لا للحريات الاجتماعية



نادين البدير
2011 / 11 / 20


عام ١٩٢٣ هدى شعراوى تنزع الحجاب

توالى بعدها نزع الملاءات والعباءات وتصاعدت حدة النهضة النسوية العربية لتبلغ أوجها.

عام ١٩٧٠ نوال السعداوى تؤلف كتاب المرأة والجنس.

أول شريعة حق مصاغة بحياة المرأة، تعلن أن السيدة الحالمة ليست مخطئة وأن المساواة هى أصل العلاقة بين الرجل والمرأة.

عام ١٩٩٠، عام الحرب والتطرف. سعوديات يتظاهرن مطالبات بحقهن بقيادة السيارات فى شوارع أقسى العواصم العربية تشدداً.

هؤلاء، حتى الآن لا أعرف كيف أصف الإيمان بالحرية الذى تملكهن تلك اللحظة ليتمكن من غزو الشوارع وسط ذهول الشعب قبل النظام.

تلك من التواريخ الحاسمة بحياة العربيات. تواريخ صنعت التاريخ.

اليوم، وفيما نسمع الهلع ليل نهار من وصول متشدد للحكم، أشاهد السكينة والهدوء وابتسامة ثقة بوجوه عدد من العربيات المخضرمات صاحبات تلك التواريخ العلامات الفارقة، أبرزهن نوال السعداوى من مصر وسعيدة بلحاج من تونس. سألتهن عن الخوف من ضياع منجزات عقود من النضال النسوى وسط حكم متشدد.

أى ضياع؟ ما حققنه ووصلن إليه لن يتأثر مطلقاً بتطرف الحكم أو مدنيته. كل هذه الثقة هى ذاتها التى دفعتهن لرمى أجسادهن أمام طعنات الأنظمة واستبدادها فى عهد كانت الغالبية مطأطئة الرأس به. الفعل أقوى أثراً من الكلام، فليس أصعب على السيدة من أن تقف وحيدة أمام مجتمع شرس ثم تختصر نضالها بإعلان ثورة فردية، هؤلاء كانت مهمتهن أصعب، قلن «لا» فى زمن انحنت به الأكثرية.

قدمن إجابات أنثوية وسياسية لكل صرخات الحرية التى كانت تمزق رأسى سنوات صباى، حينها لم تكن هناك ثورة عربية، لم يكن هناك سوى مؤلفات ممنوعة لهن تمكنت من تهريبها لمكتبتى السرية، ولم يكن حولى سوى عباءات سوداء تلتف بها سيدات مجتمعى المقموعات، قبل أن يجىء دورى لألتف بها أنا أيضاً، وبأمر القانون، كانت تخنقنى وتهدد كل أمل بحريتى. تلك الخيوط السوداء التى لا مهمة لها سوى تكبيل مشيتى وعملى وحبى ورغبتى ونزوتى وذكائى وكل شىء، أحياناً أتساءل: ترى لو مر طيفهن من هنا هل سيفعلن الشىء نفسه؟

هل كن سيقررن الانتقال دفعة واحدة من الانزواء تحت خدر العباءة إلى التظاهر فى الشوارع، أم سيرضخن لتدرج الحرية الذى أرضخ له اليوم؟

كيف تغلبن على أوجاع مئات من سنوات الخجل والخوف؟ وكيف خرجن بسن عربية مبكرة من شرنقة العيب والعار؟ وأتساءل: هل حسبن حساب ألسنة المجتمع التى ستلوك شرفهن أم أن معيار الشرف السطحى لا يكون مهماً عند عقد صفقة مع الحرية؟

لم يفرقوا بينهن وبين الساقطات، كعادتهم يخلطون الأوراق، ويميزون بلا رحمة بين السيدات. أطلقوا عليهن أبشع الأوصاف حتى قالوا إنهن عاهرات.

حين تخرج المرأة اليوم فى ظل الثورات لتعلن أن من حقها قيم حرية جديدة يتفاجأ الرجال مثلما فاجأوا الأنظمة والحكام. يتسمر الرجال أمام ثورة النساء مثلما تسمر حكام العرب أمام الأغنام المطيعة تتمرد وتتحول لأسود مفترسة تزأر عالياً: يسقط النظام.

وفق شريعتهم لن ترافق الحريات السياسية نداءات لأى حريات اجتماعية. كل المطلوب تحرر الرجال، كل المطلوب تغيير الأنظمة، والمطلوب أيضاً إبقاء الوضع المجتمعى الذى أنجب تلك الأنظمة وأخرجها للنور بتربيته وتنشئته وتسلطه، إبقاء كل ذلك كما هو دون مساس. كم نظاماً مستبداً فى انتظارنا مستقبلاً إذن؟

كل شىء يمكن تخيله سوى منح النساء حريات اجتماعية تستبيح شرف المجتمع، ولا نسمع عمن يصرخ بوجه الثوار ليخبرهم أن حرية الرجل تعنى الفسق والفجور أيضاً، فأين الثوار؟

أين الذين استباحوا شرف النساء حين سمحوا لهن بالوقوف بكل تظاهرة وثورة.. يا أصحاب المصالح: ألم يكن وقوف تلك الأجساد الرقيقة بين الملايين طعناً للشرف؟

أين الثوار الذين استباحوا أجساد النساء وهى تتهاوى أمام طلقات رصاص الاستعمار بالعهد القديم، ثم رصاص بلطجية الأنظمة بالقرن الجديد. لم يشفع لدى الثوار تعرض المرأة لأسوأ أنواع القتل والاغتصاب على أيدى الاستبداد، بل دفعوها لأن تكون واحدة من الأضحيات، حتى ثائرو الإسلاميين الرافضون لرؤية ذلك النجس المسمى (امرأة) أفتوا بجواز مشاركتها بغزواتهم المجنونة وأمروها بتفجير جسدها باسم الله والجهاد. لم يخش أحدهم على المدعو (شرف) وقتها. وحين ماتت نساء الثورات اكتفوا بنشر لافتات كتب عليها (شهيدات) وانتهى.

أجساد النساء كانت لعبة بأيديهم، يقررون متى تستباح ومتى تختبئ بالظل، بعضهن لسن خائفات من تكرار النتيجة المعتادة حيث تنتهى حرية النساء مع انتهاء الثورة لتعود الثائرات بعدها للمطابخ والكهوف، لا تفارقهن الابتسامة قائلات بحس عالى: لن يحدث ذلك، فالنساء اللواتى تفوقن على كثير من الرجال فى مواجهة عقود من ظلم النظام والمجتمع قادرات على مواجهة أى شىء آخر، أنا أيضاً أتمنى ذلك.