المرأة وبرلمان الأكباش



عذري مازغ
2011 / 11 / 19

يعبر المغاربة الرائعون، هؤلاء الذين يسميهم عادة السياسيون بالعامة، وبلغة متبجحة بالتفوق الثقافي، يسمونهم القطيع، أي هؤلاء المشاغبين الأجلاء في المظاهرات، هؤلاء يعبرون حين يتناولون أداء برلمانيي المغرب ب"الحوالة" وتعني الأكباش، وللأكباش تجليات أخرى في الثقافة الشعبية المغربية: هم أيضا أمراء البترول عندنا. عادة القطيع تكثر فيه الإناث أكثر من الذكور، لأسباب التدبير الإقتصادي واكتساب الرزق، في القطيع خصوبة واستمرارية للحياة والرزق، تمثل عادة الإناث هذه الإستمرارية في النسل وفي الوفرة، حتى في المجتمعات الإنسانية، الأنثى هي دفء الإحتضان، أما الذكر فيمثل نخوة للبطش والقوة، هم سادة الحروب وسادة الإغتصاب وسادة القوة، في المظاهرات المغربية عادة سادة البرلمان هم الأكباش، ولحكمة ما هي ملحوظة في الممارسة السياسية، يأتي رأس النظام في خطاب عام لتحديد السياسة العامة للدولة، ثم بعده يتحتم على هذه المخلوقات الصغيرة أن تثغوا توافقا مع الخطاب العام، وطبعا نحن المواطنون الساذجون كما يفترض الأمر، نستمتع هذه المظاهر من تناطح الرؤوس عند الأكباش، وعادة الأكباش القوية تفوز، هؤلاء الذين في العرف السياسي، هم السياسيون المحنكون، عباقرة التشريع، فقهاء المصلحة العامة، لكن لتداعيات أخرى يفتقدون لهذا الإنتعاش في التناسل، يفتقدون إلى سحر الخصوبة، فتناطح أكباش لوحدهم يفقد مسرح الفرجة نكهته، في القطيع عادة يفوز المتفوقون بحيازة الإناث، اما في البرلمان المغربي، فشأن آخر، القطيع كله من الذكور يتناطحون حول شيء مبهم، شيء يوحي بشكل مقزز إلى مثلية جنسية يحرمها الدين. منذ الإستقلال الشكلي حتى الآن، برلمان المغرب هو برلمان أكباش بامتياز، لحاجة ما احتاج هذا البرلمان لصيرورة نسلية، أو لحاجة ما لتغيير وضع خاص أن لا يكون برلمان أكباش فقط، يشعر السياسيون عادة عندنا بالحرج حين يواجهون بالسؤال عن خلفية وجود برلمان ذكوري إلى اقصى الفحولة، يبدوا الأمر كما لوكان سوءا في التقدير، لون آخر، ليس دائما ذلك اللون الأسود الذكوري أو ذلك اللون الديكي بالطرابيش الحمراء، ذلك الذي ابتدع له المغرب اسما خاصا سماه باللباس "القومي"، جلباب أبيض، قبعة حمراء هي أندلسية أو تركية في الأصل، وأفترض أن أغلب برلمانيينا في هذه الهرطقة القومية لا يلبسون سروالا، سروال قصير في أحسن الحالات تذمرا وإشفاقا عليهم في الصيف، سروال قندريسي تتفسح فيه الخصيتين، لون البياض عادة هو لون أنثوي، لكن الأكباش أيضا لهم هذا اللون الأنثوي، لم تحل بعد المشكلة، بحيث لا ينطلي الأمر على السؤال المستفز: أين النصف الآخر من المجتمع؟ أدرك المغاربة الرائعون الأمر جيدا: اللون القومي الأبيض ليس أكثر من لون كبش، لذلك كان لون البرلمان في الهرطقة القومية، صورة تراجيدية هي في النهاية ملحمة سياسية للأكباش.
بقي البرلمان كبشا على أية حال، مطعون في مصداقيته، نسل عقيم، وطعم جاف للدعاية الديموقراطية، ابتعدعت الأحزاب الرجعية التي تسمى عادة عندنا بالأحزاب الوطنية، حسما آخر: بما أن القوم عندنا لا ينتخب إلا الأكباش، وبما اننا مستفزون للوضع الذكوري الذي يظهرنا بهذه المثلية الجنسية الحساسة، ونحن معارضة مجللة وناطحة بشكل قوي ولها وضع تاريخي خاص، لماذا لا نحتكم إلى قانون آخر يصحح نمطية حكم المجتمعات الغربية فينا؟
اخترعت الأحزاب "الوطنية" نظام "الكوتا"، نسبة معينة من النساء في البرلمان للخلاص من عقدة العقم فيه، وبالنتيجة، وخلاصة للقول: وضع المرأة عندنا هو وضع تلفيقي لا أكثر، إهانة قاتلة لنصف المجتمع، المرأة عندنا في البرلمان هي امرأة لتحسين النسل، لتحسين الصورة النمطية لسيادة الذكور مرضاة للغرب، وبالنتيجة، ومع طغيان قيم اللباس القومي المغربي، بطلائه الكبشي، في طابعه المتميز حيث الذكور بدون سراويل أو هم بسروال "قندريسي" (باللغة المغربية) كما هو معروف، برلمانيونا الأكباش هم برلمانيو العادة السرية أو المثلية الجنسية، وخجلا لن أمضي في الأمر اكثر مما أوضحت.
