الجدل العقيم حول الحجاب !!



شامل عبد العزيز
2011 / 11 / 20

الحجاب لا يدعو إلى الفضيلة كما أنّ السفور لا يدعو إلى الرذيلة .
ترددتُ كثيراً قبل أن اكتب في هذا الموضوع وخصوصاً أنّه قد أصبح * مضغة * لكل عابر انترنت ( عبارة الأستاذ نادر قريط ) ..
كتابات مجتزئة وردود في غير محلها وتعليقات لا تصب في أصل الموضوع ,, هذا ما لاحظته على بعض المقالات التي نُشرت في الحوار المتمدن في الفترة الأخيرة حول ( عاهرة وافتخر ) أو ما شابهها من عناوين أخرى ...
أنا هنا لا اقصد أي كاتب أو كاتبة بل ما يعنيني هو الفكرة الرئيسية التي دار ويدور حولها النقاش في تلك المواضيع ..
هل الحجاب فريضة دينية في الإسلام أم رمز لاضطهاد المرأة ؟
مجلدات من الأقوال بين مؤيد ومعارض عند رجال الدين ومن يناقش هذا الموضوع دون نتيجة .
ما هي أسباب الجدل في العالم الإسلامي وأوربا حول الحجاب والنقاب والبرقع ؟
كذلك مجلدات ومقالات وأقوال وأراء * بدون نتيجة *
مناقشات حامية تدور حول اللباس الإسلامي للمرأة ليس في أوربا والعالم الإسلامي بل على صفحات الحوار المتمدن أيضاَ .. وكذلك لم نصل لنتيجة فلا زالت هذه المناقشات ( على رمال متحركة وأرضية هشة ) ..
سوف نتناول بعض الأسئلة ؟
ما هو لباس المرأة في سبعينات القرن الماضي ,, سوف نأخذ بغداد عاصمة العراق * العظيم * مثالاً دون مصر ولبنان وسوريا والمغرب العربي ..
ما هو لباس الفتاة الجامعية في تلك الفترة وحتى منتصف التسعينات ؟
في عام 1991 أطلق صدام حسين على نفسه لقب * عبد الله المؤمن * وقام بعدة أعمال منها * إغلاق كافة النوادي الليلية المنتشرة في العاصمة * ومطاردة وتفتيش بيوت * الدعارة * ومنع محلات بيع المشروبات * الخ ..
يبدو أن عبد الله المؤمن قد جاءه الوحي في لحظة تأمل وهو واقفاً ينظر إلى نهر دجلة ؟
مَنْ منكم لا يتذكر * ميني جوب * أو ميكرو جوب ؟
أفلام السبعينات والثمانينات ويقال أن الفن هو انعكاس للواقع ..
ما هو اللباس السائد في ذلك الزمان ؟ هل سألنا أنفسنا ؟
لماذا ليست عاهرة في تلك الفترة ,, هل جاء الوحي عام 2000 ؟
المرأة في مدينة بغداد التي ترتدي العباءة وتغطي جسدها هي ( العاهرة ) ,, اسألوا عن هذه الحالة لعلي اكتب من وحي الخيال ؟
ماذا كانت ترتدي زميلة المهندس المستشار جاسم الزيرجاوي على مقاعد الدراسة ؟
إذن ,, لماذا تغيرت المفاهيم ؟
نعود ونقول : هل جاء الوحي عام 2011 ؟
كم اخجل من نفسي عندما أرى البعض * مع احترامي الشديد* يلهث وراء تعليقات سقيمة وأفكار عقيمة ,, لا ادري ما هو السبب في حقيقة الأمر ؟
أصعب شيء أن يخسر الإنسان نفسه من اجل أفكار أو أراء في غير محلها ؟
إلى ماذا يرمز الحجاب في الغرب في الوقت الحالي ؟
تقول * سوزانه أندرفيتز * الباحثة في الدراسات الإسلامية - ترجمة السيّد عبد اللطيف شعيب - :
( يرمز الحجاب في الغرب إلى رفض الاندماج ورفض الانخراط في المجتمع ، كما أنه يرمز من جهة أخرى إلى البحث الذاتي عن طريق "ثالث" وإلى المطالبة بالعدالة بين الطبقات وبين الجنسين هذا على الصعيد الخارجي , أما على الصعيد الداخلي ، وعلى سبيل المثال في المجتمع المصري أو السوري أو التركي فإنه يرمز إلى المطالبة بالعدالة بين الطبقات وبين الجنسين ( ..
هل الإسلام هو الذي جاء بالحجاب ؟
ما هو أصل الحجاب ,, هل ما تضعه المرأة الآن على شعرها مع بنطلون الجينز وتي شيرت يعتبر من الحجاب ؟
نعود للسيّدة سوزانه :
يعتبر حجاب المرأة في الشرق الأدنى أقدم بكثير من الإسلام ، وقد انتشر في أوروبا في شكل آخر حتى مطلع الحضارة الحديثة . ولأن الشعر كان يعتبر في العصور القديمة مركز للحيوية ، حظي باهتمام شديد ، ولم يقتصر ذلك على شعر المرأة فقط ، ودلالة ذلك ما ترويه قصة شمشون ودليلة في التوراة ، تلك القصة التي أخذت أشكالا متعددة في فن الرسم والموسيقى الأوروبية.
هل هناك فترة استثنائية وما هو السبب ؟
أيضاً الجواب يأتينا من باحثة الدراسات الإسلامية :
على الرغم من ذلك كان لابد أن يخضع شعر المرأة على مر العصور لإجراءات تحفظية خاصة ، وباستثناء فترة العشرينات نجد أن المرأة المحافظة لم تخرج إلى المدينة بدون القبعة حتى منتصف القرن الماضي ، كما أننا نجد التعبيرات اللغوية التي تعني الزواج - والتي تنقرض تدريجيا - تدل على إستراتيجية " الترويض" التي كانت تخضع لها المرأة بعد تزويجها.
هل الصراع الطبقي له دور رئيسي في مسألة الحجاب أم أنها مسألة دينية بحتة ؟
لماذا أصبحت هذه المفاهيم والعادات القديمة * ديناً * قائماً بذاته ,, هل درسنا التاريخ وتطوّره ثمّ خرجنا برؤية حقيقية عن أصل المفاهيم التي نكتب عنها ؟
( دائماً ما نبحث عن ثغرات بزعم التنوير والذي يرآه بعض العقلاء * تجهيل * ) ..

