المرأة في بر مصر



عبد الله احمد المصري
2011 / 12 / 21

كانت للمرأة في الحضارة المصرية القديمة منزلة خاصة رفيعة تختلف عن منزلتها في باقي المجتمعات القديمة، لقد أذهلت المرأة المصرية القديمة المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت لنشاطها ومشاركتها الرجل في جميع مناحي الحياة: في البيت والتجارة والزراعة والأسواق والسياسة، حتى أنها وصلت إلى أعلى المناصب السياسية عندما حكمت البلاد بمفردها أو مع زوجها. ويقول ديدور الصقلي : (إنها كانت تنال من السلطة والتكريم أكثر مما ينال الملك، ويرجع ذلك إلى الذكرى المجيدة التي خلفتها في مصر الإلهة إيزيس) وكانت الزوجة جليلة القدر حتى أن زوجها لا يكاد يصور مع الآثار إلا مع زوجته، بل كان أغلى قسم عند إخناتون أن يقسم بنفرتيتي زوجته، التي لم تنجب له سوى البنات، ومع ذلك رفض الزواج بأخرى لينجب الولد، ولم يكن ذلك قاصرا على الملوك الفراعنة أو الطبقة العليا في المجتمع، بل كان كذلك في جميع الطبقات: (كانت النساء يحضرن الحفلات العامة مع أزواجهن، وهذا مظهر لم يعهده العالم القديم، ولا الشرق الحديث، فالمصري كانت امرأته بجانبه أينما وجد، ولم يكن من الأدب المرعي الفصل بين الزوجين، فالزوج المصري وزوجته يجتازان الحياة واليد في اليد، كما نرى في الصور المنقوشـة على القبــور). (إمام عبد الفتاح، أرسطو والمرأة: ص ص9 – 10)

وكانت المرأة تملك وترث، وتنزل إلى الأسواق لتمارس التجارة، ولم يكن غريبا والحالة هكذا أن نجد في النقوش التاريخية أسماء كثيرة لنساء مثل كليوباترا ونفرتيتي وحتشبسوت، وأن نجد رمسيس الثالث يتباهى بالمرأة في مملكته (فهي تذهب حيث تشاء مكشوفة الأذنين فلا يتعرض لها أحد) كما لم يكن غريبا أن يعلق ماكس ميللر على ذلك قائلا:(ليس ثمة شعب قديم أو حديث رفع منزلة المرأة مثلما رفعها سكان وادي النيل). (محمد شـحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي:ص339)

هكذا كانت المرأة في بر مصر، ولكن بعد ما حدث لفتاة التحرير - الثائرة الحرة - التي قام جنود مصر بسحلها وتجريدها من ملابسها، وانتهاك حرمتها على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وسودوا وجوهنا أمام كل خلق الله في الأرض، لن يكون غريبا أن يكتب المؤرخون فيما بعد – على غرار ما كتب ماكس ميللر : (ليس ثمة جيش قديم أو حديث أهان المرأة وانتهك حرمتها، مثلما فعل جيش خير أجناد الأرض).

لانريد اعتذارا، نريد محاكمة عاجلة وعادلة للمسئولين عن هذا الفعل الإجرامي الذي نال من كبرياء مصر، وشموخها. لا نريد محاكمة للجنود فقط، نريد محاكمة لمن أعطى الأوامر والتوجيهات لهذا التصرف الأحمق.