أن سيادة الرجل وخضوع المرأة إنما هي أشياء طبيعية لمجرد أنه ذكر وهي أنثى، وهناك كثير من الرجال لازالوا يعتقدون أن عقل المرأة يشوه أنوثتها وأن ذكائها يفسد طبيعتها، ذلك أن في أعماقهم تلك الفكرة القديمة منذ العصور الوسطى بأن عقل الرجل إنما هو جزء من عقل الإله وأن الإله قد اختص جنس الذكور وحدهم بذلك العقل والحكمة. أما المرأة فهي بطبيعتها أقرب إلى الجنون منها إلى العقل) (الأنثى هي الأصل).

وإذا تأزمت الظروف مع بطل العمل الدرامي وحاولت زوجته أو حبيبته أن تساعده يكون الرد بكل كبرياء وشمم: (مش أنا اللي أعيش من فلوس واحدة ست) أو (مش أنا اللي أقبل مساعدة من واحدة ست) فتحبه المرأة أكثر!! (ما أعظمك أيها البطل ترد الجميل بالإهانة والاحتقار)!
حتى صورة العدو في الكثير من أعمالنا السينمائية نقوم بتحقيره عن طريق إضفاء سمات أنثوية على مظهره، واتهام نساء العدو بالعهر والخلاعة. وأتذكر فيلم (بورسعيد) للفنان الراحل فريد شوقي كأوضح مثال على ذلك. حيث نجد أن البطل الوطني هو النجم فريد شوقي، صاحب العضلات المفتولة، المشعر في أغلب أجزاء جسده، بينما العدو ضعيف البنية، بشرته شديدة البياض، أملس الجسد، وما أن يرى البطل حتى يصرخ بصوت نسائي ناعم!

* المرأة والخطاب الديني:
الخطاب الديني المنتشر في دور العبادة ووسائل الإعلام المختلفة سواء المقروئة أو المسموعة أو المرئية يساعد على نشر وغرس وتكريس كراهية المرأة وتحقيرها!! فأكثر رجال الدين يتكلمون عن المرأة بأسلوب تحريضي ومهين جدًا!!
فهي الماكرة الفاجرة اللعوب التي غلب كيدها كيد الرجال فهي أداة الشيطان لإيقاعهم في معصية الله، ولذا وجب مراقبتها لحظه بلحظه وإخفائها عن العيون بل وضربها وقتلها إذا لزم الأمر اتقاء لشرها وإرضاءًا لله!!!
بخلاف الوصف الدائم للزوجة بالثرثارة والنكدية والجاهلة، ولا بأس من تلطيف الجو بإطلاق بعض النكات عن سذاجتها وبلاهتها الشديدة، وللأسف الشديد أجد كثير من المستمعين يضحكون فاغرين أفواههم مؤيدين ومستمتعين بل والأدهى أن أكثرهم من النساء!

أما عن النصائح القويمة للمرأة المقهورة، المذلولة فهي لا تخرج عن (لازم تخضعي لجوزك، استحملي واصبري دة دورك في الحياة، ارضي بالمقسوم واللي ربنا كتبهولك، أكيد غصب عنه وانتي برضه لازم تهتمي بنفسك شوية علشانه) فهي قد وُجدت في الحياة لتكون وعاء لمتعه الرجل وخادمة مطيعة لرغباته، فهو سيدها وتاج راسها هو الله على الأرض بالنسبة إليها!!
وسوف أذكر نموذجين من أمثلة الخطابات الدينية الرجعية الظلامية المكرسة لاحتقار المرأة ودونيتها:
(الكتاب المقدس يوضح لنا أن مكان المرأة على الدوام خلف الرجل حيث هناك مملكتها العظيمة، ولا يجوز بحكم التنظيم الإلهي أن تأخذ المرأة مركز القيادة في الكنيسة وإلا تكون متمردة على النظام الذي وضعه الله لها . عزيزتي المرأة لا تجعلي مركز القيادة يبهرك فمملكتك الحقيقية هي بيتك وأولادك وزوجك) (هايدى حنا: منتديات إنجيلي).