طعم البرلمان بنسوة لتحسين النسل، هانحن الآن ببرلمان فيه شيء من الخصوبة، فيه نعاج الكوتا، ولسوء الحظ، لم نر حتى الآن عرسا تقليديا على الطريقة المغربية الإحتفالية الرائعة: "هنا طاح اللويز
هنا نضورو عليه"(1)
لكن في التظاهرات الشعبية، وحتى الآن، لا زال برلمان المغرب برغم هذه التعديلات السخيفة، لا زال في عرف المغاربة الرائعين برلمان أكباش، في هذا الحراك المبارك للشباب، اقترح نظام الكوتا هذه المرة حلا نسبيا يقضي بوضع 60 مقعدا للمرأة في البرلمان، و30 للشباب الذين فجروا حراكهم المبارك: "هاكم ياشباب اليوم، الخرفان الوديعة المتعطشة لممارسة لعبة الكبار، هاكم مقاعد مجللة للبعبعة مقابل أن تطالبوا بزعزعة الكيان، وسندبر العطاء بشكل حداثي، مثلا ولعدم ضياع الوقت الرتيب، سنقوم بتنزيل جديد من الدستور، بما أننا قررنا حقوقا لجالية مهمة تقطن في الخارج، عشرة في المائة من ساكنة المغرب، وحتى لا ننهك تعب هذا الجزء من الشعب في الذهاب والإياب فقط لأجل وضع ورقة في الصندوق الإنتخابي العجائبي، اقترحنا لهم أن يوكلوا موكلين لهم في التصويت، ولن يجدو موكلا جديرا بالثقة أكثر من وكلائنا في الداخلية". هذه الجرأة في وضوحها المستفز للقيم والحقارة الفاشية لانجدها عادة إلا عند البلداء والمجانين، البلداء والمجانين هم من يفصحون على مثل هذه الأقوال، بل هم أصحاب الكهف الذين يعيشون زمنا غير زمن التاريخ، هذه هي الحداثة التي ملأت فضاء الإعلام المغربي أخيرا وهذا هو التنزيل العجيب المستوحى من وحي الرسالة.
لا شك أن برلمان الأكباش عادة وبالفطرة الغريزية، لا يمكن أن يسن إلا تشريعات كبشية، وجود نساء في البرلمان المغربي هو وجود لتحسين النسل لا أكثر، نساء مختارات بدقة فائقة، نساء يخدمن ثقافة الأكباش، نساء واجهة ولا يعبرن عادة عن هموم نصف الشعب المغربي، أضيفت هذه المرة نسبة مهمة للشباب على حساب المرأة مرة أخرى وهذا لعمري هو التحديث أو التنزيل الخارق لبرلمان متنوع: اكباش، نعاج وحمال ظريفة.
قد يستشعر المرء من كوننا حددنا سمة المرأة البرلمانية بالنعجة بنوع من التقزز والحقارة، وهذا في الحقيقة استوحيته من وزيرة الصحة المغربية حين سئلت عن وضع صحي لمنطقة من المغرب المهمش بسبب انتشار حشرة سامة بالمنطقة، لتجيب بتفاهة كون الأمر عبارة عن حشرات زائغة تلسع المواطنين، وزيرة مسؤولة عن صحة المواطنين، ذكورا وإناثا، تتهكم على طريقة عاقصة سيف بن ذي يزن: ينقص المنطقة مبيذ حشرات وينتهي الأمر، ضحك أو ثغت أيضا الأكباش في البرلمان: با....ع وردت هي وزيرة الصحة: ما...ع والحقيقة هي ثغت باع..باع بلكنة ذكورية أكثر منها لكنة أنوثية.
ونحن المغاربة الرائعون نميز بين ثغاء النعاج وثغاء الأكباش لأننا حقا نحترم الأنوثة، فذكور الأكباش تنطقها باع، وإناثها تنطقها ماع. وهذا فصل جديد في علم الرعاة.
يحتاج البرلمان المغربي لكي يصير برلمان الرعاع من المواطنين أن يكون برلمانا لا تمييز فيه بين الذكور والإناث والشباب وهذا إذا سلمنا حقا بأن الأمور تجري وفقا لتشريع ديموقراطي.
