قول للطبيعة كمان تبطل دلع.



محمد حسين يونس
2012 / 1 / 2

بين النوم و اليقظة .. بين الحلم و العلم .. جاءني من دحي الارض علي دولابه بيديه .. من خرجت الكائنات تسعي من بين أصابع كفيه..الرب ، المبدع ، الفنان ، صائغ الفخار ، صانع الاقدار ، مليح الوجه بتًاح.
قال : لما سكونك والحياة تصخب من حولك !!
قلت : أقعدني الهم ، الغم ، فاستجرت من الظلم بالنوم .
قال : الضوء يجلي الظلام ويبعث الأمل .. والدفء يبدل البرد فيحلوا التواصل والسمر .. والطير يمرح في العلالي حرا ، فما بالك ( يا بني) بالبشر .. وأنت في لحظة النهوض تجمد ، تجبن ، وتنكسر .
قلت : ضياع العمر يعجزني و يسلمني للاحباط ، اليأس والضجر.
قال : فليبتعد الظالم عن ولدى في الحال ، فينعم بالحق والخير والجمال ، ويعمل رغم سنه لبلوغ المحال .
نهضت ناعسا أسعي بالمكان ، أتبع صانع نور الزمان ، الأفق يزهو بألوان البرتقال ، والرب الوليد ينتظر نظرات العشق قبل الزوال ، والقرص الاحمر يطل من بين فروع الشجر قويا ، فتيا ، قادرا علي القتال والنزال ومغالبة فلول الإظلام ، العصافير تلهو بنزق تغني للضوء البادى في فرح ومرح ، كأنه يومها الأول في الحياة ، كأنه فجر الحرية ، كأنه الأمل.
نسمة طازجة رطبة تهب باردة آتية لتوها من أنفاس الرب العظيم فاطر نفسه خالق الكون (رع ) المنير البازغ في قارب ملايين السنين الصباحي (( ماعتت )) يبحر في المحيط المائي اللانهائي متجددا، سعيدا ، مرحبا، داعما لكل ما وجد علي أرضه من كائنات عابدة له أو بشر.
أستيقظ متنبها أن العالم لازال هو العالم ..رغم جحافل الغزاة و بلاء القادمين من الفلاة ..وأن عاما جديدا يهل قد يحمل الطيب لليائسين المحبطين وقد يحمل ما لا يهواه السعداء المحتفلين بنصر لم يكن في يوم ما من أقصي أحلامهم جنونا .
فأجلس لأكتب لكم كل سنة وانتم طيبون علينا أن نبدأ من جديد .
سيدة مصرية تعلمت في أفضل المدارس والجامعات ، تتقن ثلاث لغات ، ارتفعت البيئة المتحضرة بذوقها ولباسها، تعمل في منظمة دولية فكانت نعم النموذج لبنات أمتها وبلدها وجيلها .. تخرج من منزلها متجهة الي سيارتها التي اشترتها من حر مالها، يفوح منها عطر أخاذ يلتف حولها زاعقا هذه انسانة راقية ، في نفس اللحظة يخرج من ( الزاوية ) القريبة من منزلها المصليين يتقدمهم شاب عاطل لا يجد عملا لعجز إمكانياته العلمية والثقافية ، أطلق لحيته منذ أن ملأ ذوى الجلاليب والطرح القنوات الفضائية ينعبون ، وتخيل أنه بذلك قد أصبح واحدا منهم ستمطر عليه السماء الرزق ، يردد أقوال إمام ( الزاوية ) مضطهدا الاقباط الذين يسيطرون علي الأموال والأعمال ، ومعللا أزمتنا بأن شياطين وأباليس الدنيا من النساء الناقصات العقل والدين هن السبب لقد أخذن أماكن الرجال في العمل وتركوهم خالين الوفاض .. الملتحي الذى أفهمه شيخه أن نساء الاقباط سيكن حِلا له كجوارى وملك اليمين يهجم علي السافرة من الخلف يجذبها من شعرها يطرحها أرضا وهو يسبها ويلعنها ويلعن جنسها ودينها ، السيده في ذهول لا تعرف ما الذى حدث لكي تضرب وتهان .. الغريب أن المصرى المتحضر الذى يقدر النساء وينصر بشهامه المظلوم لم يتحرك لنجدة المعتدى عليها بل تحركوا لتهدئة الجاني قائلين معلهش يا شيخ (فلان) لقد اقترب يوم الخلاص .
