الطلفاحية تنهض من جديد



سلام ابراهيم عطوف كبة
2012 / 1 / 30

اللجنة الوطنية العليا للنهوض بالمرأة العراقية والتخبط التعسفي!


ما يجري اليوم في العراق، وبعد اكثر من تسع سنوات على انهيار النظام الدكتاتوري،وفي ظل الأزمة العامة الشاملة الاكثر عمقاً بين مجموعة الأزمات التي سبقتها،وبعد ان باتت العملية السياسية في بلادنا مسخرة يتندر بها القاصي والداني،ثمنه تدفعه المرأة العراقية مضاعفا!ابتداءا من طوق الاضطهاد الذي يلتف على عنقها من المنزل ويمتد الى الشارع والمدرسة ومكان العمل،مرورا بالظروف الاجتماعية والعادات المتخلفة وتسلط الولاء دون الوطني،العشائري والطائفي،والتطرف والارهاب،وفتاوي تجريم النساء اللواتي لم يلبسن الحجاب والعباءة... واحداها فتوى ميليشياتية حكومية بمنع المتقدمات اللواتي لم يلبسن الحجاب من الدخول الى معهد المعلمات او التسجيل فيه!وآخرها فتوى(توصية)اللجنة الوطنية العليا للنهوض بالمرأة العراقية منع الموظفات من ارتداء الفساتين الملونة والبدلات والبنطلونات الضيقة والتنورات القصيرة والستريجات والفساتين الواضحة المعالم والاحذية الخفيفة والملابس المزركشة واللماعة،والالتزام بالزي الرسمي!وفق كتاب الامانة العامة لمجلس الوزراء 36737 في 17 /10 /2011!قائمة من الممنوعات بحق المرأة العراقية(والنساء من الديانات الأخرى ايضا) تخرج بها الدولة من الصمت الكتوم الى الجهار والعلانية السافرة الفاضحة غير المؤدبة!
المنشورات الميليشياتية التي سبق ووزعت في الجامعات منذ اعوام خلت،دعت الطالبات لارتداء الحجاب وعدم التبرج الامر الذي اثار موجة من الخوف والسخط بين طالبات جامعة بغداد وبقية الجامعات العراقية،كما عثر على منشورات في باحات الكليات،لم تذيل باسم اي جهة،تحذر الطالبات من ارتداء البنطلون داخل الحرم الجامعي وتمنعهن من وضع مساحيق التجميل بشكل مبالغ فيه ودعتهن الى ارتداء العباءة الاسلامية السوداء.تعرضت بعض الطالبات في البصرة الى الاهانة من قبل ما يطلق عليه هيئات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت تجوب المدينة بكامل اسلحتها قبل اعوام!وتظهر بين الحين والآخر مع بدء المواسم الدراسية الجديدة تقارير عن خطف طالبات المدارس والمعاهد والكليات ويتم التكتم على الاخبار دائما.
في بعض احياء بغداد يحظر على النساء الذهاب الى الاسواق بمفردهن،كما تتعرض اخريات للتهديد المباشر او الضرب او عبر القاء رسائل مكتوبة او القاء البيانات في المناطق او عبر رسائل الهواتف النقالة.ان ارهاب النساء بتهديدهن لاجبارهن على التحجب طال حتى الموظفات الرفيعات المستوى في بعض الوزارات،وقد طالت التهديدات بشكل تعسفي حتى نساء الأقليات الدينية وازدادت بشكل لافت ظاهرة ارتداء المسيحيات والصابئيات الحجاب في البصرة،وفي بعض المؤسسات التابعة للدولة يتم تخصيص مصعد خاص للرجال وآخر للنساء!
لقد وصل بنا الحال في العراق اليوم وكأننا نعيش في غابر الأزمان،حيث لا تستطيع المرأة العراقية حتى الحصول على جواز السفر الا بموافقة ولي امرها!،وعليها ان ترتدي الحجاب قسرا وبالقوة،وان تقتل بطريقة الرجم بالحجارة حتى الموت مثلما حصل للفتاة العراقية(دعاء)في السابع من نيسان عام 2007 في منطقة بحزاني،وان تتحول الى سلعة تباع وتشترى بيد الرجل لاشباع رغباته كزواج المسيار وزواج المتعة عند الجهلة.
توصيات اللجنة اللاوطنية العليا للنهوض بالمرأة العراقية حلقة في مسلسل القادسيات الايمانية،التي استهلها صدام الكلب بحملته المعروفة البائسة،كما تعرضت المرأة العراقية في العهد الدكتاتوري لكثير من صور العنف من أبرزها المقابر الجماعية التي ضمت الكثير من النساء،وواجهت المرأة منظمة اتحاد نسائي لا تمثلها وهي مرتبطة بالأجهزة الأمنية للنظام وتأتمر بأوامره،وتعرضت للذبح بما يسمى بسيف صدام بدعاوى وهمية غير مؤكدة تعتمد على وشايا البعض،وجرى تشريع قانون في عام 1990 يحلل قتل المرأة التي يشتبه بأنها ارتكبت جريمة تخل بالشرف دون محاكمة أصولية بل عبر لجنة أمنية تهدف الى فرض هيمنة النظام المستبد.واليوم ينصب المحافظون الجدد ومسؤولو الحكومة العراقية وجهابذة الطائفية السياسية الحاكمة،وفي مقدمتهم رئيس الوزراء،انفسهم متحدثين اخلاقيين الى وعن الشعب العراقي،وكأنهم خبراء ومتخصصين في سلوك وتصرفات هذا الشعب المغلوب على امره،ليحددوا له ما يصح وما لا يصح،ما يناسب وما لا يناسب،وليذكرونا بمهازل خير الله طلفاح!
