الصحافة النسائية : أي خطاب ولمن يوجه ......... ؟



بشرى ناصر
2004 / 12 / 25

في ظل تردي الإعلام الموجه للمرأة؛ و المطبوعات الموجهة للنساء باسم الصحافة النسائية وبشكل لا يخلو من مرارة.. أشير في هذا السياق متسائلة: لمن توجه تلك المطبوعات المدموغة بصفة (مجلة المرأة) أو مجلة الأسرة...... ؟
وأية قيمة تساهم تلك المطبوعات بتأسيسها ؟
في تصفح سريع لعدد من تلك المجلات العربية نلاحظ أولا : فوقية تلك الصحافة على النساء العربيات لأن المجتمعات العربية التي لم تحسم موضوع الفقر بعد .. حيث لا تزال نسبة كبيرة من قطاع المجتمعات تمثل القرويات والفلاحات والأميات؛ بما نقرأه من أمية متفشية؛ فهل هن بحاجة لتحريض يدعوهن لمزيد من السخط على واقعهن عبر المجلات النسائية الداعية لمزيد من استهلاك ولهاث متواصل لعوالم كاذبة وهمية عبر الصورة المرفهة لأحدث المودات والتقاليع والعطور وأدوات الزينة ؟ وحيث لا يزال قطاع كبير من النساء العربيات غارق في تفاصيلهن الخاصة ووسائل الزينة البدائية جداً والقديمة مثل (الوشم ؛ والأثمد أو الكحل العربي ؛ والديرم ) وما الى ذلك ؟ فالفجوة بين تلك الصحافة والنساء المعنيات فجوة ثقافية اقتصادية ومعرفية ؛ خاصة اذا قلنا أن أجر المرأة (العاملة) الشهري قد لا يكفي ثمناً لزجاجة عطر أو أصبعاً لأحمر الشفاه ...فهل يعني ذلك أن المجلات النسائية موجهة فقط للأوساط المرفهة المترفة والتي تمثل ربما أقل من نسبة 20 % من النساء العربيات ؟
قد يبدو هذا غير محبط لو أن صحافة النساء تتناول في مبيعاتها شريحة معينة من المجتمعات؛ ولو أنها لا تقوم بغير تهميش نساءنا وتعميق القطيعة بينهن وبين مفاهيم المطالبة بالمساواة ؛ فنحن النساء اللائي خضعنا طيلة أعمارنا ولقرون لاعتبارنا المرايا السحرية التي (تصور) الرجل بضعف حجمه الطبيعي والحقيقي .. تأتي تلك الصحافة لتكرس لنا الجسد والاحتفاء به والاحتفال به من الرأس حتى أخمص القدم وليغدو عبدا لطقوس لا تعني الحفاظ عليه فقط بل جعله جذاباً مثيراً كممثلات السينما وعارضات الأزياء ؛ فنجد أنفسنا هنا في مأزق( عبودية الجسد ) بينما يمضي الخطاب المثقف المسئول لتسليط الضوء على تحرير المرأة تحريراً فكرياً كاملاً بوعي قضاياها المتمثلة في : كيف تتعامل مع ذاتها كإنسانة صاحبة قرار لتسيير شؤونها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و في ظل التراكم القديم من الوصايات الأبوية ... فما يطلب اليوم عبر تلك الوسائل الإعلامية:هو إنتاج (جسد امرأة) رشيقة بقد مياس ومثيرة جنسياً وللدرجة التي قلبت موازين ومعايير كثيرة ؛ وغيرت نمط تفكير المجتمعات العربية التي كانت قبل سنوات تحرم عمليات التجميل وتراها بطراً لا لزوم له اجتماعياً وتطاولاً على خلقة الخالق دينياً؛ الى قبول جماعي وموافقة طالما توفرت الوسيلة والنقود ... بمعنى أن مقياس الجمال تحول وتغير بشكل انقلابي فصار تبعاً للسوق والتسويق بعدما كان نسبياً ؛ وليؤثر تأثيراً تاماً على فكر المرأة وفكر المجتمع ؛ وكمثال : كنا قبل عقود ننظر للشقراوات باعتبارهن غربيات وأوربيات .. لكن نصف نسائنا اليوم أصبحن شقراوات بفضل الصبغات والعدسات اللاصقة الملونة؛ مما يعني مضينا اللاهث خلف (النموذج المرسوم) وهو استنساخ لصورة المرأة الغربية وبشكل مرعب متسارع ؛ ناهيك طبعاً عن محاولات تنميط الجسد العربي التي تجعله خاضعاً لمعايير لا علاقة لها بالخصوصية العربية والسمات الشرقية ؛ وبمعنى آخر هي محاولة مستمرة ودءوبة للتمركز حول (الأنثى) مما قاد لتراجع الرسالة الإعلامية .
حيث تصرف النساء أموالاً وأوقات طويلة للوصول لهدفهن المنشود ؛ أو( النموذج المثالي) الذي عجزن عن الوصول له فقد يتعرضن لإحباطات ومتاعب نفسية قد تتطور لتصبح أمراضاً نفسية وعضوية.... كما نرى أن النموذج المشاع المرغوب الممثل بعارضات الأزياء..لا يخلو بحد ذاته من عبودية وإذلال بتفريغهن من أي محتوى فكري وطرح أجسادهن كمادة ووسيلة للاستمتاع ولو بالنظر أو تشيئ أجسادهن لأغراض تجارية تتبع العرض والطلب ... كما تحاول المطبوعات الموجهة للنساء بالتغرير بهن والكذب عليهن بسلسة طويلة من الأكاذيب تبدأ بتصوير الحياة الزوجية بصورة وردية حالمة لا تعني غير باقات ورد متناثر وزهور وشموع وأجواء حبلى بالرومانسية ؛ وديكورات رائعة لبيوت مثالية لا تتحق حتى في الأحلام .. مما يجعل الفتيات يصطدمن بالواقع المتعقل في بداية حياتهن ودخولهن تجربة الزواج ؛ ذلك الواقع الذي يملي شروطه العملية ولا ينتمي للصورة المرسومة في تلك الصحافة النسائية.
كما يعاب على تلك الصحافة تكريسها أدواراً ثابتة ومحددة للمرأة وتكاد لا تتزحزح عن: الديكور والمطبخ والتجميل... أما الجانب المهني أو اختراق النساء لسوق العمل فالصورة الحالمة نفسها لا تتغير ولا تستطيع التوافق مع الواقع وشرحه بصراعاته ومشكلاته .. كما نرى الأحكام الجاهزة الأشبه بالقوالب في التقارير والموضوعات مثل (علاقة المدير بالسكرتيرة) والخيانات الزوجية وما الى ذلك ... من قصص غريبة شاذة وفضائح تدور أو تفتعل في حياة المشاهير والفنانين .
باختصار شديد : المجلات الموجهة لنسائنا العربيات مجلات متبطرة بعيدة عن الواقع لا تنزل لحال الفقيرات المعدمات ولا تخاطب الفلاحات القرويات كما لا توجه خطابها لذوات الدخل المحدود أو المتوسط ؛ وهي تحول نسائنا لسلعة تستهلك السلع ؛ و تحاول طرح منظومة من القيم / الأفكار لا علاقة لها مطلقاً بالنساء العربيات .