الغياب العقلي للمرأة المصرية وطمس هويتها وشخصيتها السياسية



محمد طلعت
2012 / 1 / 21

في ظل الأجواء السياسية التي تخيم على الساحة المصرية خاصة بعد انتشار نفوذ المذاهب الدينية المتطرفة والتي تنادى بعودة المرأة إلى البيت، فضلا على الدعوات الليبرالية الأخرى التي تطالب بحق المرأة في الترشح لمنصب الرئاسة المصرية.
كل هذه الدعوات براقة لكنها غير موضوعية لأنها لم تبصر واقع عقلية المرأة المصرية العربية التي تدهورت على عقود طويلة من الختان والاحتجاب والعيب والحرام دون ادارك لسبب حقيقي فيما هو عيب وحرام إنما هي أوامر عالية تصدر عليها وعليها أن تقوم بتنفيذها دون ادارك اللهم إلا أدراك إيماني مبنيا على الخوف من جحيم وغضب الله دون أن يعلمون أن الله لم يقبل للمرأة أن تطمس عقلها حيث لا فضل على ذكر أو أنثى إلا بالعمل الصالح والعمل الصالح هنا أراه إنه إعمال العقل في شتى مناحي الأمور الدنيوية.. المرأة سلمت أمر عقلها إلى الأسرة الذكورية واستكانت وقبلت إن تكون كما يشاء الآخرون.. وفوق ذلك ترسخت صورة عامة حول المرأة في أذهان الكثير من عامة المسلمين في مصر على إنها ناقصة عقل ودين.
إن من يتتبع المشهد العام لـ" المرأة" في نظرة المجتمع العربي الإسلامي بمنطقة الشرق الأوسط من الخليج إلى المحيط يجدها متطابقة لحد الهوس الإيماني بأن هذه المرأة ما هي إلا مخلوق هلامي متطفل على حياة الرجل الذي يتكفل بها، وفقا للاعتقاد بأن الرجال قوامون على النساء من حيث الأفضلية والتميز. والقيم عليها أبا أو أخا أو زوجا أو أبنا. فضلا عن صورة المرأة فى الواقع الاجتماعي المصري السائد لدى العامة التي لا تختلف بأي حال من الأحوال عن النظرة العامة لدى الشعوب العربية. التي تقر جميعا سواء أعلنت هذا أو لم تعلن: أن البيت هو خير وسيلة أمان للمرأة، وأن بُعدها عن مزاحمة الرجال في الأعمال لهو أفضل لها بالكثير من الاختلاط بهم.
وما سبق كان من خلال موروث قبلي جاهلي لا يمت لشريعة الإسلامية بأي صلة، حيث تم الإفراط في تهميش وتحقير المرأة، وإبقائها في التبعية للرجل، لا تخرج عليه وإلا تكون ناشز، وهذا كان نتيجة خطاب مفرط من قبل بعض الفقهاء والأئمة. اغرسوا في نفوس وعقول العامة والبسطاء مفاهيم خاطئة عن المرأة؛ لاستنادهم على التأويل القاصر الذي يعتمد على كتب وأراء فقهاء زمن مضى لا يناسب الزمن والعصر الحديث.
فيرون أن المرأة لا تخرج من بيت أبيها إلا لبيت زوجها، ثم إلى القبر، وما بين هذا وذاك لا يجوز لها الخروج؛ لأنه شر لها وفتنة، فإذا خرجت تجسد فيها الشيطان لإغواء الرجال، وانتشار الفساد، وتعم الفاحشة. ومن هذا المنطلق يقول الامام محمد الغزالي منتقدا حال المرأة في المجتمعات العربية والمصرية" كانت المرأة عندنا ليس لها دور ثقافي ولا سياسي، لا دخل لها في التربية ولا نظم المجتمع، لا مكان لها في صحون المساجد، ولا ميادين الجهاد؛ ذكرُ اسمها عيب، ورؤية وجهها حرام، وصوتها عورة، ووظيفتها الأولى والأخيرة إعداد الطعام والفراش".