في ستينيات القرن الماضي كان بمقدور صلاح جاهين أن يكتب :
النهد زى الفهد نط اندلــــــع ...... قلبي انهبش بين الضلوع وانخلــع .
ياللي نهيت البنت عن فعلها .......قول للطبيعة كمان تبطل دلــــــــع.
و لم يجد الشاعر من يتهمه بالفجور أوجرح المشاعر ، أو الخروج عن حدود اللياقة والأدب .. لقد كان يقدم حكمة الأيام ( يصيغها في قالب شعرى جمالي ) كما تعلمها المصرى منذ الأزل بأن الحياة تتحرك في دورة طبيعية أبدية لا يمكن وقفها رغم أنف من يحاول.. فالبذور تنمو ، والنبات يزهر ، والزهور تخرج حبوب اللقاح فتنقلها عاملات النحل لتجدد الحياة وتثمر، كذلك الانسان يولد كطفل ينمو مع توالي السنين وفي لحظة ما تزدهر الفتيات و تظهر عليهن علامات الأنوثة يصبحن مثل الزهرات رقيقات يختلن بجمالهن الذى يخلع قلوب الشيوخ فاذا ما حاول الأهل قهرهن وحجبهن فهذا يعني أنه أمر ضد الطبيعة وضد قوانين الحياة التي تدفعهن ليصبحن فاتنات – بمعني- هل يسعي الانسان ليمنع الزهرة من التفتح !! فلماذا يمنع تفتح ابنته ويضع فوقها الملابس وفي رأسها الأحجبة التي لن تستطيع في الواقع قمعها ووقف انوثتها التي تتفجر كوحش كاسر مثل الفهد.
المصرى الذى لم يفرق بين الرجل والمرأة حتي عند تقسيم مهام الالهة والأرباب .. اختار للعدالة والاستقامة سيدة (( ماعت )) تقود مركب (( رع )) بين أخطار الشر والعدوان ، واختار للسماء (( نوت )) ، وللقوة ((حتحور)) وللانسانية والمحبة و التضحية (( ايزيس ))، وللعنف ((دمن )) ، ربات رائعات وقّـَّرَهن المصرى و احترمهن احترامه لملكات مصر العديدات اللائي لا نعرف منهن الا (( حتشبسوت وكليوباترا )) وهن كثيرات لدرجة أنه منذ البداية حتي احتلال الرومان لمصر حكمها عشرات الملكات منهن خمسة او ستة باسم كليوباترا ، وزوجات ملوك كانت بعضهن أقوى من الملك نفسه مثل (( تي)) و (( نفرتيتي)) الكاهن الاعظم لديانة زوجها أخناتون .
المصرية كانت مثل الرجل تعمل في جميع المجالات حتي الكهانة وكانت رمزا للحكمة كأم والتكافل كزوجة والحنان كأبنة .. تزرع وتربي الدواجن وتصنع القماش من الكتان والفخار من الطين والنبيذ من العنب تسعي لان يتعلم ابنها وابنتها تهذبه وتربيه وتجعله محبا لاسرته وقريته ووطنه .. المصرية لم تكن ناقصة العقل او الدين فما الذى حدث لها وجعلها تحتقر نفسها الي درجة الرضي بالذل علي يد مشايخ السلفة والاخوان المسلمين .