الحجاب كرمز طبقي :
لم يكن الإسلام شاذا باهتمامه بموضوع الشعر، فقد أخذ الإسلام الخطورة التي يسببها سفور النساء مأخذا جادا أكثر من اليهودية والمسيحية ، ويدل على ذلك دعوته للبس الخمار وإنشاء الحرملك (مساكن للحريم) ، أو ربما كان ذلك الاهتمام سببه أن المجتمع الإسلامي في العصور الوسطى كان يتمتع بموارد اقتصادية كبيرة ، لدرجة أنه كان بإمكانه الاستغناء عن النساء في مجال العمل – وهن قسم كبير من المجتمع– وجعل وظيفتهن تكمن فقط في التكاثر؟
ولكن ماذا عن المرأة البدوية ؟
على الجانب الآخر كانت البدويات والفلاحات في المجتمع الإسلامي لا تلبسن الخمار ولا تعشن في الحرملك ، فكان لبس الخمار حكرا على نساء المدينة من الطبقات الغنية ، وكان رمزا مميزا لهن يسبب حقد الطبقة الفقيرة عليهن.
هل المرأة البدوية لا ينطبق عليها شرع الله بعدم ارتداءها الحجاب وهل هي عاهرة وتفتخر ؟ لا أدري ؟
الآن نأتي على المرأة الجديدة وهل تغيرت هذه الظاهرة وأين ولماذا ؟

