دور المرأة العراقية في العهد الجمهوري



وعد العسكري
2011 / 12 / 19

ساهمت المرأة العراقية بدور مميز في تاريخ الحركة الوطنية منذ بداية تأسيس الدولة العراقية 1921 م ومروراً بالعهد الجمهوري ولغاية يومنا هذا رغم كل القيود التي كانت تعيق مشاركتها ، فهي أدركت مبكراً ارتباط قضيتها بحرية المجتمع ، وكانت لها مساهمات مشهودة في كافة تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية ، أسست الجمعيات والمنظمات النسوية ، وتصدت للعمل السياسي منضوية في تنظيمات الأحزاب السياسية الوطنية معاضدة الأخ والزوج في نضاله الوطني لمقارعة الاستعمار والسلطة الغاشمة ، ومشاركة فاعلة في الانتفاضات الشعبية والمظاهرات والاعتصامات ، نقلت الفكر والثقافة في مداركها تركت الدراسة والوظيفة واضطرت إلى الاختفاء بسبب المطاردة وتعرضت للاعتقال والتعذيب .
شهدت السنوات القليلة من منتصف القرن المنصرم حالة الصحوة الفكرية واتساع دائرة الوعي الثقافي والسياسي اقترنت بالوعي بضرورة إطلاق المرأة من قيود العبودية ولو إلى حد ما وإشراكها مع الرجل في عمليات التطوير والتضحية ، ولقيت هذه الاتجاهات استجابة واعية من قبل القوة السياسية والفئات الاجتماعية الفاعلة آنذاك ولو إنها لم تكن ترقى إلى مستوى الطموح .
لقد اتصفت تلك المرحلة البدأ بتحرير المرأة العراقية من تبعات الواقع المتخلف وابتداع الوسائل الكفيلة بضمان إعادة الثقة بنفسها وإعادة تركيب بنائها النفسي والاعتباري بما ينسجم ومتطلبات التغيير التي اقتضتها النقلة التاريخية عن طريق الدعاوي السياسية والتشريعات القانونية والإجراءات المدنية ، إضافة إلى توظيف الطاقات الإعلامية السائدة لمثل هذه التصرفات ونشر ثقافة جديدة تجاه الجنس الأنثوي تتصف بالعملية الديمقراطية والحد من القيم العشائرية .

ولو تقصينا دور المرأة في الجانب الاقتصادي لوجدنا إن نسبة العمالة للنساء تساوي 4% من قوة العمل الكلية في إحصاء عام 1957م بينما تصاعد ذلك إلى 17.6% في إحصاء عام 1977م ، وهذا المؤشر يشكل مدلولاً واضحاً على مدى تسارع اقتحام المرأة لقطاع العمل إلى جانب أخيها الرجل إذا ما قورنت بمثيلاتها في البلدان العربية ، ولكنها واطئة إذا ما قيست إلى مستوياتها في البلدان المتقدمة ، فالمرأة العراقية تمكنت أخيراً بفعل اتساع نظام التعليم والتنشئة العصرية أن تتقلد الكثير من الوظائف الرسمية في مجالات الطب والصيدلة والهندسة والقضاء ، وشغلت الكثير من المناصب المتقدمة في الوزارات والمؤسسات والجامعات والسلك الدبلوماسي(1).
توجت المرأة العراقية نضالاتها في عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم (*)، حين تسلمت الدكتورة نزيهة الدليمي منصب وزيرة البلديات للفترة من 1959 ـ 1962م ، وابتداءً من تلك الفترة من ستينات القرن المنصرم تقلدن نساء كثيرات مناصب متقدمة ، حيث شغلت السيدة سرية الخوجة منصب وزيرة مفوضة في الخارجية العراقية وجاءت الدكتورة سعاد خليل إسماعيل لتشغل منصب وزيرة التعليم العالي ، ولم يقتصر دور المرأة على المناصب الحكومية بل تعداه إلى القطاع الخاص والأعمال الحرة فمنهن المحاميات والطبيبات والصيدلانيات ، هذا إضافة إلى المهن التجارية والأعمال الحرفية كالعمل في المصانع والمعامل المختلفة ، كل ذلك أثر في مستوى تفكير المرأة العراقية وفي مركزها الاجتماعي ومستوى تطور وجودها في بيئتها باطلاعها على الكثير من القيم والمفاهيم والمهارات وممارسة الحياة المهنية إلى جانب الرجل وانضمامها بالجانب التحضيري من الحياة في المدينة وبالتالي انعكس على دورها الريادي في الأسرة والمجتمع بعد أن كان هموم المرأة العراقية وخاصة الريفية محصورة بترتيب شؤون البيت وإنجاب الأطفال وتأمين متطلبات الحياة الزوجية ، فلقد غير ذلك من خارطة العلاقة بين الرجل والمرأة وترك انطباعات كثيرة منها إيجابية ومنها سلبية وانحصر نقد الاتجاهات المحافظة لعمالة المرأة في انصرافها عن شؤون المنزل والعائلة وتصرف عوائد عملها في حدود متطلباتها الشخصية باعتبار إن النفقة أصلاً قائمة على الرجل فهو المسؤول شرعاً وقانوناً عن تأمين ذلك (2).
