القمع النسائي في إسرائيل



توفيق أبو شومر
2011 / 11 / 16

كثيرة هي الوقائع والأحداث التي تجري في إسرائيل وتنقلها الصفحات والجرائد الإسرائيلية وتغطيها بشكل مكثف، ولا تنقلها وسائلُ الإعلام الأجنبية، وتخشى صحفٌ عالمية وعربية كثيرة نشرها!
ولا أقصد الأخبار السياسية التي تجري في إسرائيل، وإنما أقصد الأخبار الاجتماعية فيها، فلو حدثت تلك القصص والأخبار في قطر عربي أو في دولة فقيرة، لتهافتت وسائلُ الإعلام العلمية لنقلها وتكبيرها وتحليلها وتوزيعها وتعميمها!
فلو فعلتْ الدولُ الصغيرة والفقيرة كما تفعل الجماعاتُ الدينية اليهودية المتزمتة في إسرائيل ضد النساء الإسرائيليات، لصارت تلك البلدان مسخرة في الأعلام العالمي!
فلو قام بعضُنا مثلا بتقسيم أحد الشوارع الكبيرة في دولة عربية، أو في دولة فقيرة أخرى إلى نصفين، مستخدما ساترا من القماش، وأرغمْنا النساءَ أن تسير في قسم منه، والرجال في القسم الآخر، كما حدث في القدس، وكما حدث في بني براك في تل أبيب، حفاظا على (الحشمة)، لقالوا عنا:
انظروا فليس غريبا على العرب، فكلهم طالبان!
ولو قامت مجموعة بنزع كل إعلانات الدعاية التي فيها صور النساء من الشوارع لاستُنْفِرت وسائلُ الإعلام وتوافد الصحفيون من كل أقطار العالم لتغطية الحدث وقالوا أيضا:
إنهم متخلفون!
ولو قاموا بتخصيص وسائل مواصلات للرجال وأخرى للنساء، أو أجبروا النساء أن يركبن في مؤخرة الحافلات، وأسسوا شركات نقل خاصة بالرجال وأخرى بالنساء، وهذا مشروع إسرائيلي في طور التنفيذ في القدس، أما الرجال ففي المقدمة، ومنعوا صعود النساء من باب الحافلات المخصصة للرجال، لقالوا أيضا:
العرب يعيشون في العصر البرونزي!
غير أن ما يجري في القدس المحتلة للنساء هو أكثر مهانة!
غير أنه- لسبب أو لآخر- لا يبرز في الإعلام العالمي والعربي كثيرا!
فالنساء يتعرضن في هذه المدينة لكل أصناف الهوان والإذلال، ولم يكتفِ المتزمتون الحارديم بفعل الأمور السابقة فقط، بل أسسوا (جماعة العفاف) وما أدراكم ما جماعةُ العفاف !
هم مجموعة من ( بلطجية)المتزمتين لها صلاحية مهاجمة البيوت، إذا شكوا فيها، يقومون بتأديب مَن فيها، رجالا أو نساءً بالضرب والتهديد، كما أن النساء يتعرضن في الطرقات للشتائم والبصاق، إذا لم يسرن وفق مشيئة الرجال، محتشمات بدون خلاعة، أو حركات توحي بالجنس، أي بدون أن تظهر تفاصيل الجسد الأنثوي!
فالنساء في حي مائة شعاريم وغيرها من الأحياء في القدس وتل أبيب وأشكلون وفي كل المستوطنات الدينية هن (هلاش) أي نجاسة، لا يمكن للحريدي أن يجلس إلى جوار امرأة أو يسمح لامرأة أن تجاوره!
تتعرض حتى النساء الحريديات المتدينات المحتشمات اللاتي يرغبن في الدعاء عند حائط المبكى للإهانات، وحتى الاعتداء بالضرب، إذا اقتربن من هياكل الذكور أو من ظلالهم، وجرى الفصل بين الرجال والنساء، في أكثر الأماكن قداسة على الرغم من أنَّ الحائط واحدٌ، وكم مرة اشتكين للشرطة، بدون أن تتخذ الشرطةُ أية إجراءات، حتى أنهن أسسن جمعية ضد الاضطهاد الديني في الحائط، اسمها جمعية (نساء حائط المبكى) ليتمكن من إسماع صوتهن ضد القمع الذكوري!
حتى رئيس بلدية القدس نير بركات العلماني أصيب بالخرس، ولم يعد قادرا على فعل أي شيء في القدس بعد أن تحوَّلت مدينةُ القدس إلى سجنٍ قهري للنساء.
كما أن معظم إذاعات الحارديم وما أكثرَها إذاعات ذكورية، لا يمكن للنساء أن يعملن فيها أو يتصلن بها هاتفيا لأن [ صوت النساء فاحشة وخلاعة]!
أما عن جيش الدفاع العلماني الصهيوني، فهو اليوم يشهد عمليات قمع منظمة ضد النساء في جيش الدفاع، بعد تنامي عدد المتهودين الجدد من العلمانيين، ممن يلبسون الكيبا بدلا من قبعات الجيش الرسمية.
فهؤلاء يرفضون العمل في كل قطاع به نساء، وعندما يسمعون أصوات النساء يخرجون من القاعات، لذلك فهناك ضجة كبيرة حول مشاركة النساء في الاحتفالات سواء بالغناء أو الحضور!
ملاحظة هامة:
احتفل العالم في شهر ديسمبر 2009 بصدور الكتاب المُرعب(نصف السماء) الذي كتبه الصحفي في صحيفة نيويورك تايمز نيكولاس كرستوف وزوجته شيرل وادون والذي يحتوي على قصص قمع النساء في دول العالم كلها، والذي يخلص إلى نتيجة مرعبة تقول:
إن عدد النساء المقتولات ظلما وعدوانا وقمعا في القرن الماضي أكثر من عدد كل الرجال الذي ماتوا في الحروب في القرن نفسه!
وقد احتفل بان كيمون بهذا الكتاب كأروع مُؤلََّّف يصور مآسي النساء.
لم يذكر كاتب الكتاب شيئا عن قصص القمع التي تتعرض له النساء في إسرائيل ، وبخاصة قضايا الزواج المدني والديني وحرمان الأمهات العلمانيات من أبنائهن المتدينين ، ولم يشر الكاتب إلى أبشع قضايا النساء، وهن النساء (المعلقات) "جيط" اللاتي يرفض أزواجهن طلاقهن سنوات طويلة، ولم يشر الكاتب إلى نبذ المتزوجات من غير اليهود، واعتبارهن ميتات، ولا إلى المنظمات التي تختطف أبناء اليهوديات المتزوجات من غير اليهود!!
لا يجب أن يفهم من مقالي هذا أنني أُبرر ما تتعرض له النساء المقموعات في بلادنا وفي الدول الأخرى، وما يتعرضن له من قمع وإذلال وامتهان، غير أنني أريد أن أذكرُ المسكوت عنه حول النساء الإسرائيليات المقهورات أيضا!