قادسيات ايمانية لا تنتهي!كمنع الكازينوهات والمتنزهات من اقامة الحفلات او السماح باختلاط الرجال مع النساء،محاولة يائسة على طريقة نوري السعيد لتكميم افواه الناس،لانه لا يزال يعيش في عصور ماقبل التاريخ.اليوم لا يضمر الشعب العراقي الفساد والافساد في النفوس،انما يتحدث به جهارا في الشوارع والازقة،في المقاهي والمنتديات،في الدهاليز الحكومية،بين افراد العائلة.يتحدث عن الوزير او نائبه او المدير العام او الموظف وحتى التاجر والمرابي والاسطة والمهربجي والشيخ ومولانا الذين ما انفكوا يسرقون ويسرقون ويشترون العقارات داخل المدن العراقية،او خارج العراق في دبي وعمان،او يفتحون المكاتب التجارية(النشيطة)هنا وهناك،او يودعون المبالغ الخيالية في مختلف المصارف!!وهناك من المسؤولين الكبار من يعمل في جريمة تهريب المشتقات النفطية والآثار العراقية والمخدرات بتآزر اطراف مختلفة وتعاون اجرامي من دول الجوار العراقي.يتحدث الشعب العراقي عن لعب الاطفال المستوردة بدل مولدات الكهرباء وبمؤازرة صناديد الحكومة العراقية وتواقيعهم!عن مفردات البطاقة التموينية الهزيلة بفضل حرامية وزارة التجارة،وفي مقدمتهم السوداني!عن المدارس التي لم يكتمل بناؤها،ومكافأة وزير التربية على فساده ليرقى الى نائب رئيس جمهورية!
تعيش الطائفية السياسية في عراقنا ازمة تناقض محاولات الحفاظ على القوة الانشائية في التعبير والنصية في التفسير وتكوين الوعي التبريري الزائف وبين الواقع الموضوعي المتغير سريعا والذي يصعب اللحاق به واخضاعه!وتجسد هذه الطائفية السياسية محاولات استحواذ البورجوازية البيروقراطية والطفيلية على مشاريع التنمية والاعمار والخدمات بالخصخصة،وبعقلية المافيا واسناد الميليشيات وعفونة بقايا الروتين الصدامي لتستغل مواقعها في السلطة لعقد الصفقات والعقود المريبة الكبرى والمقاولات والتهريب والسوق السوداء والخدمات الاستشارية والغش والاختلاس والتواطؤات واساليب الخداع مع الجميع وعلى الجميع،وتوكيلات الشركات الاجنبية لتشيع الرشاوي والاعطيات والمكرمات،ولتضع يدها على الملايين والمليارات .. ارصدة شخصية في البنوك الاجنبية .. ولتسعى الى اغراق المجتمع في حمى ( حمأة ) اخلاقياتها الاستهلاكية بعد بناء قصورها الفارهة لتعيش فيها حياة الترف والبطر في ذروة الكساد والركود والتضخم الاقتصادي والفقر العام والفساد ! ولتخسر الدولة بذلك لا الاموال التي لا حصر لها بل والسمعة والاهلية ! وازمة الطائفية السياسية اليوم امتداد لأزمات الدكتاتورية الصدامية البائدة ومحاولة دفع التاريخ لأعادة انتاج نفسه مرة أخرى بثوب بائس مهلهل جديد!
لابد من :
1. اعادة تشكيل اللجنة العليا للنهوض بالمرأة من العناصر الوطنية المخلصة الحقة والكفوءة!
2. على اللجنة الحالية تقديم اعتذار فوري الى نساء العراق لأن توصياتها وفق كتاب الامانة العامة لمجلس الوزراء 36737 في 17 /10 /2011هي اهانة لهن!
ان انخراط مختلف الفئات الاجتماعية في النضال المطلبي،يساعدها على ادراك العلاقة بين حقوقها وبين الاوضاع العامة في البلاد،ويقودها الى الانخراط النشيط في هذا النضال!والمرأة العراقية اذ تدرك ذلك،فانها تساهم بنشاط في الحياة العامة وتدرك ان تعزيز العملية الوطنية الديمقراطية في البلاد،ودفعها على طريق التقدم،هو مكسب حيوي هام لقضية المرأة التي هي قضية تقدم الوطن بأسره.

بغداد
30/1/2012