لقد تغيرت هذه الظاهرة أولا في مصر - ذلك البلد المسلم الذي كان خاضعا لتأثير الغرب - وأصبحت تعتبر هدامة ، ففي عام 1899 نشر المصلح قاسم أمين مقاله تحت عنوان "تحرير المرأة" وبعد عامين تبعه بمقال يعضد آرائه تحت عنوان "المرأة الجديدة" كرد على اعتراضات شيوخ الأزهر * المتشددين * ( هناك من يرى أن الحجاب ليس من الإسلام في شيء فلماذا لا نأخذ بهذا الرأي ونلهث وراء أراء أخرى ) . فهو يرى * أي قاسم أمين * أن تدهور الاقتصاد راجعا إلى الاستغناء عن اليد العاملة الجيدة ، أي النساء ، ويرى أيضا أن ضررا قد يلحق بالأجيال القادمة مرجعه أنهم سوف يتربون على يد أمهات نصف متعلمات.
ما هي النتائج ؟
وضعت نساء الطبقة العليا حجابهن في العقدين التاليين ، واشتركت في المظاهرات ، وكافحت من أجل الالتحاق بالجامعات . وبعد عقود ، وخاصة بعد ثورة 1952 التي جعلت من جمال عبد الناصر زعيما للعالم العربي والإسلامي والعالم الثالث أجمع ، تم وضع برامج لتربية البنات ووضع شروط لتسهيل عمل المرأة ، و كانت القاهرة في فترة الستينات تظهر كمدينة متحضرة فيها القوى العاملة الناشئة التي كانت تتطلع إلى الغرب كمثال يحتذى به )هل كانت المرأة المصرية عاهرة في تلك الفترة ) ؟ اسألوا أهل الكنانة ؟
إذن لماذا حدث العكس ,, أليس الحياة في تطور مستمر أم لا ؟
عودة إلى الجذور :
إلا أن الوضع قد تغير كثيرا بموت عبد الناصر بعد هزيمته الفادحة في الحرب ضد إسرائيل في يونيو 1967، كما أنه تغير بانتهاج أنور السادات ، الذي خلفه في الحكم ، سياسة هيئت للمتدينين الأجواء لكي يساعدوه في التغلب على اليسار الناصري ، وفتحت للمستثمرين الأجانب الأبواب على مصراعيها.
ولهذا وجدت الطبقة الوسطى الطموحة - أطباء وحقوقيون ومهندسون – أنها قلقة على مستقبلها ، ومن ثم نشأ من بين هذا الوسط "حركة إسلامية" لم تكن من بين رجال الدين ، تدعوا إلى الرجوع للأصول من أجل الخلاص من الوضع الاجتماعي السيئ ، أي الرجوع إلى مبادئ وأحكام الإسلام .
ماذا حدث بعد نشوء هذه الحركة ؟
مع نشوء هذه الحركة ظهر حجاب المرأة مرة أخرى ، ليس في مصر فقط، بل في بلدان إسلامية أخرى تبدل فيها وهج المدنية إلى خيبة أمل. فنجد الحرب الأهلية في لبنان ، والثورة الإيرانية ، وتأجيل حل المسألة الفلسطينية ، كل ذلك ساهم في تحول أنظار البشر إلى الرجوع للإسلام من أجل الخلاص وأصبح الشعار هو "الإسلام هو الحل".
ماذا يعني الرجوع إلى الإسلام وشعار * الإسلام هو الحل * على حقيقته وليس على أوهام البعض ؟
إن الرجوع إلى الإسلام لم يكن منذ البداية سوى رد فعل على المدنية الحديثة وأحد ظواهرها ، ولم يكن رجوعا إلى "العصور الوسطى"، وهذا ينطبق أيضا على الحجاب الذي لم يكن اختراعا جديدا ولم يكن سابقة في تاريخ الإسلام ، ( كان حجاب المرأة يختلف من منطقة لأخرى وكان ينظر إليه كظاهرة اجتماعية دون المستوى، واليوم نراه يفهم على أنه المقياس " الإسلامي " إلا أنه قد اتخذ أشكالا متعددة). وهذه المدنية الحديثة تنعكس في وظيفة الحجاب التي لا توحي بالرجعية، حيث أن للحجاب أهمية ثقافية وسياسية واجتماعية إلى جانب أهميته الدينية.
هل الغرب ينتبه إليه بسهولة ويسر ؟
هذا مالا ينتبه إليه الغرب بسهولة، لأن"اللباس الإسلامي"، للرجال أو النساء ، يحمي من يلبسه ضد غلاء الملبس وأدوات التجميل والحلي وما شابه ذلك ، كما أنه يمكنه من التخلص مما يدل ظاهرا على نشأته الاجتماعية التي قد تقلقه نفسيا. وعلاوة على ذلك فإن اللباس الإسلامي يساعد الفتيات والنساء – اللاتي مازال يحكمهن الرجال – في الحماية من المضايقات الجنسية ويفتح لهن طريق العلم والوظيفة.
هل للحجاب وظائف ؟
وظائف الحجاب :
إن للحجاب وظائف متعددة ، منها ما قد يفهم على أنه رمز للمدنية ، ومنها ما قد يفهم على أنه رمز للرجعية ، فيكون- على سبيل المثال – تارة أداة يمنع بها الأب ابنته عن مواصلة التعليم ، وتارة أخرى وسيلة للبنت لتقنع أبيها بمواصلة التعليم . ومن الصعب فهم وظيفة الحجاب إذا وضعنا في اعتبارنا المفهوم الإسلامي الذي يرى أن الحجاب ما هو إلا بؤرة الكفاح من أجل الإسلام الحقيقي وضد محاكاة الغرب.

إنه لحدث جديد البتة في تاريخ الإسلام أن يصبح جسم المرأة محطة اندلاع حرب حضارية وهمية بين الإسلام والغرب الوثني، في حين أن الغرب يظهر – من وجهة نظر الإسلام – في صورة بشعة بسبب سوء تصرفاته تجاه الجنسين والأجيال والأسرة والناس أجمعين.

وعلى العكس من ذلك يكمن الإسلام الحقيقي في نقائه "الأصلي"، بملامح قمعية ، لأن وظائف الجنسين فيه محددة وتُفهم على أنها مثالية. ولكن هناك اعتبارات أخرى لا تساعد الفتاة المسلمة عند البحث عن هويتها في هذه المتاهة بسبب المطالب المختلفة التي ينتظرها الوالدين والمدرسة والأصدقاء ومكان التعلم أو المجتمع الديني أو الحي السكني.
هذه هي الآراء التي أوردتها السيّدة سوزانه حول الحجاب بينما نجنُ لازلنا نكتب عن الحجاب بطريقة مقلوبة ومعكوسة لا فائدة منها ..
هل سوف تفتخر نساءنا مستقبلاً أم سوف نفهم * الحقيقة * ؟
/ ألقاكم على خير / ..