محرج للغاية فصل النساء عن الرجال، لذلك يلتمس بعض القادة النزهاء، الإسلاميون حتى، أن يرضوا منظومة الغرب التافهة، بضع النساء في البرلمانات العربية، هن فقط لتحسين الأداء، أو تحسين الصورة أو تحسين النسل لفحولة ثقافية إسلامية أما الحديث عن حقوق المراة في عالمنا الذي أتحفظ كثيرا أن أسميه عالم عربي، فهو أبجديات تحديد النسل في الثقافة الحيوانية، نعجة قوية إلى جانب أكباش أقوياء وليس كبشا واحدا، خرق لفطرة القطيع، عادة وحسب الفطرة الذكورية، الكبش القوي يحوز على عدد كبير من الإناث، في الأقطار العربية تفوز فقط الحكومات التي أغلبها ذكور بتنصيب نعجة عشماء، انتخبت برلمانيا ثم صارت مكلفة بشؤون المن، او شؤون الخصوبة. أي أن وضعها بقي يمثل هذا الشكل المنحط أو هذه الصورة النمطية في العلاقات الجنسية. وهذه حقا هي ردة الفعل، المرأة تمثل نصف المجتمع وهذه حقيقة مسلمة، لكنها في البرلمان غير موجودة، وهذه صورة مقززة حقا، لون فاحل أسود يعبر عن نمطية معينة على الرغم من ان البرلمان في المغرب يفتتح دورته بزي قومي يشبه زي الديكة المخصبة، ذلك الزي الأبيض الملائكي، وهذا أيضا مشكل آخر محرج للغاية، زي يعبر عن عقم معين كعقم الديكة المخصبة نفسها، عن نمط محرج للغاية امام الشعوب الأخرى، ارتأت الحكمة عندنا أن تكون في البرلمان معاطف أخرى ذات لون انثوي كما أشرت سابقا: جلباب أبيض وقبعة حمراء: ديك رائع في الإفتتاح وكبش فاحل بقية الدورة.
في العادة، نحن من يضع كبشا قويا مع الإناث، ونحرم الأكباش الصغيرة، نعمل ذلك لتحسين النوع والجودة، في البرلمان نضع الأمر مقلوبا تماما: نعجة وسط أكباش والنتيجة هي العقم المطلق، أما الخرفان المقترحة في الحداثة الجديدة عندنا فهي لكي تمثل ما كان ينقص الفرجة: صغار تملأ الرحب ثغاء.
في حكومة عربية، لاتمثل المرأة مثقال نعجة حقيقية وإن كانت دولي الشهيرة (أنثى الكبش في اللغة المغربية) ، بالإرتباط بالنمط الرأسمالي العفن أوغيره، هي هكذا: في توظيفها، هي محاولة لتحسين النظر النمطي لاحتقارها، المرأة البرلمانية عندنا، بالتعميم القاسي، هي رجعية لم تصلها بعد روح العصر.

في أوربا، لم تدخل المرأة البرلمان حتى فرضت نفسها بفضل نضالها القوي وليس عطاء مجانيا لتجميل صورة أكباش، بعض البرلمانات الأوربية لم تدخل المرأة برلمناتها إلا في السنوات أو الأجيال القريبة جدا حين عززت موقفها السياسي القوي، وبالنتيجة وصلت المرأة العربية إلى مواقع سياسية بفضل صدقة الأكباش، بالتعيين أحيانا كثيرة، بالكوتا أحيانا أخرى، وليس لأنها فرضت مكانتها، هذه هي الحقيقة المرة.

أعتذر للمرأة عندنا لأني وعن حق تعمدت هذا التحليل الجينيولوجي النيتشي الذي يدعيه البعض دون الوصول إليه، فالنضال النسوي هو نضال عليه أن يجتاز عتمات الفطرة الغريزية الدينية المترسبة منذ عهود قديمة، أربعة عشر قرنا من الخنشة ( الكيس الذي يسمى عندنا تبجحا بالحجاب وهو بالمناسبة حجاب الرجل أيضا تلقفته النساء، فهو عوض أن يحجب مكبوتاته فرضها من موقع قوته على المرأة، ان تحجب هي مايثير كبته) علينا أن نكتشف حقا أن المرأة هي نصف المجتمع رغم أنها أكثر من ذلك، وحين نكتشف هذا ستكون برلماناتنا حقا برلمانات " قطيع" وسنكون على بينة من أمرنا وليس برلمانات ترضي السوق الإمبريالية.
(1) اللويز نسبة إلى لويس 16الملك الفرنسي: قطعة نقدية فرنسية من الذهب تستعمل عندنا كمجوهرات، ومعنى البيت الغنائي: هنا سقط الذهب وهنا سنبحث عليه