فتاة طارت من أربيل الى مکة



نزار جاف
2005 / 1 / 8

ليس العنوان أعلاه من نسج الخيال أو التهکم أو من باب أثارة الفضول ، وإنما وبمنتهى الصراحة أخبرکم إنه موضوع الساعة في أربيل ! فقد أشيع قبل عدة أيام أن فتاة من قرية" کاينج" التي تقع في ضواحي مدينة أربيل ، قد طارت صوب مدينة " مکة " لتؤدي مناسک الحج ! وقد إنتشر هذا النبأ بشکل غير عادي بين الناس وبات شغلهم الشاغل خصوصا وأن المعلومات التي حصلت عليها من زملائي الصحفيين في أربيل تؤکد أن الناس شرعوا يتدفقون زرافات على مکان الحدث" المعجزة" وأن الکثير منهم يحملون ترابا من المکان الذي " أقلعت " منها الفتاة صوب مکة بل وأن الکثير منهم صاروا يأخذون " الحرز " و " الادعية " من مدرج الاقلاع البشري بقرية کاينج في أربيل ! والاغرب من کل ذلک " حسبما علمت و تأکدت من مصادري الصحفية و غيرها" هو أن الناس ىإنتظار عودة الفتاة لتهبط في المکان الذي طارت منه ! لطيف جدا هذا الفتح المبين الذي بطلته " وکيدا بقيم مجتمع سيادة الرجل" أنثى ! ولکن في الخبر المرتبط بهذه الحادثة الخيالية و الذي نشره موقع " بيامنير" في يوم 5 ـ 1 ـ 2005 أشار الى أن هناک أيضا أناس يرون ضرورة أن تقوم الشرطة والجهات ذات العلاقة بزيارة عائلة هذه الفتاة " الطائرة " والاستفهام عن مصيرها فمن المحتمل جدا " حسب کلام هذا البعض من الناس" أن تکون هناک خفايا مصيبة ألمت بها، إذ من المعتقد أن تکون تلک الفتاة قد تمت تصفيتها لأي سبب کان ومحاولة إخفاء الجريمة تحت هذه الذريعة الخرافية! ومن حسن حظي أنني قد عشت في أربيل لسنين عديدة ممارسا فيها العمل الصحفي وقد عملت فترة في الامور المتعلقة بالقضايا الاجتماعية ومن خلالها تعرفت على الکثير من المناطق التي تهيمن عليها الافکار و القيم العشائرية ومن ضمنها منطقة " برانتي " التي تتواجد فيها القرية الساردة الذکر . هذه الحادثة أجبرتني على العودة للوراء قليلا و الوقوف عند مايسمى بجرائم غسل العار الرائجة سوقها القذر في الاوساط و المجتمعات العشائرية التي ترى في وهم الشرف ملاذها النفسي الآمن و في شرنقة الخرافة مکمنها الروحي الذي يقي ذلک الملاذ. ومن خلال عملي الصحفي تابعت الکثير من جرائم قتل فتيات في عمر الزهور و نساء مترملات أو أمهات لکومة من الاطفال الابرياء ، والشئ الذي کان لافتا للنظر في کل تلک الجرائم هو إن الکثير منها تم لمجرد الظن ! نعم لمجرد الظن تقتل النساء كي يصان الشرف الرفيع للرجال من الاذى ! والمصيبة أن الکثير من المجرمين الذين صفوا بناتهم أو أخواتهم أو زوجاتهم وعلموا أنهن بريئات تماما مما رمين به ، کانوا يعزون أنفسهم المريضة بأنهن في الجنة ! وهکذا إن کانت المرأة المقتولة بدواعي غسل العار مذنبة فقد نالت جزائها والى الجحيم أما إذا إتضح إنها بريئة فلا تثريب عليها و الى الفردوس ، وعلى هذا المنوال يعمل مسؤولي بوابات الجحيم و الفردوس من الرجال! وقد تکررت تلک الجرائم في بدايات العقد الاخير من القرن المنصرم بشکل لافت مستفيدة من الفراغ الامني الى حد ما لکن وبعد إستباب الامور أمنيا بدأت تلک الجرائم تقل ولکن دون أن تختفي حتى إضطر برلمان کوردستان الى إستصدار قوانين خاصة بحماية حقوق المرأة و الدفاع عنها ورغم أن الحاجة ماسة لإستصدار المزيد و المزيد من تلک القرارات لکن الاجرام بحق المرأة بإسم الدفاع عن القيم الذکورية مازال مستمرا ولعل آخرها هو روح تلک البريئة التي طارت الى السماء وغلفوا ذلک بهالة من الخرافة حتى يواروا سوءة جريمتهم النکراء . وحتى أنقل صورة واقعية جدا للقارئ الکريم عن تلک القرية التي حدثت فيها الجريمة ، فإنني سأخبرکم عن قبر في القرية ذاتها " يقدسه الناس و يزورونه للتبرک" ويدعى هذا القبر باللغة الکوردية "ئيسحابه رش" أي " الصحابي الاسود" طول هذا القبر ياسادة من 10 الى 15 مترا ، فتصوروا إنسانا بهذا الطول يؤمن بوجوده هؤلاء الناس فکيف لايؤمنون بفتاة تطير !!!