وكان هذا وفقا إلى الفهم السقيم لبعض النصوص الشرعية الصحيحة، مثل قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ (الأحزاب: من الآية 33)، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ (الأحزاب: من الآية 53). واستند الفقهاء إلى إن هذا الخطاب يشمل أمهات المؤمنين ويشمل المؤمنات أيضا؛ لأنه إذا كانت أمهات المؤمنين مطالبات بالقرار في البيوت وعدم خروجهن، فأولى بذلك عامة المؤمنات.
ونصوص نبوية أخرى، مثل: "رأيت النساء أكثر أهل النار"، و"خلقت المرأة من ضلع أعوج"، و"ناقصات عقل ودين"، فضلا عن رواج أحاديث موضوعة وضعيفة وباطلة بشأن المرأة، والتي تلقفها فقهاء العقول السقيمة دون تمحيص أو تدقيق، مثل: شاوروهن وخالفوهن، خالفوا النساء فإن في خلافهن بركة، وأعدى عدوك زوجتك التي تضاجعك، وثلاثة إن أكرمتهم أهانوك: أولهم المرأة، وضاع العلم بين أفخاذ النساء، وعقولهن في فروجهن، يعني النساء، ولولا النساء لعبد الله حقًّا حقًّا، وطاعة المرأة ندامة، وأجيعوا النساء جوعًا غير مضر وأعروهن عريا غير مبرح، وأعروا النساء يلزمن الحجال، واستعينوا على النساء بالعري، وغير ذلك من أحاديث مشتهرة أوردها الشوكاني والعجلوني وغيرهما.
وكان من شأن هذه النصوص أن رسخت ثقافة تعارض الشرع من كل الوجوه في النظرة إلى المرأة: إنسانا مكلفا مشرفا مكرما مخاطبا تماما مثل الرجل، بل عززت النظرة المهينة للمرأة، وأنها لا تصلح لشيء سوى الفراش والطهي، بل ربما لا تصلح إلا للفراش، يقضي الزوج معها وطره فحسب.
ونسوا أو تناسوا- هؤلاء الفقهاء- كل النصوص الشرعية من قرآن وسنة والتى تفضح هذا الفكر، وتبين كيف خالطت المرأة الرجل في كل ميادين الحياة حتى في زمن النبوة، ملتزمة في كل ذلك بالضوابط الشرعية والآداب المرعية.
إن المرأة في الشريعة الإسلامية وفقا أراء الفقهاء عبر الأزمان والعصور المختلفة نظرة وجب تغيرها وتصحيح مسارها الطبيعي لما شرف الله المرأة بوصفها إنسان مثلها مثل الذكر فلا فرق بينهما في الأمور الدنيوية الخاصة بشان العمل الذي يعتد على القدرة العقلية في المقام الأول وتسييس أمور الدولة ، مجالات العمل السياسي متعددة ومتنوعة. وكلها موضوع للجدل على مستوى الفقهي، من حيث أهلية المرأة للعمل فيها وفقا لتفسيرات وتحليلات عقلية ومدى فهمهم للنصوص القرآنية موضوع الحجة والدليل، ولكن يجب أعادة الفهم في مضمون هذه النصوص وأعادة النظر إلى آليات شرعية دنيوية تخدم المجتمع القائم على الذكر والأنثى سواسية بشكل عصري يتناغم مع متطلبات زماننا وحقوق الإنسان.
ففي الفقهاء من ينفي أهلية المرأة شرعا لكل نشاط في المجتمع عدا العلاقات الزوجية وشؤون الأولاد والأسرة. وفيهم من ينفي أهلية المرأة شرعا للخروج من بيتها ومن ثمة منع عملها، وفيهم من يسلم بأهليتها شرعا لتولي مناصب العمل المختلفة. ولنخرج من هذا المأزق المتضارب حتى ننهض بأمتنا العربية التي تحيى الآن ثورات تحرر من قيود الأنظمة التي استمد بقائها وظلمها تحت سقف المفاهيم المغلوطة وفقا لتفسيرها الخاطئ لنصوص القرآن والحديث الشريف أو وفقا لمفهومها القاصر على زمن مضى لا يصلح لزمننا الحاضر. وبالتالي يتوجه البحث على عدة توصيات، منها:
1- الخطاب الإسلامي المعاصر في قضايا المرأة غير مطمئن إلى حد كبير، ويحتاج إلى نوع من التحليل والتعميق والتوازن.
