الحرية وثقافة التعري لدى علياء المهدي



مكارم ابراهيم
2011 / 11 / 19

يقال بانه دوما يكون خلف الكاميرا اثناء تصوير فيلم عيون رجل بغض النظر عمن يقف وراء العدسة . ولغة الفيلم لاتعرف سوى كلمة واحدة امراة عارية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالجنس.
في حين ان مشهد رجل عاري يدل على الضعف. فالانسان العاري يشعر بضعف كبير حيث لايستطيع احد ان يحميه. مشاهد رايناها في الحرب العالمية الثانية حيث يقوم الجنود بمطاردة الناس ويجبرونهم على التعري.
ومشاهدة نساء يتم اغتصابهن في الحروب وفي سجون الاعتقالات فهنا يرتبط الجسد العاري بالضعف والرعب والقمع والاستعباد.

في الحقيقة اننا محاطون بالتعري من جميع الجهات, لوحات فنية ,وتماثيل ,وفي التلفزيون, والانترنيت والمجلات, والجرائد الخ .. ولكن لم نكن يوما ما متحفظين في فهم هذه المسالة ولهذا السبب يظل مشهد المراة العارية وارتباطه بالجنس على الشاشة مؤثرا علينا. فصورة المراة العارية والايروتيك يرتبطان معا بشكل وثيق. والتعري يرتبط بالشعور بالعار والخوف من ان يظهر المرء جسده الجنسي لانه يكشف عن اعضائه الجنسية للاخرين.

في عام 1933 عرض الفيلم التشيكي ( Ekstase )وكان مشهد الممثلة هيدي لامار وهي عارية له تاثير كبير على الشاشة الامريكية حيث منع عرض المشاهد العارية في الافلام الامريكية حتى عام 1960.

وهناك من بحث في ثقافة التعري لفهم لماذا يتعرى المرء امام الاخرين وماهو شعوره في تلك اللحظة كما هو الحال على شاطئ العراة ( Nudes ).

ففي حال وجود المراة والرجل على ساحل العراة كيف يتصرفون؟ وهل يمكن لاحدهم ان يقول للاخر اطراء عن جسد ه؟ وكم يمكن ان تكون المسافة بين جسدهما ؟ وهل ينظرون الى بعضهما البعض ؟
وحتى يومنا هذا نجد ان الاعلان عن اي فيلم سينمائي يكون غالبا بعرض مشاهد لبطلة الفيلم وهي عارية وفي وضعية ايروتيكية من اجل رفع عدد الزوار في صالة العرض.

وفي الدنمارك يقام سنويا مهرجان غنائي كبير في مدينة روسكلدة Roskilde حيث يجري فيه سباق للعراة .
ولو عدنا في الزمن الى الوراء ففي خمسينيات القرن الماضي كانت المراة الدنماركية تعاني القمع بعدم حصولها على حقوق مساوية للرجل الدنماركي في الترشيح والتصويت والانتخابات والراتب والعمل والدراسة وتربية الاطفال وحضانة الاطفال الخ الخ .... .
وحينها اسست النساء حركة نسائية في ستينيات القرن الماضي واول نشاط قمن به هي خروجهن عاريات في الشارع على شكل تظاهرة نسائية مطالبة بالمساواة مع الرجل.
وبعد مرور اربعين عاما وتحديدا في العام الماضي قامت مجموعة من النساء الدنماركيا ت في التعري في المسابح العامة وذلك من اجل إعطاء دروسا للرجال في المساواة على اساس ان جسد المراة العاري يجب ان يكون حالة طبيعية كجسد الرجل العاري ولاداعي لتغطيته.
ولكن المشكلة هنا انه ادى هذا العرض او العمل (الثوري) الى ازدياد عدد الرجال في المسابح العامة بشكل واضح وبعد شهرين من اعتماد النساء على ظاهرة التعري في المسابح رجعن الى لبس المايو والغاء فكرة التعري في المسابح باعتبار ان التعري امام الرجال لم يؤدي هدفه المنشود في اعطاء دروسا للرجال حول احترام حرية المراة ومساواتها مع الرجل .

وبالتالي نرى ان جسد المراة العاري يبقى تاثيره ايروتيكي مهما كانت الرسالة التي تدعوا اليها المراة في تعريها .ومع هذا فلماذا تستخدم اذن المراة ظاهرة( التعري) في نضالها نحو الحرية والمساواة مع الرجل وخاصة وهي في مجتمع متقدم غربي ؟ فكيف نحلل هذه الظاهرة اذا استخدمتها المراة في المجتمع الشرقي ؟

كانت هذه المقدمة كي ادخل في موضوع المقالات الكثيرة التي كتبت عن الفتاة المصرية علياء المهدي التي تعرت في الانترنيت لكي تعلن عن تحديها للمحرمات في مجتمعها الشرقي الذي يفرض عليها التستر .
وفي الحقيقة تفاجئت كثيرا من عدد المقالات التي تناولت قصة هذه الفتاة .
فالمعلوم للجميع انه اذا فتحنا الانترنيت سنشاهد صور لاتعد ولاتحصى لنساء عاريات عربيات وغربيات منهن ممثلاث شهيرات ومنهن نساء عاديات جدا ومنهن من قمن بتغطية وجوههن بالنقاب لتخفي هويتها ومنهن نساء صورن في حالة اباحية اثتاء ممارسة الحب مع رجل .