يتغلب الطابع القبلي والإقطاعي على المجتمع العراقي لذا يسود لجهل والأمية في صفوف النساء وبشكل واضح جداً في الريف العراقي ، حرمت الطفلات من التعليم خلافاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعتبر وثيقة عالمية ، والعراق من الدول التي وقعت عليها ، فقد جاء في المادة 26 للنص :
" لكل شخص الحق في التعليم ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني وأن يسير القبول للتعليم العالي على قدم المساواة القائمة للجميع وعلى أسس الكفاءة " . هذا النظام القبلي هو الذي يقف أمام تطور المرأة وأولها التعليم ، إذ لا يعتبر الأبوين إرسال الطفلة إلى المدرسة مهمة ضرورية وبالتالي يصبح لتعليم بالنسبة للطفلة أمر غير مستساغ ولا يعي الأبوين أنهما يخترقا القانون العالمي ويخترقا الدستور العراقي الذي يعطي الأحقية لهذه الطفلة لتمارس حقها وتتلقى العلم والمعرفة كزميلاتها في أي بقعة من العالم ، غالباً ما يحصل هذا في الريف العراقي لذا يبقى تفاوت كبير بين الريف والمدينة ، وبهذا تزداد نسبة الأمية في الريف وبالتالي تزداد الأمية في العراق .
كانت نسبة الأمية في العشرينات من القرن الماضي بين النساء في المدينة 90% وفي الريف 99% (3) وبعد ثورة 14/ تموز ـ يوليو 1958م ، فتحت العشرات من مراكز محو الأمية والتدريب المهني ، فتطوعت المعلمات الرابطيات ( المنظمات لرابطة المرأة العراقية) للنهوض بهذه المهمة ، حيث تشير الإحصاءات إن عدد المنتسبات بلغ الآلاف وتابع بعضهن الدراسات وتخرجن معلمات وممرضات واكتسب بعضهن المهارات لتحقيق تحررهن الاقتصادي ، كما وأنشئت العديد من المستوصفات الجوالة لبث الوعي الصحي وتقديم الإسعافات للجماهير وخلال عام واحد بلغ عدد العضوات أكثر من 40 ألف الأمر الذي دعا رئيس الوزراء السابق ( عبد الكريم قاسم) إلى افتتاح المؤتمر الأول لرابطة المرأة العراقية وجاء في كلمته :
" إن التاريخ سيذكر للمرأة العراقية ، ما بذلته من جهود في صيانة الجمهورية وتحقيق أهدافها " .(4)
وبعد ثورة 1958م تصاعدت وتيرة التعليم رغم بعض الانعكاسات التي رافقته وخاصة السياسية والظروف المعاشية المتردية ، وقد تميز النظام التعليمي في العراق عن مثيلاته في الدول المجاورة من حيث العدة والعدد للكادر التعليمي ، ففي السبعينات أخذت مدارس وجامعات الجزائر تغزو بالكادر العراقي التربوي .
ولدى قراءتنا لآخر التقارير الدولية حول واقع التعليم ، جاء تقرير اليونسكو تحت عنوان ( الأمية بين صفوف النساء فوق البالغات في العالم ) ، إذ تبين إن نسبة الأمية في العراق هي (75.5%) إذ يأتي العراق بالدرجة الرابعة من الدول المتخلفة حضارياً، وكما هو مبين في الجدول (1) أدناه(5) :
جدول (1)
يوضح نسبة التعليم بين النساء في العراق
السنة 1980 1985 1990 1995 2000 2003
نسبة الأمية بين النساء البالغات 83.9 92.1 80.3 78.6 76.6 75.5
ويختلف الوضع من منطقة إلى أخرى ، ففي كردستان جرى تطور ملحوظ في وضع المرأة العراقية إذ انخفضت النسبة نتيجة إقبال الفتيات للتسجيل في المدارس ولمدة إثني عشر عاماً حيث عزلت المنطقة عن الحكومة المركزية منذ الإنتفاضة الشعبية عام 1991 م ووفق الاحصاءات من إحدى مراكز ( N.D.A) لعام 2003م كانت كالآتي :
1. 30% من النساء فوق عمر 15 سنة في بغداد لم يسجلن في المدرسة أو لم ينهين المدرسة الابتدائية .