2- إن الإسلام يحمل في طياته خطابا متميزا ومعتدلا دون جري وراء خطابات أخرى، غريبة على أصولنا ومقرراتنا العامة بما تمتع به من عوامل للسعة والمرونة وقواعد وضوابط تضمن له السلامة والعافية، وتكفل له أن يسحب بساطه على كل مستجدات الحياة المعاصرة.
3- الاستقاء المباشر من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وهذا يضمن لنا حكما شرعيا صحيحا، غير متأثر بالأحاديث الواهية والمنكرة التي رسخت لثقافة احتقار المرأة وأهانتها، والركون إلى العادات الموروثة.
4- الاطلاع الواسع على تاريخنا المشرف في قضايا المرأة، لاسيما في عهد الرسالة، عهد النبوة، الذي باشره الوحي، وكان عهد تشريع للأمة. مع الاعتبار بتجديد الخطاب بمفهوم متطلبات العصر.
5- الاطلاع على نماذج النساء وسيرهن في عهود الخلفاء الراشدين، ومتابعة مسيرة المرأة المسلمة العاملة والمجاهدة في ضوء ضوابط الشرع عبر تاريخنا في كل مراحله إلى واقعنا المعاصر.
6- محاربة العادات الراكدة التي ورثتها مجتمعاتنا عبر العصور دون تمحيص لها في ضوء المرجعية العليا للقرآن والسنة.
7- الرجوع في قضايا المرأة إلى العلماء الثقات، الذين يفهمون الشرع في ضوء مقاصده ومبادئه، ويراعون الواقع وما فيه من تيارات ومستجدات، فيجمعون بين محكمات الشرع ومقتضياته.
8- إن نظرة الإسلام للمرأة منبثقة من نظرة الإسلام للإنسان المكرم فلا تمايز ولا اختلاف، وأحكام الشريعة تقرر فيها المساواة وتحقيق العدالة ولا تخصيص لأحد إلا بمخصص لأن الشريعة شاملة متكاملة.
9- إن الأصل في شريعة الإسلام هو المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات والكرامة الإنسانية، اعتمادا على مبدأ المساواة في النفس الإنسانية الواحدة التي خلقا منها، وأن العبرة في تولي رئاسة الدولة بالكفاءة، سواء كان الرئيس ذكرا أو أنثى. والشعب هو الحكم في هذا الأمر.

إذن يحق للمرأة توليه كافة مناصب الدولة طالما توفرت فيها شروط الكفاءة والعلم.
وإن اللغط الجاري على الساحة العربية الإسلامية حول مفهوم المرأة كائن مستقل فعال نشط بالمجتمع وليس خاملا أو عويلا سلبيا بل ذهب في اشد تطرفه إلى كونها ماعون أو وعاء يفضى فيه الذكر شهواته.!
والكارثية هنا في العقل النسائي العربي الإسلامي هن استسلامهن لهذه النزعة المتطرفة حول مفهوم البيت والأسرة وطاعة المرأة للرجل وقد تم طمس أي دور ايجابي بعقلية المرأة نحو أنها كائن مستقل مثلها مثل الرجل تماما في الحقوق والواجبات حتى في العقاب والثواب بالمفهوم القرآني .
ثمة تغيب فرضه واضع عقلي مريض بالمجتمع العربي على عقل المرأة وهى قبلت بذلك( الأغلبية من نساء العرب قابلون بذلك مما أضاع أصوات الأخريات بالمطالبة في حقوقهم)، ولعل صورة المرشحة عن حزب العدالة والنور السلفي بمصر في الانتخابات البرلمانية التي تظهر بالنقاب(مغطاة الوجه) دون ذكر اسمها بل كتب على بطاقات الدعاية والملصقات الإعلامية اسم زوجها..!
بهذه الصورة فأن المرأة هي التي تتحمل ضياع حقوقها يوم ارتضت بطمس إعمال عقلها.!