(وقد رأى البعض في زج المرأة في ميدان السياسة وجهًا تَحضُّري، وتعبير احترام لها ينبغي أن نضطلع به، فكانت المرأة رئيسة لدولة ووزيرة ونائبة وغير ذلك. وكل هذه الاختراعات تأتي في العمق لتتعامل مع المرأة في غير الدعوة التي دعيت إليها، وعلى خلاف المواهب التي جعلها الله في كيان حواء.
إن حركات التحرر النسائي تنطوي على تنكر للأعجاز الإلهي في الخلق وتنكر لحكمة الله التي لا توصف، فهي تدعو مباشرة ومداورة إلى إخراج المرأة من الإطار الذي ترعرعت فيه وعملت فيه وأطلقت مواهبها فيه. فالمرأة أم والأم هي الأرض التي تحضن غرسة الكيان فترعاها وتحنو عليها. (الأب منيف حمصي).
(ويجب أن لا ننسى خطورة الخطاب الديني المتزمت في مجتمعاتنا لقوة تأثيره وسهوله تصديقه لارتباطه بمرجعيه مقدسة).

* خدعه حتمية الزواج وقدسية الأم والأمومة:
قامت مجتمعاتنا بمختلف مؤسساتها بتقديس فكرة خرافية شديدة الضرر وهي حتمية الزواج وقدريته خاصة بالنسبة للمرأة.
وخلق ارتباط شرطي بين ارتباطها برجل وحصول كيانها على القيمة. فالمرأة قيمتها مكتسبه وليست ذاتيه وتعلو قيمتها أكثر عندما تنجب فهي مجرد رحم تختلف قيمته باختلاف درجه الخصوبة وأيضًا باختلاف نوع المنتج، فالمرأة التي تنجب الذكور أفضل من التي تنجب الإناث. ومن أجل أن تنطلي هذه الخدعة على المرأة قام المجتمع بربط الزواج والإنجاب بالعديد من الطقوس المبهجة كإطلاق الزغاريد وتلقى التهاني وأيضًا ما يسمى بالسبوع وما يصاحبه من ممارسات وتخصيص يوم كعيد للأم والترديد المستمر للأهل والأقارب والمؤسسات المختلفة حول قدسيه دور الأم وعظمته، وتلقيب غير المتزوجة بالعانس.

وتأويل المؤسسات الدينية للعديد من النصوص لخدمه هذه الفكرة الاستغلالية التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
(هذه الخدعة التي تتمركز أهدافها حول حرمان المرأة من القوة النفسية والفكرية والاقتصادية التي تمكنها من الاستقلالية والقدرة على صنع القرار، والندية مع الرجل، وحرمانه من مركزيته كسيد مطاع، وإله يمشى على الأرض يملك حق تقرير مصيرها).
ناهد نصر: (الإلقاء بمسئولية الأطفال على الأم في ثقافتنا يريح الجميع من أعبائهم، وبالتالي فلا أقل من أن تحاط هذه الخدعة بالكثير من الكلام المعسول المذاب في كؤوس من النكد الخالص حتى يتسرب إلى روح المسكينة شعورًا دائمًا بتأنيب الضمير).
راجع مثلاً سيمفونية النكد التي تعزف خلف فايزة أحمد في "ست الحبايب يا حبيبة" وهى نفسها التي انبثقت منها شقيقتها "سيد الحبايب يا ضنايا أنت" لشادية.
ثم كورسات النكد المصفي التي أدتها أمينة رزق على الشاشة لما يقرب من نصف قرن والتي لا توازيها سوى ملامح السذاجة في أدوار كريمة مختار. أضف إلى كل ذلك المطولات التي تكتب عن تفاني وتضحيات الأم في كل وسائل الإعلام، جيش كامل مهمته التاريخية هو "الزن" على آذان الأم، وبدلاً من الاعتراف بأن المسئولية التي يصرون على نسبها للأم هي مسئولية مشتركة بين الأسرة "الأم والأب" والدولة يفضل الجميع مواصلة عزف اللحن ذاته، لأن إشعار الأمهات بالذنب أسهل من التقدم خطوة للأمام من أجل أفراد أسوياء ومسئولين على قدم المساواة) (الحوار المتمدن).
وبالطبع مع الوقت ومع كثرة الترديد لتلك المقولات والأفكار وتحالف جميع مؤسسات المجتمع لتأكيد صحتها، خاصة مؤسسة الأسرة تحولت هذه الخدعة المجتمعية كالعادة إلى مبدأ مقدس لا يجوز نقده بل وصارت النساء أكثر من يدافع عن صحته!!