فما هو المميز في صورة الفتاة العارية علياء المهدي لكي تتناولها مقالات عديدة . حتى أن بعض الكتاب العرب اعتبروا صورة الفنتاة وهي عارية تجسيد لثورة على معايير المجتمع الشرقي . ولكن الحقيقة هو انه يوجد الاف الفتيات الشرقيات عاريات على الانترنيت ومنهن في اوضاع ايروتيكية ايضا . ثم اذا اعتبر الكتاب العرب ان هذا العمل هو ثورة فنكون بذلك قد دخلنا موسوعة جينس في عدد الثورات.
ومايثير الدهشة هو اعتبار تعري الفتيات على الانترنيت ثورة فلماذا لم تستخدم هذه الطريقة المريحة في اسقاط بن علي ومبارك والقذافي والحسن الثاني؟ ثم هل يمكن ان نعتبر تعري الفتاة ثورة في مجتمع شرقي هل تملك الشروط الذاتية لكي تكون عنصر من عناصر الثورة؟

لقد فات هؤلاء الكتاب معنى الثورة والتي تعني حراك جماعي شعبي يؤدي الى قلب نظام الحكم من سلطة طبقة حاكمة واستبدالها بطبقة حاكمة اخرى وتغيير النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري للمجتمع.
فهل هذا ماحدث؟ هل استطاعت المراة بالتعري ان تغير البنية التحتية للمجتمع؟

ويبقى السؤال هنا: هل تعري الفتاة على الانترنيت هو احتجاج على ظاهرة الاباحية الايروتيكية؟ ام هومطلب منها بان ينظراليها الرجل كانسان لاتختلف عن الرجل كما فعلت النساء الدنماركيات في اول احتجاج لهن؟ ام هو مجرد رغبة من الفتاة كاي امراة ان تظهر جسد جميل عاري كاي لوحة فنية يرسمها فنان تشكيلي ؟

وهنا دعونا نتذكر السيدة انديرا غاندي التي كانت اول امراة في الهند تستلم منصب رئيسة الوزراء ولمرتين وبدون ان تتعرى بل بالعمل السياسي الدؤوب حصلت على هذا المنصب؟

عندما انتقد ت الكاتبة نوال السعدواي في كتباتها التي تتناول حرية المراة ونضال المراة للحصول على حقوقها انتقدت حينها اختيارها الخاطئ لحلبة الصراع عند المراة الذي يجعلها تفشل في الحصول على حقها في المجتمع . فالمراة التي تسعى للحصول على حقوقها المشروعة يجب علبها ان تنطلق من مبدا انها انسان وليس انثى وتنظرللرجل على انه انسان وليس ذكر.
والاثنان يتم اضطهادهما من قبل انظمة رجعية برجوازية خلقت تقسيمات طبقية مثل ثنائية غني وفقير مثقف وأًًمي رجل وامراة ورجل دين وعبد الخ من التقسيمات الطبقية الثنائية المختلفة التي تميز بين افراد المجتمع.

مااقصده هو أن على المراة التي تريد التحررهو الانطلاق من مبدا كونها انسان حالها حال الرجل وليس من منطلق انها انثى وبالتالي فان عدوها الذي ستناضل ضده سيكون هو الذكر .فعندما يكون هذا منطلقها في التحرر فسوف تستخدم السلاح الانثوي اي الجسد العاري ولن تستخدم السلاح الانساني الفكري الذي هو نفس السلاح الذي يملكه الرجل وليس الذكر.
وكما ذكرت في كتاباتي السابقة حول فهم المراة للتحرر يختلف باختلاف البيئة الاجتماعية والتربية الاسرية والوضع الاقتصادي والسياسي الذي تعيش فيه.
فهناك امراة ترى تحررها في حصولها على عمل في مهنة ينفرد به الرجال او ترى تحررها في ان تدخن سيكارة امام الاخرين او في الشارع او ان تشرب الكحول امام الاخرين او ان تلبس قصير او ان تسوق السيارة بدون محرم او ان تلبس البكيني او ان تظهر عارية على الانترنيت.

وكل هذه الاختلافات في مفهوم التحرر سببها يعود كما اشرت اليه في مقالتي ( كلنا عواهر) الى الاعلام والانظمة البرجوازية المسيطرة على الاعلام حيث تغتصب انسانيتنا يوميا من خلال الافكار التي تبثها وتدخلها في اللاوعي لدينا ودون ان نشعر تتحكم بسلوكياتنا ومبائنا . , ولوهلة قصيرة تصورت بان هذه الفتاة ربما قرات مقالتي انا عاهرة وافتخر وكلنا عواهر وقد اساءت فهم العنوان.
مكارم ابراهيم