في الصحارى حيث يعيش البشر في ضيق ومسبغة يقاتلون الطبيعة والجيران لكي يحصلون علي لقمه العيش يقول الرسول الكريم (( بعثت بجوامع الكلم و نصرت بالرعب )) لذلك لم يكن غريبا ان يذبح المسلمون بين يديه 600 مستسلم من بني قريظة ( اليهود) ذبح الشياه ثم تجهز له زوجته المصاحبة له جميلة جميلات الاسرى من النساء صفية ( التي رأت رؤوس زوجها ، أخوها ، والدها ، جيرانها تطير بضربات سيوف المؤمنين ) لكي يجامعها صلي الله عليه وسلم في نفس المساء . هذه هي طبيعة القبائل العربية في ذلك الزمن ولا يمكن أن نحكم عليها بأخلاق المصريين في القرن الحادى والعشرين .. ولكن الخطر هو أن البعض يخطط لنقل الرعب كما حدث في السنوات العشر الاخيرة لحكم المسلمين من زمن الرسالة ( بعد ان قويت شوكتهم و كانوا قادرين علي نشر دينهم بالعنف والارهاب و حد السيف) ليصبح الدستور والقانون وأسلوب الحياة .
كتب وليم شيرر (( وصلت الي الرايخ الثالث في اواخر صيف 1934 لاعيش وأعمل فيه وكان في ألمانيا الجديدة الكثير مما يؤثر علي المراقبين الاجانب ويزعجهم ويحيرهم فلقد بدت الغالبية الساحقة من الالمان غير مكترثة بانتزاع حريتها الشخصية منها بتحطيم الكثير من ثقافتها لتحل بربرية مجنونة محلها وبأن حياتها وأعمالها غدت منسقة علي نحو عسكرى الي حد لم يألفه أى شعب )) (( ارهاب الجستابو والخوف من معسكرات الاعتقال كان كامنا في النفوس ولاسيما هؤلاء الذين يخرجون علي الصف المنظم أو الذين كانوا في ماضيهم من الشيوعيين ، الاشتراكيين ، أو المغالين في ليبراليتهم أو ميلهم للسلام وكانت عملية التطهير الدمويه في 30 يونيو 1934 بمثابة انذار لما يمكن أن يكون عليه القادة الجدد من القسوة والشدة )). (( لقد كان الشعب الالماني يحيا حياة الماشية و قد جثمت علي صدره ديكتاتورية متوحشة لا ضمير لها ولا أخلاق ومع ذلك كان يؤيدها بحماس أصيل فلقد بعثت في نفوسهم آمالا جديدة و ثقة جديدة وايمانا مدهشا بعظمة بلادهم و مستقبلها ))
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانيه سألوا واحدة من المتحمسات للنازى كيف حدث هذا فردت (( لقد تم كل شيء بسرعة وعلي خطوات بحيث تسربت هذه الافكار الي دمائنا ببطء يوما بعد يوم و كانت الانتصارات القومية تجعلنا لا نرى الواقع التعس الذى نعيشه وتصبح كل أعمال العنف التي تحيطنا ثمنا مناسبا لعودة الكرامة ))
(( لقد استطاع هتلر باطلاق فكر شوفوني مريض وباستغلال خور وضعف حكومات أوروبا تحقيق انتصارات تعتمد علي مهارات الكذب والدجل (البلف ) تشبه مغامرات لاعبي البوكر، وباطلاق أبواق الدعاية المركزة ، و بإرهاب أصوات المعارضة ، وبديماجوجية خطابية ،أن يسرق حلم الحرية والديموقراطية من شعب جائع محطم يعيش ازمة اقتصادية وأزمة ثقة بالنفس )) عن كتاب ( قراءة حديثة في كتاب قديم ).
