النقاب والعقاب



عبدالله صقر
2011 / 12 / 10

نحن فى حاجة ماسة للحرية التى باتت غائبة عنا منذ سنوات طويلة , لآنها حاجة من حاجات المجتمع المدنى , مثل المأكل والمشرب , الحرية ضرورة من ضرورياتنا , لا نستطيع أن نستغنى عنها , ولذا كان من الضرورى أن نستنشق عبيرها الذى حرمنا منه طوال سنوات , لم نلق فى هذه السنوات إلا القهر والمهانة على يد من لا يرحم , والفرق بين الآنسان والحيوان فى رأى الشخصى هو الشعور بالحرية والتمتع بها , لآن الآنسان دائما ما يخضع الحيوان تحت سيطرته , فالحيوان غالبا حريته غائبة عنه , والآنسان منذ أن خلق وهو يبحث عن حريته , وإذا لم يستطع أن يحصل عليها من سلطان جائر , فهنا تهب الشعوب لآخذها منه عنوة , وضحايا الحرية كثيرون , فأمهاتنا ولدتنا أحرارا ولسنا عبيدا عند أحد .

والحرية بمعناها الشمولى هى التحرر من كل القيود التى تعيق حركة حياة الآنسان وتجعله مكبلا , والحرية ليس معناها التسيب والخروج عن القوانين والأعراف , أو الآنحلال والآخراط فى البلطجة , أو التعدى على ممتلكات الغير , فالحرية التزام , وان نقر بحقوق الغير ونحافظ على ممتلكات الدولة التى هى أساسا ممتلكاتنا , لآن الحرية وسيلة لتحقيق العدالة بين الناس , إنها ليست هبة يمنحها الحاكم لشعبه , إنما هى حق من حقوق الشعوب , حق مكتسب , ودائما الذين يشعرون بالأنتماء للوطن هم أنفسهم الذين يقدرون معنى الحرية ويحافظون عليها , إذا هى حق مكتسب للشعوب الواعية ومدركة لمعناها .

كثير من الشعوب نالت حريتها بعد أن سالت دماء أبناءها وطهرت تراب الوطن من براثن الغدر والقهر , فالشعب الفرنسى لم يكن له قائمة إلا بعد أن سالت الدماء على أرض فرنسا . ولا ننسى أن للحرية حدود , حتى لا تكون هناك فوضى , إنها سحر الحياة ولا يستطيع أن يستوعبها غير العقلاء , إن العقلاء يفهمون معناها . نعم يجب أن يعيش الآنسان فى جو من الحرية .
ففى الآعلان العالمى لحقوق الآنسان تقول المادة الآولى من مواده : ( يولد جميع الناس أحرارا متساويين فى الكرامة والحقوق , وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الآخاء ) .
ونجد فى المادة الثانية من نفس الآعلان العالمى حيث تقول : ( لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات وكل الناس سواسية أمام القانون , ولهم الحق فى التمتع بحماية متكاملة دون أية تفرقة ) .
ورغم ما نراه من قوانين وعهود ومواثيق دولية لضمان سلامة وحرية الآنسان من بطش أخيه الآنسان , نرى فى كثير من بلدان العالم المقهور , أن الآنسان مهان ومسحوق من قبل قوى الظلم المتمثلة فى الحكام وزبانيتهم الطواغيت , وهناك تجاوزات كبيرة فى حقوق الآنسان .
هذه المقدمة التى أطلت فيها كنت أقصد صراحة موضوع أبن صديق لى , هذا الشاب تحول فجأة الى إنسان أخر , غير الذى كنا نعرفه , إنه تحول الى شخص ملتحى , وأنا أرى أن هذا حقه ما دام هذا الشخص لم يؤذى أحد , والمثل يقول أنت حر ما لم تضر , هذا الشخص بين ليلة وضحاها وجدته يلبس الجلباب القصير حتى الركبة , لدرجة أنى كنت أرى شعر أرجله ظاهرة للعيان , ويمسك فى يده ما يسمى بالسواك , طوال الوقت , لآن فرشاة الآسنان شحت من البلد ومنع تصديرها الى مصر ! هذا الشاب كان متزوجا حديثا , وسألته عن سبب التحول السريع والفجائى , فقال : أن ربنا هدانى , فقلت له : نحن إذن غير مهتدين ! فرد وقال , ربنا يهديكم , أنا الآن إنسان ملتزم ,فسترعانى هذا الكلام وبصراحة , أستغربت من رده .

وذات يوم وجدت زوجة أبن صديقى هذا , تأتى عندنا لزيارتنا وتشتكى من زوجها الملتزم وما يحدث من زوجها وطريقة معاملته لها , لآنه يجبرها على لبس النقاب وبالعافية , ولا يراعى شعورها وأدميتها , فهى بنت متعلمة وخريجة جامعة , لكنه , وصلت به الآمور للتسلط وقهر زوجته غصب عنها وهى التى عاشت فى كنفه , النقاب لم يكن فرضا , بل إذا لم يأتى عن طريق الآقتناع فهذا حجب للحريات , كما كان يفعل الحكام المفسدين معنا , أذا لا فرق بين من يفرض النقاب , وبين من يحجب الحريات !

هذه المرأة غير مقتنعة بالنقاب بالمرة وفى داخلها رفض تام للفكرة , وهى رافضة لكلام زوجها عن النقاب الذى يريد أن يعزلها عن مجتمعها , وتصبح كالخيمة المتحركة فى الشارع , كنت جالسا وأنا أستمع لحديثها , والفكرة الآساسية هى أنه غيور ولا يسمح لآحد غيره برؤية وجهها إطلاقا , فهى ملكا ليمينه هو فقط , وقالت لى المرأة : هل الآسلام فرض النقاب على المرأة , قلت لها يا أبنتى هذه مشكلتك أنت ولازم تحليها بإقناع زوجك , ويجب أن تواجهيها بصلابة وحسم أمام زوج لا يقدر مشاعر الآخر , وحاولى أن تناقشيه بصراحة وبدون خوف , فقالت : هو يهددنى بالطلاق أذا لم أنفذ كلامه وأرتدى النقاب , لبسته عدة أيام ولم أطيقه لآننى حين أرتديه أحسست بأنى سوف أختنق وأموت , كما أنه يعيقنى فى شرب الماء أذا ما عطشت وأنا فى الشارع ..... ما عدت أحتمل لبسه أبدا .

نحن نريد زوجات على هوانا , زوجة نضعها فى ميدالية المفاتيح نخرجها وقت ما نشاء لا رأى لها ولا مشورة , وكأننا عدنا الى عهود الظلام , عهود الجاهلية الآولى حين كانت الفتاة تؤاد وتوارى التراب ولا حول لها ولا قوة , حين كانت القبائل تسطو وتغزو بعض وتسلب وتنهب وتأخذ النساء سبايا وتحلهم لأنفسهم , أنها لأعجوبة من أعاجيب هذا الزمان الذى يذكرنا ماضى أليم .
هذا ما كنت أقصده من حديثى عن الحرية التى أخرجتنا من الظلمات الى النور , والآن مؤشرات الجهالة تعود رويدا رويدا الينا حتى نحبس بناتنا فى البيوت ولا نخرجهم إلا على بيت العريس أو الى قبورهن عند الوفاة , الآنسان هو أثمن ما فى هذا الوجود , فلا رجعة بالأنسان الى عصور الظلام.