مي شدياق: إعلامية من لبنان وقديسة من قديسات الثورات العربية...!!!



خالد ممدوح العزي
2011 / 10 / 31

مي شدياق: إعلامية من لبنان وقديسة من قديسات الثورات العربية...!!!
فإذا كان القرن الماضي غني بأسماء نساء عظماء حفروا مكنتهم الرفيعة في النضال السياسي ألأممي ، وكانت طليعتهم الألمانية روزا لوكسمبورغ ، والروسية الكسندرا كولنتاي ،والامريكية وكلارا تسركيناصاحبة تسمية يوم المراة العالمي ، وأسماء كثيرة لمعت في العالم مرورا بمارغريت تاتشر وصولا إلى أنجيلا ميركل ،فالأسماء العربية لم تكن اقل أهمية عن تلك النساء التي لعبت دورا طليعيا امثل ليلى خالد الفلسطينية وجميلة بوحيرد الجزائرية وحنين الزعبي الفلسطينية من عرب 48 ونوال السعداوي المصرية وحنان العشراوي الفلسطينية ،ونهلة الشهال اللبنانية ،ووداد شختورة اللبنانية وصولانج الجميل ، الخ ...لكن مع بداية الألفية الجديدة لعبت النساء دورا لا يقل أهمية عن دور الرجال في مقاومة الأنظمة الدكتاتورية والسلطات الأمنية ، فإذا كانت ثورات الربيع العالمي تم افتتاحها من قبل قيادات نسائية كبيرة ك"يوليا تيموشنكو قائدة ثورة البرتقال في أوكرانيا ، ونينو بورجانادزه قائدة ثورة المخمل الناعم في جورجيا ،وروزا اوتونبايفا قائدة ثورة السوسن والرئيسة الحالية في قيرغيزستان. لكن عند الحديث عن الربيع العربي لبد من التوقف بفخر واعتزاز أمام تجربة نضالية لأسماء نساء عربيات لمعت أسمائهن في قيادة التظاهر والاحتجاج في الربيع العربي، فالنساء كانت جانب الرجال في ميدان التحرير في القاهرة وعرفت منهم نواره احمد فوائد نجم ،وأسماء محفوظ ، في اليمن عبير عبدالله، ذكرى الواحدي ،سامية الاغبرية، توكل كرمان التي فازت بجائزة نوبل للسلام في هذا العام ،ونساء اليمن التي أطلقت عليهن الصحافة الغربية بأنهن نساء الخنساء. إما في سورية حدث ولا حرج للدور الريادي التي مارسته النساء الثوريات والتي تعتبر من أغنى التجارب في الوطن العربي والعالم لدور النساء في قيادة الثورات لقد لمعت أسماء كل من "د.فداء الحوراني ،مرح الاتاسي سهير الاتاسي، روزان زيتونة ريما فليحان ،فدوى سليمان ،كنده علوش ،مي سكاف ،مرح البقاعي،بهية المارديني،لافا خالد ،بسمة القدماني،هرفيم اوسيه، وأخريات من غير الممكن تعداد أسمائهن،لكن لبنان كان السباق إلى الربيع العربي وفاتح أبوابه ومقدم شهدائه،وتحديد منظر الربيع العربي "الشهيد سمير قصير"والنساء كانت أيضا في صفوف الثورة الأمامية والتي ضحت بكل ما تملك من اجل هذه الثورة ونجاحها.
ومن ابرز هذه الأسماء كان اسم د.مي الشدياق هي قائدة ميدانية بكل معنى الكلمة شاركت بثورة الأرز،وثورة ربيع العرب من بيروت ،كانت من قيادات هذه الثورة التي اندلعت بسبب بشاعة النظام الأمني السوري –اللبناني وممارسته القمعية والسلطوية وردة فعل شعبية على جريمة استشهد الرئيس رفيق الحريري.فالشدياق التي كانت في صفوف المعارضة منذ اليوم الأول لفترة الوصاية،لم تساوم على أفكارها والتزامها ومبادئها لان قناعتها هي التي فرضت عليها هذا التصلب، عملت بالإعلام المرئي لمدة طويلة ، وكانت صوتا من أصوات المعارضة اللبنانية القلائل في ذلك الزمن،هي المرآة المعارضة ،التي عارضت وعارضت ،تميزن بجرأة عالية، رفعت صوتها من أعلى المنابر الإعلامي لم تخف من أزلام الوصاية ،واجهتهم بمهنيتها الرفيعة ،كان سلاحها الكلمة وقوتها القلم،لم ترهبها تهديداتهم وترهيب قوتهم ،كانت كلمتها أقوى من رصاصهم وحقدهم الذي طال جسدها الجميل وبتر يدها وقطع طرفها، لكن الدكتورة مي التي أصرت على مواصلة المسيرة بالرغم من الجراح البليغ التي أحدثوها في جسدها الأنثوي ، محاولين تشويها كأنثى وامرأة وإعلامية وسياسية وثورية ، لكنها تحدتهم مي بقلمها وشجعتها وكلماتها ومواصلتها للمسيرة، كانت صرختها بوجه الإرهابيين والقتلة من خلال متابعة عملها كإعلامية.إعلامية لم تهادن على حساب قضيتها الوطنية، لقد جسدت أفكارها وأطروحاتها في محاضرتها التي تقدمها يوميا لطلابها في الجامعة ،في كلية الإعلام،فالتدريس مهنة مقدسة،ورسالة إنسانية وسماوية لتقديم الأفكار النيرة لطلاب الإعلام.