ما اشبه اليوم بالامس ..ما حاوله الشيخ حسن البنا من إشاعة الارهاب ليمهد لجماعته كنت أتخيل انه قد تم نقله عن هتلر .. ولكنه في الحق جزء أساسي من العقيدة الاسلامية انتقل منذ زمن البداية وما يشاع عن قطع جسد امراة عجوز الي نصفين بواسطة ربط كل ساق من ساقيها في حصان و الجرى في اتجاهين مختلفين .. حتي قطع أرجل وأيدى المعارضين بخلاف وسمل أعينهم و تركهم في البرارى عاجزين .. مرورا بعمرو بن العاص الذى ((عندما استقر في مدينة الفسطاط جمع القبط و قال لهم : من كان عنده كنز وكتمه عني ضربت عنقه ..فوجد مخبأة أسفل فسقية فيها ذهب دنانير مسبوكة ... ثم أن عمرا أحضر بطرسا بين يديه وضرب عنقه بحضرة جماعة من القبط فلما رأوا هذا صار كل من كان عنده كنزا أحضرة بين يدى عمرو )) لقد كان الارهاب الذى زاوله معاوية ويزيد والحجاج بن يوسف هو النموذج الذى سار عليه خلفاء بني أمية، لذلك ليس بغريب أن يواجههم العباسيون بإرهاب مضاد لدرجة أن تفرش الاسمطة فوق الجثث ويجلس الخليفة يتناول طعامه هو وحاشيته فوق أجساد قتلي بني امية .. التوحش الذى صاحب التعامل مع أبناء الدول المستعمرة وما فعله برابرة التتار لينتصر الاسلام بالرعب في بغداد ودمشق لا يمكن مقارنته رغم قسوته بما حدث للهنود من المغول من جراح لازالت قائمه حتي اليوم ، الخلفاء العثمانيون المتوحشون نهبوا البلاد المستعمرة عن طريق الارهاب والرعب الذى زاولوه في كل مكان وترك ندوبا لا تندمل في اوروبا والجزر المحيطة بها ... خفوت صوت الارهاب الاسلامي لفترة احتلت فيها انجلترا وفرنسا المنطقه ، لم يمنعه ان يطل برأسه ناشرا الرعب بين السكان الآمنين في جميع بلاد الدنيا شرقا أو غربا جنوبا أو شمالا .. إن الإرهاب جزء لا يتجزأ من عقيدة المسلم خبرناه في مصر والعراق والجزائر وقدمنا له الضحايا ومع ذلك نرحب بفاعليه .. فلماذا نندهش عندما يسقط الشاب الملتحي الفتاة المتجهة الي سيارتها آمنة و يكيل لها السباب.
ومع ذلك فالحياة تسير، تتحرك ، ويطل علينا رع بجلاله كل يوم يزهو مقدما العون لجميع الكائنات بما في ذلك الانسان المتوحش الذى الف الايذاء والبغي .. الطيور ترتفع في السماء عاليا والعصافير والبلابل تغرد والزهور تتفتح والنهد زى الفهد ينط ويندلع في أماكن عديدة .. في القرية ، المدينة .. في النادى ، مجمع القمامة .. في العشوائيات والاحياء الراقية ولن يستطيع الحجاب أو النقاب أن يمنع الشوق المتفجر في عيون الصبايا أن يعشن ، يلعبن ، يزهين بجمالهن ، وأنوثتهن ، يسبحن، يتفوقن .. وغدا في ميدان التحرير ستقف الالاف من الشابات والسيدات يخلعن كما فعلت الجدات الحجاب والنقاب ويقذفن بها في راكية نار تحرق الزيف والخبث والرعب من عذاب القبر والجنة المفقودة التي لن تدخلها النساء ليشهدن حفلات الجنس الجماعي التي سيقوم بها المؤمنون المطهرون مع حور العين جزاء وفاقا لما قدموه من إرهاب لأمهم وأختهم وزوجتهم وإبنتهم .
ما يحدث في مصر في القرن الحادى و العشرين لا يمكن أن يوضع الا تحت عنوان الانتكاسة و العودة الي الخلف وإهدار مكاسب عانت من أجلها الجدات والأمهات .
فلنبدأ من جديد .. آنستي الصغيرة لا تضيعي بهجة عمرك في محاولة تحدى الطبيعة التي لن تبطل دلع .