حقوق بائعات الهوى



مجتبى حسن
2005 / 1 / 7

لا أفتئ أتذكر ما رواه لي صديق عمره أضعاف عمري مراراً وتكراراً ،عندما كان يقص لي حكاية أيام دراسته الجامعية التي قضاها في دمشق .
ما أجملها من أيام ..أيام لهو ولعب .. وبعض الجدية في الدراسة
كان يسترسل في حديثه حتى تظن بأنه يعيشك الحدث كما عاشه هو ، حتى فطنت له مرةً وعلمت انه يتكلم بهذه التفاصيل محاولة منه أن يعيشها بذاكرته مرة تلو مرة
كان جلّ اهتمامه وتركيز حديثه يدور بين تلك الجدران في عدّة بيوت أجازتها سلطات الحكم آنذاك فهي مرخصة وتدفع الضرائب مثلها مثل أي عمل تجاري ...وهو لم يتعرض لهذا الجانب إلا قليلاً مع ما يخدم حكايته من سرد ..كان يسترسل ويقول : يا رجل كنت تعلم بأنك في مأمن من هذه الأمراض التي تنتشر اليوم .. فهن ويقصد" القائمات بالأعمال"كان يتوجب عليهن مراجعة العيادات الطبية الخاصة كل ثلاثة اشهر يعطين بعدها شهادة خلوهن من الأمراض السارية والغير... والتي تثبت إصابتها بإحدى الإمراض من هن تعفى من العمل تحت طائلة المسائلة الجزائية والمدنية أو توقف عن العمل إلى حين شفائها في حالة الأمراض غير السارية ... وذلك كله للمحافظة على صحة من تقدم له الخدمة "من شباب وكهول"
أم تلك الجلسات الرومانسية فمرتبتها عظيمة في ذكرياته فحديثه يصف لك شكل ولون التفاح ومن أي منطقة وكيف كان يقدم ومع أي مشروب و مازا ..
غصت ذاكرتي بكل تلك التفاصيل الموشحة بمشاعر من فاته الزمن .. كلما شاهدت صبية تبيع جسدها للعامة ... وتذكرت زمن صديقي البائد ..لتأخذني المفارقة أن أعجب في تجميله لأعمال المواخير في زمنه... بثباتها وتنظيمها عند مقارنتها بالمواخير المتنقلة في أيامنا هذه ..ففي مقاربةٍ بسيطة..تجد لدى هذه الدور شيء من كرامة ..هي مرخصة ..تدفع ضريبة دخل للدولة .. تدفع رسوم ترخيص .. تقدم للعاملات ضمان صحي وضمان شيخوخة .. واغلب حقوق العمال من إجازات وراتب مقطوع إن لم يكنَّ يعملن بالنسبة المئوية التي تحقق لهن دخل اكبر إضافة إلى البقشيش ..
وهن لسنا كما اليوم على هيئة الشحاذات يتجولن على المحال والمتاجر ... بل إن طالب الخدمة يذهب إلى مكان عملهن أو يتصل هاتفياً إن كان يعرف مقدمة الخدمة سابقاً " طلب خارجي" يدفع نتيجته بدل الانتقال مع إكرامية اكبر لمقدمة الخدمة وللدار التي تتبع لها ..
أما المواخير المتنقلة اليوم فهي عبارة عن صبية أو اثنتين وعلى الأكثر ثلاثة لا تحميهم أي نقابة... يعملن بالخفاء في احد البيوت .. وعلى الغالب يتجولن ..لم يحدد سعر الخدمة مسبقاً ...بل هو مساومة مع الزبون .. وفي العرف التجاري إذا عرضت الخدمة ينخفض ثمنها ... وقد تكون هذه الخدمة لأكثر من شخص في نفس الوقت ... ولا تستطيع تجاهل نظرة الزبون عندما يأتي وقت الدفع نظير خدماتها "نظرة التصغير والتحقير" تلك ...ناهيك عن البعض الذي يحصل على الخدمة ولا يدفع .. مما اضطرهن أن يطالبن بالأجر قبل تقديم الخدمة حتى أضحت عبارة تتردد في أوساطهم ومع الزبون "الدفع قبل الرفع"
لذلك أناشد المسؤولين ممن لديه الحل والربط أن يعيدوا إلى أقدم مهنة في التاريخ شيء من كرامتها الضائعة ، بأن يسمحوا لهذه المواخير المتنقلة بالاستقرار وتفتح دورها الخاصة وذلك أولاً .. حفاظاً على الصحة العامة ...ثانياً.. لزيادة الدخل القومي .. ثالثا.. ورابعاً وأخيراً لنحافظ على تاريخ المنطقة من الضياع ونضع الأمور في نصابها الصحيح ... فبائعة الهوى في بيت الهوى مكانها .. ومكانتها في النسيج الاجتماعي ....عميق وله جذور