أقتلوا الاشباح



نزار جاف
2005 / 1 / 6

کنت مسافرا بالقطار الى مدينة " منشنکلادباخ" وفوجئت بشاب شرقي صاحب محل لبيع الهواتف المحمولة کنت قد إشتريت منه أکثر من مرة هاتفا محمولا . هذا الشاب أيراني الاصل ومحل ولادته المانيا ومظهره الخارجي تنبأک عن شکل اوربي بحت لايمت للشرق بصلة إلا في لون بشرته و عيونه . وجلس الى جانبي وبدأنا بکلام عادي لتمضية الوقت حتى صعد للقطار في إحدى المحطات شاب ألماني في مقتبل العمر بمعية فتاة شرقية في نفس سنه تقريبا وجلسا بالقرب منا . ولم تمض فترة قليلة على جلوسهما حتى شرعت الفتاة في تقبيل الفتى وإستمرت في ذلک حتى بدأ الشاب أيضا بتقبيلها ، ومثل هذه المظاهر مألوفة عادية لذا لم أدع يؤثر على مجرى کلامنا العادي . لکن المفاجأة کانت من الشاب الذي يرافقني ، إذ بدأت علامات عدم الارتياح تبدو على وجهه ، وظننت لأول وهلة أن الفتاة قد تکون صديقته سابقا وبسبب ما إنفصلا إلا أن الشاب لم يدع للظن مجالا کي يعبث بأفکاري ، وأعادني الى أرضية الواقع حين قال وهو يلمح أليها والحنق بان واضحا في عينيه : أنا أخجل من کوني شرقيا حين أرى عاهرة کهذه !
وکان وقع کلامه شديدا جدا على نفسي حتى إنني لم أتمالک ذاتي وقلت مستفهما ومستنکرا : أنا لاأرى في الامر أي باعث للاحساس بالخجل و الاساءة للآخرين فالامر کما لو کان فتى شرقي يرافق فتاة ألمانية . وخاطبني الفتى الشرقي وکأنه يحاصرني في زاوية ضيقة بقوله : لاضير لو مارس الفتى الشرقي مثل هذا الامر مع ألمانية ولکن ماذا لو فعلت قريبة لک نفس الامر مع شاب ألماني ؟ فأجبته على الفور بما معناه : حين تعيش في کنف مجتمع کهذا فعليک تقبل طريقة حياتهم و لاأرى فرقا بين قريبة لي وهذه الجالسة بقربي في ممارسة حياتها العاطفية بالشکل الذي ترتأيه، وما إن أتممت کلامي حتى نهض الشاب وترکني من دون وداع ليجلس في مکان آخر بعيدا عني ! وسرحت مع أفکاري وفکرت بهذا الشاب و العقلية التي يتعاطى بها مع الواقع وفکرت مرة أخرى بالمرأة والنظرة الدونية لها ، تلک النظرة التي تحشر المرأة في زاوية ضيقة تحاصرها طلاسم مايجوز و ما لايجوز ! ورغم أنني حنقت على الشاب لکنني في نفس الوقت أشفقت عليه إذ ليس بالامر الهين أن يتخلص المرأ من رکام إرث فکري ـ إجتماعي ثقيل يعشعش في کل ذرة من کيانه . إن هذا الشاب و أمثاله يعانون من ترکة لاذنب لهم فيها سوى الاستمرار في نقلها الى الجيل الذي يليهم . هذا الارث هو بمثابة الشبح أو الروح الشريرة التي تتقمص الرجل کلما کانت هناک حرکة ما من الطرف الانثوي بإتجاه التحرر من سطوة إرث الاجيال ! إن التضييق على المرأة بجعلها عنوانا لقيم وهمية يتعامل بها المجتمع الرجالي هو بحق أسوأ مافي ذلک الارث المقيت بل هو أخطر مافيه . أننا مدعوون للعمل على إلقاء هذا الارث بعيدا عن أجيالنا الاتية و السعي نحو قيم أکثر سماحة و إنسانية في التعاطي مع المرأة ، ومسير الالف ميل يبدأ بخطوة واحدة !
کاتب و صحفي کوردي
مقيم في المانيا