2. 64% في الريف فوق عمر 15 سنة لم يكملن الدراسة الابتدائية .
3. 40% من الفتيات في الريف لم يسجلن بالمدرسة ، في المراحل الأولية مقابل 20% .
4. الأمية بشكل عام في كل العراق 47% في صفوف النساء .
5. 50% ن النساء في الريف أميات مقابل 30% في المدن.
6. نسبة الأمية عند النساء بلغت 40% في كل من محافظات ( دهوك ، أربيل ، ذي قار ، المثنى ، صلاح الدين ، كركوك) .
7. معدل نسبة الأمية بين النساء في عموم العراق بمختلف الأعمار تصل إلى 53% وأغلبها بين الأعمار (15ـ24) سنة بسبب الحصار الذي كان مفروضاً(6).
بتسلم السيدة نزيهة الدليمي منصب وزيرة البلديات والأشغال العامة عام 1959 ـ 1962 فتحت المؤسسات الحكومية أبوابها إلى الطاقات النسوية الحديثة وخلال البحث عن تاريخ الحركة النسوية وجدنا إلى جانب ما ذكرنا من الشخصيات النسوية شخصيات نسوية أخرى برزن في مجال التعليم فها هي صبيحة داوود( 1915ـ 1975م) حسبما ورد في بعض المصادر إنها أول امرأة عراقية نزعت العباءة ودخلت الجامعة سافرة (7).ومن ضمن المناصب التي تقلدتها المرأة العراقية وأدت دورها على أفضل وجه هو تعيين أول سيدة عراقية بمنصب قاضية في عام 1959م ، حيث كانت ( زكية حقي ) أو حاكمة عراقية ، تخرجت من كلية الحقوق عام 1957م ، كانت واحدة من ضمن خمس نساء فقط في القاعة التي كان بها 350 رجلاً وكانت المرأة الوحيدة في قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني لسنين طويلة .
وعن مآثر الشرف والبطولة التي سجلتها المرأة العراقية في تاريخ الحركة النسوية هو اعتلاء المناضلة الشهيدة البطلة ( ليلى قاسم) عام 1975م حبل المشنقة بفخر وشجاعة وما تعلقها بأرجوحة الأبطال إلا تخليداً لإسمها على صفحات الشرف من سفر تاريخنا الحديث وسفر نضال المرأة الكوردية والمرأة العراقية .. ثم التحقت بركبها الشهيدات المناضلات الشهيدة عميدة المولودة في ذي قار عام 1954م والتي انضمت إلى معسكرات البيشمركة واستشهدت في إحدى المواجهات مع القوات الحكومية المركزية في عام 1983م(8).
عانت المرأة العراقية حالة مزرية بمختلف مواصفاتها الاجتماعية كأم وزوجة وشقيقة وبنت ، فقد وضحت بجلاء منذ بداية الحرب مع إيران وسوق الآلاف وتسفير الآخرين وتغييب المئات وحالات الأسر الطويلة الأمد لينعكس ذلك على وضع المرأة الزوجة وما حصل من عملية الطلاق الإجباري خلافاً لكل القواعد الشرعية ، وليس الطلاق وحده الذي حط من وضع المرأة ومكانتها اجتماعياً بل الحرب الطاحنة التي اشتدت بعد عام 1983م والتي أودت بحياة العديد من الرجال والشبان الذين تركوا امهاتهم وزوجاتهم وأخواتهم بدون معيل يعيلهم ورجل يحميهم مما انعكس سلباً على دور المرأة في الحياة فبدأت المرأة العراقية تفكر باللجوء إلى العمل لتُقيت نفسها وتعيل أطفالها مما جعلها تترك التعليم والثقافة مجبورة على واقع فرض عليها ، ولم تكن فترة التسعينات من القرن المنصرم أفضل من العقد الذي سبقه فحرب الكويت والحصار الاقتصادي إضافة إلى مخلفات حرب إيران الثقافية منها والاجتماعية وحتى النفسية كلها أدت إلى الرجوع في كفة المرأة بعيداً عن مقومات نهضتها الفكرية والثقافية والتحررية المنشودة (9).
