ثورة المرأة والثورة المضادة



مكارم ابراهيم
2011 / 12 / 20

"بعد ليلة مضطربة صاقعة تلاوحت أشعة شمس الربيع الدافئة في فضاء حمرة الفلق، فخضبت الأرض إعلانا عن وصول الربيع المنتظر.. ودجن الأفق آمالا على مرمى النظر.. واستيقظت الدببة غرثى من سباتها العميق ودبّت باتجاه النور الدافئ الواعد، وقد أنحلها صيام الشتاء وعميت غريزتها من شدة الجوع.. فهامت تارة تخضب.. وأخرى تفترس.. وبقيت على حالها إلى أن وصل سمك السلمون ليشبعها بلحمه، بعدما أعطى انطلاقة جديدة لحياته.. حينها فقط انتبهت الدببة لكونها لاحمة ولا يليق لها أن تخضب..
إنه الربيع بداية الحياة، فلا عيب إن خطت الدببة خطوات عرجاء.. ولا ضرر إن أسكرتها لذة الربيع وأفقدها غريزتها الجوع.. إنما الحكمة بالخبرة.. والخبرة بالتجربة.. والتجربة لا تخلو من الخطأ.. والخطأ قوام الصواب.. هما ضدان عليهما قامت الحياة..(1)

كان هذا وصف للثورة للكاتب المغربي زكرياء الفاضل يصف فيها شعوبنا بعد أن نهضت من سبات القمع الأزلي جائعة للحرية وقد تعثرت باخطاء كثيرة لانها لاول مرة تكسرقيودها لتطالب بالعدالة الاجتماعية والكرامة والشغل.
ويشير الكاتب زكرياء الفاضل ان ارتكاب الخطا ليس عيبا فهو بداية للتصحيح.
وشخصيا ارى أن العيب هو أن لانعترف باخطائنا, ولانتعلم منها. فعلينا أن لانيأس ونسستمرفالثورة مازالت في بدايتها.
الجميع ارتكب اخطاء بداية من قوى المعارضة الى الفرد العادي .فالثورة لم تكن مؤطرة بآليات سياسية فعالة كي توجه ضربة قاصمة لانظمتها.. وهذا طبيعي بعد ان كانت تعيش هذه الشعوب تحت نيرالاستبداد لعقود طويلة محرومة من حق التعبيروممارسة التعددية الحزبية.

اما على مستوى المراة فنجد انها لم تملك البوصلة والادوات الحقيقة بعد اندلاع الثورات, وهذا طبيعي ايضا بسبب الضغوط التي مورست عليها من قبل الانظمة القمعية البرجوازية ولعقود طويلة سحقت فيها حريتها.
ولكن المهم هو تشخيص اخطائنا كي نختار الادوات الفعلية للنضال والثورة.
فقد كانت هناك سلوكيات قامت بها بعض النساء لاعلاقة لها بالنضال الوطني الا انه اعتبرت ثورة المراة وهي في الحقيقة مضادة لثورة المرأة.
وهناك تصريحات من بعض النساء يتصور البعض انها في صالح المراة وهي حقيقة في صالح الانظمة الحاكمة المافيوية الفاسدة.
كتصريح(فتوى) الناشطة السياسية العراقية السيدة ناهدة التميمي حول اقتراحها بحل مشكلة ارتفاع عدد الارامل في العراق الذي وصل الى مليون أرملة بفضل الحروب التي شارك فيها العراق ثماني سنوات مع ايران وثم حرب الخليج, وثم الغزو الامريكي للعراق عام 2003, وما تلاها من عمليات تفجيرية ارهابية علاوة على التصفيات الجسدية منذ بداية التاريخ.
واذا اردنا ان نتحدث عن الثورة المضادة لثورة المراة فغني عن الذكر الفتاوي التي قمعت المرأة .
ولكن هل يمكن ان تكون ناشطة سياسية احدى عوامل الثورة المضادة لثورة المراة .
معروف ان الشعب العراقي يعاني كبقية الشعوب البطالة المرتفعة في صفوف الرجال والنساء. والحصول على عمل اصبح من المعجزات اذا لم يكن الفرد ينتمي الى حزب معين او لديه تزكية من مسؤول متنفذ. وبالتالي الكثير من النساء الاميات اوالاكاديميات اللواتي لاتتوفر لديهن هذه الشروط اختارت البقاء في المنزل ومنهن من اختارت طريق البغاء ومنهن من انتحرت . وهذا ايضا ينطبق على الرجل.
والارامل اللواتي فقدن ازواجهن في تلك الحروب أو في دهاليز التعذيب لدى الامن والمخابرات وفي المظاهرات سواء كان لديهن اطفال أولا فقد خسرن أزواجهن او المعيل الوحيد, وربما ليس لديها شهادة دراسية او لم تعمل في حياتها أولاتنتمي الى حزب او جماعة حزبية كي تحصل على تزكية للحصول على عمل شريف يناسب كفائاتها العلمية.
فالحكومة لم تعيرها اي اهتمام وذلك لانشغالها بنهب ثروات الشعب وتصريف الاموال المسروقة للبنوك السويسرية.
وهنا جاء إقتراح الناشطة النقابية والكاتبة العراقية ناهدة التميمي لمساعدة الارامل في العراق في مقالة لها تحت عنوان"الزواج من الارامل واليتيمات واجب وطني".
حيث تقول التميمي "الكثير من الفتيات بدون زواج الى سن العنوسة لان اقرانهن من الذكور قضوا في تلك الحروب او الاعدامات او التشريد او التغييب .. زاد عليه ارتفاع تكاليف الزواج وعدم وجود سكن ملائم وغلاء المعيشة وعدم ابداء اية مساعدة من اية جهة لتسهيل امر الزواج " وتضيف "لذا فان الحل الامثل هو تشجيع الرجال والشباب على الزواج من هذه الارامل والفتيات اليتيمات على ان تساعد الدولة والمرجعيات واموال العتبات المقدسة بتوفير سكن وراتب معقول لها كي لاتكون عالة على الزوج ..والهدف هنا هو ليس لتلبيه حاجاتها الانسانية فقط وعدم دفعها للانحراف والبغاء تحت طائلة العوز والفقر والحاجة بل لان هذه الاسر المفككة بفقد العائل بحاجة الى راعي وموجه يساعد في رعاية الاسرة وتوجيهها وتربية الاولاد ".
كان هذا اقتراح الناشطة السياسية ناهدة التميمي لانصاف الارامل في العراق والحفاظ على كرامتهن.