ويصف د: مصطفي حجازي حالة التصديق والتوحد التي تصل إليها المرأة مع هذه الأفكار بالاستلاب العقائدي:
(الاستلاب العقائدي هو أن تقتنع المرأة بدونيتها تجاه الرجل وتعتقد جازمة بتفوقه وبالتالي بسيطرته عليها، هو أن توقن المرأة أنها كائن قاصر جاهل ثرثار عاطفي، لا يستطيع مجابهة أي وضعية بشيء من الجدية والمسئولية وبالتالي لا تستطيع الاستقلال وبناء كيان ذاتي لها، هو أن تعتقد المرأة أن عالمها هو البيت وأن الزوج والأولاد والأسرة تشكل حدود كيانها.....، هو في تبنى أسطورة الأم المتفانية في خدمة أولادها وزوجها، تلك التي تتلخص سعادتها في استنزاف ذاتها تحت شعار العطاء والاستلاب العقائدي هو في النهاية أن تقتنع المرأة في أعماقها إن من واجبها الطاعة للزوج وللأب قبله، وأن لها عليهما حق الستر والإعالة وأن طبيعتها تتلخص في جسد يلبس وقوام يجذب ورحم ينجب ولسان يشكو ويطلب ويكذب، وأيد تطهو وتغسل وتمسح، من خلال هذا الاستلاب يصل القهر إلى أقصاه لأن المرأة عندها تعتز بمظاهر قهرها وتعرف نفسها من خلال استلابها وبالتالي فأن هذا الاستلاب يطمس إمكانات الوعي بوضعها ويطمس الرغبة في التغيير، كما يطمس القدرة على التحرير وهكذا تفتح أبواب استغلال المرأة على مصراعيها وتكون هي المتواطئة الأولى على مصالحها الحقيقية) (سيكولوجيه الإنسان المقهور).

* المرأة هي روح الحياة وسر وجودها:
أن اتهام المرأة بالنقصان أو الدونية عن الرجل هو اتهام لله بالعنصرية والفشل!
المرأة ليست جسد وشر مستطير، المرأة ليست إناء للشهوة أو مزرعة للإنجاب.
المرأة هي (الأم والأخت والابنة والحبيبة والصديقة والفنانة والطبيبة والأستاذة والفيلسوفة والكاتبة والقاضية والوزيرة).
المرأة هي ( جان دارك، سيمون دى بوفوار، ليليان تراشر، مدام كورى،......والقائمة طويلة ولن تنتهي).
إن المرأة حرة في أن تكون نفسها وتطور نفسها وتستخدم بصورة مبدعه عقلها ومواهبها وتؤمن بحقها في النجاح وقدرتها عليه.
إن المرأة حرة منذ أن تترك مرحلة المراهقة أن تحدد مسار حياتها وتستقل بها بصورة كاملة دون الارتباط بأي رجل، وأيضًا دون أي تدخل أو وصاية من أي إنسان. يجب على المرأة أن تثور وتكافح بكل قوة وصلابة من أجل أن تحصل على حقها في المساواة الكاملة مع الرجل وتسترد حقوقها الكثيرة المسلوبة، فالحقوق لا تمنح على طبق من ذهب بل تنتزع وبقوة.
(إن تحرير المرأة من ربقه الثقافة الذكورية الرجعية والتي هي شكل من أشكال الرق وهزيمة الرجولة والمرؤة، تبقى أمرًا مستحيلاً ما لم تصبح المرأة نفسها في طليعة الساعين لتغيير هذه الثقافة الدونية بثقافة عصرية تكون فيها المرأة على قدم المساواة تمامًا وكليه في سائر المجالات وشتى المواضيع) (طارق حجي: جريدة وطني).

(يجب علينا بصفة عامة أن نعيد النظر بعقلية علمية موضوعية متحررة وناقدة في الكثير من الأقوال والقيم والمعتقدات والأفكار التي تم تلقيننا إياها منذ الطفولة (عن طريق أشخاص اعتقدنا لضعفنا وجهلنا وسذاجتنا بأنهم حتمًا على حق ولديهم الصواب المطلق لأنهم مقدسين معصومين، فهم أولي الأمر ورعاة القطيع) على أنها صادقة ومقدسة وصالحة لكل البشر والأزمنة ولا تقبل الرفض أو النقد أو حتى التأويل.
وأنا على يقين بأننا سوف نكتشف كم خدعنا وكم وثقنا في أشخاص لا يستحق أكثرهم إلا أن نحتقرهم، والأهم من ذلك إننا سوف نكتشف أن أفكارهم وأقوالهم الصائبة ليست سوى خرافات وخزعبلات وتفاهات وسخافات لا تصدر سوى عن عقول بدائية متحجرة متخلفة ونفسيات مشوهة مريضة بعقد النقص والتسلط، ولم تخلق سوى أجيال مريضة بمختلف الأمراض النفسية، أجيال تتوارث الجمود وروث الأفكار، أجيال تكرس الجهل وتقدس الخرافة.