خلاصة ما ذكر من دور المرأة في العهد الجمهوري ، في نهاية القرن المنصرم وصلت المرأة العراقية إلى ذروة الحرية السياسية والاجتماعية لما تحقق لها من مكاسب حكومية متمثلة بمصب ( وزيرة) وقاضية وغيرها من التسميات الوظيفية التي شغلتها المرأة .. مضافاًُ إليها صدور القانون الذي يحمل رقم 188 لسنة 1959 والذي لاقى في حينه ضجة كبيرة واعتراضات في الأوساط الدينية. وكان أول عمل قامت به حكومة الانقلاب الفاشي في شباط 1963 استبداله بقانون رقم 11 وكان الهدف من ذلك إلغاء النص الخاص بحكم المساواة في الإرث بين الذكور والإناث(10).
ثم تذبذب دورها تبعاً لتغير الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم وما الأجندة التي كانت تحويها وما كانت مكانة المرأة في أجندتها ، حتى إننا لا نستطيع أن نطلق عليه تسمية تذبذب بل العشوائية السياسية التي اتسمت بها تلك الأنظمة ونظرتها للمرأة العراقية . إلا أننا نلاحظ اليوم إن المرأة العراقية احتلت أكثر الأدوار التي كانت حكراً على الرجال فمنذ سقوط النظام السابق في 9/4/2003 والمرأة في حالة تقدم سريع جداً في كل ألأصعدة السياسية منها والاقتصادية ، فبعد أن كانت وزيرة في عام 1959 م فاليوم نطمح أن تكون نائبة لرئيس الجمهورية وغداً قد تكون رئيسا للجمهورية ، على أساس ما موجود من آليات ديمقراطية تجعل هذه المناصب طوع يد المرأة العراقية التي كانت ملكة وآلهة في العراق القديم .
الهوامش :
( ) الناجي ، أحمد ، البذرات الأولى لنهضة المرأة العراقية ، مقال منشور في مجلة ميزوبوتوميا ، العدد السادس ، الموقع : http://www.mesopotamia4374.com الأربعاء / 7 / 2 / 2007
() عبد الكريم قاسم ( 1914 ـ 1963) رئيس الوزراء والقائد العام للقوات لمسلحة ووزير الدفاع في العراق من 14 يوليو 1958 ولغاية فبراير 1963 حيث أصبح أول حاكم عراقي بعد الحكم الملكي ، كان عضواً في تنظيم الضباط الوطنيين " أو الأحرار " وقد رشح عام 1957 رئيساً للجنة العليا للتنظيم الذي أسسه العميد رفعت الحاج سري الدين عام 1949 . ساهم مع قادة التنظيم بالتخطيط لحركة 14يوليو/تموز 1958 التي قام بتنفيذها وزميله في التنظيم عبد السلام محمد عارف والتي أنهت الحكم الملكي وأعلنت قيام الجمهورية العراقية ، هو عسكري عراقي عرف بوطنيته وحبه للطبقات الفقيرة التي كان ينتمي لها . ومن أكثر الشخصيات التي حكمت العراق أثارة للجدل حيث عرف بعدم فسحه المجال للآخرين بالإسهام معه بالحكم واتهم من قبل خصومه السياسيين بالتفرد بالحكم حيث كان يسميه المقربون منه وفي وسائل إعلامه " الزعيم الأوحد " . أحد ضباط الجيش العراقي الذين شاركوا في القتال بفلسطين ، حكم العراق 4 سنوات و6 أشهر و15 يوماً ، تم إعدامه دون تحقيق ومن خلال محكمة صورية عاجلة في دار الإذاعة في بغداد يوم 9 فبراير 1963. من موقع الموسعة الحرة : http://www.wikipedia.org الأربعاء / 7 / 2 / 2007
(2) العبد ، سلمان ، المرأة العراقية بين حافة الغيب وفضاء الحرية ، صحيفة الطريق ، العدد الصادر في 31/ كانون الثاني/2007 .
(3) ميخائيل كاترين ، المرأة العراقية والتعليم ، مقال منشور في موقع عراق الغد:www.iraqoftomorrow.org الخميس / 8 / 2 / 2007
(4) خيري ، سعاد ، رسالة إلى رابطة المرأة العراقية في بغداد ، منشورة في موقع رابطة المرأة العراقية:
www.iraqiwomenleague.org الخميس / 8 / 2 / 2007
(5) ميخائيل كاترين ، المرأة العراقية والتعليم ، مصدر سابق .
(6) المصدر نفسه .
(7) البياتي ، عبد الجبار ، المصدر السابق ، ص 207 .
(8) ميخائيل كاترين ، المرأة العراقية والتعليم ، مصدر سابق .

(9) ميخائيل كاترين ، المرأة العراقية والتعليم ، مصدر سابق .
(10) بابان ، مبجل ، حقوق المرأة وتعديلات مقترحة على الدستور، موقع الناس :
http://www.al-nnas.comالسبت / 10 / 2 / 2007