الحجاب والسفور: معركة الربيع العربي الجديدة !!



وديان حمداش
2011 / 12 / 16

يعد الحجاب من أكثر المواضيع التي تشغل الرأي العام العالمي بمختلف طبقاته وأيديولوجياته وسياساته، خاصة بعدما أصدر البرلمان الفرنسي (2004) قانون يحظر إرتداء أي رموز دينية بالمدارس الحكومية للحفاظ على علمانية الدولة. وقد أثار هذا القرار غضب واستياء بعض علماء الدين المسلمين، الذين يعتبرون الحجاب جزء لا يتجزء من الهوية الإسلامية. ها هي ريح هذا الغضب تحل اليوم ضيفا على تونس —مهد الربيع العربي والدولة السباقة لمنع الحجاب في زمن الراحل الحبيب بورقيبة (1981)، بمقتضى (المنشور 108)، الذي يمنع الحجاب باعتباره "زيا طائفيا". مضى على هذا القرار أكثر من ثلاثين حولا، وها هواليوم وبعد سقوط نظام بن علي، يطفو على السطح من جديد ليقسم الشعب التونسي إلى فريقين: فريق يطالب بالحفاظ على علمانية الدولة التونسية ورفض إرتداء الحجاب باعتباره موروث ثقافي قديم وليس فرضاً دينيا، وفريق يندد بالحظر ويطالب باستعادة الهوية العربية الإسلامية لتونس وبالتالي فرض الحجاب. وللسيرعلى المنهج الوهابي والإقتداء بالسلف الصالح ( مشايخ السعودية)، تم تأسيس هيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"على يدعادل العليمي—واحد من أصحاب الدقون الطويلة (أو بلطجية النظام الجديد) الذين يقومون بترويع النساء، وفرض الحجاب عليهن بالقوة، ومنعهن من الدخول إلى أماكن عملهن. فقد نشرت صحيفة (المغرب) التونسية في عددها الصادر ( 25 نوفمبر) تقريراً عن قيام هذه الهيئة بمنع الدكتورة إقبال الغربي (الحاصلة على الدكتوراه في الشريعة الاسلامية وعلم النفس الديني بجامعة الزيتونة) من الدخول إلى مكتبها بإذاعة الزيتونة ومزاولة عملها. كما أكدت د. آمال قرامي في مقالها "النساء والثورات والعنف" بان "الوضع في تونس ما بعد الثورة يشير إلى حالات عنف ممنهج ضدّ النساء في الشارع وأماكن العمل والجامعات ولجوء بعض العائلات إلى تحجيب الفتيات القصّر رُغما عنهن وممارسة التحرّش بغير المحجبات فضلا عن لجوء بعض المسؤولين والموظفين إلى إلزامية الفصل بين الجنسين أو إجبار البنات المقيمات في المعاهد على لبس اللباس الشرعي." هكذا إذا تحول الحجاب من مجرد "موروث ثقافي بدوي" إلى مطلب سياسي ملفوف بمنديل الدفاع عن الأخلاق وشرع الله!!! والحقيقة أنه لاتوجد هناك علاقة بين الحجاب والدين، والأدلة من القران الكريم والسنة كثيرة جدا، لكنني سأحاول تلخيصها على قدر الإمكان في هذا المقال.

1- سر فرض الحجاب و تاريخيته:

في زمن ليس بطويل إنطلقت دعوات التنوير وتحرير المرأة من قلب وطننا العربي النابض (مصر)، وكان أشهر روادها الكاتب والأديب الكبير قاسم أمين، الذي أصدر كتابين شهيرين (تحرير المرأة، والمرأة الجديدة) أكد فيهما أن الحجاب السائد ليس من الإسلام، وقد حظي بدعم كبير من الإمام محمد عبده وسعد زغلول وأحمد لطفي السيد وغيرهم من رواد التنوير في تلك الحقبة الجميلة من تاريخ مصر. وبعد معركة تحررية قادتها نساء مصر الأبطال، تأسست حركة "تحرير المرأة" بغرض القضاء على الأفكار الرجعية السائدة في المجتمعات الذكورية، وكانت أولى الناشطات في هذا المجال هدى شعراوي، التي قادت ثورة 20 مارس 1919الشهيرة. وفي نفس الحقبة ظهرت أول مجلة تناهض فكرة الحجاب في العالم العربي تدعى "السفور"، كما نشرت الكاتبة نظيرة سيف الدين كتابها الشهير"السفور والحجاب" (1928)، والذى أثار سجالا واسعا ما بين مؤيد ومعارض. ومع مرور الزمن وتطور تكنولوجيا المعلومات وحلول ثورة الإعلام المعاصر(الفيس بوك والتويتر واليوتوب)، لم يعد يخفى على العالم حقيقة الحجاب وتاريخيته، بل أصبح من السهل قراءة الممنوع والتعرف على حقائق أتبتها العديد من الباحثين والمفكرين الإسلاميين المعاصرين،الذين أجمعوا على أن الحجاب/ النقاب هو موروث ثقافي بدوي، كان موجودا في الجاهلية قبل مجيء الإسلام. هذا ما أكده المفكرالمصري سيد القمني في مقاله المتميز(مكانة الحجاب بين فضائل العرب) حينما قال "القرآن لم يفرض الحجاب على نساء المسلمين ولا أشار إليه ولا شرعه ولا قننه، وحتى لو كان فرضًا كما يقولون فهو لتغطية الجيب ولم يتحدث عن الرأس، فالخمر كان علي الرأس كعادة بيئية صحراوية من الأصل." وعلق القمني على الاية التي يستخدمها الفقهاء كدليل على فرض الحجاب {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}( الأحزاب : 59) بأنها أمرت المرأة الحرة في زمن البعثة بتغطية صدرها كعلامة تميز المرأة الحرة عن الإماء، فلا يتعرضن للتحرش أو الأذى. وتاريخيا، وضح القمني بأن المرأة الحرة كانت تلبس خماراً علي رأسها (قبل الاسلام) "لحماية الشعر من أتربة الصحاري و حرها". ولم يذهب الزمخشري بعيدا عن هذا التاويل في تفسيره (الكشاف: 3/274) بقوله "...النساء كن في أول الإسلام على هجيراهن في الجاهلية...لا فصل بين الحرة والأمة، وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرضون إذا خرجن بالليل للإماء، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة...فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء، بلبس الأردية والملاحف...فلا يطمع فيهن طامع، وذلك قوله: {ذلك أدنى أن يعرفن}؛ أي أولى وأجدر بأن يعرفن، فلا يتعرض لهن، ولايلقين ما يكرهن." و يخبرنا ابن كثير(3/855) في تفسيره نفس القصة قائلا" كان فساق أهل المدينة يخرجون بالليل، فاذا رأوا المرأة عليها جلبابا قالوا : هذه حرة فكفوا عنها ، وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلبابا قالوا : هذه أمة فوثبوا عليها "!! وقال ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي " كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن فاذا قيل له قال كنت أحسبها أمة فأمرهن الله تعالى ان يخالفن زي الأماء ويدنين عليهن من جلابيبهن"( الدر المنثور : 6/659). وفي (طبقات ابن سعد : 8/141) روي بأنه :" كان نساء النبي يخرجن بالليل لحاجتهن ، وكان الناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين ، فشكوا ذلك ، فقيل ذلك للمنافقين فقالوا : انما نفعل ذلك بالاماء، فنزلت هذه الآية - أي آية الحجاب".

وإذا أردنا الخوض في سرد النصوص لن ننهي هذا المقال، لكن رغم كثرة المصادر إلا أن البعض لازال يخوض معركة الحجاب الوهمية، ويرفض الإقتناع بأن هذا الزي هو مجرد رداء كانت الغاية منه التمييز الطبقي ما بين الأمة والحرة وليس لستر المرأة كونها عورة كما يحلو للبعض تفسيرها!! ولو كان الأمر كذلك، فلماذا لم يفرض على جميع النساء بدون استثناء الأمة من نعمة الستر؟ ولماذا قام عمر بن الخطاب بضرب إحدى الجواري لأنها أخفت صدرها بخمار، كما جاء في (البغوي 3/544 وطبقات ابن سعد : 7/127) بأنه "كان عمر بن الخطاب يطوف في المدينة فاذا رأى أمة محجبة ضربها بدرته الشهيرة حتى يسقط الحجاب عن رأسها ويقول : فيم الاماء يتشبهن بالحرائر؟؟

2- فرض الحجاب أم تعديل في طريقة وضع الخمار:

لم تسلم هذه الاية {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن}(سورة النور 24 : 31) من لسان أو قلم أي داعية إسلامي إلا واستخدمها كدليل على وجوب الحجاب، إلا أن سبب نزول الاية الحقيقي لخصه القرطبي (طبعة دار الشعب ـ ص 4622) بقوله" إن سبب نزول هذه الآية أن النساء كن فى زمان النبى يغطين رؤوسهن بالأخمرة ( وهى المقانع ) ويسدلها من وراء الظهر, فيبقى النحر( أعلى الصدر) والعنق لاستر لهما، فأمرت الآية بلى ( أى إسدال) المؤمنات للخمار على الجيوب، فتضرب الواحدة منهن بخمارها على جيبها ( أعلى الجلباب ) لستر صدرها". إن هذه الاية تدعوا ببساطة إلى التعديل في طريقة وضع الخمار وليس فرضه، فقد جرت العادة عند النساء أن يرتدوا الخمار ضمن المقانع وإلقائه على الظهر وبذلك يبدوا الصدر مكشوفا، فجاءت الاية للدعوة إلى تعديل هذه العادة. هذا ما أكده المفكر الإسلامي المصري جمال البنا، في كتابه الشهير"المرأة المسلمة بين تحرير القرأن وتقييد الفقهاء" حيث أقر بأنه لا يوجد في القرآن أو السنة لما يعرف بالحجاب، وما جاء في الاية هو أمر بتغطية فتحة الصدر وليس فرض للخمار. ويستشهد البنا على ذلك بحديث ورد في صحيح البخاري مفاده أن النساء كن يتوضئن مع الرجال في حوض واحد في عهد الرسول (ص) والخليفة أبو بكر وجزء من عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ومما يترتب على هذا بكشف الوجه والشعر والذراعين من اجل الوضوء. ويتفق المفكرالإسلامي أحمد صبحي منصور -الزعيم الروحي للقرآنيين- مع هذا الطرح بأن ضرب الخمر على الجيوب يقصد به تغطية الصدر وبأن إدناء الجلباب يقصد به تغطية الساقين. وأيده في ذلك المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه "حقيقة الحجاب وحجية الحديث" حين أكد بأن آية الخمار تأمر بتغطية صدر المرأة، وبأن آية الحجاب موجهة لأمهات المؤمنين بشكل خاص، وبأن المقصود بالحجاب ليس ملبس وإنما ساتر يفصل بين زوجات الرسول وبينمن يسألهن متاعا بحيث لا يرى كل منهما الآخر. وأضاف بأن علة إدناء الجلابيب هي للتمييز بين الحرائر والإماء، وبأن هذه العلة قد انتفت لعدم وجود إماء وجواري في العصر الحالى، وفقا لقاعدة في علم أصول الفقه أن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا, فإن وُجِد الحكم وُجِدَت العلة.

وفي الختام أقول، إن مشايخنا تركوا تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير والرازي والزمخشري والبغوي و غيرهم من خيرة علماء التاريخ الإسلامي، وتفرغوا للإجتهاد وإعادة تفسير نصوص الدين وتفصيلها وترقيعها على مقاسهم حتى تتماشى مع أمزجتهم. إن الغاية من هذا المقال ليس تحريم الحجاب، فالمرأة كائن عاقل وراشد وليست في حاجة إلى وصاية من أحد، بل من حقها إرتداء ما تشاء (من المايو إلى البرقع)، ولكن دون إلصاق الصبغة الدينية على الملابس، فهي مسألة شخصية بعيدة عن الدين! إن ما يهمنا هنا هو عدم تأثير هذه المعركة الوهمية على مسارالربيع العربي وتحويله من ربيع المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والمساواة، إلى شتاء التحريم والتكفير بدءاً من الدخول إلى الحمام بالرجل اليمنى إلى تحريم الفن والسياحة والسفر والملبس والمشرب، بالإضافة إلى تهميش وإقصاء دورالمرأة في الدولة التي شاركت في بنائها. أما نساء الربيع العربي، فأقول لهن، دافعوا عن المرأة الإنسانة، هذا الكائن الذي رافقته اللعنة منذ بداية الخلق، فهي المتهم الأول في إخراج ادم من نعيم الجنة الخالدة وشقاء ذريته من بعده!! دافعوا عن المرأة التي لايحق لها الكلام لأن صوتها عورة، لايحق لها أن تفكر لأنها ناقصة عقل، لا يحق لها السفرإلا بصحبة ولي الأمر لأنها حرمة، لايحق لها العمل إلا اذا قامت بإرضاع زميلها لكي تصبح الخلوة بينهما شرعية (فتوى إرضاع الكبير)، دافعوا عن المرأة التي يتم تختينها لكي يرفع ادم رأسه شامخا ويتباهى بالشرف، دافعوا عن المرأة التي لايحق لها القيادة لأنها خطر يهدد استقرار بلاد الحرمين، دافعوا عن المرأة التي لايحق لها أن تتعلم حرفا كي تبقى عبدا، دافعوا عن المرأة /الطفلة التي يتم تزويجها منذ نعومة أظافرها من أجل ثمن بخس أو عادات بلا أساس، دافعوا عن المرأة فهي أمل الأجيال القادمة، مفتاح الحياة وسرالوجود!!!!