النقاب



شذى احمد
2012 / 1 / 25

عندما بدأت فرنسا كأول دولة في أوربا بالدفاع عن حريتها ، ومدنيتها وتصدت للنقاب كظاهرة تعرض المجتمع للخطر تباينت ردود الأفعال في الشرق. ففي الوقت الذي انبرى به كل من المنابر والدعاة إلى تجيش المشاعر وتوجيه ألذع الانتقادات لفرنسا معتبرة ذلك تدخلا سافرا في حرية الفرد الذي تدعيه!. قام الليبراليون والعلمانيون من جهة أخرى بالثناء والتحزب لهذا القرار الذي اقر في نهاية الأمر بعد موافقة البرلمان عليه وصار قانونا ساري المفعول دفع الكثير من دول أوربا بعد ذلك للحذو حذوهم وتقليدهم في تشريع قانون يرفع النقاب ويعتبره تهديدا للمجتمع.


هذا هو المهم التهديد. فعندما تكون قد تعبت مئات السنين في بناء مجتمع مدني نزف من اجله الشعب وقدم التضحيات ويأتيك من هو ابعد ما يكون عن دراسة حقيقة بناءه ويبدأ بهدمه من الداخل يكون وصف الظاهرة القادمة بالخطر ليس من قبيل الصدفة ولا المبالغة .


إنما لما هو خطر يتهدد المجتمع. هذا الذي يتنقب يضرب بينه وبين المجتمع جدارا سميكا من الغموض والأسرار. فأنت لا تعرف ما يخفي هذا الحجاب. وأنت لا تستطيع التكهن بما يختفي خلف هذا الستار القاتم من السواد.
ربما تكون امرأة تم تلقينها التعليمات الدينية وإقناعها بأنها الطريقة الوحيدة للوصول إلى الجنة بعد الحياة وأسلمت طائعة بكل كيانها ، وبرمجت عقلها ومشاعرها على ذلك وراحت تتعصب لخيارها.

قد يذهب المبرمج إلى ابعد من ذلك بإقناعها أنها الحقيقة الوحيدة وغيرها عدم وزيف وضلالة ومأواها جهنم و بئس المصير.
قد تعتبر كل فعل قادم إليها من الخارج إنما نوع من الامتحان الإلهي لصبرها وإيمانها كما لقنتها الكتب و أولت لها الآيات وعليها بكل ضراوة مواجهتها وحربها . وكلما صمت أذانها عنه كلما زادت إيمانا ونالت أجرا وثوابا على ثباتها وتمسكها بدينها.


كل هذا والكثير غيره يبدد الدهشة التي ترتسم على وجوه من يندفعون بكل حماسة لإظهار حبهم ورغبتهم بتحرر النساء المأسورات بالنقاب والدفاع عن حقهن بالحياة الكريمة والتمتع بالهوية التي خلقت عليها.
تجاهل المحللون ،والمتخصصون وأصحاب ا لقرار لهذه التفصيلة في طبيعة تربية المرأة المسلمة هو من اكبر المعضلات التي تحول دون وصول خطابهم لها إلى أرضية قناعة وتفاهم مشتركة . فضيق صدورهم وهم ليسوا بالضرورة رجال ومن الغرب قد يكن نساء وأبناء جلدتها واطلعن وعرفن ودرسن واجتزن حواجز الخوف ونهضن راغبات بمشاركة نسوة مثلهن تجاربهن ودعوتهن إلى المطالبة بحقوقهن. لكن مع هذا لا تثمر مثل هذه المحاولات .
المجتمعات المدنية الغربية عملية . تحسبها وفق منطق الربح والخسارة . الخطر والأمان. الحق والواجبات . العدل والظلم. ورأي الأغلبية الذي سيحدد نجاح كل خطوة تالية.
النقاب بكل أنواعه سواء ستارا مسدلا على الوجه أم تخفيا خلف أسماء مستعارة ام اتخاذ هويات مزيفة كلها امتيازات يريدها البعض على حساب العامة. والتي قد تدفع الثمن فيما بعد غاليا عندما تخلق الأزمات العالمية بسبب بعض الأعمال الإجرامية التي تتم في هذا البلد او ذاك.

لما انتشرت كاميرات المراقبة بكل أنحاء العالم , لما انتشرت رقابة النت والبريد الالكتروني. لما أنشأت في عديد الدول بنوك المعلومات وصارت سجلات الناس ملفات محفوظة وخطواته محسوبة بعدما كان المواطن فيها يتمتع بحرية كفلها له مجتمعه المدني الذي قدم التضحيات لأقامته.

من هنا صار النقاب تحديا وخطرا محدقا بتلك الشعوب .التي ما عادت المرأة وخروجها ومظهرها هاجسه الدائم بل على العكس حسنت ، وعملت بجد كي يكون مظهر أفراده متقاربا وعمليا ولا يلتفت احد للأخر من الصباح إلى المساء بسبب بساطة الملبس والمظهر الذي فرضه عليه مجتمعه الديناميكي المتحرك وبهذا يبقى النقاب هو الامتياز وهو الغريب وبهذا لا يحقق الهدف الذي اوجد من اجله بل ينسفه من أساسه .