لكن المؤسسة التي عملت فيها منذ انطلاقتها في العام 1986 تخلت عنها وحاولت مساومتها على عملها الإعلامي من خلال التملق للخصم وعدم استخدم النبرة القاسية مع ضيوفها التي تختلف معهم سياسيا ،بالرغم من عدم تميزها بين الضيوف بالرغم من اختلاف تواجهتم السياسية والحزبية ، لكنها لم تساوم مي الشدياق على عملها ومهنيتها الإعلامية ،لكن رفضها للمساومة احدث مفهم جديد في العمل الإعلامي الحديث التي ترجمتها باستقالة شفهية على الهوى مباشرة، فهذه الطريقة فتحت الطريق أمام العديد من الإعلاميات العربيات بممارسة نفس أسلوب مي الشدياق"ك شذى عمر"من على نفس المنبر ونفس القناة.
لم يستطيع الرقيب قطع اللسان وإسكات صوت مي الشدياق من خلال تفجير سيارتها ،لم تمت ولم تسكت ،عادت لممارسة المهنة والالتزام بالقضية الوطنية ، فانتصر القلم على الدم .لقد افتقدها جمهورها الكبير ،لغيابها عن برنامجها الحوارية والإخبارية، لأنها محاورة عنيدة، ملتزمة بقضية وطنية ،لكنها عادت لتمارس السياسة والإعلام معا،متحدية كل من حاول كتم صوتها وتغيب الحقيقة ،فالشدياق شاهد وشهيد حي على القمع والقتل ومنع الحريات العامة في بلد أسست فيه أول كلية للحقوق في القرون القديمة ، فكيف لها أن تكون شاهد زور على كل الأشياء التي حصلت ومازالت، فالشدياق الإعلامية، السياسية ،المهنية ،الدكتورة ،المثقفة،الثورية والمرآة المسالمة التي تريد العيش بسلام في بلاد يعيش فوق بركان من البارود المشتعل،بان لا تحلم وتناضل من اجل السلام،هي المربية التي تبني أجيال جديدة من اجل هذا الوطن وتطوره الديمقراطي العلماني ،هي المثقفة التي تحلم العيش في بلاد التعديات المختلفة دون صراع بين الحضارات ولا الغرب ولا الشرق،هي التي تناضل من اجل نشر ثقافة الحوار والتعدية والاجتهاد الفكري،هي ضد الإرهاب والدكتاتورية والقمع والبطش ،لا تناضل من اجل الانتقام لنفسها وذاتها وإنما انتقاما لوطنها،الجريح الذي يفقد كل يوم أفضل أبناءه بالقتل أو الهجرة،هي العربية اللبنانية المسيحية الشرقية التي تعتبر وجودها في لبنان ليس عددا من الأعداد وإنما وجود إنساني وسماوي ،هي التي تؤمن بالله وقدرته تؤمن بالتعددية الدينية والمذهبية التي يتميز بها لبنان ،لهذا كانت رائدة من رواد ثورة الأرز التي طالبت بالتغير من اجل نشر الديمقراطية والحرية ،فكانت ثورة لبنان مغامرة فعلية انطلقت شرارتها ولم يدركها المواطن العربي في وقتها،فاليوم مي الشدياق لا تسعها الفرحة والسعادة بسب نجاح فكرتها الثورية التي تبنها العالم العربي الهائج بالربيع العربي ،بعد 6 سنوات تفهم العرب أحقية ثورة الأرز الذي اندلعت في لبنان عام 2005 وكان ثمنها غاليا جدا،فالعالم العربي يشرب من نفس الكأس المر الذي شرب من ثوار ثورة الأرز ،تحية لكل الثوار العرب في الساحات والميادين العربية تحية لكل النساء والمناضلات والجريحات والأسيرات والى كل الأمهات اللواتي يقدمن أبنائهم قربانا لهذه الأوطان الجريحة، تحية إلى مي الشدياق قديسة المناضلات العربيات.
د. خالد ممدوح العزي
صحافي وباحث إعلامي،و مختص بالإعلام السياسي والدعاية.
[email protected]