أن اقتراح السيدة التميمي يعتبرثورة مضادة لثورة المراة لان كل المشاكل التي ذكرتها السيدة التميمي لاتحل بهذا الاقتراح, لانها لم تختار دائرة الصراع الحقيقية للمرأة, وهذا ماأكدت عليه العديد من المرات والسبب هو فقدان البوصلة الفكرية الموضوعية لحل الظواهر الاجتماعية .
لإن ثورة المرأة الحقيقية هي المطالبة بحقوق متساوية مع الرجل واجرمتساوي في العمل وحرية في قيادة السيارة وحرية اختيارالعمل.اما ماتقدمه السيدة التميمي هو ضد هذه الثورة . فلو كانت مع ثورة المراة كان عليها ان تطالب الحكومة بتقديم رواتب شهرية ومخصصات للارامل بدل من ان تصبح رقم اربعة في قائمة الزوج. ومطالبة الحكومة بتوفير فرص عمل للنساء وتوفير كورسات دراسية مكثفة للحصول على اماكن عمل في المستشفيات ودور العجزة والمعامل والشركات والمدارس وفتح ورشات خياطة مؤسسات للمعاقين باعتبار ان عددهم هائل بعد الحروب التاريخية العديدة التي شارك فيها الشعب العراقي.

ان حلول الناشطة التميمي يساهم في المزيد من القمع والفقروالامية . علاوة على انها تساهم في تقليص الايدي العاملة للمجتمع فهي لاتشجع على توفير فرص عمل للمراة بل تشجع على بقاء المرأة في البيت من خلال الزواج واعتمادها كرقم اربع. كان المفروض على السيدة التميمي ان تصرخ بوجه الحكومة التي تقبل بفتح شركات استثمار دون السماح للعراقيين بالعمل فيها بل يتم استيراد ايدي عاملة من الدول الاخرى بدل تشغيل اهل البلد وتقليل نسبة البطالة.

إن حل السيدة التميمي يشبه حلول الناشطات السياسيات في البرلمان الدنماركي حول تقليل عدد نساء البغاء في الدنمارك حيث اصدرن قرار باعتقال المومسات (الاجنبيات) اللواتي تم تهريبهن للدنمارك من قبل عصابات المافيا الروسية والافريقية واعادتهن الى بلادهن حيث تحتجزن من جديد من قبل عصابات المافيا في بلادهن. ولهذا نجد أنه بدل ان يقدمن حلول انسانية تساهم في رفع القمع والاضطهاد عن المراة وعدم اعادتهن لعصابات المافيا, بل ابقائهن في المجتمع وادخالهن في كورسات تعليمية مكثفة وتوفير فرص عمل شريفة لهن .

أن هذه الاقتراحات او السلوكيات ماهي الا انعكاس عن ازمة فكرية إما بسبب القمع لفترة زمنية طويلة , او بسبب معاناة المرأة من قمع الانظمة البرجوازية التي اوجدت نساء يلعبن دورا سلبيا في ثورة المرأة.
واكرر من جديد على المراة أن تجد حلبة الصراع الحقيقية لكي تحصل على حقوقها في المجتمع. وصراعها ليس ضد الهرمونات الذكرية, بل صراعها ضد نظام ديكتاتوري يسحقها ويسحق الرجل في آن واحد.
عليها ان تقف مع اخيها لاسقاط هذه الانظمة الديكتاتورية التي لم توفر لها فرص العمل الشريفة والتي تصدر قوانين تقلص حرياتها وحريات اخيها.
إن المرأة الثائرة هي تلك المراة التي سقطت في الشارع وهي تصرخ بسقوط النظام والتي تعرضت للضرب والاهانة وعادت الى الشارع من جديد لتكمل مسيرتها أنها المناضلة الحقيقية التي تستحق منا كل الاعجاب.
مكارم ابراهيم
هوامش:
(1) الكاتب المغربي زكرياء الفاضل " ربيع الحياة الجديدة"
http://www.ahewar.org/m.asp?i=2680

(2) مقالة الكاتبة ناهدة التميمي
http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=57454:2011-11-28-01-40-46&catid=34:2009-05-21-01-45-56&Itemid=53